الفصل الثاني

ما الخطيئة التي ارتكبتها الحياة لنُحمِل عليها إخفاق  الورىٰ في كل مرة أنت أسأت الثقة وأفلست جودة الخيار؟!
لا ذنب لها في انكسارك، خيبات أملك، تخييب مرادك.
هؤلاء أنت وحدك من أعطيتهم  الثقة وتمام المحبة المخلصة،  واستحلت عليهم الخيانة.
تجرّع مرار كأس خطيئتك بصمت، ولا تعلقها على"الحياة".

تركتها وهممتُ لأخرج من منزلها، إذا بأقدامي تحجرت من صدمة ما رأيت فور أن فتحت الباب:
- أمي؟!
تجاهلتني عابرةً للداخل وبيدها صندوق لم أتذكر أنني رأيته قط.
وجهت حديثها لـ كاثرين مردفةّ:

- ها أنا أحمل ما كنت تبحثين عنه طيلة هذه السنوات العابرة.
تلهفت كاثرين حديثها:

- تقصدين خريطة الوصول لـ بوابة النجوم؟
- ‏أيضًا تعويذة "رع " المفقودة.
- ‏ماذا تقصدين؟ بالأصل كانت معك ولم تفقد؟!
- ‏نعم كانت معي.
قالتها بثبات وهي تجلس على المقعد أمامها، مما جعل  كاثرين تدور حول نفسها بغضب جامح، هي تضرب مقدمة رأسها بقوة غاضبة، تكاد تنفجر بأمي، لكن سرعان ما تريست بقسط من الهدوء تلوم أمي:
-  تعلمين أنك سبب أسره طيلة هذه السنوات؟
-  بالطبع، هو من أراد ذلك.
-  ‏بتاتًا؛ لم يرد يومًا الخسارة أو التفكير بالأمر، أنت من علقت سبب ذهابه وتركك بذلك، أرأيت أين أوصلنا عنادك؟!
-  ‏عن أي عنادٍ تتحدثين! ها!
أنتِ فقط سبب كل هذا، أنتِ من عدت إلينا ذلك اليوم لتدمير صفو عائلتنا الصغيرة وسكنها، أنت من تمكن منك طمعك وجشعك للوصول إلى المقبرة.
حينما عاد إليك " جاك أونيل " بجشيه فقط أصابكي الهلع.
لم يهمك عودتهم سالمين أبدًا، ما لك بسلامتهم من دون الكنز الذي شاب جزعك وأنت تبحثين عنه!
أنت من هي الدمار واللعنة في حياتي، لن أسمح لك بتدمير ابني أيضًا وتركه لك.
هذا كل ما لدي حجج وكتب وخرائط للوصول، المفتاح أيضًا ها هو المسحور بكِ ولدي أعطاكِ إياه، دبري شؤنك بعيدًا عنا، سآخذ ابني وأترك البلد، عليك الاتصال بجيش خبرائك وعلمائك للوصول إلى البوابة.

لا أعلم ما كانت تقصده بتلك التعويذة، حديث سائر بينهما يفهمان مقصده وحدهما.
أقف كـ الأبله أود الصراخ، شعرت بألم ينخر في رأسي  مما جعلني أصرخ فيهما بحدة:
- كفاكما أنتما الإثنين،  أود أن أفهم كل شيءٍ الآن.
ما خطب تلك التعويذة؟
هل ما أردفته كاثرين للتو صحيح يا أمي؟!

ـ "نيل " ها يا ولدي من هنا، هذه السيدة مخادعة، وحان وقت أن تعرف حقيقتها، هي فقط كل ما تريده هو استغلالك.
تمتمت بإسمي حانية وهي تقترب لـ ضمي، جعلتني ألقي بروحي بين زراعيها باكيًا.

طيلة هذه السنوات كان ينهشني الحنين لـ والدي، لكن هذه المرة شعرت باليأس والإنكسار معًا.
أمي رغم حدتها حنونه أعي ذلك؛ لكن دائمًا احساسك بالفقد يجعلك أثير معذب. تلك النغزة التي تنخر قلبك حين تشعر بأن من حولك لديهم كل الدعم من كلتا والديهم لم تفارقني قط.
ربتت على ظهري وأنا أشعر بمياه دموعها تبلل كتفي، إنه حقًا ليوم عصيب، جمع وجع فراق الخمس سنوات في أقل من خمس دقائق.

...

الجو مائل للدفئ هذه الليلة، والكهرباء كعادتها مقطوعة، حتى هاتفي لم يسعني الفكر لوضعه على الشاحن الكهربائي، فبات مغلقًا، أجلس أنا وأمي على طاولة الطعام، ضوء القمر الخافت يتسلل من النافذة متعمدًا طاولة الطعام منيرًا لنا غرفة المعيشة مع نور المدفأة المشتعلة.
كنت أراقب صمت أمي، أشعر بعجزها عن الوصف والتعبير، أظنها عدَّت حبات الأرز التي أمامها أكثر من مرتين طيلة جلستها الصامتة.
قطعت عليها تلك المعاناة وحمل المقدمات مردفًا:
-أعلم أنك تحملتي من أجلي الكثير، لكن لا مفر من الحقيقة، هو أيضًا أبي، أظن حان الوقت للفصح عما بداخلك.

وضعت المعلقة خاصتها ونظرت إلي بعيون يتلألأ فيها الدموع، ومن ثم تنهدت بيأس مردفة:
- أتت كاثرين إلى والدك عبر بوابة النجوم، كانت تنتظر عودة الشرطي جاك أونيل في آخر مرة عاد من كوكب الأرض لكوكبهم ومعه الكنز المفقود، هذا الكوكب بعد الحرب الذي قادها والدك وجاك مع جيشه كان النجاة منها مستحيلة، لكن كل ما كان يعنيها هو المال فحسب.
والداك هو العقل المفكر، العالم في فك الرموز الهيروغلفية، هذه كانت دراسته في الألمان.
بحوثاته وعقله الشاغل هو كيف بنيت تلك الأهرامات وما بداخلها.
في إحدى الندوات رأته كاثرين يلقي خطابًا لم يهتم له الكثير عاداها، رأت فيه شعلة من الحماس والبحث عن كيفية اتمام هذا العمل العظيم.
في مثل هذا الوقت كانت تبحث منذ عدة أعوام عن عالم يفك رموز عجلة بوابة النجوم وتأتي إلى هنا مصر.
وبالفعل استغرق الأمر اسبوعين فقط وعثر والداك على فك هذه الشيفرة وعبر إلى هنا مع سارة أونيل وجاك أونيل وبعض من جنود منظمة كاثرين الألمان.
خاض حربًا ضدد الملك رع وأنقذ هذا الكوكب قبيل الفين عام.
بعد انقاذ هذا العالم انفجرت بوابة النجوم مع نصف جسد الملك رع أثناء نقله لهرمه إلى إحدى الكواكب أثناء الحرب.
كانت كاثرين الوحيدة الناجية منها، فعندما تأزى جسدها وضعها جاكسون في تابوت الملك ليعيد عافيتها من جديد.
ظلت تمكث معه في هذا الكوكب ومازالت فكرة البحث عن تلك البوابة ثانية تدسها في عقله، وتكبرها يوما عن يوم، تغريه بالعثور على الكنز الذي أتت عائلتها وهي صغيرة للبحث عنه.
مر عام وجاكسون يبحث عن تلك البوابة وفك الشفرة ثانية،فهو بارع في هذا وبشدة، لتنشق الأرض داخل الهرم الأوسط وتنفتح تلك البوابة.
حينها كانت قصة حبي أنا ووالدك في ريحانها ولم أفارقه قط.
عبرنا ثلاثتنا على أمل العودة ثانية بالكنز لإحياء الأدمية في هذا الكوكب، بنينا أحلامنا على هذه الفكرة.
لكن عدنا إلى أراض مصرية، حقا صالحة للعيش، لكن عبرنا ألفي عام للأمام، لنصبح في ألفين وخمسه.
عالم لا يعرفنا فيه أحد، التكيف في هذا العالم أشبه بالمستحيل في بداية الأمر، تركت أهلي وأحبتي انصعت فقط وراء قلبي وعشقي لـ جاكسون.
تزوجنا وأتيت أنت إلى حياتي لتنسيني عبأ ما مر، لكن تلك اللعنة ظلت وراء جاكسون تبحث عن أي مخرج للبحث عن الكنز.
حتى ذهبا سرًا سويًا في تلك الليلة المشؤمة استحضرت البوابة عن طريق عبدة من الجن ساعدها في إحضارها جاكسون حينما فك أخر شفرة لتلك البوابة الملعونة.
حينها شككت في أمر والدك، بعدما وعدني أنه لن يبحث في هذا الأمر مجددًا يكفينا ما مر، كنت أتابعه سرًا ورأيته قبل عبوره الأخير، أخدتك برفقتي حينها عساه يحن لرؤيتك،لكنه كان مغيبب العقل جاحد المشاعر، عديم الرأفة، ألقى برجائي أرضًا عابرًا البوابة وحده.
ظننتها ستمر معه لكن لم تتحرك من مكانها، أخبرتني حينها أن الروح التي استحضرتها لا تمكن العبور لأكثر من شخص.
حينها كدت أقتلها، لكن لم أستطع بفعل حاشيتها من الجان والمردة.

ـ تقصدين أنها ملكة جان؟!

ـ نعم، ليس هذا فقط، بل قاتلة.

ـ لم أكن بقاتلة يومًا يا "شيري "

صرخنا أنا ووالدتي من مصدر الصوت بأوصال ترتعش خوفًا.
كاثرين!؟
كيف أتيت إلى هنا؟!

أردفت والدتي وهي تضمني إلى صدرها:
- ألم اخبرك أنها ساحرة،  هيا لنركض سريعًا.

خرجت أنا ووالدتي نصرخ بقوة مهرولين خارج المنزل، أخذنا طريق الغابة لنختبأ منها، إذا بأمي تتعرقل من قدميها بكلابيب تجرها للخلف زحفًا لتصرخ بإسمي:

- نيل.
وقفت بصدمة اطالعها وكاثرين تجر جسدها على الأرض بوحشية ووالدتي تصرخ بقوة.
حتى علقتها من قدميها في جزع شجرة مدببة الأطرف لـ تنخر ظهرها.
صرخت فيها بقوة متناولًا جزع الشجرة ضاربًا إياها على رأسها، حتى أنها لم تستطع الاستجابة لضربتي فقد كنت الأسرع.
استغللت انشغالها في استعادة وعيها وهرولت تجاه أمي افك قيدها، حروف الشجرة كانت تنخر بظهرها حتى أدمته، رأيت الدمع يشق وجنتيها تكبت ألمها مغمغمة بحروف ممزوجة باللآهات الدفينة:
- اهرب ي نيل، لن تتركك، هي تريدك أنت.
اتركني يا بني واذهب لن أفيدها بشيء، أنت هو هدفها الوحيد.

كانت تتحدث وأنا أحاول وضع يدي حائلًا بينها وبين جزوع الشجرة التي تنخر جسدها وأحاول باليد الأخرى نزع كلابيب قدميها.
ظللت أصرخ النجدة بأعلى صوتي، لكن لم أسمع سوى صداي، تبخرت الناس لم يبقى سواي أنا وتلك العجوز الخائنة.
إذا بها تقف وهي تمسح الدم المتساقط من رأسها أثر ضربتي لها ببرود ضاحكة:
- لن أمرر لك ما فعلته يا نيل أبدا، لكن ليس وقته الأن، لا تحاول كثيرًا معها، هذه الكلاليب موصودة بأقفال أحد اتباعي، إذا كنت تريد انقاذها فعليك تنفيذ ما آمرك به.
التفت أقابل وجهها كالثائر:
- لن أصغ لكِ حتى تفكين قيد أمي يا كاثرين.
ـ هههه، أصبحت كاثرين الآن؟!
لم أعد الجدة والعمة والرفيقة!
لن ينال حديثك عجبي، فأنت بالأخير إبنٌ لتلك الخبيثة، تلك التي أخفت عني صندوق الأحلام ومفتاح العبور طيلة هذه السنين حتى تعويذة رع كانت بحوزتها.
اهٍ لو كنت أعلم أن جاكسون الغبي تركها معك قبل رحيلة أيتها الغبية.
لكن أشكرك بالاخير الفضل لتلك الصغير، أنا من استحضرت روح تتلبس به وأردف تلك الكلمات في الصباح، وقودته أيضًا إلى منزلي، لتأتي أنت كالبلهاء خلفه وتفصحين عما دسسته طيلة هذه السنوات.
الفضل أيضًا له، لو لم يخبرني عن ما رآه بالأمس داخل القبو لم أشكُ بكِ لـبرهة.

تلك الرموز المنقوشة على جدار القبو ما تكتب على باب بوابة النجوم، المنفذ الثاني للعبور إلى جاكسون والفوز بالكنز.

هيا يا نيل عليك الذهاب الأن، لقد تأخرنا كثيراً على العبور يا رفيق، ها هو أبيك عالق في هذا العالم منذ خمس سنوات تحت أثر قبيلة من المردة.

أمسكت بيدي تجرني خلفها وأنا أصرخ مناديًا أمي وهي غير عابأة لحديثي، استفزها صراخي تزامنًا مع والدتي لتلتفت ضاربة وجهي بقوة جعلتني أفقد الوعى..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي