نوردربي

ياسمينا العايب`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-03-26ضع على الرف
  • 22.6K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الرابع

الفصل الرابع

توجه ذلك الشاب إلى طاولة بعيده نسبيًا عن جميع زوار المقهى لكنها قريبه جدًا من مكان جلوسه، وجلس دون أن ينظر حوله عيونه ثابته على الطاولة التى أمامه حتى أنه حين أقترب نادر منه لم يرفع عيونه إليه، ولكنه أومئ بنعم فقط.
ليغادر نادر بهدوء.
شعر سياف بالفضول الشديد تجاه ذلك الشاب وانتبهت كل حواسه لمراقبته حتى أنه لم يشعر بنورسين حين وصلت واقتربت منه و جلست على إحدى كراسي الطاولة تتابع نفس الشاب بصمت،
كان ذلك الشاب يضع يديه المتشابكة فوق الطاولة، وكانت ساقه اليسرى تهتز بتوتر وقلق، فتح باب المقهى ودلفت سيدة كبيرة بالعمر، ولكن ملامحها جامده، حاده، وقاسيه، أقتربت من طاولة ذلك الشاب ودون كلمه ودون أن يرفع هو عيونه إليها، انتبهت حواس سياف كامله حين وصله صوت السيدة
تقول بصوت غليظ: هو أنا مش قولتلك ألف مره متتصلش بيا إنت مش بتسمع الكلام ليه ؟
رفع الشاب عيونه إليها وقال باعتذار وبصوت مكسور: أنا آسف حضرتك بس أنا كنت محتاج مصاريف الجامعه واتصلت بالسكرتير بتاع حضرتك لكن هو مردش عليا.
نفخت السيدة بصوت عالى، ثم قالت: امتي أخلص منك ومن قرفك ومصاريفك، هتفضل طول عمرك تفكرني بغلطتي القديمة وجوازي من أبوك.
أخفض ذلك الشاب رأسه دون أن يجيب على كلماتها القاسية، فتحت حقيبتها وأخرجت ظرف أبيض كبير ووضعته على الطاولة أمامه وهى تقول بغلظة: أدى مصاريف جامعتك ومصاريفك الشهرية، ويا ريت مسمعش صوتك تانى غير علشان تبلغني بأن أبوك مات، وأنا هكلم السكرتير حسام يرد عليك، مفهوم.
ولم تنتظر رده لتقف وغادرت المقهى بثبات وقوة، وجمود لم يراه سياف يومًا على أحد، لكن ما ألم قلبه بحق هى دموع ذلك الشاب و هو يرفع يديه يمسك ذلك الظرف وأخرج الهاتف وأتصل بشخص ما، ثم قال بصوت مكتوم: فلوس العملية معايا، بابا هيعمل العملية امتي ؟
صمت لثوانِ ثم قال بابتسامه صغيرة وحزينة: خلاص يا دكتور بكره الصبح هنكون عندك.
أغلق الهاتف، ولكنه أجرى مكالمه أخرى وقال بصوت سعيد رغم تلك الدمعات التى تنحدر فوق وجنتيه: أنا اتفقت مع الدكتور يا بابا، وهتعمل العملية بكره إن شاء الله.
سكت لثوانِ ثم قال: أنا جايلك حالاً مش هتأخر، مع السلامة يا بابا.
لم يشعر سياف بنفسه وهو يقف ويتوجه إليه وجلس أمامه لينظر إليه الشاب باندهاش ليمد سياف يديه وهو يقول: سياف الزهراني صاحب الكافيه.
وضع الشاب يديه بيد سياف وقال: أهلًا بحضرتك، أنا آمن الغندور.
أبتسم سياف وهو يقول: أسمك حلو اووى، في كليه إيه ؟
تجارة.
أجابه بهدوء، ليبتسم سياف وهو يقول: دى فرصة هايلة، أنا محتاج محاسب للكافية، صحيح صاحبى هو إللى ماسكلى الحسابات بس أنا عايز حد متخصص، لو انت مستعد تشتغل وانت بتدرس هكون سعيد جدًا إنك تشتغل معانا هنا.
كان آمن ينظر إليه بصدمه، وعدم تصديق ليكمل سياف كلماته:
أطمن على والدك وتيجى تستلم شغلك أتفقنا.
أتفقنا طبعًا ، شكرًا جداً لحضرتك أنا مش عارف أقول ايه؟ حضرتك ملاك ربنا بعته ليا من السما أنا هعيش عمرى كله مديون.....
ليوقف سياف سيل كلماته وقال بهدوء: الشغل والخير بينادي صاحبه، وانت مش مديون ليا بأي حاجه غير إنك تعمل شغلك بكل ضمير، أتفقنا.
أبتسم آمن بسعادة كبيرة، وقال بعد أن وقف على قدميه: أكيد أتفقنا، شكرًا جدًا لحضرتك.
و غادر سريعًا، بحال عكس الحال الذى دخل به إلى المكان، وكان سياف يشعر بسعادة كبيرة وراحه لا وصف لها ورضا تام بما قام به أنتبه من أفكاره على صوتها وهى تقول: فرحتوا جدًا، ربنا ان شاء الله يجازيك خير.
وقف ينظر إليها لعدة ثوانِ دون أن يجيبها، ثم قال بعد أن نظر إلى ساعته: حمدالله على السلامة عندك تأخير نص ساعة.
لتبتسم ابتسامه صغيرة وقالت بهدوء: انا وصلت هنا من أول ما والدة آمن كانت لسه واصله يعنى أنا جايه في معادى حضرتك اللي ما انتبهت ليا.
وتركته واقف وعادت إلى طاولته وجلست عليها بهدوء، ليبتسم هو إبتسامة صغيره ثم عاد إلى طاولته.
**************************

وصل داغر إلى الشركة ومباشرة إلى مكتبه كالعادة ولكن رغم انشغاله وكثرة العمل إلا أنه حين تقع عينيه على الأستاذ منتصر يتذكر ما يثير فضوله خاصه وهو الأن أصبح شديد الإنتباه لكل تحركاته، مهما كانت بسيطة.
كانتباهه لمكالماته الهاتفية الكثيرة .. و التى يقف حينها في أقصى مكان بمكتبه و يتكلم بهمس لا يستطيع أحد سماعه .. و أيضاً أنه لا يجعل إحدى هذه المكالمات تمر دون رد مهما كان السبب
كل ذلك جعل الفضول يزيد داخله، وهو لم يكن يوماً فضوليا بهذا الشكل، ومن المؤكد هذا أكثر ما يضايقه أنتبه من أفكاره على صوت طرقات على الباب و دخول صاحبها يقول بعمليه شديده
معاد اجتماع حضرتك مع شركة البناء.
أومئ داغر بنعم.
أغلق حاسوبه، ثم وقف على قدميه ليمد له منتصر يده بملف به بعض الأوراق وقال: حضرتك لازم تراجع الأوراق دى قبل ما نقابلهم.
قطب داغر حاجبيه ببعض الضيق وهو يقول: لسه فاكر تجيب الورق دلوقتى؟
أجابه منتصر بهدوء شديد: الطريق مدته تقريبًا تلت ساعة أعتقد ده وقت كافي إن حضرتك تراجع الأوراق.
خيم الصمت عليهم لثوانِ، ثم قال داغر بأستفهام: هو المعاد عندهم؟
أومئ منتصر بنعم ليأخذ داغر نفس عميق وهو يلوم نفسه على كثرة تركيزه في أشياء أخرى غير عمله، وخلال مروره بممرات الشركة حتى وصل إلى سيارته كان أتخذ قراره أنه لن يهتم لما وراء منتصر أو والده، سيعود داغر الصخر الذى لا يتأثر بأي شئ
دون أن يعلم أن القدر قد سطر حروفه، وحدد قدره الذى لن يستطيع الهروب منه.
***************************
من يراه الأن لن يعرفه، عصبي بشكل لا يوصف، وأكثر من مره رفع صوته على العاملين بالمقهى، وكانت هى تعمل بكل هدوء و كأنها ليست سبب غضبه، وانفعاله.
لم يعد يحتمل كل ذلك، خرج من المقهى يحاول استنشاق بعض الهواء، ولكن ما قابله كانت أشعة الشمس الحارقة التى جعلته يزداد غضباً هو بطبعه إنسان ليلى، لا يفضل الأضواء الساطعة و علاقته بأشعة الشمس هى فقط أول خيوطها صباحًا، وآخر خيوطها وقت المغيب، عاد إلى الداخل و مباشرة إلى الطاولة التى تجلس عليها وجلس أمامها،
وقال بشكل مباشر وببعض العصبية: انتِ مين ؟
رفعت عيونها عن تلك الأوراق التى لا تعلم لماذا يجعلها تراجعها؟ وقالت بهدوء مشابه لهدوئه: نورسين.
لوى فمه بضيق وهو يقول بنفاذ صبر: مش بسأل عن أسمك، أنا عايز أعرف انتِ مين ؟ وتعرفيني منين ؟ أو أنا ليه حاسس إني أعرفك ؟
توترت قليلًا، وزاغت نظراتها لثوانِ، ثم عادت إلى ثباتها من جديد وقالت: حضرتك بتسألني أسئلة ماليش علاقه بيها، حضرتك محتار أنا ذنبى ايه؟
الآن تأكد هذه الفتاة تعرفه جيدًا، وذلك الشعور الذى يملئه حقيقي، هو قد ألتقى بها من قبل، قلبه يخبره أنه يعرفها، لكنه حقًا لا يتذكر، أخذ نفس عميق وهو يلعن تلك الحادث التى جعلته ينسى الكثير من ذكرياته، والكثير من الشخصيات، لكن من الواضح أن لقلبه ذكريات مع تلك الفتاة وعليه أن يذكرها.
ولكن عليه أن يلعب معها، بطريقته، ولكل لعبه قواعد ولن يكون سياف الزهراني أن لم تدار تلك اللعبه بقواعده هو.
أعتدل في جلسته وقال بهدوء شديد ، وكأن من كان يتحدث منذ قليل شخص آخر غيره: خلصتي مراجعة الأوراق ؟
أومئت بنعم ليقول هو ببرود : انتِ مش خارسه علشان نتعامل بلغة الإشارة، المهم عايز ملخص كتابي بكل إللى قريتيه معاكى ساعة.
وغادر دون أن يسمح لها أن تقول أي شئ، ولكن مع نفسها قالت كل شئ وأكثر، وحين انتهت أخذت نفس عميق وهى تمسك بالقلم و تبدء في خط ما فهمته مما قرأت ولكنها قبل كل ذلك رفعت عيونها تنظر إليه وهو يتحدث مع نادر وقالت: شكلي ماشيه صح، وأول الخطوات تمت بنجاح.
ثم أخذت نفس عميق مع إبتسامة ثقه وقالت بتحدي: ماشى يا الزهراني.
**********************************
حين غادر طاولتها لفت إنتابهه وقفة نادر في إحدى الأركان يتحدث عبر الهاتف لكن لغة جسده أنبته أنه يتشاجر أو أن هناك ما أزعجه بشده، ظل واقف على مسافه مناسبه منها يراه نادر حين يلتفت و أيضاً لا يتلصص على حديثه.
وبالفعل حين ألتفت نادر، وشاهد سياف شعر قليلًا بالخجل ليقول سياف سريعًا: أنا مسمعتش مكالمتك، بس عايز أفهم في ايه يمكن أقدر أساعدك؟
نظر نادر أرضًا، ثم قال: في الحقيقة يا باشمهندس أنا محتاج اجازة، لأنى لازم أسافر البلد.
شعر سياف أن نادر لن يخبره بما يضايقه، بالأساس هو يعلم نادر جيدًا، شاب صعيدي أسمر، صاحب شهامة ونخوه، كتوم بشكل لم يراه على أي شخص من قبل، جاد جدًا، رغم أن لديه حس فكاهي مميز، وضحكته حقًا مميزه إلا إنه يلتزم دائماً بالجدية.
أخذ سياف نفس عميق واومئ بنعم، ثم قال: محتاج أجازه قد أيه ؟
أسبوع.
أجابه نادر بهدوء.
ليرفع سياف حاجبيه باندهاش، ثم قال: هرد عليك لما إبراهيم يجى ماشى.
أومئ نادر بنعم وقال باحترام: ماشى يا باشمهندس، بعد إذنك أروح أشوف شغلي.
أومئ له بنعم وعقله يبحث عن سبب تلك الإجازة، وأيضًا لديه شعور كبير بالقلق لا يفهم سببه، لكنه ذكر الله في سره والتفت ينظر إليها منهمكة في كتابة ما يحفظه عن ظهر قلب، لكن عليها أن تعلم جيدا من هو سياف الزهراني.
*********************

خرج جرير من عمله متوجها مباشرة إلى منزل أروى، لقد حدد موعد مع الطبيب، ولن يسمح لها بالتفكير أو بالتراجع عما أخبرته به صباحاً، أوقف السيارة أسفل بنايتها و أنتظرها بالأسفل كما طلبت منه، أحيانًا كثيرة يشعر بالشفقة عليها رغم أنه فخور بها دائماً خاصة وهى تتحدى كل ظروفها بقوة وصلابه وثبات أيضًا، كان يفكر في كل هذا وعينه ثابته على مدخل البناية أبتسم ابتسامة صغيرة حين رأها تقف هناك بالكرسي المتحرك تنتظره يضع لها مزلاجه الخاص الذى قام بتصميمه ووقف على يد الرجل حتى أنتهى منه كما يريد تمام.
مزلاج أبيض رسم عليه بألوان مشرقه صورة فتاة ملثمه شعرها يتطاير خلفها بقوة تقف على قدميها فوق سطح قطار مسرع، و حين شاهدته وسألته عن معنى تلك الرسمة؟ قال:
" دى أنتِ لأنك قويه جدًا أنا شايفك كده".
انتبهت من أفكارها على صوته وهو يقول بمرح:
أتفضل يا مولاتي أنا فرشت السجادة الحمرا.
ابتسمت ابتسامه واسعة وحركت الكرسي في إتجاه المزلاج وهى تقول ببعض العتاب: على فكره أنا جاهزة من بدرى، حضرتك عند تأخير عشر دقايق، ولازم تدفع غرامه.
نظر إليها وهى تقف بجانب السيارة وأبتسم ابتسامه صغيرة وهو يرفع المزلاج عن الأرض، وإعادة إلى مكانه في حقيبة السيارة و أغلقها وعاد ليقف أمامها من جديد وهو يقول: أنا آسف يا مولاتي، وأنا مستعد لدفع الغرامة ودلوقتى، أنا أصلًا مش بقفش من البؤس.
لتضحك بصوت عالى بعد أن دعته (( بالسافل ))، فتح باب السيارة و أقترب منها يحملها برفق، وهو يهمس بجانب أذنها: قلب السافل.
أغلق باب السيارة ووضع الكرسي في الاريكه الخلفية وتوجه إلى الباب الآخر وجلس في مكانه وهو يقول: بعد ما نخلص معاد الدكتور أدفع أنا الغرامة بتاعتي، وتدفعي أنتِ كمان الغرام بتاعتك
وقال الأخيرة بغمزه مشاغبة، لتخبئ وجهها بكفيها بخجل، ليضحك هو بصوت عالى، ثم قال: ومش هتنازل زى كل مرة، النهاردة يوم الحساب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي