الفصلالثالث عشر

بوابة النجوم

أن تُربِتَ السكينة قلبي، وتدركني الرحمة، أن تعرفني الطيبات، وتُفتح لي الأبواب المغلقة، أن يسمع الله مناجتي، ويهديني خير السبيل، أن يرافقني اللِين، وتمُن الحياة حسنها، أن تيسِّر لي المعثرات، ويستقيم قلبي على الصراط، أن يتسع صدري للصفح عن ما مضىٰ ، ويُمد صبري على ما هو قادم، أن يغفر لي خطيئتي، ويعفوا دون الفصح يوم العرض، أن يغمر السلوان وجداني ، ويمحو التغافل أحزاني، أن يتوسد الأمان خاطري، ويجبر القلب خالقي. 

التفت لهم وأنا أطالع دانييل جاكسون بعيون تتحجر بها الدمع وألقيت بنفسي وأنا مازلت أطالعه.
ابتلعني البحر وانساب جسدي بالماء، ظل يهبط ويهبط حتى وصلت للقاع، لا أعلم كم استغرقت من الوقت للنزول أسفل قاع بحر الظلمات أو على ما أراه الأن بحر الاموات، قاع البحر هو مقبرة للعظام والهياكل البشرية، كم هائل وأكوام فوق بعضها البعض، لم أرها قط في المرة الأولى التي هبطت فيها، درجة الحرارة به هي درجة الموت لا يوجد ما يدعى حرارة بالأصل، تلك الملابس التي أعطاني إياها مورغان كانت تحميني في باديء الأمر، لكن الأن أنا سأموت متجمدًا حتمًا.

حاولت جاهدًا أن أسبح بين الصخور والطحالب والهياكل العظمية باحثًا عن ذلك الضوء الذي سيدلني على حجر الطاقة أو ما يدعونه حجر الياقوت، لكن ما رأيته جعلني أقف مكاني مفزوعًا.

خمس أجساد مصلبين داخل أقفاص حديدية، ببنية صحيحة لم تؤثر بها الماء، كأنهم ألقوا للتو بها، اقتربت منهم متوجسًا أي خطر يصدر منهن، فكلهن سيدات بوجه واحد، ملامح واحدة وجسد واحد، كأنها امرأة ونسخ منها أربعة أخريات.
كلما حاولت النظر لواحدة تنظر لي وكأنها تراني، أردت أن أشيح بنظري عنهن، متغافلًا عن وجودهم، لكن خمستهم في نفس واحد صاحوا منادين:

- نيل، انتظر،  لن تصل للحجر قبل أن تفك أسرنا.
حتى صراخ استغاثتي أو غضبي لن يسمعه أحد من تحت الماء، طفح الكيل، جسدي بدأ يؤلمني بقوة أثر البرودة:
- وكيف لي بهذا، من أنتن، ومن فعل بكم هذا؟
ـ نحن واحدة فقط، وعليك معرفة الحقيقية من بيننا، لديك فرصة واحدة لـ معرفة ذلك، وعقب معرفتها تحت قدميها مفتاح القفص، مد يدك جالبًا إياه حتى تفك أسرها.
ـ اااه من الدنيا وما عليها، كيف لي بمعرفة من منكن الحقيقه ومن منكم المسخ لها؟
أنتن تشبهن بعضكم البعض كثيرًا.
ـ طالعنا بعقلك وقلبك، وأنت ستعلم.
ـ حسنًا، رأفة بي، لو أخبرتني الحقيقة وأعلنت عن نفسها لن يكون الأمر أسهل لي ولها.
ـ حسنًا أنا الحقيقة وهن المسخ.
ـ لا تسمع منها أنا الحقيقية.
ـ كلاهما تكذبان، أنا الأصل.
ـ بل أنا.
ـ كفاكم كذبًا هي أنا.
ـ اصمتن، اصمتن، لا أريد سماع أي منكم، أنا بنفسي سأعرف من هي،  لا أريد سماع صوت أحدًا منكن.
اقتربت منهم أكثر حاولت التمعن فيهن لأرى أي خلاف بينهم لكن لم أجد،  ظللت أدور وأتفقد حولهم لكن من دون فائدة،  دورت خلفهم لدقائق ومن ثم عاودت أقف بوجهتهم مردفًا:
- علمت من هي منكم الأصلية.
ـ من هي؟
اقتربت من الوسطى ومددت يدي تحت قدمها وإذا بقطعة حديدية تحت يدي سحبتها وكان المفتاح، صحت فرحًا وأنا امسك به، فاتحًا لها الباب بعد محاولات عدة، فـ انخفاض درجة الحرارة خار قواي، اضافة أن القفل عتيق يغلفه الكثير من الصدأ، لكن بالأخير نجح الأمر  وساعدتها لتخرج من القفص  في سلام.
ـ أعلم ما الذي يدور في عقلك، كيف علمت من منكن الأصلية ومن المسخ.
ـ نعم، الفضول ينهش عقلي.
ـ اسمعي، أثناء ما كنت أدور حولكم سحبت شعرة من كل واحدة، وأنتِ الوحيدة التي تأثرت عقب فعلتي.
فعلمت أنكِ الحقيقية، وأنهم فقط أشباه، لا يغرنكِ أن ما حدث دهاء خارق وعقل لبيب، هو فقط حظ لذلك المسكين الذي عان الكثير مذ أن وصل إلى ذلك العالم.
ـ لا بأس انت لها، اقتربت حافة النجاة، سأعبر معك هذه النفق، سأكون حاميتك لحين تصل إلى هناك، من بعد سترى الدالة الثانية لتوصلك لحجر الياقوت.
ـ ما زال هناك دوالِ أخرى؟.! وأين ستذهبين وتتركنني هنا؟
ـ سأساعدك حتى تنتهي رحلتي معك، هذا كل ما أقدر على فعله، أنا فتاة العبور، أنتظرك مقيدة بلعنة أصبت على جسدي  كما رأيت، منذ سنوات وأنا في انتظار قدومك، واخيرًا ما حدث.
ـ كل الذين رأيتهم في هذا العالم كانوا بانتظاري، رغم كل هذه المعاناة والأزى الذي حدث لي منذ وصولي إلى هنا، تشريف معظم حقًا.
ـ ستعبر وتمر بكل الصعاب وحدك، ستمضي الرحلة وتخرج من هنا سالمًا، نحن ف انتظار قلب سليم كـ قلبك من وقت لم يكن بالقليل، لم يمر علينا بالهوان كما ترى.
ـ أنتِ صاحبة روح طيبة أيضًا، لكن العالم بالأعلى بشع للغاية، غالبهم ينهش الأخر ان تعدى مصلحته، حتى من جئت إلى هنا بسببهم، يريدون حجر الطاقة للتحكم في العالم وتطبيق الظلم والاستعلاء عليهم ليكونوا لهم عبيدًا.
ـ نصيحة مني أخيرة، لا تعطي الحجر إلا لمن يستحقه، أنت حامل له وأمين، فلا تخن الأمانة،  هيا الأن قبل أن تنفد طاقتك، وتعود تشعر بالبرد من جديد.
انتبهت لنفسي، بالفعل ارتفعت درجة حرارتي من جديد:
- كيف حدث هذا؟
ابتسمت مردفة:
- كلما تمر بعائق وتفك شفرته ستنخفض درجة حرارتك وتستعيد قوتك من جديد.
ـ حسنًا، هيا، ألن تخبرني عن أسمك؟
ـ أليسيا.
أمسكت بيدي دالفة بي إلى النفق، كانت تتحرك أسفله بمرونة وثقة، تعرف الطريق عن ظهر قلب، تبحر بانسياببة جذابة.
حتى وصلنا لنهاية النفق فـ توقفت مردفة:
- هنا أتممت مهمتي، كل ما عليك فعله الأن هو الخروج من هنا إلى الممر الثاني، إلى اللقاء متمنية لك التوفيق والحظ الوفير.
ـ معرفتك كانت من ألطف ما حدث هنا، سأشتاق لكِ حقًا.
ـ ربما نلتقي في دنيا وعالم آخر، لما لا، هيا وداعًا.

حزين جدًا كل الأحداث التي تراكمت في الأيام الماضيةلم تقصم ظهري بعد صحيح أنه انحنى بشكل مثير للسخرية، لكن دائمًا ثمة مكان لحزن جديد و خيبة أخرى، الأوجاع المتوالية، لا يُرقق بعضها بعضًا، بل يُلغي بعضها بعضًا بجبروت و تكبّر، المشكلة إنك لا تعيش حزنك
بشكل كافٍ لإنهائه،تنتقل منه مبكرًا كل وجع يبتر الوجع الذي قبله بشكلٍ مشوه جداً.
ـ اتمنى ان يمر كل هذا ويعود قلبك سالمًا، وداعًا.
ذهبت بلطفها وعبير وجودها الحاني، عبرت من الفوهة الأخرى للنفق، دالفًا لعالم آخر أشد رعبًا عن ما مر قيل ذاك.
قاع البحر هنا جله هياكل عظمية أيضًا،  لكن هذه المرة لحيوانات، أو ما هي أقرب للوحوش، محال ان تكون حيوانات عادية.
ما هي خدعة العبور يا ترى هذه المرة، لا أدري، لكن علي متابعة الإبحار باحثًا عن الدالة القادمة.
واصلت الابحار، لكن هذة المرة استغرق الأمر الكثير، لم يكن مثل ما سبق، المشهد كان أرهب وأبشع، وما هو قادم اظنه من المحال عبوره...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي