الفصل الخامس

بوابة النجوم.

صرخت لإيقافها قابضًا على يدها بعيون راجية لتنصت إليَّ:
ـ أنا هنا غريب أقسم لكِ،  لكن لا علاقة لي بأي قبيلة، جئت هنا عبر بوابة زمنية للبحث عن أبي،" ألبير جاكسون".
شعرت بغصة عالقة في حلقها فور سماعها إسم والدي، فتشبثت بتوترها مستفسرًا:
- أتعرفينه يا خالة؟!
فاقت من شرودها صائحة بوجهي:
ـ لا تناديني خالة، تراني عجوز أيها الأبله، مازلت في الريعان ألا ترى!
ابتسمت مطمئنًا فور تغير نبرتها لحانية، متابعًا أسألتي:
- ستساعديني في الوصول إليه؟

تنهدت قليلًا مردفة:
- أسمع مني يا صغير، أنت هنا في رحلة، دور فقط هو حمايتك قدر المستطاع، من حسن حظك وبركة أعمالك أنك التقيت بي أولا، هذا ليس تفخيم في نفسي أبدا، بل تعظيم.
ـ اااه منكِ، لا يمكنكِ البقاء جادة ولو لدقيقة واحدة؟!
صحيح ما هو إسمك.
ـ "إسرىٰ" ينادوني إسرى، أنت أيضًا بإمكانك أن تناديني به، فارق عمرنا ليس بكثير.
وأنت ما اسمك؟
ـ نيل.
اسمك جميل، حسنًا وهذا " رام " أخي الصغير، نعم كما تظن هو فاقد للنطق منذ ولادته، أعطته أمي أنفاسها في الحياة عوضًا عنها، فأصبحت أنا وهو يتيمين، أبي باختصار لا أعلم عنه شيئًا، كما تراني أقوم بالدورين معًا.
المهم من هذا كله، هذه القرية ملك لقبيلة ألفا، وقبيلتها العدوة تدعى "كوارتس " هيئتك وملابسك المريعة هذه ستجعلهم يشكون بأمرك مؤكدًا، عليك التفكير جيدًا في خطة نخبرهم بها حتى يصدقوا أنك لست جاسوسًا آتٍ من قبيلة كوارتس أو "كوا " كما ستسمعها من الغالب هنا.

وطأت رأسي قليلًا دون فهم لكل ما ألقته بوجهي الأن، فما شأني بكل هذا؟!
لجم التيه لساني، لم أعد أعرف حتى ما يجب عليَّ فعله الأن، الذهاب معها أم متابعة السير والبحث عن أبي وحدي برفقة الكتاب.
ويحي الكتاب، أين هو.
ـ ما بك، عن أي كتاب تتحدث؟ اسمع يا هذا أنت الغريب في بلدي لست أنا، من غيرك سيسرقك؟ هذه البلدة متى يدب فيها القدم تدب معه الأمانة.

كنت أصرخ وأنا ألقي بحقيبة ظهري أرضًا وأفرغ بهستيرية ما تحويه،دون وعي وإنصات ما تثرثر به تلك.الغبية، فبعد وقوعي في البحر مؤكد أنه تلف من الماء.

فتحت حقيبة ظهري وأخرجت ما تحويه من هاتفي وساعتي والكتاب وإذا بالصدمة تقيد حركة أوصالي.
جُل متعلقاتي لم تبل، جافة بوضع كاثرين لها في الحقيبة.
أعدت وضعهم ثانية ومن ثم وقفت بوجهها:
ـ اسمعي يا إسرى، أنا سأذهب معك الأن ولا اعرفك،تاليةً على ذلك لا أثق بكِ، لكن أملى الوحيد أن تكونين خير الأخت والرفيقة ولك ما تشائين.

صدح صوت ضحكاتها بالمكان ساخرة:

-لي ما أشاء؟! ههههه، اصمت بالله عليك، بعمري لم أرى غريب مسافر لا يوجد معه فلس واحد أو حتى شربة ماء، ومن ثم يقول لي لكِ ما تشائين، بالله من أين لك الثقة، ههههه.

نكست رأسي بحزن، فهي تتحدث الحقيقة.
اقتربت مني مربتة على كتفي:
لا أعلم ما الذي فعلته بي لأصدقك، أنه وُدُ اللقاء الأول، ما فعلته مع أخي مخاطرة بحياتك لا رد لجميله، قم معي الأن هامت الشمس أن تغيب وأمامنا طريق ليس بقليل.

خطونا سويًا وطيلة الطريق كنت أقص لها كيف جئت إلى هنا لكن بطريقة غير مفصلة، عن أيضًا ماذا سنقول لأهل القرية عني، لكنها ألقت بهذا الحمل عن عاتقي أرضًا وأخبرتني أنها ستدبر الأمر هي.

بعد مرور ساعة علمت من خلالها أننا الأن سنة الف وثلاثة وعشرين، أي أنني عبرت ألف عام للخلف، هذه الصدمة ألقت بقلبي حدفه، شعرت بطول مسافة العودة، لم تكن مجرد معلومة قط، فأنا أجهل كل شيء، حتى ما يحويه هذا الكتاب المعلق على ظهري لم يتسع الوقت لمعرفته.
ها نحن دلفنا للقرية بعد عبرونا من بوابة حديدية عملاقة على مرمى البصر البعيد، دلفنا للداخل بعدما تحدثت لأكثر من عشر دقائق مع حارس البوابة هذه، مصطحبًا إيانا في طريق جعل أحشائي تتقطع خوفًا.
هي تمشي بغنج بارد، مستفز للأعصاب، ترسل لي بعض الضحكات والغمزات شامتةً بحالي، كدت أضربها لولا نهايتي.
حراس البوابة عمالقة، سود البشرة كلونها، غير أسرى كثيرًا.
فهي فتاة يافعة في مقتبل العقد الثالث من عمرها، قصيرة بجسد رفيع نسبيًا، شعرها الغجري المتناثر على وجهها يعكس حمرته الخطرة التي تلون عينيها.
هي جميلة، خاطفة للبصر والقلب لا نكران لهذا، مرح روحها يجعلك تقع أثير حبها دون أي دوافع، أظن أنها أجمل فتاة رأيتها طيلة حياتي، بل كان تأكدًا.

انتهت خطواتنا لمنزل كبير، دلفنا فيه عقب الحارس، إذا برجل عجوز،صاحب بنية هالكتنا الأزمنة،يجلس على طاولة كبيرة أكثر من خمس أمتار طولها، أمامه بعض من القطع الخشبية وعدة عمل للنجارة، وبعض من السفن الصغيرة مؤكد أنها من صنع يده، كان الحارس يهمس له في أذنه والعم يطالع أمامه بثبات قطعه واقفًا بوجهي:

- منذ متى وأنت هنا على أرض هذه البلدة؟
اليوم، أتيت اليوم.

ـ أسرى، عودي بأخيك للمنزل وأتركي هذا الفتى هنا مع الرجال.

ـ لكن يا جدي أنا أثق به، هو ليس كما تظن.

رمقها بغضب دون أن ينبت بشفا كلمة لتحتمل ران على كتفها وتذهب هامسة إياي:
- لا تخف، العم لن يقتلك.

ـ خوف، قتل، عن اي شيء تتحدثين أيتها البلهاء، لما سيقتلوني، تعال إلى هنا.

ـ جدي ساذهب أنا، لن أوصيك أن تكرم مثوى الغريب وتطعمه، مؤكد أنه جائع.

ألقت بكلماتها وتركتني وحدي، أقسمت داخلي أنها حركة ندالة منها، فأنا لا أعرف ما قصت للحارس ولهذا العجوز عني.
طالع العجوز هيأتي متمعنًا ملابسي:
- قولت ل آسرى أنك جئت من بلاد مصر عبر بوابة للزمن باحثًا عن أبيك؟

ـ يا المخادعة، هذا ما أردفته نفسي داخلها، لقد سلمتني للموت هذه الأسرى، لكن الخطأ ليس عليها، أنا فقط من جعلتها تفعل بي هذا.

كرر الأكهل سؤاله ثانية، فأردفت بيأس:

-نعم، أنا نيل جئت من المسقبل للبحث عن أبي.

ـ خداعك وأكذابيك هذه ستنكشف عقب الصباح بعد عمل اختبار لك سيتضح من خلاله صدق حديثك أم كذبًا.
كنت أود اخبارك أن هناك فرصة للعودة، لكن لا مجال.
فنهاية الخائن الموت.
نلقيه في البحر للوحش، وهو سيخبرنا إذا كنت جسوسًا أم لا.

هنا لا أدري أين سقط قلبي، ألقى حديثه حدفه، ظللت طيلة جلوسي على الأرض وأنا أفكر وألعن. نفسي وكاثرين وأسرى ما فعلوه معي، تلك الفتنة المشتعلة التي أخبرتني بأن ما اخبرتها به هو سر بيننا، وأنها ستساعدني في البحث عن أبي، لكن تبًا لغبائي وثقتي الكفيفة، لم أعي وأفهم بعد ما فعلته معي كاثرين، فكانت الأخرى تلوها.
جلست مكان ما أمرني العجوز "كوش "كما سمعت الحراس تنتديه، وإذا به يأتي لي بقطعة من الخبز مغموسة بالعسل واللبن القشدي المكثف،مع بعض من الجوز المطحون ، طعام غريب قليلاً لي، لكن نسفته أقل وصفًا لما فعلته به، كدت أتضهور من الجوع حقًا، نسيت تمامًا ما سيفعلونه بي، ونصبت تركيزي فقط على هذا الطبق الدسم.
لم أعي ما حدث بعد ذلك، لكني سقطت في ثبات عميق دون التفكير بأي شيء من شدة إرهاقي.
عندما جاء الصباح استيقظت على أصوات غريبة، أناس كالحاشية بالخارج يثرثرون بقوة.
غضبب يكسوه الفضول من البعض، والبعض الأخر يطالع البيت والحريق المنطلق من عينيه يكاد يحرق ذلك الكوخ الخشبي الذي أطالعهم من بين أخشابه المتفرقة، الذي لا أعلم متى جئت إليه، لكن استنتاجي لما حدث أنني غفوت بالمنزل الذي يجلس به العجوز كوش، ونقلني أحد إلى هذا المكان.

دلفت إليَّ بعض الجنود مقيدين حركتي، وحاملين إياي للخارج، لأرى صفوفًا من الناس المصطفة في انتظار تنفيذ الحكم.

ـ تعودنا على إكرام الضيف، وحسن استقباله، لكن علينا أن نثق بأنك منا وليس جسوسًا، الحكم سيكون بأخذك للنهر الاسود وسيلقونك فيه ليبتلعك الوحش، فرصة رجوعك تتوقف على صدق حديثك وسلامة نيتك، اذا كانت خير فخد هذا دافع لطمئنانك ولا تخف.

ـ ما الذي يهتريه هذا العجوز، عن أي خوف يتحدث، أنا سأموت حتمًا من خلف هذا الخوف وأنا ذاخل قلب الوحش.
وها وقت التنفيذ، كلبوني ذاك القساة وألقو بي في تلك البحيرة بكامل عزمهم.
لكن ما حدث جعل الرؤس تشيب والنبضات تتوقف...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي