الفصل الرابع عشر

بوابة النجوم
                       "حجر الياقوت "

أخبر دموعك أنها لن تعود بما مضى، لن تخفف ألم الخذلان، لن تنشلك مما أنت فيه من حسرة، لن تعود إلى مرحلة الطمأنينة والراحة التي كنت تنعم بها سابقًا، نفسك الهائمة وسط تخلي هذا وخداع هذا، لن يبرأها سيل العبرات، لن تطفئ ذاك الحريق الذي ينهش خاطرك، لن تفعل...

قاع البحر هنا جله هياكل عظمية أيضًا،  لكن هذه المرة لـ حيوانات، أو ما هي أقرب للوحوش، محال ان تكون حيوانات عادية.
ما هي خدعة العبور يا ترى هذه المرة، لا أدري، لكن علي متابعة الإبحار باحثًا عن الدالة القادمة.
واصلت الابحار، لكن هذة المرة استغرق الأمر الكثير، لم يكن مثل ما سبق، المشهد كان أرهب وأبشع، وما هو قادم أظنه من المحال عبوره.
جبال من بقايا عظام لـ حيوانات أو بالأحرى يمكن أن تكون بقايا هياكل وحوش.
هي قلعة تحت الماء؛ قلعة أثرية غارقة، حولها الكثير من السفن والبيوت الصغيرة، واصلت الابحار لأجد مخرجًا لما أنا فيه، لكن من دون فائدة، درجة الحرارة عادت في تنخفض من جديد، مازلت أواصل الإبحار، لكن لم أجد شيئا أو أي دالة للخروج، فكرت أن أعود حيث النفق ثانية، من الممكن أن أكون أضعت الطريق  الوجهة، بالفعل عدت ثانية، لكن ما جعل عقلي على حافة الجنون، أنني لم أجده ة، البحر أمامي محاط بأسوار القلعة، مدينة بأكملها ترقد تحت الماء.
إذًا ما الحل، كيف لي أن أخرج من هنا، ما اللغز في هذه القلعة لا أعلم.
لم يكن سوى حل واحد وهو الدلوف داخل مبنى القلعة لا بد أنها هي المركز الأساسي في حل الغز.
واصلت الأبحار داخل القلعة حتى استوقفني باب الدخول، ههمت بنفسي أدور حولها، فالباب موصود بقفل عتيق محال عليَّ فتحه.
استقرق الامر مني الكثير حتى وجدت قطعة حديدية قديمة في قاع البحر، حملتها ضاربًا القفل بقوة.
كررت الأمر كثيرًا لكن من دون فائدة، عندما استصعب الأمر أكثر علمت أن العقدة هنا خلف هذا الباب المغلق، بدأ درجة الحرارة في جسدي تنخفض تدريجيًا، خارت قواي وأنا أجاهد في الضرب عليه لينفتح.
أرحت بجسدي على جدار سور القلعة الخارجي، افكر في العثور على مخرج من هنا، تحسست رمال قاع بحر الظلمات تحت يدي، وإذا بشيء ما صلب تحتها.
بعثرت حبات الرمل حوله لأجدها أرض خشبية، لا أعلم إن كانت صندوق أم أرض القاع كاملها، تابعت أزاحة الرمل من عليه لأجده بابًا آخر مقيد بذات القفل الموضع منتصف باب القلعة.
هذه المرة أخذت تلك القطعة الحديدية وطرقت بها على القفل بكل ما أتيت من قوة، فانفلج القفل مفتوحًا.
لم أعلم ما يحويه ذلك الباب او ما هو خلفه، لكني فرحت بفتحه وشعرت حينها أن الامل بات موجودًا.
بعزم وجهد أزحت الباب لأجده بداية لنفق جديد.
ما أنا فيه الأن لن يكون أشد مما أنا قادم عليه، دلفت مبحرًا للداخل وعيناي تدور حول المكان.
هو أشبه للجنة حتمًا، بحر الحياة لا الموت ولا الظلمات.
اللائلاء والشعب المرجانية خضراء سندسية اللون، لمعة البريق، صناديق مفتحتة بعضها والأخرى مغلقة يخرج منها الجواهر واللؤلؤ المكنون بجل أحجامه وألوانه، هنا تذكرت ما أردفته كاثرين عن الكنز، لهذا أتى أبي إلى هنا.
أدركت حينها كم الجثث والهياكل الموجودة قاع البحر وعددها، مؤكد أنهم أتو ألى هنا باحثين عن الكنز لا عن الحجر.
الحجر، تبًا أين هو وسط هذه الكنوز، ظللت أبحث بعني عنه وأدور لكنني لم أجده.
لكن ما صدمني أن صدري بدأ يضيق، أنفاسي بدأت بالإضطراب، نعم هو بحر الحياة كما قولت، لا بد أن أبحث عن الحجر سريعًا، ومن ثم منفذًا لأخرج من هنا.
خلف صندوق كبير وجدت صنمًا كبيرا أماهه كرسي لأحد الملوك حتمًا، اتجهت نحوه فور رؤيتي لعصاة ترأسه أعلى رأسها قطعة حجرية باللون الأزرق المكنون تشع ضوءًا، ها هو مؤكد حجر الياقوت.
أخذته بيدي خارجًا من ذاك الباب الذي رأيته جانب مقعد الملك، وإذا بنفسي دا خل بحر أيضًا لكن هذه المرة بحر الظلمات من جديد.
وجدت نفسي مسقط البداية، حقًا مهما طال الوصف شتان بين البحرين، طالعت الباب خارجًا بأعين متسعة.
هرم تحت الماء؟!
ما كنت فيه هو غرفة مائية داخل الهرم، تذكرت حديث الجد كوش وكاثرين عن الملك رع والهرم الذي سقط به مارًا ببوابة النجوم ساقطًا إياه في بحر الظلمات.
البحر الذي لم يعد مظلمًا بتاتًا بنور الحجر الذي يخرج منه مرشدًا طريق العودة.
خرجت من البحر بعد ما استغرق الامر مني الكثير من الجهد والعزيمة، حتى وصلت سطحه.
واصلت السباحة حتى وصلت للشاطيء، وإذا من تركتهم بانتظاري مازالوا يخيمون أمام البحر كما تركتهم.
هرول كلًا من مورغان وألبيير جاكسون والسعادة برؤيتي تكاد تحملهم من على الأرض محلقة بهم في السماء.
جاكسون والفرحة تغمر عينيه:
- حمدًا لله على سلامتك يا بطل.
واقترب مني ضاماً أياي إلى صدره، تسمرت صدمة لما أرى، كيف تبدل حاله من رجل حاجد دون قلب لرجل دفىء قلبه عدل حرارة جسدي المبلل من ذاك البحر المثلج.
انتشلني مورغان من بين أحضانه سريعًا، لم يأنِ لي أن أبادله حتى، أو يتزن عقلي ويبادر بأي ردة فعلٍ سواء بالرفض أو القبول.
جذبني مورغان بفرحة أيضًا لكنها كانت غير الذي رأيتها بعيون جاكسون، سألني متلهفًا:
- أين الحجر، جئت به.
انتظرت قليلًا وأنا أطالع كلاهما بتيه وعقل مشتت حتى، تروح نظراتي بين مورغان المتلهفة وجاكسون الصامتة، غير مفهومة، لحظات وقطعها قول مورغان :
ـ أتخبرنا أنك جئت بالحجر أم استخدم قواي للمعرفة؟ إسرى في انتظارك.
ـ لا داعي للتهديد وفرض قواك علي، بدلا من ذلك كنت استخدمتها في جلبه.
ها هو الحجر لكم، لكن قبل أن أعطيكم إياه أريد أسرى تأتي إلى هنا سالمة.
عقب أخر حرف تفوهت به أتتني ضربة على رأسي من مورغان أطاحت بي أرضًا، دوار وألم يكاد يفجرها، شعرت بأشلاء جمجمتي تتناثر من الداخل أثر ضربته.
جثوت على ركبتاي وأنا احتضن رأسي بكلتا يداي والعالم يدور حولي.
...

ـ حسرتي عليك يا ولدي، منذ أن أتيت والمصائب تعقب خطاك.
ـ سأجن يا جدي، من فعل به هذا، وكيف أتى إلى هنا، وأين كان؟
ـ فتحت باب منزلي في مطلع الفجر وجدته أمامه.
ـ وإسرى؟ سأجن، كان معها، أخر مرة خرجا سويًا من عندي، ومنذ ذاك الحين ولم تعد، لم يبق مكان إلا وبحثت فيه عنها.
ـ اهدأ يا ولدي، عندما يفيق نيل ويستعيد صحته سيخبرنا بالأمر جله، حتمًا سنعرف أي دالة تخبرنا عن إسرى وسر إختفائها.

ـ هن أي هدوء تتحدث يا جدي، مر شهر، ثلاثون يومًا لا نعرف عنهم أي شيئًا، ثلاثون موتة مع كل مطلع فجر وغسق ليل دون أي جديد يدلني عليها، سأمت الإنتظار، تهيم روحي كل ليلة بالخروج وترك هذا العالم أثر غيابها.
ـ كل هذا الحب تخبأه بقلبك يا ستيفاني وتترك تلك المسكينة تزف دمع جفاك كل ليلة دون وجودك.
ـ هي من تمنعني يا جدي، ليس بخاطري، الأمر أشبه لي بالحياة ميتًا، انتظرتها الكثير والكثير لتفهم أن ما حدث لا علاقة لي به لكن من دون جدوى، في كل كرة كانت تأبى سماعي أو إعطائي فرصة للتبرير والشرح.
جل هذا الحديث كان بين ستيفاني والجد كوش، وأنا أسمعه دون قدرة على النطق والحراك، حاولت جاهدًا التحدث لكنني لم أستطع ذلك، ولا أذكر ما حدث، حاولت القيام من على السرير، لكن جسدي المنهك لم يساعدني البتة على ذلك، كلاهما يتحدثان وهم يعطوني ظهرهما دون أي يطالعا مرقدي.
ههمت بجسدي قليلًا لأسقط تلك الكوب الموضع على المقعد جانبي لينتبه كلاهما لوجودي.
بالفعل حدث، أتو مهرولين عقب سماع صوت الكوب يقع أرضًا، الفرحة تغمر أعينهم.
احتضني الجد كوش بفرحة مربتًا على ظهري:
- حمدًا وشكرًا لله على سلامتك يا بني، أخيرًا ما أرحت قلوبنا بعودتك للحياة مجددًا.
حاولت التحدث والرد عليه لكنني لم أستطع، بادلته واضعًا كلتاي يداي خلف ظهره ضامًا إياه دون أن أجدي التحدث.
جلس ستيفاني جانبي مربتًا على رأسي بحنو:
- عودًا للحياة حميدًا يا فتى مجهول المصدر، كم اشتقت لك طيلة فترة رقدتك.
أظنك أطلت النوم خوفًا مني على ما فعلت في المرة الأخيرة.
قالها بضحك جعلني ابتسم بخفة.
ابتعد الجد كوش عني قليلًا يطالعني بعيون دامعة:
- حالك كان أشبه بالأموات، فاقدٌ للأمل في عودتك ثانية.
ـ ها هو عاد ثانية يا جدي نحمد الله، لا داعي لحزنك الأن، لكن نيل اخبرني، قلبي يحترق على إسرى، أين هي؟ كانت معك آخر مرة خرجت من عندي، أين ذهبتما.
نظرات أعين تتلهف الرد لمعرفة أين هي إسرى، بادلتها متذكرًا ما حدث بشكل عشوائي، جعل ألم شديد يدوي برأسي.
وضعت يداي على رأسي بألم وأنا أحاول الصراخ لكني أيضًا لم أستطع، حاولت التحدث أو التفوه بكلمة واحدة، لكن لساني مثقل لا يقدر على الحديث.
هنا بدأت أصرخ بـ بكم.
رأيت الصدمة حليفة الكل، يطالعوني بأعين متسعة من عقب ما فقهوا سبب صمتي، أصبحت لا أبكم لا أستطع الحديث، توالت صرخاتي العاجزة عقب بعضها حتى سقط بين أيديهم غير واعيًا عن ما هو حولي.
أفقت من بعدها وعلى رأسي يقف كلاً من الجد كوش وستيغاني و طبيب القرية، أو ما يدعونه حكيم القرية.
حدثني مستلطفًا:
- ما الامر يا نيل؟ لما كل هذا يا فتى؟ أنت بخير لا تقلق، تلقيت ضربة على رأسك سببت في عجز مؤقت عن الحديث، يعني أنه مجرد وقت لا أكثر وستعود ثانية.
حاولت التحدث أو سؤاله لكن لم يساعدني الحال، بعض همهمات كنت أريد منها أن أعرف إلى متى؟
فأشارت بيدي ليرد محاولاً فهم ما فهمه مني صحيحًا:
-إلى متى؟ هذا السؤال عائد على صبرك وعزيمتك يا بطل، أنت بإمكانك استعادة نفسك من جديد بروح جديدة، اليأس هو باب فشلك في العودة من جديد.
أومأت برأسي متفهمًا أن أمر شفائي لا دالة له، يعني أنها من علوم غيب الله.
اتكال الشفاء على النفسية في مثل هذه الإبتلائات هي باب من أبواب التشتيت على المريض، أظنها ليست بعلاج، بل هدم للذات والنفس والخاطر.
عواملي النفسية استهلكتها صدمة الإبتلاء، أو ما أنا فيه الآن، فقدت طاقتي مع نطقي الذي لا بشرى منك لرجوعه.
كل هذا وتطلب مني دعم نفسيتي وهواني على وجداني، لم يكن صمتي حينها سخطًا، لكن كرهًا من نفسي الضعيفة كان أمل مفقود، بجملة ما فقدت في هذه الحياة من أمان وسعادة وطفولة بريئة،أب يحملني أنا وأمي، حياة آمنة بعيدة عن النزاعات وحقد البشر، لم أرد الكثير في هذه الحياة، فقط السلامة والأمان، لم أتمنى الكثير، هي فقط حياة هادئة، لكن اظنها كثيرة على أمثالي، فسلبها مني ما هو مفترض أن يكون أقرب لي من العالم أجمع، مصائب وعثرات حياتي أجمع كانت من تحت رأسه وأثر وجوده في حياتي، ليته لم يكن أبي، ليتيني لم أكن ابنه، ليت روحي ردتها الحياة ثانية ولم يتسن لها الوجود لحظة بين هذا العالم.
..
مر أسبوع وأنا كما أنا، على وضع ثابت لا أفارق الفراش،اعتنى بي الجد كوش والعمة أسيا وأيضًا ستيفاني الذي كان يمر كل يوم متفقدًا حالي طيلة هذه الفترة دون كلل أو ملل.
أعلم أنهم يرهقون أنفسهم معي كثيرًا غير آنفين ليأسي وعدم مبادرتي لهم في انتشالي مما أنا فيه من بؤس وأسى.

..
نيل، لماذا تفعل بي هكذا يا ولدي؟ألست بأمك؟
ـ أمي أين أنتِ؟
ـ بجانبك، اخبرتك أنني دائمًا بجانبك، في هذه الحياة لن أتركك.
ـ بلى تركتيني يا أمي، ألم ترِ ما فعلوه بي؟ أصبحت عاجزًا عن النطق، عاجزًا عن العيش في هذه الحياة يا أمي، أريد العودة، أريد العودة إليك وإلى عالمي نعيش وحدنا سالمين، ليتني لم أنجرف حول هذا الطريق يومًا، ليت الزمان يعود وكنت سمعت منكِ أنتِ دون غيرك، أنا هنا متعب جدًا، منهك لا أستطع التنفس ومعايشة العالم هنا.
ـ هكذا ردك لجميلهم، هم يساعدونك دون أي مقابل أو رد للمعروف، هم يحبونك وأنا أعلم، قلبهم صافٍ لا يريد سوى سلامتك.
ساعدهم يا حبيبي، أنا في انتظارك هناك أتدهور لرؤيتك، قم وانفض عجزك من جسدك واسلك طريق العودة من جديد، هناك ما كنت تريده في حقيبتك، سيساعدك في الوصول والعودة من جديد.
ـ لا أفهم عن ما تتحدثين، ماذا وضعت في حقيبتي؟
ـ لست أنا، بل هي رفيقتك التي بانتظارك لإنقاذها، لا تخش شيئًا، هناك الكثير داعمًا وقلبًا يحميك أنت تجهله.
ـ يحميني! عن أي حماية بعد ما حدث معي يا أمي بالله عليك!
ألا ترين ما أنا عليه؟! حتى التعبير والصفح عن نفسي لم يعد بإمكاني فعله.
ـ صدق حديثي، أنا وحدي من يعلم الحقيقة، تذكر دائمًا عتق أهل هذه القرية انت وحدك من تستطع فعله، فلا تبخل عليهم وساعدهم في الأمان يساعدوك في المرور بسلام.
ـ حسنًا، لكن من هذا الشخص الذي تتحدثين عنه؟
ـ اكتشفه بنفسك لتصدق.
قالتها وعقبها اختفت من أمامي وأنا أنادي باسمها حتى انتفضت جالسًا وبجانبي الجد كوش بيده قطعة قماش يجفف بها عرق جبيني.
ربت على صدري مملسًا إياه برفق:
- اهدأ يا صغيري، أنت بخير، كابوس وقد زال لا تخف.
نفضت يده عني واقفًا أدور في الغرفة باحثًا عن حقيبتي، وهو يدور حولي يسألني عما أريد.
حاولت شرح ما أريده منه لكنه لم يفهم، كدت أجن وأنا أبحث عنها مطيحًا بمحتويات الغرفة أرضًا، وهو يعقبني يريد أن يفهم ليقضي حاجتي لكن شرحي. وسط حالتي وأطرافي المرتعشة شق الأمر عليه.
كدت أصرخ بيأس لتقع عيناي على تلك المحبرة والأوراق الموضوعة على مكتب الجد كوش.
هرولت ممسكًا إياهم كاتبًا له:
- حقيبتي، أين حقيبتي؟
طالعني بيأس رادًا أنفاسه إلى صدره مرفًا:
- في خزانتي، وجدتها جانبك حينما أتوا بك إلى هنا.
هرول محضرًا إياها وأعطاها لي، مفرغًا ما تحويه على المكتب أمامنا.
طالعنا ما تحويه بصدمة وفاه شاغر عقب ما رأينها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي