بوابة النجوم

Asmaasabry mohamed`بقلم

  • أعمال مشتقة

    النوع
  • 2023-09-25ضع على الرف
  • 18.2K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

الفصل الأول..

ليس كل متسع يمكنك العيش فيه، بينما أنت تمر بالصعاب وعظيم الشدائد، لطّف على قلبك بالمرور.
عبثُ ظنونك بدوام الضنك هو أَثرٌ لأفكارك، وأدٌ لمشاعر تبيت تالفة، في هذه الحياة لا منجى من الصعاب وعليك أن تتخد منها حلوها لتقبل على القادم بعقل فطن.
عائد الحمول يجعلك تتجاوز عن ذلات من حولك من حاقد ومكيد مدبر.
تجعل منك الأقوى لتحمل ما هو أقوى هذه القاعدة؛ ليس وهنًا أرهقته الأزمات.
وتذكر دائمًا لن تندم حين تنظر تحت قدميك، فهذه دالة الطريق لما تراه من متسع بعيد.

هذه الكلمات كانت نهاية ما قرأته في مذاكرات أبي.
لا أعلم مدى عمق ما تقصده تلك الحروف المبعثرة، لكن هذا ما تركه قبل رحلته الأخيرة.
نعم الأخيرة لأن قدراته خالفت الثقة هذه المرة ولم يعد مذُ آن ذاك.
أشعر بالأمية حين أفكر بما كان يدور في عقله وهو يخط هذه الرسالة،  أشعر وكأنه يخاطبني حقًا، كأنه يعلم أن ابنه سيرث منه فضوله لمعرفة مكانه أو عزمه للوصول إليه، حتى بدت لي في بعض الأحيان ناقصة، مرارًا ما سألت والدتي عن مقصده ولكن كان ردها المعتاد:
- هذه هراءت لا عليك منها وانتبه لحالك، لم يعد أباك معنا ولن يعد.
كانت تلقي عليَّ حديثها كل مره على وتيرة مشحونة  بالغضب المكبوت الذي لم يغيره السنون،  مر خمسة أعوام منذُ تلك الليلة  وهي كلما حاولت فتح  الحديث معها  اشتعلت غاضبة آبية أن تحدثني عن والدي أو أي شيء عنه.
حينما يضيق بي الحال وينهش الفضول قلبي كنت أذهب إلى "كاثرين " صديقة أبي في رحلاته وهي الوحيدة التي كانت تتحدث عنه بلهفة وشوق، ثقتها بعودته هي من كانت تحفزني للبحث عنه.

هل بإمكانه العودة ثانية لكوكبنا؟! أو بات الأمر محال بعد كل ما مر؟! 

كانت هذه هي أسألتي المتكررة بعد أن تنتهي من قصص عبور أبي الناجحة والمزهلة للعالم ، من "بوابة النجوم " لإنقاذ عالم آخر.

هذه العجوز رفيقة دربة، داعمه الأول لم تيأس قط من مواساتي وحثي على البحث عنه.

مر عام وأنا أبحث وأبحث في جُل متعلقاته،لكن من دون فائدة، كانت كاثرين دائمًا ما تقول لي أن "جاكسون " والدي يجمع متعلقاته وأسرار رحلاته في كتاب وخرائط، أمي هي فقط من تعرف مكانهم.

  إنها الثانية عشر منتصف الليل، انقطع التيار الكهربي عن المدينة، السماء تمطر بشدة، أزجة النوافذ المنكسرة بعضها يضاربها الهواء لتصدر تلك الأصوات المزعجة،  مما أزعج والدتي فاندفعت بي  موبخةً إهمالي بعدما طلبت مني مرارًا أن أحضر أحد العاملين لتغيرهم.

كنت أهرول وأنا أغلق النوافذ، شبه صارع قوي بيني وبين شدة التيار، حتى صدمت قدماي بتلك القطعة الحديدة، التي عرقلت خطواتي لأسقط مكبًا على وجهي.
تأوهت قليلًا في مكاني لأنهض بعد دقائق بكسل وإذا بخطواتي يقرع صداها  في القبو أسفل منزلنا.

أمسكت بذلك المقبض الحديدي رافعًا إياه للأعلى محدثًا صرير يكاد يسمع رغم كل هذه الزوابع.
حملتني قدماي لأهبط وبيدي هاتفي أنير به.
أخذت عيناي تجوب المكان، هو خال من الحياة الآدمية، لا يسكنه سوى أعشاش العناكب العملاقة وبعض من الأصوات التي لا أريد تصديقها، أنها فعلا أصوات فئران؛ فأنا أخشاهم وبشدة، وما عليَّ فعله الآن  هو تجاهل أصواتهم كما أتتجاهل رجفة قدماي وتصارع نبضات قلبي.

ظللَّتُ لدقائق وأنا أبحث عن أي دالة تأخذني لمعرفة طريق أبي، لكن مر أكثر من عشر دقائق وأنا لم أجد شيء، قد يتعجب الناس من هذه الدقائق المريعة فأنا أخشى شيئين في حياتي المرتفعات والأماكن المغلقة التي بالكاد يصحبها الظلام.
بدأت أنفاسي تتضارب وتختنق قليلًا، لا أعلم من الخوف أو عجز البقاء أكثر رغم حاجة عقلي الملح في ذلك.

حينها قررت الخروج من الغرفة، بقرار حتمية الرجوع   ثانية ولكن ليس بمفردي.

...

إنها السادسة صباحا، خمس دقائق وسيصدح رنين المنبه في الغرفة، ستدلف أمي مناديةً:

- هيا أيها العجوز المسخوط في جسد صبي يبلغ الخماسة عشر، أعدتت لك فطورك المفضل.
لنذهب سويًا نجمع الأعشاب من الحديقة قبل أنا تهجم علينا الشمس بأشعتها.

وأنا أيضًا كالمعتاد بكسل مغمغمًا:

- لم تملي من جمع الأعشاب يومًا ي أمي؟!
لن يضر إن لم نجمعهم يومًا واحدًا فقط، فأنا أنزعج من بعض روائحها.

ـ حسنًا بإمكاني ي عجوزي متهالك البنية،  اليوم هو إجازتك.

حينها انتفضت من على الفراش مردفًا بلهفة:

- أحقًا تتحدثين؟!
هي مرتها الأولى التي لم تقل لي" من الأفضل أن تقم بجسد خالٍ من الكدمات أثر ضربي "

ضحكت متمتمة وهي تزيح ستائر النافذة:
- بالطبع ي بنيَّ حقًا.
فأنا كنت أنوي أن ابتاع لك إحدى الأطقم الجديدة لبداية العام الدراسي، لكن لا داعي لذلك، استكمل نومك وأنا أيضًا سأرتاح، فنحن لا حاجة لنا للعمل، سنأكل  ونشترى ما تهواه الأنفس في أحلامك.

هرولت أحتضنها متمتمًا:

- يا أمي، لا عليك من هرائي هذا، كما قولت صبي عجوز، الخرف وارد عليه.
متى ستبتاعين تلك الملابس لي؟

ـ ألم أخبرك منذ قليل في أحلامك.

وقفت أمامها متمكنًا بقوة من تمثيل صدمتي حتى كادت الدموع تسقط من عيني، فأنا أعلم رغم صرامتها لكنها  ستشفق عليَّ، حتى ضربني بخفة على رأسي قائلة:

- لا تنظر إليَّ ثانية بتلك العيون، لا أتحمل هذه النظرة تأثرني.

عدلت ياقة منامتي بغرور وأنا أردف:

- تذكرك بأبي أعلم.

امتعضت ملامحها في برهة مردفة:
- الفطور على الطاولة، بإمكانك الفطور لحين أتجهز للخروج هيا.

أعلم أن الحديث عن أبي يعكر صفوها النادر، ولكني أستغل مزاجيتها المعتدلة قليلًا في العثور على أي دالة له.
لم تخبرني يومًا أنه توفى، لأني أعلم من كاثرين أنها شهدت على قصتهم الكثير من الحب بينهم، وحال أمي هذا من فرط حزنها وعتبها لأبي.
أخبرتني أنها في هذه الرحلة خصيصًا لم تكن راضيةً عن ذهابه وكانت تشعر بعدم عودته، لكن أبي اتخذ حديثها على محمل اللهفة والمشاعر النسائية السازجة لا أكثر، وتركها عابرًا من تلك البوابة أمام عينيها.
كنت في الخامسة حينها، لازلت أذكر أمي وهي تبكي وتصرخ بإسمه من جُل جوارحها، كما أذكر أيضًا لهفة أبي وحماسه في العبور.

دائما ما كنت افتح الحديث أمام كاثرين وما حدث له أمامها، ولكن هي أيضًا تبغضها غالب الوقت وتعلق عليها سبب غيابه، لأنها هي من أتت برسالتها الأخيرة وأوصلتها إياه دافعةً له أن يذهب.

كاثرين لم تفارقه قط، لكن هذه المرة أغلقت البوابة بعد عبور أبي وكانت الصدمة حليفة الجميع.

..
نحن في طريقنا لجمع الأعشاب حاولت التحدث معها وملاطفتها قليلًا، لكن لم تأب فك حصار غضبها الساكن.
لا أعلم ما الذي دفعني لفعل ذلك ولكن ألقيت بسلة الأعشاب من يدي وانفجرت بوجهها:

- كفى ي أمي كفى، مر الكثير على هذا الصمت الدفين،  بإمكانك الفصح ولو لقليل لأجلي.
أنه أيضًا أبي وأنا أوقن بأن أنفاسه مازالت في هذه الحياة تصارعها، وأعلم أيضًا أنك على علم بطريقة، كاثرين أخبرتني أن خريطة الوصول إليه معكِ وأنه لم يأخذ متعلقاته حين ذهابه.
عدم إفصاحك عن ذلك مشاركة فعلية في جرحي وبؤسي وأنا ابحث عنه أمام عينيك بشتى الطرق وأنت تناظرين ذلك بهدوء جارف لجنوني.

رمقتني بنظرة مليئة بالقهر والأسى، تلك العبرات المتحجرة مزقت نياط قلبي، قالت الكثير والكثير من العتب واللوم وهي صامته.
ارتجفت أوصالي حين رأيت سلة الأعشاب تقع من بين يديها أرضًا، تفصح عن ياقة ملابسها مخرجة بيدها قلادة طويلة، ينتصفها مفتاح عتيق الهيئة أسود اللون، وألقتها بوجهي، همت تجر خيبات ومرارة حديثي خالفها.

لعنت نفسي طيلة طريق العودة خلفها، لكن لم أجد سوى كاثرين أمامي لحل الموقف ومعرفة ما وراء هذا المفتاح أيضًا، مؤكد أنه مفتاح لكل أسألتي وكيفية الوصول لأبي.

كنت أقص لـ كاثرين ما حدث وكيف تسببت في جرح أمي بعدما تحملت من أزى وعبأ تربيتي، ومن أين أتتني القوة والقسوة لفعل ذلك، لكنها لم يعنيها حديثي هذا جملةً، كل ما كنت تفكر به هو ما خلف هذا المفتاح.

- قولت لي أنها فقط ألقت بوجهك هذا المفتاح ولم تنطق بشفا كلمة واحدة؟

ـ طفح الكيل أنتِ الأخرى، أخبرك أنني ولأول مرة صرخت بوجه أمي.
أقسم لك أنني شعرت بروحها تتناثر أمام عيني، وأنتِ كل ما يعنيك هو المفتاح فقط.

ـ أعتذر منك ي صغيري، اهدأ، سآخذ بيدك الأن حتى نصلح ما أفسده لسانك هذا،  هيا.

ـ لا، سلمت، ابقِ أنتِ هنا وأنا سأذهب، ما أفسدته بنفسي سأصلحه بنفسي.

تركتها وهممتُ لأخرج من منزلها، إذا بأقدامي تحجرت من صدمة ما رأيت فور أن فتحت الباب...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي