االفصل الخامس

الفصل الخامس

كان إبراهيم يقف أمام سياف ونادر، يفكر بهدوء، ويحاول ترتيب أفكاره ويحدد قدراته على تحمل تلك المسؤليه، ثم قال: مفيش مشكله يا باشمهندس، أنا ممكن أشيل شيفت نادر، بس مش أكتر من أسبوع، لأنه مجهود كبير ومسؤولية.
نظر سياف إلى نادر الذى قال سريعًا: ان شاء الله هرجع قبل الأسبوع.
ليقول سياف بابتسامته الهادئة: خلاص تمام يا رجاله.
ثم أشار إلى نادر وقال: أنت مرتبك هيستمر بدون خصم.
ثم أشار إلى إبراهيم وقال: وانت ليك مكافئه أسبوعين.
وتركهم وغادر عائدًا إلى طاولته التى تجلس عليها نورسين ، لينظر كل منهم إلى الآخر بابتسامة واسعة ثم ذهب إبراهيم إلى عمله وغادر نادر ليستعد إلى العودة إلى بلدته حتى يستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
****************************

جالسه فوق السرير وامامها يجلس الطبيب الذى يبدوا عليه التركيز الشديد، فهو يقوم بتحديد مقاسات الطرف الصناعي وكان جرير يقف خلفه ينظر إليها بحب، يغمز لها من وقت لآخر، وهى تخفض عينيها بخجل، ثم يصدر أي صوت لتنظر إليه، ليخرج لها لسانه بمزاح طفولي، لتضحك بدون صوت ثم تخفض عيونها مرة أخرى، ليناديها بصوت هادئ لتنظر إليه لتجده قد قرب بؤبؤ عينيه من أنفه ورفع حاجبيه وجعد أنفه لتضحك بصوت عالى ليقول الطبيب ببعض الضيق المصطنع: يا ريت شغل تالته أول ده بلاش منه خلوني أركز.
ليضحك الأثنان بصوت عالى، وبعد عدة ثوانِ عم الصمت المكان ليقول الطبيب بعد عدة دقائق: أنا خلصت، وان شاء الله في خلال شهر أو شهر ونص بالكتير والطرف يكون جاهز.
أومئت أروى بنعم. ليقول جرير بأستفهام
‎ وقت الاستخدام سيتعبها
جلس الطبيب خلف مكتبه وخلع نظارته الطبية وقال بهدوء مش سيتعبها بالشكل المفهوم: بس طبعًا هتحتاج شوية وقت تتعود عليه، كمان في مراهم وكريمات مرطبه لبشرة الساق، وكمان بيكون في تلبيسه للساق علشان تكون مرتاحه.
ثم نظر إلى أروى وقال بأقرار: بس أوعدك أن الطرف إللى هيتعمل محدش هيقدر يفرقه عن رجلك الحقيقية.
ليقول جرير ببعض الغضب: إيه يا دكتور أنت بتعاكس مراتى قدامى ولا ايه ؟
نظرت أروى إلى جرير باندهاش ليكمل هو، وكأنه لم يراها بعد أن غمز إلى الطبيب دون أن تنتبه: تقصد أن رجلين مراتى حلوه، ولا حلوه، ما تقول أحسن أنها حلوه.
فهم الطبيب هدف جرير مما يفعل ليقول هو باعتذار: أنا مقصدش طبعًا، بس أقصد أن محدش هيقدر يقول أنها مركبه طرف، وتقدر تمارس حياتها بشكل طبيعي تمامًا.
أمسكت أروى يد جرير وهى تقول بصوت يحمل الكثير من التوتر والقلق: جرير الدكتور ميقصدش حاجه وحشه.
ليجثوا على ركبتيه أمامها وهو يقول: بغير عليكى يا أروى أعمل إيه ؟
لتبتسم بسعادة كبيرة وحب واضح تمامًا في عيونها، ليقبل يديها بحب وتقديس وقبلت هى أعلى رأسه ليقاطع الطبيب ذلك المشهد الرومانسي وهو يقول ببعض الضيق: أتفضل يا أستاذ أنت وهى دى عياده مش كافيه العشاق.
ليضحكا بصوت عالى وقالت أروى بخجل: يلا يا فضحنا دايمًا،
‎ يلا يا قلب إللى فضحك دايمًا.
كان ينظر إلى تلك الورقة المدون فوقها شرح توضيحي لأكثر من ثلاث مئة ورقة، كانت عيونه رغم معرفته المسبقة بما تحتويه تلك الأوراق إلا أن دقتها واتقانها، ،وفهمها لما يريد أبهره بشكل حقيقي.
نظر إليها بابتسامه صغيرة وقال ببرود: مش بطال لأول مرة.
رفعت حاجبها بتحدي ليعتدل فى جلسته وهو يقول: عايزك تبصى على المكان كله بدقه، وعايز عيون خبيرة، وأي ملاحظه مهما كانت بسيطة أكتبها.
كانت تشعر بالاندهاش من كلماته فما تعلمه جيدًا أن ذلك المكان هو قام بكل ما يخصه، لم يترك تفصيله للعمال أو المهندسين ليقطع حبل أفكارها وهو يقول: المكان ده حلم، خيال، ولازم دايمًا يكون موفر لرواده الإحساس ده، أن كل حاجه نفسه فيها، أي شئ يفكر فيه يلاقيه، علشان كده بحب ديماً أشوف المكان بعيون غير عيوني.
أومئت بتفهم ومن داخلها تشعر بأعجابها يزداد، أنه حقًا كما تعرفه، يبحث دائماً عن الكمال لكن بشكل سوي، وقفت على قدميها وهى تقول: هبدء من دلوقتى.
أومئ بنعم، في نفس الوقت الذى أقترب توبه يضع كوب القهوة أمامه وهو يقول: قهوة حضرتك يا باشمهندس؟
‎ أخبار ولدتك إيه يا توبه ؟
أعتدل توبه واقفا وقال بابتسامه كبيرة ‎:بتدعي لحضرتك دي.
أومئ سياف بنعم هو يقول: ربنا يبارك لك في عمرها.
ليغادر توبه عائدًا إلى عمله، ليعود سياف إلى كتابه الذى لم يقرأ منه حرف واحد منذ أنشغل عقله بنورسين.
************************

أنتهى داغر من اجتماعاته الكثيرة وكان فى سيارته عائدا إلى الشركة وبجانبه يجلس منتصر الذى يمسك هاتفه وينظر إلي، وكأنه ينتظر منه شىء، أن يتصل به أحد أو أن يخرج منه شخص عزيز وغالي، أن ذلك الرجل يثير فضوله دائمًا ومهما حاول تجنب التفكير فيه وفى ذلك السر الكبير الذى يخبئه هو ووالده لا يستطيع، دائمًا ما يحدث شىء يثير فضوله أكثر؟
وكأن القدر يعانده، علا صوت هاتف منتصر لينتفض جسده بقوة و كأنه محموم واجاب بصوت مرتعش إجابات أثارت فضول داغر أكثر وأكثر: أيوة يعني إيه، طيب إزاي؟ أنا جاي حالاً.
كلمات متفرقه بين كل كلمه وأخرى صمت يدوم لدقائق، ثم أغلق الهاتف وقال للسائق: أقف هنا يا منعم.
ثم نظر إلى داغر وقال باعتذار: أنا آسف يا باشمهندس، بس أنا لازم أروح البيت فورًا.
ولم ينتظر إجابه داغر أو موافقته، فتح باب السيارة وغادرها، ظل داغر ينظر إلى الباب الذى غادره، ودون أن يحيد بنظره عنه أمر السائق.
- خليك وراه من غير ما يحس بيك.
ورغم اندهاش منعم إلا أنه نفذ الأمر بصمت، عاد داغر بنظره إلى الأمام وهو يفكر
" اليوم سوف يكتشف سر ذلك الرجل، ويرضى فضوله".

******************
وصل جرير إلى المقهى بعد أن أعاد أروى إلى بيتها وتناول معها الغداء
وجد سياف يجلس بمفرده عيونه ثابته على كتابه المفضل يقرأه بتركيز جلس أمامه وهو يقول: غريبة توقعت لما أجي الاقيك لازق فى نورسين علشان تكتشف سرها.
رفع سياف عيونه عن كتابه ونظر إلى صديقه
وقال بهدوء: أتأكدت أنها تعرفني كويس زى ما أنا حاسس أنى أعرفها، الباقي بقا هيجي لوحده.
كان حاجبي جرير مرفوعان حتى منابت شعره ذهولاً وصدمه من هدوء صديقه الذى يصل حد البرود والذى يختلف تمامًا عن حاله بالأمس أو صباحًا.
أقترب توبه ووضع كوب العصير الخاص بجرير وغادر بهدوء حين أغلق سياف الكتاب وقال: فى ولد أسمه آمن هيشتغل معاك هيمسك محاسبه المكان وانت تشرف عليه وتراجع وراه.
ضيق جرير عينيه وهو يقول: إيه حكاية الموظفين اللي المكان مش محتاجهم ده.
أراح سياف ذراعيه على الطاولة وقال بصوت منخفض: ده ولد محتاج شغل وعنده ظروف خاصه وبدل ما اساعده بفلوس كان هيرفضها قولت أشغله.
لمعت عيون جرير بإعجاب شديد بتصرف صديقه وأومئ بنعم دون تعليق،
ليقترب إبراهيم من مكان جلوسهم وبين يديه الأوراق الخاصه بفترة العمل الصباحي وقال: دى كل فواتير الشفت الصباحي يا باشمهندس؟
لينظر إليه جرير بابتسامه صغيرة وقال بتشجيع: كويس إنك فصلت الفواتير يا إبراهيم علشان النظام ميتلغبطش.
أبتسم إبراهيم ابتسامه صغيرة حين فتح الباب ودلفت فتاة تنظر فى كل أرجاء المقهى بعيون زائغه شديدة الحمرة تغلق جاكيت ثقيل بيديها جيداً أقترب منها إبراهيم يشير إلى إحدى الطاولات لينتفض جسدها حينها و لكنها تماسكت قدر الإمكان وهى تسير بجانبه بخطوات متثاقله،
جلست على الكرسي وكأنها تلقى بجسدها على الكرسي ولأول مره يثير أحد رواد المكان نظرات جرير أن يترك ما بيده ويتابعها و كان سياف يشعر أن تلك المرأة خلفها قصه كبيرة، ولأول مرة يشعر بالريبة و القلق ولأول مرة يتعمد الاقتراب من مكان جلوسها حتى يفهم ما يحدث؟
عادت نورسين حين شعرت بغرابة الموقف وجلست على الطاولة التى يجلس عليها جرير الذى نظر إليها باندهاش وقلق،
كانت تلك المرأة تتلفت يميناً ويساراً، وعيونها تنظر لجميع رواد المكان بتفحص حتى أنها نظرت إلى سياف، وجرير الذى سرت قشعريرة مقززه فى جسدهم من تلك النظرات.
مرت عدة دقائق على هذا الوضع حتى علا صوت هاتفها فأجابت لتنتبه حواس سياف بالكامل:
- أنا موجوده فى المكان.
صمتت لثوانِ ثم قالت من جديد:
- طيب هو شكله إيه؟
صمتت لثوانى أخرى، ثم قالت:
- حرام عليك أنت بتعمل فيا كده ليه؟ أنا مراتك حرام عليك.
لتغمض عيونها حين صرخ فيها بصوت عالى، ثم أغلقت الهاتف و عيونها تتجمع بها الدموع حين أقترب منها شخص كبير سنناً و جلس أمامها و قال ببرود:
- أنتِ إللى تبع سعيد؟
أومئت بنعم ليقول لها ببعض الازدراء:
- وملقاش حد أنضف منك شوية.
ثم طرق على الطاولة بيديه عدة طرقات واكمل:
- مش مهم سعيد فهمِك؟
أومئت بنعم بصمت، كل ذلك وسياف يتابع الحديث حرف
والدم يغلى بداخل عروقه وعقله يترجم كل كلماتهم.
ليقول الرجل من جديد:
- أنا عايزك خارسه وعاميه وطرشه ومسمعش منك غير حاضر و أمرك، مفهوم؟
أومئت مره أخرى بنعم ليكمل هو ببرود:
- أنا دافع تمنك كامل لسعيد بس لو عجبتني هتبقى ليكى مكافئه كويسه بس ترضيني.
لم يعد يحتمل أكثر من ذلك ليقف سريعًا وهو يشير لجرير أن يقترب كذلك توبه وابراهيم وحارس الباب ليقفوا جميعا خلف سياف الذى وقف بجانب الطاولة الخاصه بهم ووضع كفيه عليها ينظر إلى الرجل وقال بازدراء:
- لو مخرجتش حالاً من المكان، أنا هطلب البوليس؟
ليشعر الرجل بالتوتر وظهر الخوف جليًا فى عينيه كذلك المرأة التى تجلس أمامه ليكمل سياف: والمكان ده لو فكرت بس تعدى من قدامه صدقني مش هيحصلك كويس.
قرب وجهه من وجه الرجل وقال من بين أسنانه:
- فاهم؟
ليومئ الرجل بنعم ووقف سريعًا ليغادر المكان بعد أن
قال لها : سعيد يجيب فلوسي على داير مليم والا مش هيحصله كويس.
وغادر سريعًا، و كأن وحوش العالم تركض خلفه لينظر سياف إليها وقال: وانت بدل الاستسلام اللي انت فيه ده، و بدل ما أنتِ قابله تعيشي عمرك كله فى الحرام اطلعى من هنا على القسم وبلغي عن جوزك حتى لو أتقتلتى أو اتسجنتي هيكون أكرم واشرف ليكى من اللي اتتِ فيه ده.
كانت تنظر إليه والدموع تغرق عينيها ووجها ثم قالت: لو عليا أنا مستعده أموت نفسى بإيدي ولا اني أعمل كده بس هو ماسكني من رقبتي بابني وامي.
ظهر الاهتمام على وجه سياف الذى نظر إلى جرير الذى قام بدوره بان جعل الباقي يعودوا إلى عملهم جلس سياف فى نفس المكان الذى غادره الرجل منذ قليل وقال: أنا هساعدك بس توعديني إنك انتِ كمان تساعدني.
أومئت بنعم سريعًا وهى تقول بلهفه: كل إللى هتقول عليه هعمله و فورًا أنا من إيدك دى لأيدك دى.
أومئ بنعم وأخرج هاتفه يتصل بالمحامي الخاص به يطلب حضوره وبالفعل بعد أقل من خمسة عشر دقيقة كان يجلس أمامهم يستمع إلى قصتها بالكامل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي