الفصل الثالث

الفصل الثالث.


كانت معه على الهاتف وهو ينظر إلى إبراهيم وهو يغلق المقهى أخذ منه المفتاح والقى إبراهيم عليه التحية وغادر
لتقول هى: أنت كده مش هتقدر تروح شغلك الصبح ؟
صعد إلى سيارته وقال بعد أن أخذ نفس عميق: مش عارف يا أروى، بس مكنش ينفع أسيب الكافيه وامشى، خصوصاً بعد اللي حصل.
أنت رأيك أيه في إللى حصل ؟ قالتها بحيره شديدة تشبه حيرته و قلقه.
ليقول بصوت يملئه القلق والتوتر: أول مره أشوف سياف في الحاله دى، وبجد أنا قلقان عليه.
ظلت صامته لثوانِ حتى قال من جديد وبأسف: معلش يا أروى مش هقدر أجي النهاردة.
ردت عليه بهدوء: عارفه يا حبيبى ومقدره، بس أيه رأيك تيجى تفطر معايا الصبح؟
ليبتسم بحب وقال بأقرار: شعنونتي تأمر وانا انفذ.
لتضحك بصوت عالى ليبتسم ابتسامه واسعة بفخر أنه يشعر بأنه قد قام بعمل إنجاز عظيم حين يستمع إلى صوت ضحكاتها الصافية النابعة من قلبها.
تحبى اجبلك فطار ايه ؟ متقوليش، هما سندوتشين فول كفايه عليكى.
لتضحك من جديد وهي تقول بدلال: لأ يا أخويا أنا عايزه كريب.
كريب؟!
ردد باندهاش و صدمه ثم أكمل قائلًا:
وانا هلاقى حد بتاع كريب فاتح الساعة سابعة الصبح، أنتِ بتهرجى يا أروى ؟!
لتضحك من جديد وهى تقول: متجبش حاجه أنا إللى هعملك الفطار واهو اختبار علشان تكون مطمن أني ست بيت شاطرة.
أنا متأكد يا أروى، ومش مستني أشوفك بتعملى أكل أو بتنضفي علشان أعرف والتأكد.
أجابها بحب كبير واضح في عيونه وكلماته ونبضات قلبه التى تضرب بقوه داخل صدره، وكانت هى تبتسم بسعادة وهي تضع يدها فوق ساقها المفقودة.
**************************
وصلت نورسين إلى البيت وعلى وجهها إبتسامة سعادة، ها هي أول خطواتها قد تمت وبنجاح، نظرت إلى باب الغرفة المغلق و هى تفكر هل تدخل إليها الأن وتخبرها بما حدث ام تنتظر، وتكون المفاجئة لكليهم.
شعرت أن الاختيار الثانى أفضل، فتوجهت إلى غرفتها أبدلت ملابسها أولا وكأنها لم تغادر المنزل، ثم دلفت إليها كعادتها اليومية
************************
كان سياف يشعر بألم قوى في رأسه، محاولته المستميتة من وقت مقابلته لنورسين أن يتذكر أين قابلها؟ أو ما سبب إحساسه أنه يعرفها جيداً،
تمدد على السرير بكامل ملابسه فهو حقًا مرهق لا يستطيع تبديل ملابسه أو حتى خلع حذائه وهناك في عمق أحلامه، شاهد والدته تقترب منه بابتسامتها الحانية، دنت منه تقبل جبينه ثم مسدت كتفيه برفق، وانحنت تخلع عنه حذائه لينتفض سريعًا يوقفها وحين وقفت أمامه وجدها نورسين تبتسم له بحنان، ورفق لينتفض من نومه يتصبب عرقاً يحاول التقاط أنفاسه المتلاحقة،
غادر السرير ودلف إلى شرفته بعد أن خلع حذائه وقميصه، ووقف يستند بيده إلى سور الشرفة أغمض عينيه واخذ نفس عميق يحاول تهدئة ضربات قلبه التى لا تهدء، علا صوت أذان المسجد المجاور لبنايته ردد الأذان خلف المؤذن و ردد الدعاء خلفه ثم دلف أخذ حمام دافئ وتوضئ، وقف بين يدى الله يصلى الفجر ويدعوه أن يريح قلبه وعقله
لم يستطع أن يكمل نوم من جديد، أعد كوب قهوته المعتادة وأدار أسطوانة موسيقاه المفضلة وجلس في الشرفة، ينتظر شروق الشمس الجديد، بل ينتظر الساعه العاشرة ينتظر أن يراها أن يتحدث إليها، أن يقترب منها أكثر، ويتمنى أن يستطيع باقترابه منها أن يريح قلبه.
*************************
قرر الذهاب إلى صديقة قبل ذهابه إلى الشركة أن عقله سوف ينفجر من كثرة التفكير، والفضول الذى يختبره لأول مره بحياته يكاد يقتله، لم يستطع أن ينام وظل طوال الليل يفكر في كل ما حدث، بين كلمات منتصر، وكلمات والده، وردود الأفعال التى تجعله يشعر أن هناك سر كبير وخطير أيضًا، ولكن ما يشغله حقًا هو موقف والده كلماته، رد فعله اهتزاز ثبات عينيه.
خرج من غرفته بعد أن أرتدى كامل ملابسة ونزل إلى المطبخ، أعد الإفطار كالعادة ولكنه لن يتحمل، كتب ورقة صغيرة ووضعها بجانب الأطباق وغادر.
كان كساب مستيقظ في غرفته هو أيضاً لم ينم ليلة أمس، انتبهت جميع حواسه حين سمع باب غرفة داغر، ثم صوت باب الفيلا، غادر سريرة وتوجه إلى الحمام، ثم توجه إلى المطبخ يعلم جيداً أن ابنه سيعد الطعام قبل أن يغادر ولكن كيف يتناوله؟ وابواب الماضي تفتح الواحد تلو الآخر، أنتبه لتلك الورقة الصغيرة أمسكها و قرأها
" روحت لسياف علشان مروحتش له إمبارح" ترك الورقة مكانها، ثم عاد إلى غرفته محمل بأثقال وزر لم يقصده يوماً لكنه هو بالأساس أحد أركانه.
************************
طرقات على باب بيتها، تعلم صاحبها جيداً، ابتسمت وهى تحرك كرسيها و تتوجه لتفتح الباب وعلى وجهها ابتسامه واسعة و عيونها ترتسم بها حب كبير كان يستند على جانب الباب، وبين يديه حقيبة كبيرة بها الكثير من الشكولاتة والحلوى وقال بابتسامه واسعة رغم الإرهاق الواضح على وجهه و قلة النوم:
شعنونتي، مهجة حياتي، وحشتيني.
وقال الكلمة الأخيرة بغمزه مشاغبة، لتتراجع بالكرسي إلى الخلف وقالت: أعتقد أنى المفروض بعد الكلمة الأخيرة دى أسيب الباب مفتوح، علشان شرف خالتك وجوز خالتك الله يرحمهم.
ليضحك بصوت عالى وهو يغلق الباب خلفه وقال ببعض المرح:
على أساس أنى هسيب كل بنات الكون واضيع شرف خالتي و جوز خالتي ومراتي، أنتِ هبله يا حبيبتى؟
كانت تقف بجانب طاولة الطعام الكبيرة وأشارت إلى كل ذلك الطعام التى أعدته وقالت: يارب الكريب يعجبك.
نظر إلى شطائر الكريب والبطاطس المحمرة، وصحون الكاتشب الصغيرة، وطبق السلطة المميز، ونظر إليها من جديد وهو يقول:
يا حركاتك يا تكاتك، أيه يا عم الشيف الشربيني ده كله؟
الشيف الشربيني، يحركاتو، أقعد يا جرير أقعد.
قالتها ببعض الاستخفاف وهى تلوى فمها وقالت ببعض الضيق المصطنع :
معلوماتك العامة تحت الصفر، وديماً تبهرني بيها
سحب الكرسي وجلس بجانبها وهو يقول بابتسامه واسعة:
هنبقي أحنى الأثنين معلوماتنا العامة حلوه .. هنبقي مملين اووى يا ببيبي
بدأوا في تناول الطعام بين حديث متنوع حتى قال: الدكتور أتصل بيا إمبارح الصبح، بس حبيت أعرفك لما أشوفك.
تغيرت ملامح وجهها، وظهر الألم والضيق جلياً في عيونها ليترك ما بيده ويمسك يديها وهو يقول:
أروى أنتِ عارفه أن أنا بحبك، وإن كل ده علشانك أنتِ، لأنك تستحقي تعيشي حياتك براحتك من غير ما أي حاجه تقف عائق في طريقك.
كانت تستمع إلى كلماته وهى تعلم صدقه جيداً، ولكن تلك الذكريات يوم استفاقت في المستشفى واكتشفت أنها فقدت ساقها مع والديها و نظرة الشفقة التى كانت بعيون كل من يراها إلا هو، الذى أصر على عقد قرانهم حتى يستطيع أن يكون بجانبها، خاصة أنها وحيده، وخالتها توفيت منذ كان جرير صغير، فهى وحيده بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لذلك كان جرير بالنسبة لها العالم الذى لم ترى في عينيه شفقه أو اشمئزاز، لذلك ورغم اعتزالها عن العالم الخارجي لم تعتزل جرير يومًا.
كان ينظر إليها بصبر كبير مع ابتسامه حانيه لتبتسم ابتسامه صغيرة وأومئت بنعم لتتسع ابتسامته وأخرج هاتفه
وهو يقول: هتصل بالدكتور، وأحدد معاه ميعاد.
ظلت تنظر إليه وهو يتحدث مع الطبيب، وتعده أنها ستبذل كل ما بطاقتها حتى تسعده.

********************
وصل سياف في معاده المعتاد ورغم قلة نومه، وانشغاله بالتفكير في نورسين، إلا أنه لاحظ حالة نادر ونظرة الغضب والحيرة التى تملئ عينيه، وحين جلس في مكانه نادا عليه أقترب نادر بهدوئه المعهود و قال بأدب : تحت أمرك يا باشمهندس.
أشار له سياف أن يجلس أمامه وقال مباشرة: مالك ؟
نظر إليه نادر بحيره واندهاش ليبتسم سياف ابتسامه جانبيه وقال بأقرار: كلكم هنا أخواتي، وبعرف مالكم من نظرة عيونكم، ها بقا مالك ؟
وقبل أن يتكلم نادر كان داغر يجلس على الكرسي المجاور له و هو يقول ببعض التجهم: أنا هتجنن يا سياف، هتجنن.
ليقف نادر سريعًا وقال: بعد إذنك يا باشمهندس.
ثم نظر إلى داغر وقال: هبعت لحضرتك قهوتك.
وغادر سريعًا ليشير عليه داغر وهو يوجه كلماته لسياف:
أنا قاطعت حاجه مهمة؟
ليرفع سياف حاجبه الأيسر ولوى فمه
وهو يقول: طول عمرك عامل زى الديزل، مش بتشوف قدامك أصلًا.
وضع فهمى أمام داغر القهوة وغادر،
ليقول سياف: خير أيه اللي هيجننك يا أستاذ داغر؟
جلس جرير فجأة على الكرسي بجوار سياف
وقال هو الآخر: أيوة أحكي إحنا سامعين؟
ظل داغر ينظر إليه باندهاش حين علت ضحكات سياف ليحرك داغر رأسه يميناً ويساراً، ثم بدأ يقص عليهم كل ما حدث معه وما يشعر به وكان صديقيه يستمعان إليه بتركيز شديد
وحين إنتهى قال جرير ببعض الضيق :الشلة أضربت يا رجاله، كاره النساء بيدور ورى قصة بنت ميعرفهاش، والتاني حاسس انه عاش مع واحدة شافها أول مرة في حياته من يومين، مالكوا يا رجاله؟
كان الأثنان ينظران إليه بحاجب مرفوع وعيون تحمل الكثير من الغضب المصطنع ليرفع يديه باستسلام وهو يقول: أنا أسف، كملوا.
نظر سياف إلى داغر و قال بجدية : أيه سبب اهتمامك ده يا داغر؟
ظل داغر صامت لعدة ثوانِ ثم قال بحيرة: مش عارف يا سياف حاسس أن في حاجه غريبه وكمان حاسس أن في حاجه بتشدني و كأنى.....
وكأنك بتفتح أبواب الماضي إللى حاسس إنك عشته قبل كده.
قاطعه سياف وقال بأقرار، كان جرير يستمع إليهم بتركيز شديد و حال صديقيه يقلقه حقاً، ثم قال بعد صمت طال بين ثلاثتهم لعدة دقائق كثيرة: سياف وأخد خطوه وقرب البنت منه علشان يكتشف حقيقة إحساسه وانت بقا يا داغر هتعمل ايه ؟
نظر داغر إلى جرير وقال بحيره كبيرة: مش عارف، بس لازم أعرف، والأهم أنى لازم أفهم.
عاد الصمت يخيم على ثلاثتهم لعدة دقائق حتى وقف جرير وهو يقول بأقرار: أنا هروح شغلي، ونتقابل بالليل نكمل مناقشة يمكن النهاردة يحصل معاكم جديد والصورة توضح.
وغادر سريعًا، ليقف داغر وهو يقول: أول حاجه صح الواد ده قالها من ساعة ما قعد معانا.
ليبتسم سياف ابتسامه صغيرة شارده ليكمل داغر كلماته: لما أجي بالليل عايز أفهم إيه حكاية البنت المجهولة دي؟، سلام مؤقت.
سلام.
قالها سياف حين غادر داغر الطاولة وفتح باب الكافيه ليدلف منه شخص غريب الشكل وملابسه غريبه الشكل أثارت فضول سياف بشكل لا يوصف حتى أنه لا يستطيع قراءة لغة جسده.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي