الفصل التاسع

عن ذلك الوجع الذي يفترس الخاطر بوحشية، ألم تشفق عليَّ بعد؟!
أتظاهر بالقوة والصبر، لكنك تجاهد في فضح أمري، الرحمة لذلك القلب التي لم يعد يعلم أين هو مأوه،
أقسمت عليك بأن تطفئ هذه النيران برهة ألتقط فيها أنفاسي، سئمت الإدعاء بالسلام والراحة..
أضعت ملاذك، لم يعد لديك من يتحملك.
تلك النيران التي لم تجد ما تأكله فباتت تنهش نياط قلب عاجزة كفاكِ،  انهارت حصوننا، سئمنا نظرات الشفقة الباردة، فهي توقد أكثر ما تطفئ.
كيف لي أن أنتظر مَنَّ العطف على حالي، ونفسي هي من تحرق نفسها، حتى أصبحت جسدًا بروح رمادها ذرته الرياح.

كلمات ألقاها ستيفاني مع نفسه وهو جالس على حافة الجبل، عقبت خطواته بعدما أخبرني العم كوش أن أتبعه وأسأله العودة إليه في الحال.

ـ ماذا تريد يا أنت؟
انتفضت في مكاني، فكيف علم بوجودي وأنا تكاد خطواتي تهمس الأرض.
ـ أمقت ما لدي هو أن أكرر حديثي مرتين.
تلعثمت كلماتي بعد تغير نبرته للحدة أكثر:
- الجد كوش، هو ليس أنا، يريدك أن تأتيه في الحال.
ـ ألم يخبرك عن السبب؟
ـ ها، لا أعلم.
ـ الذي لا أعلمه حقًا هو سبب بغضي لوجودك، منذ أن أتيت وأنت تلازمها.
ـ تقصد إسرى؟
ـ نعم، لا غيرها.
ـ أنا هنا لوقت أتمنى أن يكون قصيرًا، لا أريد أن أبقى هنا أكثر بدون هدف، جئت لسبب وطريقة لن تصدقها، لكن لا يهم،  أخبرتك ان العم كوش يريدك.

عن تلك الغصة العالقة بحلقي في جل المرات التي أنتظر فيها من الشخص الخطأ أن يواسيني، تبًا لذلك القلب السازج الذي ما دام ينبض استمرت خسائر رهاناته في كسر الأرقام المتوقعة.
بعض من نظراته كانت مفهومه، أعلم أنه لا يحبذ وجودي بينهم، في يوم بليلة رأيت داخل عينيه الكثير من المقت النافر، لكن ذاك السازج تجاوز بفكره وأعرض نافيًا عن حسه.
بعض الكلمات قد الطيبة لروح هالكة قد تضمد فلا تبخل، غاضب وقته ضيقه لن ينسى معروفك حين كنت تتحمله، يطول الأمد ويشفى جرحه ولن ينسى رد فعلك حين كان ينتظر منك بعض من الحروف الحانية لتعيد إليه روحه ثانية.
تركته عدت إلى الجد كوش وإسرى مكنث الرأس، كادت الهموم أن تسقط بعاتقي الأرض، اقتربت مني إسرى فور رؤيتي مستفسرة:
- وجهك شاحب، حادثك ستيفاني بشيء ما ازعجك؟
ـ لا، أريد فقط النوم، اليوم كان طويلًا بأحداث مرهقة.
استوقفتني السيدة آسيا:
- لا تقلق سآتي في البكور وسنضع خطة للوصول سويا، عن هذه الروح فلن تمسك بسوء، هي فقط مرسال بين قرين كاثرين و..
قاطعت حديثها:
- هذا لم يعد يخيفني، لا تجاهدي نفسك في اطمأناني، أنا بخير.

تركتها متجاوزًا نظراتها الغير مصدقة لحديثي خلف ظهري واحتضنت مضجعي، فقط ما كنت أريده هو النوم، الهروب من الأفكار والعالم بما يحويه من آلام وخذلان، السفر خارج الدنيا لدنا أخرى مع أمي وأبي الذي هو سبب عنائي الأن، كم تمنيت أن أتحرر من هذا كبقية من حولي، منة السلام غالية وعظم الأمان لا يوصف، استمتع بما أنت فيه ولا تسخط، ربما ما يزعجك هذا هو أقصى أمان غيرك.
استسلمت للنوم دون حراك، حتى حل الصباح وأنا أحاول فتح عيناي بثقل، جلست برهة أتذكر اين أنا وكيف تبدل حالي من بائس لبائس تائه في عالم غير زي دارٍ عن حالي.
لكن عليَّ التجاوز بمفردي، لن أنتظر عون أحد، سأبحث أنا في الكتاب عن حجر الطاقة، وأنفذ ما طلبه مني راع جني البحيرة دون طلب العون والمساعدة من أحد.
هممت دالفا للخلاء مطالعًا وجهي في تلك القطعة الزجاجية المعلقة، مرهقة وسط خدوشها المتشابكة مع عكسية صورتي، جعلتني أشفق على روحى عازمًا الوصول إلى ما ابتغيت.

جمعت متعلاقاتي في حقيبتي وذهبت للخارج دون أن يراني الجد كوش أو إسرى، كلاهما مازالا يقعان في ثبات عميق.
حملتني قدماي لبداية ما أتيت، بحر الظلمات.
البحر هادئ لا أحد في المكان غيري، لكن هذا الهدوء لم يدم كثيرًا تبدل لسباق من الأمواج العالية تعقب كل واحدة الأخرى.
اقتربت منه  وأنا ألتمس تلك المعجزة التي أنفرد بها وهي أنني أتنفس تحت مياهه بسهولة دون أي عناء في هذا.
مع اول قطرة ماء لمست قدماي والموج أصبح يجري خلف بعضه كالجبال، في مشهد يرهب قلب ناظره.
موت محتوم إذا فكرت بالهبوط أو التقرب.
كل ما أخبرني به إسرى والجد كوش عن هذا البحر لم أصدقه كليًا، لا أعلم أن كان غرورًا أم ثقة، لكن كل ما عليَّ فعله الآن هو اثبات صحة حديثي.

أعلم أن راع طلب مني القدوم ليلًا، لكني هي قدماي من حملتني للمجئ إليه في هذا الوقت، هي أيضًا من جعلتني أتجاوز عن هياج البحر وألقي بنفسي داخله.
...

فتحت عيناي لأجد اللون النيلي على مرمى اتجاهات أنظاري، أين أنا؟ لا أعلم!
حاولت الوقوف لم تحملني قدماي، شيء ما ينخر بظهري ألمًا لا اعلم ما هو، تحاملت على جسدي جالسًا في مكاني لأجد نفسي على حافة جبل عالً لا أعلم كيف جئت إلى هنا.
سطح الجبل فقط تتسع فردين، جل الجبال التي كنت أراها شاهقة لا ترى جانبه، هي فقط بعض من الصخور من منظور ما أقف عليه.
بدأت انفاسي بالتسرع وعدم الأتنظام، تشتت نبضات قلبي وأنا وحدي على سفح الجبل.
كاد عقلي يجن لأعلم كيف أتيت إلى هنا؟.

صرخت وصاحت معي جوارحي، ما هذا؟ كل ما أنا فيه الآن محال عليه النجاة، أريد العودة، أريد أمي.

ـ أنا هنا بجانبك.
تلك اللمسة الحنونة، العبير المميز، صوتها الشجي أسكر عقلي، إنها أمي.
التفت مصدر الصوت سريعًا وأنا أنادي وأصرخ باسمها:
- أمى، أين أنت؟
ـ لا تصرخ يا صغيري، أنا دائمًا وللابد معك وبجانبك.
ـ أنا حقًا أحتاج أليك، أريد ضمتك ولمساتك الحانية ليبرأ قلبي مما فيه من ألم.
ـ قولت أنا بجانبك، لكن رؤيتي هنا في هذا العالم محالة يا حبيبي، هذا رغمًا عني بالله، سأكون هنا دالتك، وأخبرك طريق العودة والعثور على أبيك.
ـ لكنك كيف جئت إلى هنا، ولم لا يمكنني رؤيتك، هذا غير عادل لقلبي، اشتقت إليك.
ـ لا تؤلم روحي أكثر يا حبيبي، أنا معك هنا استثناء وقتي، سأعود إلى عالمي بعد أن أطمأن عليك.
ـ تقصدين سنعود، وعالمنا، لما هذه النبرة الفردية

ـ آخ منك، ثرثار كالعادة، تحب تسأل عن هذا وتستفسر عن هذا، وتنسيني ما جئت إليك به.

أنا من حملتك من البحر قبل أن تسقط وآتيت بك إلى هنا، انتظر لا تسألني كيف، لا وجود لعقل ومنطق فيما هو آت.
أنا هنا لمساعدتك فقط اسمع مني ونفذ، اين الكتاب؟
ـ حسنًا سأفعل، المهم لدي وجودك جانبي،  الكتاب في حقيبتي، لكن باللغة الهيلوغريفية ولا افهم فيها شيء، حتى الجد كوش وإسرى كذلك.
ـ انصت جيدًا لما سأخبرك به الان ونفذه دون جدال،  تخطى مخاوفك، وتعلم الفروسية والقتال في أقل ما يمكنك فعله، لتعبر أرض كوارتس بروح وجسد فارس مقاتل، إن كانت مصلحتك في فم عدوك مد يدك لتأخذها ولا تخش شيئًا، النسخة المترجمة من الكتاب هنا في هذه الأرض، لكن جهة الأعداء، خض الرحلة ولا تخف، حين تحتاجني سأكون عونك، لكن لن تعبر بذاك القلب، تنح عن حزنك ومخاوفك ومهابة الصعاب جانبًا وانتبه لما هو قادم، لا تعمل وحيدًا، يد لا تعبر من أي شيء وقدم واحدة على طريق أعوج ستجعل منك مسخًا زاحفًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي