الفصل الثالث عشر

وصل جرير إلى المقهى كما اتفق مع إبراهيم حتى يراجع حسابات الشفت المسائي، جلس أمام سياف ينظر إليه بابتسامة واسعة كالأطفال وهو يقول: أسعد الله صباحك مولاي الملك.
ليضحك سياف بصوت عالي؛ ثم قال باستفهام: يا ابني هو أنا عملتلك حاجه دلوقتى؟
جرير: أنا بقدم فروض الولاء والطاعة غلطت يعنى؟!
ثم ألتفت إلى الخلف وقال: قهوة مظبوط يا فهمى بسرعة.
حرك سياف رأسه يميناً و يساراً باستسلام من طفولة صديقة المحببة، عاد بنظره إليه بعد عدة دقائق ليجده منغمس في مراجعة الحسابات مع فهمى، وكاد أن يعود بنظره إلى النيل من جديد حين رفع جرير عنيه إليه وقال بطريقة موحية: والله نورسين دي طلعت مش سهلة أبدًا الحسابات مظبوطة.
وابتسم بسماجه، وأكمل: هات يا فهمى حسابات شفت امبارح علشان ألحق أروح شغلي الكافية مش هيبقا محتاجني قريب.
فهم سياف تلميحات صديقه، لكنه لم يعقب عليها رغم سعادته بها خاصة وقلبه يقفز داخل صدره الآن كالأطفال.
بعد مرور أكثر من خمسة عشر دقيقة كان قد انتهي جرير من مراجعة الحسابات، اعتدل في جلسته ينظر إلى صديقه وقال: بعت لداغر رقم الدكتورة وعنوانها بس...
- بس ايه؟
سأله سياف بعدم فهم ليكمل جرير كلماته: تفتكر في أمل ؟ وأصلاً داغر اتجوزها ليه ؟
قطب سياف حاجبيه ببعض الضيق ليقول جرير موضحًا: أنا مقصدش اني أعيب فيها، بس أنا مش فاهم موقف داغر؟ متجوزها ليه ؟ ايه أسبابه ؟ مش معقول بيحبها ؟ ولا متجوزها شفقة.
صمت لم يكمل كلماته لتطل الحيرة فى عيون سياف الذى قال: داغر مش هيقول حاجة، ومش هيوضح سبب جوازه منها، وأصلاً مش هيسمح لحد يناقشه أو يسأله في الموضوع.
صمت لثواني يحاول ترتيب أفكاره؛ ثم أكمل: كل اللي نقدر عليه، اننا نكون جمبه وندعمه خصوصًا بعد اللي حصل امبارح مع عمو كساب.
أومئ جرير بنعم وقال باستسلام: معاك حق.
وقف على قدميه وأكمل: أنا هروح الشركة وبعدين هعدي على أروى وابقا أكلمك نشوف هنعمل ايه.
أومئ سياف بنعم ليفتح باب المقهى فى تلك اللحظة ودلفت هي بطلتها التى تخطف أنفاسه من صدره تدفع أمامها الكرسي المدولب ليتوقف الزمن والهواء حوله، ويشعر أن الدنيا أظلمت من حوله و لمحات مبهمة من ذكريات قديمة.
وكان جرير يقف مكانه متيبس من الصدمة، لكنه أنتبه لصدمه صديقه أيضًا فنظر إليه ليجد وجهه شاحب كالأموات وعيونه جاحظه ليقترب منه سريعًا يحاول أن يدعمه،
وكانت تلك الصامتة الثابتة منذ سنوات، تشعر بنفس الإحساس الذي يشعر به فلذة كبدها، الذي حرمت منه لسنوات سنوات عجزت عن تذكر من هى؟ وأين هى؟ وماذا حدث معها؟
ظل الموقف ثابت بين صدمة وذهول، وعدم تصديق حتى قالت نورسين وهى تربت على كتف السيدة المقعدة: سياف أهو يا خالتو، زي ما وعدتك اني أرجعك ليه.
لينظر سياف إلى نورسين بتقطيبه حاجبيه التى تزداد انعقادا لتقول له بهدوء: عارفة انك مصدوم والأمر مش سهل انه يتصدق بس، أنا مستعده أجاوب على أي سؤال وأكيد انت عايز تعرف كل الحكاية مش كده؟
لكن ذلك الصوت الضعيف الذى نطق أسمه بهمس مختنق بدموع جعل الجميع ينظر إليها وهي ترفع ذراعيها وتهمس باسمه، وكأنها لا تعرف من الحروف سوى حروف اسمه.
لم يشعر بقدميه التي أخذته إليها وجثى على ركبتيه أمامها ينظر إلى عيونها الباكية وفي نفس الوقت الذى يصل إليه همسها المتكرر باسمه.
لتقول نورسين بصوت مختنق: أول مرة تنطق وتتكلم من اربع سنين.
في تلك اللحظة كانت الضمة الأولى التى أرجعت لها روحها و أعادت إليه كل الذكريات التي فقدها منذ سنوات،
مما جعل جميع من يشاهد الأمر يتأثر وتتجمع الدموع في عينيه حتى دون أن يفهم ماذا يحدث؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
طرق الباب عدة طرقات ثم ناداها بهدوء لكنه لم يتلقى أي رد … فتح الباب برفق ليجدها غارقة في النوم بسلام وهدوء تضم إحدى الوسائد بيديها وقدميها في وضعيه الجنين،
ظل واقف في مكانه ينظر إليها وهو يفكر، كيف مرت تلك السنوات عليها؟ هل كانت في تلك القيود الحديدية طوال الوقت؟ كيف تحمل قلب الأب أن يرى إبنته على تلك الحالة، لكن من يرتضى أن يصمت على حق إبنته وشرفه يتقبل أن يضعها في أصفاد حديديه ويغلق عليها آلاف الأبواب.
أقترب بهدوء وجلس بجانبها وهو يتأمل ملامحها البريئة بشرتها البيضاء يشوبها بعض الحمرة وعيونها صاحبة الأهداب الطويلة بشكل يخطف الأنفاس.
أغمض عينيه لثوانِ، وهو يفكر،
ما سبب إحساسها بالأمان جواره؟ لماذا هو؟ ومن كلمات والدها أنها ترتعش خوفاً في وجود أي رجل إذا ما السبب ولماذا هو؟! و لماذا يشعر من داخله أنه قريب منها يعرفها؟
فتح عينيه ينظر إليها ليجدها تنظر إليه بصمت وهي على نفس و ضعها ليبتسم إبتسامة صغيرة وهو يقول:
- تحبي تخرجي معايا؟
لم تتحرك ولم تبدى أي ردة فعل، لتتسع إبتسامته قليلًا وقال:
في فستان حلو اوووى شوفته في هدومك وعايزك تلبسيه ونخرج سوا موافقة؟
ثم وقف على قدميه وفتح الخزانة وأخرج منها الفستان وابتسم وقال: لايق على لون عنيكي.
لتبتسم عينيها قليلاً، لكنه لاحظها ليضعه على السرير بالقرب من قدميها وقال: أنا هخرج استناكى بره، بس متتاخريش.
قال الأخيرة بأمر مصطنع مصاحب لابتسامة واسعة وغمزه مشاغبة وأغلق الباب خلفه لتنظر إلى الفستان لعدة ثوانِ ثم تحركت لترتدي ملابسها.
~~~~~~~~~~~~~~~
كان ثلاثتهم يجلسون على الطاولة الخاصة بسياف بعد أن قرر جرير الجلوس على طاولة أخرى ليتحدثوا بحرية وفي نفس الوقت يكون جوار صديقه إذا أحتاج إليه،
كان الصمت والنظرات فقط هي التي تتحدث بين سياف ووالدته بين شوق، ولهفه، ولوم، وعتاب، وراحه، وأمان.
كانت ليلي تنظر إلى سياف بابتسامة حانيه وعيونها تلتهم ملامحه التي اشتاقت لها بشدة يدها تتشبث بيدية بقوة: عندك استعداد تسمع القصة يا سياف، يا إبن خالتي؟
نظر إليها باندهاش، أن الأمور تزداد اندهاش و
الصدمات تتوالى لتربت ليلي على يديه، لتقول نورسين ببعض الهدوء الذي لا يعلم جسدها شيء عنه: يوم الحادثة أنا كنت بكلم خالتو وهي جمب عمو محمد كانوا مسافرين البلد، وخالتو قالتلي وقتها إنك مقدرتش تروح معاهم علشان عندك شغل ضروري.
كان يستمع إليها بتركيز شديد وذاكرته تستعيد تلك الأيام التي فقدها بعد استيقاظه من الغيبوبة.
أكملت نورسين كلماتها: وقتها سمعت عمو محمد بيقول لها أن في عربية ماشية وراهم من بدرى ومش فاهم في أيه ومين دول،
أخذت نفس عميق في حين كان وجه ليلي تغرقه الدموع، وكان هو صدره يعلو ويهبط بتوتر، وقلق تعود إليه ذكريات ذلك اليوم المؤلم أكملت نورسين كلماتها: وبعدها المكالمة أتقفلت، كنت قلقانة و خايفة جداً بس بعد ربع ساعة رجعت واتصلت بيها، وواحد اللي رد عليا وقال لي أنه لاقها مرميه على الطريق الزراعي وودوها المستشفى.
ليقاطعها سياف قائلًا: عربية بابا وقعت في النيل و وقتها لقوا شنطة ماما وجثة بابا المياه جرفتها للشط وفضلوا ثلاث أيام يدوروا على جثة أمي بس ملقوهاش.
في تلك اللحظة تكلمت ليلي بصوت ضعيف متقطع: اللي … اللي ك.. كا .. كان .. م ماشي و . و ورا ورانا ع… عم .. عمك ط … طاهر.
لتجحظ عيون سياف بصدمه لتكمل نورسين: عمك هو اللي خبط عربية عمو محمد ووقعها في النيل، وتقريبًا وقتها عمو محمد طلب من خالتو إنها تنط من العربية.
- وبعدين ؟
قالها سياف بلهفه وخوف، صمتت نورسين لم تستطع إكمال الحديث ليقول بصوت عالي: وبعدين ؟
نورسين: أنا مكنش معايا رقمك، إنت عارف أنا وأنت مش بنتكلم من أمتى ، مكنش قدامى حل غير إني أنزل فورًا من إسكندرية على المستشفى اللي الراجل قالي عنوانها، خالتو كانت مش كويسة أبدًا وحالتها صعبة، فضلت جمبها ثلاث أيام على أمل إنها تفوق و تتحسن حالتها وأجبها وأجيلك، لكن هي فضلت تعبانه وحالتها خطيرة، قررت أجيلك وأعرفك ولما وصلت البيت وقتها سمعت الظابط وهو ببلغك أنهم ملقوش جثة خالتي، وكده ممكن يكون طيار المياه جرفها ومش هيعرفوا يلاقوها، وقبل ما أدخلك علشان أبلغك سمعت عمك طاهر بيكلم حد وبقوله خلاص خلصنا منهم و الأرض هتبقى تحت ايدينا، خوفت على خالتي ومكنتش مدركة وقتها انه ممكن يأذيك إنت كمان.
ليقطب سياف حاجبيه بغضب و حيرة وقال: يأذينى أنا ؟
أومئت بنعم وقالت بعد عدة ثوانِ: يوم الحادثة بتاعتك أنا جتلك المستشفى، وقفت بعيد علشان أطمن عليك كان أصحابك موجودين وعمك كان واقف مع أتنين رجاله ووقتها سمعته بيقول انه وقع عليك معدات تقيله كانت هتموتك، لكن انت زي القطط بسبع أرواح.
صمتت لثوانِ؛ ثم قالت: وقتها خوفت أوى، أنا لوحدى وخالتو مريضة خوفت يعرف عنها حاجة ويحاول يقتلها ويقتلني، رجعت بيها على إسكندرية وقعدت هناك طول فترة الغيبوبة بتاعتك، كنت بتابع حالتك من بعيد لبعيد، كمان هي الحادثة أثرت على عمودها الفقري ومبقتش بتقدر تتحرك، ولما عرفت حقيقة الأمر وحالتك فقدت النطق، وأول ما عرفت إنك رجعت للحياة من جديد، رجعت بيها على القاهرة وفضلت أراقبك علشان أضمن إن عمك بعد عنك، وبعدين جبتها وجتلك.
قالت نورسين كل ما لديها، ليخيم الصمت من جديد وسياف يحاول ترتيب أفكاره وتخيل كل ما حدث، وكيف حدث؟ وكيف أستطاع عمه قتل أخيه، ومحاولة قتل أمه، وقتله؟ كل ذلك من أجل الأرض من أجل الميراث كيف هذا ولماذا؟! كل ما عانته نورسين من خوف ورعب وألم، كل ما عاشته بمفردها وهو لم يكن يعلم عنه شيء.
- سياف.
كان هذا همس ليلي باسم وحيدها لينظر إليها بابتسامة واسعة و أقترب منها وجلس على ركبتيه أمامها يقبل يديها باحترام و
حب وحنان؛ ثم أستقام قليلًا ليضمها بحنان وقوة لتبكي بصوت عالٍ وانهمرت دموعه وهو ينظر إلى نورسين وابتسامة صغيره ترتسم على شفتيه، حين تأكد من احساسه أنها قريبه منه صديقة طفولته، الفتاة البريئة التي كانت تشاركه مواهبه، وتستمع معه إلى الموسيقى المحببة إليه وتجلس معه بالساعات يقرأون، إن اليوم حقًا مميز وسعيد.
كان جرير يتابع كل ذلك بابتسامة واسعة ليشير إليه سياف بالاقتراب، ليقف جرير أمام ليلي وقال: حمدالله على السلامة يا لولا.
لتبتسم ليلي بحنين لذلك الطفل الصغير صاحب الإبتسامة المشاغبة والصبى المرح طوال حياته أقترب منها وقبل يديها المستريحة فوق قدمها وقال: وحشتيني يا لولا، وحشتيني.
- د.. دا … داغر.
سألت عن الضلع الثالث في مثلث الصداقة ليقول جرير بمرح: أتجوز إبن المحظوظة.
لتتسع ابتسامتها بسعادة وهي تنظر إلى إبنها بسعادة ليقترب منها يضمها بحنان.
لتبتسم نورسين براحه وسعادة.
........

غادرت غرفتها حين سمعت صوت طرقات على باب شقتها، فتحت الباب لتبتسم بسعادة وهي ترى زوج خالتها، ووالدها الروحي يقف أمامها بابتسامته المحببة للقلب، الحنونة كحنان قلبه: وحشتيني يا مرات ابنى.
- وانت أكتر يا حمايا العزيز.
تراجعت بكرسيها إلى الخلف ليدلف إحسان وهو يقول: جيبلك معايا هدية هتعجبك.
لتبتسم بسعادة وهي تقول بابتسامة واسعة:
أصلًا أي حاجة منك هتعجبنى، بس الأهم من الهدية هو رجوعك لينا بالسلامة، أخبار ندواتك ايه ؟
ابتسم بمشاغبة يشبه إبنه بها وقال: شوفت الحب الأول.
لتشهق بصدمة مصطنعة وقالت: أيه ده انت حبيت قبل آمال؟ آه يا شقى.
جلس على الأريكة الكبيرة وقال وهو يريح ظهره:
كان حب مراهقة مش حقيقة، أنا لا حبيت ولا هحب حد غير آمال الله يرحمها، هي اللي سكنت القلب وبعدها مفيش.
ابتسمت إبتسامة صغيرة يشوبها بعض الحزن، لاحظها هو وبكل هدوء قال: مزعلك فى أيه ابن آمال ؟
نظرت إليه ببعض التشتت ليقول بابتسامته المطمئنة:
متقلقيش ده هيبقي سر، بيني، وبينك.
وقال الأخيرة بهمس، لتبتسم إبتسامة صغيرة وقالت بعد عدة ثوانِ:
فى واحده بتبعتلى حاجات على التليفون، كلام إن جرير يعني....
صمتت لعدة ثواني؛ ثم أكملت قائله:
إن في حاجة بينها وبين جرير، وبتبعت ليا ساعات صور ليه، و بتقول .. بتقول إنه....
هيسيبك .. وليه يكمل مع واحده زيك مش كده؟
أكمل إحسان بدلاً عنها لتنظر إليه بذهول، وتشتت ليبتسم لها برفق وقال بهدوء: إنتِ طيبة أوى يا أروي طيبة لدرجة الهبل، طيبة لدرجة إن كلمة ملهاش أي أساس من الصحة ممكن تشقلب حالك، يا بنتي يوم ما جرير قرر يرتبط بيكي دي مكنتش حركة شهامة منه ولا حتى شفقه، جرير كان بيحبك من زمان، إنتِ كنتي حلم بيسعي لتحقيقه، والحادثة ونتيجتها مش هتقف قدامه، بالعكس حبه ليكِ خلاه يقرر إنه لازم يكون ليه دور في حياتك أكبر من انه يكون إبن خالتك، وإنه يقدر يحتوي حزنك وخوفك ونوبات غضبك، قرر انه يستعجل في كتب الكتاب علشان يقدر يكون معاكي، ووقت ما تحتاجي كتفه أو حضنه أو إيده تلاقيهم متوفرين ومتاحين في أي وقت، لا يكون حرام ولا يكون غلط.
ربت على قدميها وأكمل برفق موضحًا :وبصراحه جرير بيحبك، وإنتِ كل دنيته، ممكن تكون البنت دي هي اللي معجبه بيه، ممكن يكون هو رفض عروضها عليه، ورفض حبها، وعلشان كده حبت تجبها من نحيتك انتِ تضغط على نقطة ضعفك بلاش تدخلي الشك بينك وبين جرير صارحيه وشوفي رد فعله، حافظي على الصداقة بينكم قبل الحب، والثقة، والاحترام.
ابتسمت بتفهم وأومئت بنعم ليبتسم بأتساع وهو يقول:
" كيف نخفي سر الهوى قبل القلب تشتاق، ومن كتم عن الناس الهوى فضحته العين من الأشواق فيا سائلاً حال العيون ما بها ان العيون لخِلها تشتاق، لولا هوانا ما خلقنا بطهرنا .. لب الطهارة إننا عشاق"
صفقت بيدها في الهواء وقالت:
الله يا عمو بجد كلماتك روعه، وأنا هاخد برأيك، وأتكلم مع جرير
كده إنتِ تستاهلِ الهدية اللي أنا جبتها ليكي.
قال كلماته وهو يشير إلى ذلك الصندوق الكبير الذى بجانبه، لتقطب جبينها بحيره ليحمل الصندوق ويضعه أمامها على الطاولة لتفتحه، وتشهق بصدمة حين رأت فستان زفاف أبيض رقيق، وحذاء رياضي مزين باللؤلؤ والتل كما الموضة تلك الأيام، وتاج مميز.
نظرت إليه بدموع تتجمع في عيونها ترافقها إبتسامة رائعه وهي تقول: أحلى هدية يا عمو خصوصًا إنها من حضرتك.
ليربت على كتفها وهو يقول بحنان: يلا أتجوزو بقى، عايز أشيل آمال الصغيرة.
لتتسع إبتسامتها رغم تلون وجنتيها باللون القاني دليل على الخجل، لكن قلبها كان يقفز ويصرخ من السعادة كالأطفال في مدينة الملاهي.
~~~~~~~
كان يجلس على الأريكة الكبيرة الموجودة في غرفتها بالمستشفى بعد رحيل الجميع، وأخذت هي أدويتها واستسلمت للنوم،
ظل يتأمل ملامحها وهي نائمة، وأخيرًا أصبحت زوجته حلاله، و لم يعد يستطيع أحد أبعادهم عن بعضهم البعض، ابتسم بسعادة و هو يرى خصلات شعرها شديدة السواد المستريحة فوق وسادتها بنعومة أهدابها الطويلة، وسمرة بشرتها، وصل بعينيه الى ذلك الجرح في كتفها، علامة عشقها الخالص له، تلك العلامة التي ستظل تذكرهم بكيف اجتمعوا؟ وكيف أصبح الحلم حقيقة؟
أراح ظهره على الأريكة وهو يتذكر ما حدث بعد رحيل الجميع، ونظرة عيونها السائلة.
أقترب منها وجلس على طرف السرير وأمسك يدها برفق وقال بابتسامة واسعة: مبروك يا حبيبتي وأخيرًا الحلم أتحقق وأخيرًا بقيتي مراتي.
ظلت صامته تنظر إليه باستفهام ليبتسم إبتسامة مشاغبة وقال: أنا هشرح ليكي كل حاجة.
و بدء في سرد خطته كاملة وما قام به حتى يتمم زواجه منها و ينهى الخلافات بين العائلتين، وأيضًا حتى يضع عسران في موقف محرج فلا يستطيع تخريب الأمر بأي شكل.
كانت الإبتسامة العاشقة ترتسم على وجهها وهي تستمع إلى كلماته، حتى إنتهى فقالت باستفهام: شكيت فيا ؟ حسيت فعلاً اني خونتك ؟
قطب جبينه ببعض الضيق وقال: أبدًا بس كنت محتار ومش فاهم يعني أيه خونتيني، بس بعد ما فهمت أنا عايز أعتذر لكِ وأشكرك.
لينعقد حاجبيها باندهاش ليقول: أشكرك أن بسبب اللي حصل قدرت أحقق حلمنا ونبقى سوا، وأعتذر لكِ علشان التضحية الكبيرة اللي انتِ عملتيها.
- أنا بحبك يا نادر حياتك عندي أهم من الدنيا وما فيها، ولو كنت مت كنت هكون سعيدة علشان قدرت أحميك من غدر أخويا.
عاد من أفكاره على صوت انفتاح باب الغرفة ودخول عسران العاصف، بغضبه الواضح في عينيه ليظل نادر على جلسته هادئ مسترخى وداخل عينيه نظره ساخرة منتصرة وذلك جعل الغضب يتصاعد داخل عسران الذى أقترب منه سريعًا ليقف نادر أمامه و قال: لو عملت أي حاجه هنا المستشفى هطلب ليك البوليس تانى.
أقترب خطوة واحدة، وقال بتحدي: قابلني في المكان اللي كنت عايز تغدر بيا فيه.
كان عسران ينظر إليه بغضب وكره واضح، ليكمل نادر حديثه بهدوء شديد:
- راجل لراجل، من غير الغدر، والخيانة اللي انت متعود عليها.
ورفع أصبعه في وجه عسران وقال: وأنا بس بعمل ده علشان خاطر مراتي أختك.
قال كلمته الأخيرة بطريقة ساخرة ليمسك عسران ملابس نادر بقوة ليرفع نادر قبضه يده وضرب وجه عسران بقوة ليسقط الأخير أرضًا لتشهق ضحى التي استيقظت مع أول خطوة لأخيها داخل الغرفة وكانت تخشى حتى أن تتنفس حتى لا يشعر بها،
لكن نادر كان غضبه المكتوم وصل إلى أشده خاصة وكلمات ضحى عن ضرب عسران لها تعود تتردد في أذنه لينقض على عسران بالضرب وهو يقول: بتستقوي عليها يا خسيس، بتعمل راجل عليها وتضربها من النهاردة ليها راجل يحافظ عليها و يحميها منك، ومش هعمل زيك وأغدر بيك من ضهرك يا خسيس، إيدك لو لمستها تانى بأكثر من السلام هقطعها ليك يا عسران انت فاهم قطعها ليك.
كل ذلك دون أن تتوقف يديه عن لكم وجه عسران الذى لم يستطع الدفاع عن نفسه وكانت هي تكتم صوت بكائها بيديها،
وبسبب صوتهم العالي أجتمع بعض الممرضات والممرضين و بعض الدكاترة الذين حاولوا إنهاء الأمر وفض ذلك الشجار،
كان إثنان من الممرضين يدعمون عسران في وقفته المترنحة خاصة مع جروح وجهه حين قال نادر بتحذير آمر:
- ضحى بقت مراتي، والفرح آخر الأسبوع والمرة دي خرجت بفضلي وبسببي أي غلط تانى صدقني مش هرحمك أقسم بالله ما هرحمك.
ليغادر الجميع الغرفة لينظر هو إلى ضحى ليشعر بالصدمة والحزن.
وأقترب منها سريعًا يضمها إلى صدره بحنان وهو يحاول تهدئة خوفها وظل يهمس جوار أذنها: أهدي يا حبيبتي أهدي، أنا آسف اني خوفتك، آسف.
ابتعدت عنه قليلًا وأومئت بنعم ليحاوط وجهها بيديه وقال: كان لازم أخد حقك منه، كان لازم أعرفه ان إيده هتقطع لو فكر يلمسك بيها، كان لازم يعرف إن كل الحقوق اللي تخصك بقت تخصني أنا وبقيتي ملزمه مني أن.
ابتسمت من بين دموعها بحب ليقبل جبينها بحب وقال: أنا آسف.
لتتسع إبتسامتها ليقبل جبينها من جديد وقال: بحبك.
~~~~~~
وصل داغر أمام عيادة الطبيبة النفسية يحاول أن يرتب أفكاره وكلماته حتى يخبرها بالأمر، فهي طوال الطريق صامته تمامًا، يعلم أن صمتها إختياري خاصة بعد صرخة الأمان التي صرختها
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي