البارت١٦

قال (چاكوب) الأخيرة بدعابة، ضحك على إثرها الكابو (ماتيو) وتبعه أغلبية الحضور.

أردف الكابو (ماتيو) من بين ضحكاته، يقول بثناء:

-أعلم دون (چاكوب)، إنك يابس الرأس، وما إن تضع هدفاً صوب عينيك حتماً ستصل إليه.

-ولكنك بهذا ستقيم حرباً عالمية ثالثة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوڤيتي، ولن تتمكن قوى الأمن الدولي من فض هذا النزاع وسنسميها الحرب (الچاكوبية) .

تضاعف الضجيج وتعال صخب المرح عقب تلك المزحة المبتذلة، ولكن الكل يهادن ويجامل كبيرهم، فأجاب الدون (ماسيمو) بثقة:

-سأفعلها بفضل توجيهاتك يا زعيم، ولكن مشروع مهول كهذا لن يتمكن فرد واحد بإنجازه.

- إنه يحتاج إلى أكثر من جهة لتمويله، لذا اخترت رفقائي في الكفاح.

قالها بابتسامة مرحة، ومن ثم استكمل قائلاً:
-فكروا معي جميعاً ما إن تمكنا من فعلها، إنه خير لا ينقطع، منها ستنعدم نسبة المخاطرة وسنعمل على الملأ بدلاً من نشاطتنا بالخفاء، ومنها سنكون صحبة إلى نهاية الطريق.

-كان يمكنني الإقتراض أو إدخال شريك أو اثنين على الأكثر وبالطبع سيشرفني شراكتك التي لا أشك للحظة إنك ستنعم علي بها يا زعيم.

-ولكننا جميعاً بمركب واحد، كنا معاً بالسراء والضراء نعمل كعائلة متضامنة ولا يجوز أن ينجُ أحدنا دون الآخر وذلك ما إن يجد لنفسه طاقة خير.

-لذا أريد أن نكن جميعنا يداً واحدة، والخير سيعم على الجميع.

- إذا ائتلفنا معاً سننجز هذا المشروع بوقتٍ قياسي، ونبدأ في جني أرباحه.

(ماركوس) بإشادة وهو يميل إلى (چاكوب):

-رأي سديد يا صاحب الجمجمة الماسية، وأنا بغبائي كنت استنكر أفعالك، لقد كنت بِعْرة لا أكثر.

الدون (چاكوب) بتهكمٍ:

-أجل، ونمى لك ذيل.

(ماركوس) بلوية ثغر:

-مقبولة منك دون (چاكوب).

(چاكوب) بقطعٍ:

-صه، حتى لا يعتقدون أننا ندبر شيئاً من وراء ظهورهم، كفاك همس ولمز.

اعتدل (ماركوس) بجلسته، فعلى أي حال (چاكوب) محق، إذ أن انعقاد كهذا لا يحتمل أية مهاترات.

مدعو آخر بعد أن استأذن بالحديث:

-ولكن دون (چاكوب) على ما أعتقد أن ما قلته يُعد عرضاً وارد قبوله أو رفضه، أليس كذلك؟!

(ماسيمو) بإقرار:

-بالطبع سير (بنيامين)، لك كامل الحق، ولكنك ما إن قبلت الانضمام إلى كيان كهذا لابد وأن تتخلص من عبث الماضي، لتشهد معنا ميلاد جديد.

السير (بنيامين) بِتنحٍ ضمني:

-لقد اندملت النازعات ببلادي ولا حاجة هناك لِكَم من الأسلحة والذخائر الذي قد يعوض أرباحي بعد توقفي عن تجارة رائجة كالمخدرات، وأي كمية سأبيعها من السلاح لن تقارن بالأرباح التي أُحَصِلُها سنوياً من وراء ترويجي للكوك.

الدون (چاكوب) في محاولة لإقناعه، مردفاً:

-لقد فهمت ما أعنيه على نحو خاطئ نحن لن نروج لتلك الصناعة، نحن سننتج والحكومة ستبيع، وستأتينا عروض مناقصات من حكومات دول أخرى بموافقة من مجلس الأمن الدولي.

-جل ما سنفعله هو تمويل المشروع وإيجاد عمالة واستيراد المعدات، وما أن تبدأ مصانعنا بإنتاج أول قطعة سلاح سنكون بهذا قد وضعنا قدمنا ببداية الطريق لمغارة الكنز المسحور الذي مهما غرفنا منه لن يقل بل سيزيد ويتكاثر.

السير (بنيامين) بعدم اهتمام:

-أنا لا أفهم بهذا المجال سأبقي على تجارتي في الكوك، هذا ما أبدع........

أشار الدون (چاكوب) إليه بالتمهل، وقد التمعت عينيه بمكر وتحفز، وهذا ما إن علا صوت رنين هاتفه برقم أحد أتباعه ممَن يُرابِطون أمام مخازن الشحنة.

فأطاح (ماسيمو) عن عمد بزجاجة المياه الغازية التي وضعها طاقم الخدمات المشرف على تجهيز القاعة أمامه قبل استقبال الوافدين كما هو الحال مع جميع الحاضرين.

فكل منهم مسند إلى جوار حاسوبه، وواجب ضيافته، ويتوسط الطاولة الممتدة أطباق تقديم فاخرة تحتوي على أشهى أنواع الفاكهة التي تنمو بأراضي تلك الرقعة من الأرض، وأصناف أخرى تم جلبها بطائرة خاصة.

وكذلك يوجد دلو معدني يتدلى على حافته محرمة من الحرير الأحمر، يحوي بداخله قنينات عدة من أفخر أنواع الخمور والنبيذ المعتق، وعبوات من الشيكولاته المحشوة بماء الكحول عالي التركيز المنكهة بالطعوم المختلفة، كل شيء متاح.

فبعد أن يُغلق باب القاعة غير مسموح لأي شخص بالدلوف إليها مهما كانت ماهيته حتى لو كان القاصد قوة من الشرطة فعليهم الانتظار إلى أن يُسمح لهم بالولوج، أو أن ينتهِ الدون من شاغلته بالداخل ويخرج إليهم، وحدثت مراراً بالسابق ولم تجرؤ الشرطة على فعلها.

أجل يا سادة، فنحن نتحدث عن الدون (چاكوب ألبرتو) سابقة عصره، وأصغر زعيم مافيا بالوقت الحالي.

سقطت زجاجة المياه الغازية ذات العبوة المعدنية سهلة الفتح والتي قد أزال عنها الدون (چاكوب) مكبس غلقها استعداداً لهذه المكالمة في مشهد من تأليفه وتمثيله وأخرجه فأبدع وتفاعل معه الحضور.

وذلك بعد أن خرجت من بين شفاه الدون سبة نابية بضجر مصطنع إثر سقوط محتويات العبوة على سترة بذته الفاخرة وكذلك منطاله فناوله مَن يجلس على يساره بعض المحارم من العبوة الموجودة أمامه على سطح الطاولة .

بينما رمق الدون مَن على يمينه يقول بِحثٍ بعد أن عاود المتصل المحاولة مرةً أخرى ليردف (چاكوب) بصوتٍ مسموع:

-اجب (ماركوس) وارفع صوت المكبر؛ حتى أتمكن من سماعه، إنه (رامون).

فعل (ماركوس) ما طُلب منه على الفور، ليندفع المتصل ملقياً ما يريد قوله دفعة واحدة وبسرعة الطلقة، حتى وإن شاب صوته الهلع ولكن عاقبة التأخير في إبلاغ زعيمه أشد وطئاً مما حدث، إذ أردف يقول:

-سيدي لقد هاجمتنا جموع من الرجال، يستقلون سيارات مقاومة للرصاص، يحملون قنابل يدوية.

-ما إن ألقوها باتجاه بوابات المخازن حتى عمَّت الأجواء أبخرة أصابت طاقم الحراسة بشلل حركي مؤقت.

-وقام المهاجمون بإضرام النيران داخل المخازن على مرأى من الجميع.

-وقائد هؤلاء الأوغاد أوصى واحد من رجالنا بإبلاغك السلام على لسان الزعيم (سيمانز).

استعرت عينا (ماسيمو) بالغضب ليس لكونه شك بأن (سيمانز) هو الفاعل الحقيقي، فهو أجبن من أن يفعلها وحتى إن قاده شيطانه لهذا لن يُصرِح بها على الملأ ويترك رسالة شفهية موقعة باسمه.

بل وإن أثيرت الشكوك حوله سينكر فعلته، حتى ولو استشاط غيظاً بعد أن قطع (چاكوب) اتصاله بغرفة الدردشة وأقصاه عن هذا الاجتماع، فهذا رد فعل طبيعي لحماقة (سيمانز) أمام كبيرهم وأي شخص بمكان الدون كان سيفعلها، ولكن (سيمانز) ليس بهذا القدر من الغباء وعمى البصيرة ليردها بوقتها وبهذه الطريقة التي نُفِذت بها خطة الحريق، لا !! ويقر بأنه الفاعل!!

ما أجج ثورة (چاكوب) شيء آخر، ألا وهو وقاحة (رامون)؛ فلا زعيم هنا غيره، وهذا اللقب وإن قَبِل الدون أن يُلحق باسم شخص آخر فسيكون الكابو (ماتيو)، وإن تدنت قيمة اللقب وسبقت من دونهما، فقطعاً لن يكون (سيمانز).

وفي حالة أن هادن رجال (سيمانز) ومدحوا كبيرهم برياء، وأقرنوا لقب الزعيم باسم گالنكرة (سيمانز) فهم أحرار في نفاقهم له.

أما أن يَصْدُر هذا اللقب له على لسان رجل من رجال الدون (چاكوب) فها قد أتت الدنيا بآخر ما لديها من طرائف!
وطرائف سخيفة وغير مقبولة أيضاً!
وسيحاسب مَن ألقى على مسامعه هذه المزحة عقاباً على سماجته.

هدر (چاكوب) في (رامون) بحدة، وهو يقول:

-سأُعلِمك لاحقاً مَن هو الزعيم، اغلق الخط أيها الأحمق.

اعتراضات مكتومة أبت الألسن نطقها، بينما لا مانع قد يعوق الكابو (ماتيو) من التعقيب على ما حدث، حتى وإن خشى الجميع التفوه في حضرته والإشارة بأصابع الاتهام إلى هذا المتبجح (سيمانز) ، إذ قال الكابو يضغط على حروف كلماته بشراسة:

-لا (سيمانز)!! لقد تعديت كل الحدود يا رجل، يؤسفني أن يخسر شاب كهذا حياته بسبب حماقة ارتكبها مع الشخص الخطأ.

-ولكن لن نكن أغبياء مثله ونرد على بلادته لحظياً، فأخذ الثأر لابد له من ترتيبات كي يكن عِبرة لمَن يقوده غباءه إلى فعلة مماثلة.

أحد الحضور ممَن تضرروا من حرق حصته ضمن الشحنة، يقول بتوجسٍ بعد طلب الإذن:

-وما التصرف الآن يا زعيم؟! كل واحد منا قد وضع مبلغاً محرزاً من المال لينل حصة مما احترقت داخل المخازن بسبب غُشم هذا الأحمق.

-والعداوة بين الدون (چاكوب) وبينه لا دخل لنا بها.

الكابو (ماتيو) بإقرارٍ غير قابل للنقاش:

-سيُطبق العرف في مجالنا ستتحملون نصف الخسارة والدون (چاكوب) النصف الآخر، وأنا مَن سيسد عنه، وهذا مؤقتاً فما أرتبه لهذا الأبله المتبجح سيعيد لكم ما خسرتموه وبالضعف كتعويض لتنكيس كلمتكم مع موزعيكم.

انبلجت وجوه الحاضرين وشق الارتياح طريقه إلى معالمهم بعد أن كان الهم يعتلي ملامح أوجههم، فطالما قطع الكابو (ماتيو) عهداً على حاله، فقطعاً سينفذ، وما دام وعدهم بالضعف فهذا تعويض أكثر من عادل، لينطق من جادل مسبقاً بالآتي:

-Fair، ما دام هذا ما حكمت به يا زعيم فنحن طوع يدك.

أما (ماركوس) الذي بدأت تتضح الصورة أمام أعينه، همس إلى (چاكوب) وهو يرمقه بإعجاب:

-فعلتها يا ذئب؟! ودُون أن تخسر سنتاً واحداً! وأنا مَن كنت أعول هم المبالغ الطائلة التي كنا سنتكبدها لو نُفِذ ما أقررته أنت بالطريقة التي ذكرتها.

(چاكوب) بهمسٍ مماثل، يبتسم بخيلاء وهو يقول:

-أنا قلت سأسلمها ولم أكسر كلمتي، ولكن ماذا أفعل عزيزي (سيمانز) ؟! لقد چُنَّ على الأخير وهو مَن جعلني أمقته وها قد جنى على حاله، وسلاطة لسانه جعلت رأسه يرتطم بحائل صلد فسلمت الشحنة ولبسها هو، أتعلم؟!

رمقه (ماركوس) بنظرة متحيرة، متسائلاً:

-لا أعلم، اطرب مسامعي يا حريف!!

(چاكوب) بتضامنٍ زائف:

-لقد تألمت لأجله يا رجل، وقلبي الكبير يتعاطف معه.

قالها (چاكوب) مطرقاً رأسه، يهزه بحزن مصطنع، بينما عقب (ماركوس) بسخرية:

-حقاً؟! لقد صدقتك!!

رفع (چاكوب) بصره إليه غامزاً إليه بيمينه، قائلاً بإدعاء:

-هل تريد أن أقسم على ذلك؟! ومحبته في قلبي لقد حزنت لأجله.

تحكم (ماركوس) بحاله بصعوبة مستدعياً أقصى درجات الثبات الانفعالي لا إلا ينفجر ضاحكاً فيثير شكوك الجميع، فابتسم بسخرية يقول بتهكم:

-صدقت من دون قسم يا ذا القلب الحنون، أدام الله عدم القبول بينكما.... أعني المحبة بينكم.

(چاكوب) لاوياً ثغره، يعقب بنفور مصطنع:

-من هذه الجهة اطمئن، حبنا الكبير مبارك فيه، ولسنا بحاجة إلى دعواتك.
انتظرونا في حلقات أكثر تشويق ومتعة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي