الفصل العاشر

الفصل العاشر

وقف نادر أمام الظابط مهران والذي كانوا أصدقاء دراسة منذ سنوات قبل أن تختلف الطرق ويدلف مهران إلى كلية الشرطة و نادر إلى كلية التجارة: الموضوع لازم يخلص يا مهران، عسران مكنش عايز يقتلنى، ولا يقتل أخته هيعمل كده ليه أصلًا؟
كان مهران ينظر إلى نادر بحاجب مرفوع،
وقال ببعض الغيظ: انت بتضحك على مين يا نادر؟ ما البلد كلها عارفة اللي بين العيلتين.
صمت لثوانِ؛ ثم أكمل: ما تجيب من الآخر، وفهمني انت عايز إيه ؟
نظر نادر إلى مكان وقوف الحج سلمان الغنيمي، ووالده، ثم عاد بنظره إلى مهران وقال: عايزين ننهى الخلاف خالص ويبقي في نسب، وكده نضمن الأمن والأمان فى المنطقة.
ظل مهران ينظر إليه بصمت؛ ثم أخذ نفس عميق،
وقال بابتسامة: كل ده علشان تتجوز ضحى ؟
نادر: لأ مش بس علشان أتجوز ضحى، علشان فى سر كبير أنا لازم أعرفه يا مهران وفي نفس الوقت عايز أحل المشاكل اللي بقت واقفة عقبة قدام العيلتين مش عايز حد من عيلتي يبقا خايف على حياته وحياة عياله، ولا شباب ملهاش ذنب تموت علشان تار وحد من عيلتي يدخل السجن.
قال كلماته بصدق وصل إلى صديقه، لكن من داخله يريد أن يفهم ما كانت تقصده ضحى حين قالت: " كان لازم أدفع تمن خيانتي ليك".
وضع مهران يديه فى جيب بنطاله وأخذ نفس عميق،
ثم قال: ماشى نخلصها يا نادر ونشوف الودي آخره ايه؟
وعادا لمكان وقوف الجميع،
وقال مهران: نادر قال أن الموضوع حصل بالغلط خصوصًا أن مفيش وجه عداوة ما بين نادر، وأخو خطيبته الآنسة ضحى.
نظر سلمان إلى نادر الذى نظر إليه بتحدي،
واقترب زهران من ولده وقال: هي أيه الحكاية يا ولدى ؟
لينظر إليه نادر، وقال بثقه: في نهاية للمشاكل ونسب يا بابا.
ظل زهران صامت ينظر إلى إبنه لعدة ثوانِ؛ ثم أومئ بنعم، وكأن الجميع كان بينهم إتفاق مسبق على ما حدث، ويحدث.
**********************

يقود سيارته عائداً إلى بيت سياف بعد أن أطمئن على المقهى و تأكد من رحيل نورسين التى طلبت منه إيصال رساله لسياف
شعر بالاندهاش من ذلك الأمر، لكن لم يكن بيده شىء سوا تلبية رغبتها وأخذ الرسالة منها، لا يعلم لماذا شعر أن تلك الرسالة بها سر كبير سوف يفتح أبواب عذاب كبيرة لصديقه، لكن ماذا بيده غير أن يوصلها له؟ ويدعوا الله أن يمر الأمر على خير.
أخذ نفس عميق وهو يتذكر زيارته القصيرة إلى أروى التى استقبلته بابتسامتها المعهودة، لكنه يشعر أن بها شىء ما حاول معها بكل طرقه المعتادة حتى يعلم ما بها؟ لكنها أيضًا وبكل ثبات أصرت على كونها بخير تمامًا.
أنتبه من أفكاره على صوت هاتفه ليبتسم بسعادة وهو يجيب قائلًا : وحشتني يا كبير راجع أمتى بقى يا بابا؟
- تعالى خدني من المطار.
أجابه إحسان بصوته الباسم دائمًا، ليقول جرير بعدم تصديق: أنت وصلت بجد يا بابا؟! أنا جاى فورًا.
- سوق على مهلك يا جرير وانا فى إنتظارك.
وصاه والده ثم أغلق الهاتف ليأخذ جرير طريقه إلى المطار بدلاً من بيت سياف،
و خلال طريقه إل دلوقتى ى المطار أتصل بسياف الذى أجابه بعد عدة ثوانِ بصوت ناعس: أيوة يا جرير انت لسه فى الكافيه ؟
لوى جرير فمه كالأطفال وقال: حضرتك نايم وسايب العبد الحبشي اللي انت شاريه يشوف شغلك ويتمرمط مكانك.
ليضحك سياف بصوت عالي، وقال بتهكم: وبتتصل ليه يا عبد؟
جرير: حبيت اطمنك يا مولاي إن مولاتي روحت زي ما آمرت، و حبيت كمان أعرفك أن ابويا رجع من السفر، ورايح أجيبه من المطار، ويمكن مقدرش أرجعلكم.
ضحك سياف على طريقة صديقه المرحة دائمًا،
ثم قال بهدوء: حمدالله على سلامة عمو إحسان، وشكرًا يا صاحبى على تعبك، وخليك مع باباك ومتقلقش على داغر، ولو احتجناك هنتصل بيك.
- الله يسلمك، هقفل أنا بقا، وهبقي أكلمك تانى.
اجابه جرير وأغلق الهاتف وعاد بكل تركيزه إلى الطريق ناسيًا تمامًا أمر رسالة نورسين.
~~~~~~~~~~~~~~~~~
ظل داغر جوار رؤيا التى تمسك بيديه و يدها الأخرى متشبثة بملابسه، لكن هو كان يفكر فى كل ما يحدث ويحاول أن يجد حل لتلك المسكينة، يشعر أنه مسؤول عنها وقلبه يرفض الإبتعاد وعقله يحثه على مساعدتها، نظر إليها ليبتسم إبتسامة صغيرة إنها طفله صغيرة، بوجه ملائكي رقيق مد يديه يبعد يديها عن ملابس برفق حتى لا تستيقظ، ولم يشعر بنفسه وهو يرفع يديها الأخرى يقبلها قبل أن يتركها ويغادر الغرفة، وقف أمام والدها الذى ينظر إليه برجاء وتوسل وضعف، لكنه تجاهل كل ذلك وبكل قوة،
وثبات قال: أنا هخرج ساعة واحده بس وراجع تكون جهزت كل حاجه تخصها وجبت المأذون.
ولم يترك له فرصة أن يجادله أو يعترض وقبل أن يغلق باب الشقة خلفه قال: لو رجعت بعد الساعة وملقتش المأذون هنا هاخدها وامشى ومش هتشوفها، ولا هتعرف ليها طريق.
وأغلق الباب بقوة جعلت جسد منتصر ينتفض من قوتها،
و بعد عدة ثوانِ عاد ليجلس مكانه ووضع رأسه بين يديه بهم لا يعلم إلى متى سيظل لا يستطيع التصرف فى أي أمر يخص ابنته؟! قديمًا أضاع كساب مستقبل ابنته، وحقها والآن يقرر ابنه يصلح أخطاء الماضي بخطىء جديد، ولكن أي خطئ هذا؟! وأبنته تتحول حالتها من حال إلى حال حين تقع عيونها على داغر.
ما سبب هذا وما علاقة داغر بالأمر؟
أنتبه لنفسه ووقف سريعًا وأمسك بهاتفه، وأتصل بكساب الذى أجابه سريعًا وبلهفه ليقول منتصر ببعض الشماتة: ابنك هيصلح غلط زمان يا كساب، إبنك هيشيل ثمن كل أخطائك.
- ابنى فين يا منتصر؟ وايه معنى كلامك ده ؟
قال كساب بغضب شديد ليضحك منتصر بصوت عالي
وهو يقول: معرفش ابنك فين؟ بس اللي أعرفه ومتأكد منه إن وقت الحساب جه، وانت خلاص هتتحاسب على كل اللي حصل زمان أبواب الماضي كلها انفتحت، ومش هتتقفل يا كساب مش هتتقفل خلاص.

وأغلق الهاتف دون أن يستمع لكلماته الغاضبة، وصراخه المتوقع،
ثم دخل سريعًا إلى غرفة ابنته، وجمع كل ملابسها والأدوية الخاصة بها وخرج بهدوء ليبحث عن مأذون ، هو لن يقف تلك المرة فى دور المتفرج فقط، ولكن سيكون له دور ولو كان الأخير.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
عاد داغر إلى بيت سياف الذى كان فى انتظاره ببعض القلق، خاصة وهو لا يعلم لأين ذهب؟ أو ماذا يفعل؟ وبسبب جهله لباقي القصة الصادمة التى أخبرهم بها.
وقف داغر أمام سياف بصمت وكذلك سياف الذى ينظر إلى عمق عينيه يحاول سبر أغواره وفهم مكنون نفسه، لكن دائمًا يظل داغر حصن منيع لأفكار.
ظل الصديقان يقفان أمام بعضهما بصمت حتى قال سياف: أنت ناوي على إيه يا داغر ؟
ظل داغر على صمته لعدة ثوانِ، ثم قال بثبات: الشقة الفاضية اللي فى العمارة هنا لسه موجوده؟
قطب سياف حاجبيه باندهاش، لكنه أومئ بنعم،
ليقول داغر مباشرة : أنا محتاجها، ومحتاجك معايا فى مشوار، ومحتاج جرير كمان.
كان سياف ينظر إلى داغر بتمعن يرى داخل عينيه شىء لا يستطيع فهمه، لكن صديقه ليس بخير، ويحتاج إلى دعم غير مشروط وسوف يهبه ذلك الدعم دون تأخير، ويقف بجانبه ويعلم جيدًا أن صديقه سوف يخبره بكل شىء فى الوقت المناسب،
تحرك فى إتجاه غرفته وهو يقول:
- هجيب المفاتيح علشان ننزل تشوف الشقة، وانت كلم جرير خليه يوصل عمو إحسان للبيت، ويجي بسرعة.
بالفعل نفذ داغر كلمات سياف دون نقاش ورغم حيرة جرير من الأمر إلا أنه أخبره أنه سوف يحضر.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وصل جرير إلى المطار وأخرج هاتفه يتصل بوالده ويخبره بوصوله وبعد عدة دقائق كان والده يجلس بجانبه ينظر إليه بشوق أقترب جرير منه وضمه بقوة وهو يقول: وحشتني قوي يا بابا، ألف حمدالله على سلامتك.
- الله يسلمك يا حبيبى، وانت كمان وحشتني.
أدار جرير السيارة وهو يقول: معلش يا بابا هوصلك البيت وأروح للشباب مش عارف داغر محتاجني فى إيه؟
- مالكم يا ولاد؟
رجعت بدرى مخصوص علشان حسيت إن فى حاجة مش مظبوطة؟
قال إحسان بقلق وخوف، ليأخذ جرير نفس عميق،
وقال بصدق: والله يا بابا مش عارف أقولك أيه؟! بس داغر بيمر بأزمه كبيرة، وانا وسياف بنحاول نفهم الحكاية وندعمه، ونكون جمبه، وسياف كمان فى حاجة مش مفهومه بتحصل حوليه، حاسس إن زى ما يكون فى عاصفه هتضرب حياته الهادية المستقرة.
- وانت يا جرير ؟
سأله إحسان بقلق أب يرى الحيرة، والخوف يسكن أعين وحيده. نظر جرير إليه لثوانِ ثم قال بحيرة : أنا …. أنا تايه يا بابا، تايه و مش عارف ارسي على بر؟!
خيم الصمت عليهم، كل منهم عقله يدور فى دوائر الحيرة و الخوف، وكل منهم يفكر ما هو الحل؟ وكيف يساعد؟!
~~~~~~~~~~~~~~
عادت إلى البيت وهى تشعر بالحيرة، ماذا حدث؟ ولماذا لم ياتى إلى المقهى اليوم؟ وكيف سوف تنتظر حتى عودته التى لا تعلم موعدها؟ وأيضًا جرير لم يطمئنها بشيء رغم تلميحه الأخير (( أصله بيقلق )) ماذا يقصد بتلك الكلمة؟ وهل ذلك الإحساس الذى شعرت به يدغدغ مشاعرها، وقلبها حقيقي؟! وهل قصد هو ذلك المعنى الذى فهمته أم أن كثرة تفكيرها فى سياف جعلها تحمل الأمر أكثر من حجمه؟!
أخذت نفس عميق، واغمضت عينيها، وهى تدعوا الله أن ياتى غدًا، وتستطيع تنفيذ ما أرادت؟
*********************
حين رحل جرير عادت إلى غرفتها من جديد، وفتحت هاتفها تنظر إلى تلك الرسالة التى وجعت قلبها حقًا، هى لم تشك يومًا فى جرير، ولن يحدث يومًا لأنها ترى فى عينيه حبها، وعيونه لا تكذب، هو يحبها بصدق كما تعشقه هى، ولكن من تلك الفتاة التى تريد الايقاع بينها وبينه، ولماذا؟ هل هناك من تحبه؟ وتحاول التقرب منه أم هناك من حاولت بالفعل؟ وهو قد رفض فأرادت أن تزرع الشك بينهم.
هل أخطئت حين اخفت الأمر عنه؟ أم كان هذا هو التصرف الصحيح!
شعرت أنها بحاجة لسماع صوته، وأيضًا أن تطمئنه، وتطمئن بصوته أمسكت هاتفها واتصلت به، وكان هو يقف بسيارته أسفل بناية سياف واتصل به يخبره، وبعد عدة دقائق صعد سياف جوار داغر بعد أن اقترب من جرير وقال له: امشي ورانا بالعربية، و متسألنيش على فين؟ علشان انا معرفش رايحين فين؟
أستمع لصوت هاتفه ورأى اسمها ينير شاشته فأجاب بمرح: حبيبتى اللي قلبها طيب، ودايمًا مهتمة تطمن عليا.
لتضحك بسعادة وهى تقول: وصلت عند سياف، ولا لسه؟
جرير بحب: لأ يا حبيبتى بابا رجع من السفر وجبته من المطار ووصلته البيت، والمفروض كنت هفضل معاه، بس داغر اتصل بيا عايزني انا، وسياف فى مشوار، متسألنيش مشوار إيه؟ لإن محدش فاهم حاجة!
أجابها بتقرير وافى وإجابة نموذجيه لتضحك، وهي تقول: ده لو كنت بتجاوب قدام المخابرات مش هتجاوب بالتفصيل كده؟
ليضحك بصوت عالٍ وهو يقول: ما انا بجاوب الحكومة كلها، لازم، أقدم تقرير وافى، وواضح.
خيم الصمت لعدة ثوانِ حتى قال من جديد: مش ناوية تقولِ ليا مالك بقا ؟
أخذت نفس عميق، وقالت بصدق: متقلقش يا جرير انا بحبك، وعارفه، ومتأكدة انك بتحبني، جرير انا بثق فيك.
شعر أن هناك خطب ما يخص الثقة، لكن كلماتها جعلته يطمئن من جديد.
وقال بمرح: يا بنتى إذا ذُكرت الثقة ذُكر جرير.
لتضحك بصوت عالِ، وقالت: حقيقي يا ثقة، ابقا طمني عليك.
جرير بمشاغبة مرحة كعادته: من عيوني، بس قبل ما اقفل ما تقولي ليا لابسه إيه؟
لترد بغيظ وخجل : قليل الادب.
قال بمرح: قلب قليل الادب.
ثم ضحك بصون عالٍ حين أغلقت الهاتف فى وجهه ليقول لنفسه
- مش عارف ليه دايمًا بتنسي اننا كاتبين كتابنا؟!
********************
وصلوا جميعًا أسفل بناية منتصر، وظل الصديقين صامتين تمامًا دون أن يسألوا عن شىء، أو يقولوا أي شىء فحالة صديقهم لا تسمح بأي سؤال، صعدوا معه وحين وصلوا المكان المقصود كانت الصدمة والذهول يرتسم على ملامحهم، ولم يستطع سياف كتم أسئلته أكثر من ذلك.
- هو في إيه؟ داغر فهمنا؟
نظر داغر إلى منتصر الذى يجلس بصمت، وبجواره المأذون و وقف أمام صديقه وقال: أنا هتجوز رؤيا.
قالها داغر بأقرار ليخيم الصمت على الثلاثة لعدة ثوانِ حتي قال جرير باستفهام: انت واثق من قرارك يا داغر؟ ولا انت بتعمل كده علشان صعبانه عليك؟

قاطع داغر حديث جرير وقال: لأ، وأكمل بصدق: قلبى هو اللي قالِ اعمل كده، لما شوفتها وهى مربوطة.
صمت، ولم يستطع أن يكمل كلماته، لينفخ الهواء ببعض الضيق وأكمل: أنا واخد القرار، وانا متأكد منه يا جرير، ومش هتراجع.
ربت سياف على كتفه وقال بهدوء: واحنا جنبك، ومعاك يا داغر.
نظر إليه داغر بامتنان ليخرج جرير بطاقته،
وقال ببعض المرح: وانا جاهز اشهد على العقد عقبال ما اشهد على عقد جوازك انت كمان يا سياف يا ابن أم سياف.
لينظر إليه سياف بابتسامة مهزوزة، وأخرج هو الآخر بطاقته الشخصية وقال: مبروك يا صاحبى.
وبالفعل تم عقد القران، وأخذ جرير الحقائب، ووضعها فى سيارة داغر، وصعد كل من جرير، وسياف فى سيارة جرير ينتظرون هبوط داغر وعروسه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي