الفصل السادس

الفصل السادس

زواجها من سعيد بسبب ديون والدها الذى توفى دون أن يسددها لسعيد، والمعاملة السيئة لها ولوالدتها أنجابها لطفل من أصحاب متلازمة داون ويرفض أن يصرف علي علاجه وطعامه،
إجبارها على ذلك العمل، وعدم قدرتها على الهروب منه خوفًا على ولدها وأمها.
كان المحامي يستمع إليها بتركيز شديد كحال سياف وجرير، حين انتهت من حديثها نظرت إليهم بعيون حائره خائفة، ليقول السيد أحمد:
- قانوناً اتتِ المذنبة ولو هامشيها قانونيا هو كبيرة يتحبس سنه و انتِ من سنه لتلات سنين.
لتشهق بصدمه وشعر جميع من حولها بالصدمه،
وقال سياف بذهول: إزاي يعنى؟ هى المظلومة تتحبس أكثر منه وهو لأ إيه ناقص نكرمه كمان.
- هو مجرد محرض على الفسق والفجور، لكن هى مارست الدعارة يا سياف.
أجابه السيد أحمد بهدوء لتخفض هى رأسها أرضًا بخجل وحل الصمت على الجميع ليقطع جرير ذلك الصمت قائلًا:
- طيب، والحل ؟
أخذ السيد أحمد نفس عميق وجلس باسترخاء على الكرسي يفكر بعمق، ثم قال: هو حل واحد مفيش غيره، لأنه ببساطه ممكن يؤذيها بأشكال كثيرة.
أنتبه الجميع إلى كلماته وظهر التركيز عليهم حتى تلك الواقفة بعيد تتابع الموقف بصمت : أنا هتعامل معاه بطريقه التهديد ونخدها هى ووالدتها وابنها ونبعدهم عنه تمامًا، نوفر لها شغل وسكن، ونتعامل معاه هو بطريقة القوة وهو من الواضح أنه شخص واطى و خسيس وجبان والتهديد هيجيب معاه نتيجة.
ظل الجميع صامتون ينظرون إليه بتفكير حتى قالت هى: طيب يعنى أنا هعمل إيه دلوقتى؟
لينظر إليها سياف وقال: جرير هيوصلك علشان نعرف عنوانك و انتِ تقوليله على إللى عملته معاكى، ومع الراجل إللى كان معاكى وانك خوفتي ترجعى من غير فلوس فا شوفتي حد تانى، إللى المفروض أنه جرير.
- ده أنا أروى هتعمل منى كريب. قالها جرير بوجه طفولي باكي.
تجاهله الجميع وأكمل سياف بعد أن أخرج مبلغ من المال ومد يده لها بهم: وتسبيلي رقم أقدر أتواصل بيه معاكى.
أومئت بنعم ليمد لها هاتفه لتكتب رقمها وهى تقول:
- أنا مش عارفه أقولكم ايه؟، كتر خيركم، ربنا يجازيكم خير.
ووقفت على قدميها ليقول سياف لجرير بأمر: وصلها وارجع بسرعة.
ليومئ بنعم وأشار لها أن تتقدمه لتسير وهى مطرقة الرأس بخجل وكان سياف يتابعهم بعينيه حتى ألتقت عينيه بعيونها التى تنظر إليه بأعجاب وفخر وكأنها والدته تنظر إليه، توقف الوقت لعدة لحظات حتى أخفضت عيونها وحملت حقيبتها، ثم نظرت إليه نظره خاطفه وغادرت المقهى ظلت عيونه ثابته عليها حتى اختفت من أمامه ليعود بكامل تركيزه إلى المحامي وقال: أنا هعتمد على حضرتك فى الموضوع ده.
ليبتسم السيد أحمد ابتسامه صغيرة وقال: متقلقش خالص، كل حاجه هتحصل زى ما أنت عايز و أكتر
ليقف سياف و هو يقول
- و أي مصاريف تحتاجها هتلاقيها متوفرة
ليقف السيد أحمد أيضاً و قال بعد أن مد يده بالسلام
- أبتلى عنوانها و رقم تليفونها و كله هيبقي تمام
و غادر من فوره و هو يرتب أفكاره فى تنفيذ خطته لينقذ تلك البائسة من تلك الحياة غير الأدمية
ليأخذ سياف نفس عميق براحه … و قلبه يدعوا أن يوفق السيد أحمد فى تخليص تلك البائسة
******************
يجلس داخل سيارته ينظر إلى البيت الذى دخله منتصر منذ عدة دقائق
لا يعلم لما حضر إلى هنا و ماذا سيفعل … هل يصعد إليه الأن و يكتشف ما ورائه … كيف ذلك و ماذا سيقول له (( راقبتك علشان أعرف سرك ))
أخذ نفس عميق و أستغفر الله أكثر من مره ثم نظر إلى منعم وقال
- روحني على البيت
و قبل أن يتحرك منعم بالسيارة …. لاحظ داغر خروج منتصر من البيت و يبدوا على وجهه معالم الخوف و الرعب يتلفت حوله فى كل الاتجاهات فلم يشعر بنفسه و هو يغادر السيارة متوجهاً إليه
و حين وقعت عين منتصر عليه و كأنه قد وجد كنز كبير أمسك به بقوه و هو يقول
- بنتى .. ساعد بنتى
تركه داغر و دخل إلى البيت سريعاً لتقابله صرخات بصوت عالى … صرخات نسائية يتقطع لها نياط القلب و كأنه شخص يحاول طلب النجدة و هو أخرس لا يستطيع الكلام توجه مباشرة إلى ذلك الباب المفتوح و الذى يصدر منه ذلك الصوت
ليقف مكانه جاحظ العينين و هو يرى فتاة شابه ملائكية الملامح تتلوى أرضاً تصرخ بصوت عالى … تحاوط جسدها بذراعيها و كأنها تحمى نفسها من شىء ما …. تهزي بحروف غير مرتبه … كلمات غير مفهومة و كأنها كلمات سحرية ألقت على ذلك الواقف دون حراك تعويذة أسقطت قلبه أسفل قدميه يحبوا فى اتجاهها دون وعى منه
نظر إلى منتصر و قال بصوت عالى
- هو فى أيه ؟ مالها ؟
حين وصل صوته إلى مسامعها عم الصمت أرجاء المكان لتنظر إليه من وضعها أرضا ليشعر الجميع بالخوف من هيئتها .. و كأنها تنظر إليه من أعلى رأسها
كانت الطبيبة المعالجة لها و التى كانت تحاول بشق الأنفس السيطرة على حالتها التى أصبحت أكثر سوء تشعر الأن بالصدمه من هدؤها غير المفهوم و لكن ظلت رؤيا شاخصة ببصرها تجاه داغر بصمت حتى حقنتها الطبيبة بالحقنة المهدئة … لكن الصدمات لم تتوقف حين رفعت رؤيا يديها تشير إليه و هى تزوم بصوت متحشرج و كأنها تطلب منه الاقتراب أو المساعدة حتى أغمضت عينيها تماماً و استسلمت لذلك العالم الهادئ التى توجد به بمفردها
ظل الموقف ثابت لعدة لحظات حتى قالت الطبيبة
- محتاجين ندخلها أوضتها
فأقترب داغر و حملها برفق و وقف ينتظر الطبيبة تدله على الغرفة … فأشارت إلى ذلك الباب المفتوح فدخل منه ليصدم بما رأى … الكثير من الأدوية .. و على السرير وضعت أحزمة مختلفة حتى يتم تقيد من ينام فوق السرير و أيضاً يتدلى من ظهر السرير سلاسل حديدية تنتهى بأساور جلدية لتقيد الذراعين و من الجهة الأخرى ما يشبههم لتقيد القدمين
ظل واقف ينظر إلى ما حوله بذهول رافض أن يضع تلك الملاك الذى يحملها بين يديه فى وسط ذلك السجن البغيض … و بين كل وسائل التعذيب الذى يراها الأن … ليقترب منتصر منه وقال
- نايمه فى مكانها و أنا هفهمك كل حاجة
نظر إليه داغر بغضب شديد ليقول من جديد
- هفهمك
أقترب داغر من السرير و وضع رؤيه فوقه برفق ثم نظر إلى الطبيبة قائلاً و هو يشير إلى كل تلك القيود
- لو حاجه من دى لمستها هنيمك مكانها
و أعتدل واقفا ليتوجه إلى منتصر الذى يقف عند الباب ينتظره
**********************
عائداً إلى المقهى بعد أن أوصل تلك السيده و عرف عنوانها جيداً و حفظه عن ظهر قلب كما أمره سياف … يقود سيارته بسرعه متوسطة خاصة وعقله سارحا فى كل ما سمعه و شاهده اليوم … أن هذا العالم به الكثير من القصص الأكثر رعباً .. أنه لم يتخيل يوماً أن يرى رجلاً أو من يطلقون عليه لقب رجل عرضاً يبيع زوجته لكل من دفع له قرشاً … لا يهتم لشرفه و عرضه … لا يوجد لديه رجوله أو نخوه
كان من داخله يشعر بنار تحرق قلبه .. فهو رجل يرفض أن تهان المرأه بتلك الطريقه
جرير الذى تربى على يد الأستاذ إحسان المنصورى رجل الأدب الأول عاشق للشعر و الذى كان دائماً يتغزل فى والدته بكلمات عذبة و رقيقة … الذى لم يرى منه سوا الحب و التفاهم و المراعاة الدائمة لوالدته رحمها الله
من رآى دموعه يوم وفاتها و كلماته الذى ودعها بها
(( بكت النجوم الليلة لفراقك
و يشعر القمر بالكسوف
أن ينير الدنيا بنوره
و قد غاب نورك عن الدنيا
رفيقة الدرب و الكفاح
و خليلة النفس و الروح
غادرتني اليوم و رحلتي
و تركتنى وحدى أبكى
أدعوك يا ربى أن ترحمها
و أن تؤنس وحدتها
حتى يوم ألتقيها
فأنا سأدفن معها نصف قلبى
فهو ملك لها حتى لقاء
يعود القلب كاملاً بين يديها
فى جنتك الواسعه الغناء
التى لا يوجد بها عذاب و شقاء ))
و من يوم فراقها حين كان صغير لم يرى والده أمرأة غيرها لم ينبض قلبه لسواها …. تعلم منه الحب و أن القلب لمالكه حتى نهاية الحياة
يرى اليوم أشباه الرجال يتاجرون فى عرضهم بأبخس الأثمان
أوقف السيارة على جانب الطريق و أمسك بهاتفه يتصل به يريد أن يستنشق بعض الهواء النظيف فهو يشعر بالأختناق
يريد أن يعود إلى ذلك العالم الذى نشأ به و تربى على مبادئه …. حين وصله صوته قال
- إحنا بقينا فى غابة …. لكن و الله الحيوانات أحسن مننا بكتير
- مالك يا جرير فى أيه ؟
سأله والده باندهاش ليقول هو برجاء
- حضرتك راجع أمتى ؟
- أسبوع يا حبيبى و راجع … أنت كويس و أروى كويسة ؟ طمنى يا ابنى
أجابه سريعاً … و سأله بصوت يملئه القلق
ليأخذ جرير نفس عميق و قال
- أحنا كويسين .. حضرتك بس وحشتنى و وحشنى أسمع قصايد شعرك عن الحب و الحبيبه
ليضحك إحسان بصوت عالى ثم قال
- يا ابنى أسمه العشق و العشاق … أرتقى
ليكون الدور على جرير أن يضحك بصوت عالى و هو يقول بتفكه
- أرتقى …طيب لو حكتلك على إللى شوفته النهارده هتقولى أيه ؟ أرجع بقا يا بابا أنا بجد محتاج نقاء قلبك فى حياتى
خيم الصمت عليهم لعدة ثوانِ كان فيهم جرير يفكر فى كم الفرق بين حياته و ما زرعه والده بداخله و ما شاهده اليوم و كان إحسان يشعر بالقلق و الخوف على ولده و لا يفهم سبب حالته تلك ليقول سريعاً
- أنا راجع بكره يا جرير
**********************
عادت إلى البيت تفكر فى كل ما حدث اليوم أن الأمر كان اليوم مختلف
خروج سياف عن غير المعتاد و غير عادته التدخل فى أى شأن يخص رواد المقهى بتلك الطريقة
وضعت حقيبتها على طاوله الطعام و نظرت إلى الباب المغلق ومن داخلها إحساس قوى أنه قد حان الوقت لكشف نصف الحقيقة
و لكن عليها أن تكون حذره لكل خطوة … فالتسرع قد يسبب جروح لا تندمل أبداً
توجهت إلى غرفتها أبدلت ملابسها سريعاً و توجهت إلى المطبخ أعدت وجبة عشاء خفيفة و دلفت إليها
لتجدها على حالها كما هى تنظر إلى النافذة بصمت غارقة فى عالم خاص بها هى فقط لا أحد يعلم حالها أو بماذا تفكر
جلست أمامها و هى لا تعلم هل شعرت بها أم لا لأنها لم تتحرك و لم يرف لها جفن
بدأت تطعمها و هى تتحدث معها فى كل شىء و أى شىء و لكن لا أستجابه
أخذت نفس عميق و هى تاخد قرارها سوف تذهب للطبيب غدًا، و تناقشه فى الأمر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي