الفصل السابع

أخيرًا ولم يطل كثيرًا وكنت خارجًا بينهم، لا أعلم كيفية استخدام ما بحوزتي، لكن  أنا الأن وسط المعركة وما عليَّ هو القتال.

وقف أحد المهاجمين أمامي رافعًا سيفه بوجهي، كان فعلته هذه كفيلة في إزهاق روحي والاستسلام للموت مقابلًا إياه، فهو بالأخير يبحث عني مذُ البداية وها نحن التقينا.

أجفلت عيناي برهة وجيزة من ثم انتقض جسدي فور ارتطام شيئًا مثقلًا على الأرض، تحسست جسدي بأعين مغلقة فتحت بعد سماع صوت ضحكة إسرى بجانبي:
- صغيري الشجاع، كدت تموت وتنتهي قبل أن تبدأ يا فتى.

ـ إسرى أنقذت حياتي، شكرًا لكِ أختي.
ـ مرحى، قضي ديني يا صغيري، هههه.
ـ أنتِ مستغلة، وبالرغم من ذلك فأنا مدين لكِ بحياتي حقًا.
ـ يا.....
لم تكمل حديثها عقب تلك الطعنة التي أتتها في كتفها لتصرخ ساقطة على الأرض وأنا أدور حولها كـ الابله.
رآها ستيفاني من على ظهر فرسه، أتى مهرولاً إلينا حاملًا إياها على كتفه دالفًا داخل أحدى البيوت.
كان متلهفًا عليها بشدة، خوفه كان جليًا، فذاك الفارس الشجاع انهار جأشه فور رؤيتها طريحة الأرض تتأوه بأنين مكتوم من شدة الألم.

كانت خطواتي تعقب خطواته للداخل، حاولت جاهدًا مساعدتها في إيقاف النزيف بطرق أخبرتني إياها.
عاد ستيفاني للمعركة بعيون دامية، تكاد حمية شعلتها أن تحرق جل ما تراه أمامها.
احتد سيفه فأصبح يضرب ما يلقاه وجهه بغضب قاتل دون مهاوشة.
فورها علمت أن ما أوقد عزيمته و قوته هي شعلة الحب.
مرت ساعة وانفضت الحرب مع الكثير من الخسائر لدى الطرفين، بعض من الأسرى أيضًا.
حل الليل والقرية أصبحت خاوية الروح، صوت عويل النساء على ما فقدوه من أزواج وأبناء يهيمن البؤس في المكان.
كنت جانب إسرى ورام أهتم بهم، شعرت أنني الأخ الثالث لهما، كما أن ما حدث لـ إسرى جعلني أشعر بالذنب تجاهها، بالاخير هي جائت لإنقاذي.

طرق ستيفاني الباب ومن ثم دلف دون أن يأذن له أحد، فلم يعط مجالًا لذلك.
شحنة من الغضب المتحركة كانت تتجول بالغرفة ذهابًا وإيابًا دون أن يتفوه بشفا كلمة واحدة، أيقنت أنه غاضب منها لخروجها من المنزل، لكن لسوء حالتها يتمالك نفسه حتى لا تخنه ألفاظه ويجرحها.
لا أعلم مدى إعجابي به، أعتقد أنه لا حد لذلك.
هي شخصية تعجب كل من يراها، فارس بكل ما تحمله الكلمة من أصول ومعانِ.
أخيرًا ما انفلت منه بعض الكلمات:
- اتمنى أن يكون ما حدث معكِ اليوم درسًا للأيام المقبلة، وأن تعودي لرشدك قليلًا.
ـ همست لي إسرى بالإقتراب مردفة:
- قل لهذا الشيء أخرج من غرفتي ودعني وشأني.
ـ حسنا، ها، ماذا قولتِ؟!.
تطلبين مني أن أطرده، تحلمين انتِ، حتى هذا بالأحلام محال، تردينه أن يقطع رأسي أم ماذا؟!
لابد أن خلطة الجد كوش أثارها الجانبية لعبت في عقلك.
ـ عن ما تتهماسون هكذا؟! ستأكلين أذنية.
اعتدلت أسرى في جلستها مدرفة:
- وما شأنك أنت بنا، قولت ما تريده هيا أخرج الأن ولا تنس أن تغلق الباب خلفك، فأنا أريد أن أرتاح.

ـ اممم، ترتاحين، حسنا، اتركنا يا هذا بمفردنا قليلًا.

قبضت على يداي بقوة تتشبث بها:
-إياك أن تخرج، سيقتلني هذا المجنون عقب خروجك من الغرفة، فلا أحد أعلم به مني.
ـ وبما أن الأمر كذلك، ما كان الداع لسلاطة لسانك في هذا الوقت وأنت بهذه الحالة، من سينقذنا من براثينه الأن، لا أقول غير ما أنتِ فيه الأن قليل عليكِ، شكواي فيكِ لله وحده، سنموت حتمًا.
ـ ألن تسمع ما قولت؟
انتفض جسدي نافضًا يدها من يدي مهرولاً للخارج وقدماي تتخبط في كل ما هو موجود بالغرفة حتى خرجت منها وبدأت أعبأ صدري بالهواء، كادت الرهبة والخوف يزهق أنفاسي بالداخل.
ظللت أمشي بين البيوت وحدي في هذا الجو المعتم، لا شيء فيه ينير سوى القمر.
حينها تذكرت أمي، ليتني أراها واطمأن عليها ولو لدقيقة واحدة.
ـ عليك أن تبحث عنه أولاً وتجده، هو جانبك لا يبعد الكثير.
صوت لا أدري من أين أتى، التفت خلفي أبحث عنه لكن لا أثر لأحد بالمكان غيري.
ـ تعال اقترب قليلًا، ها أنا معك لأساعدك.
ـمن أنت؟ وكيف ستياعدني؟

ـ ملك البحيرة " رع "مرسال من الأرض الوسطى، نحن هنا في انتظارك منذ الآف السنون، أنت المنتظر لهذه القرية ومنقذها.
ـ عما تتحدث، لا أفهم شيئًا.
ظلت قدماي تأخذني تجاه مصدر الصوت حتى وصلت لنفس البحيرة التي ألقوني بها في الصباح.
اسمع الصوت آتٍ من الأسفل.
ـ أتحدث عن أبيك، بجانبك، لكن عليك العبور والبحث عن الطريقة لفك أثره.
ـ فك أثره؟ تقصد أنه؟
ـ نعم مازال حيًا، لكنه مقيد منذ وصوله، فقد خالف قوانين المملكة أثناء عودته.
أنت هنا الآن لتنفذ، خمسة ليال فقط تبحث عن حجر الطاقة وتأتي لي به، أخبرك حينها مكان والدك.
كيف لي بهذا؟ عن أي حجر طاقة تتحدث؟
ـ هذا الحجر هو قوتي، ألقاه جاكسون في البحر الأسود وانتهت قوته، أنت فقط بإمكانك إعادته.
هذا البحر هو بحر الموت لا أحد يستطيع أن يقترب منه، وأنت كنت تتنفس تحته دون عناء.
ـ نعم، صدقًا كنت أتنفس تحته لكن درجة حرارته منخفضه وعميق للغاية لا يمكنني المجازفة والعودة إليه ثانية، ثم إنه مظلم كاحل، لا يرى فيه شيء سوى الظلام.
ـ اهبط في منتصف الليل، ضوء الحجر يشتعل ليلاً، سيساعدك هذا على الوصول.
ـ حسنًا وأبي؟
انتظرت أن يجيب على سؤالي لكنه لم يفعل، كررت السؤال مرة فأخرى لكنه اختفى.
حينها هرولت عائدًا إلى البيت ورجفة الخوف تنفض قلبي من بين ضلوعي نفضًا، حتى وصلت إلى المنزل ودلفت مباشرة للداخل.
قاطعت صوت شجار إسرى وستيفاني بصرخة أطلقت فيها كبت ما بداخلي من خوف وألم وتيه أصاب عقلي بعد ما سمعته من حديث ملك البحيرة رع.

قبض ستيفاني ياقة ملابسى،رافعًا إياي للأعلى حتى أصبحت قدماي بينها وبين الأرض مسافة قدمًا، وأنا أسعل تحت يده، أختنق:
- من أين أتتك الجرأة حتى تصرخ بوجودي يا...
قاطعته إسرى تحاول فك براثين يده عني، منقذة ما تبقى من أنفاسي لأعود للحياة مرة أخرى.
صرخت بألم مدعى وهي تمسك زراعيها، بالطبع نجت فيما تفعله بأن يتركني ستيفاني لأسقط بثقل جسدي على الأرض متأوهًا .
أتى الشيخ كوش على صوت الصراخ والخوف يكسوا ملامحه:
-ما بكم يا أولاد؟ جئت على صوت الصراخ، أنت بخير يا إسرى.
ـ لا يا جدي، ما دام هذا المتهور الوحشي معنا لن يطرق الخير بابي، أرجوك أجعله يخرج من هنا، سئمت وجوده المؤذي هذا وبشدة.
طالعها ستيفاني بحسرة وغضب في آنٍ واحد، قابضًا على كفه بقوة كادت تنفجر عروقه من شدة الغضب وترك المنزل دون أن يبدي أي رد فعل لما أردفت.
ربت الجد كوش على كتفها معاتبًا:
-ستيفاني ليس بهذا السوء وأنت تعلمين ذلك، لا تدعين نفسك أثيرة لما حدث بالماضي وأصفحي.
اتركي الأيام والزمان يداوي جرحك.
قاطعت حديثهما:

-أريد أن أخبركما أمرًا...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي