الفصل الثامن

ليتني أقل انتباهًا؛ تلك الكلمات المفعمة بالودِ الزائف لا تروق لي أبدًا، بطبعي أنتبه لكل شيء، زلة واحدة فقط وسط الحديث قادرة على تراجعك داخلي، أظل أتمعن فيما أردفت لأجد لك مقصد آخر لكن من دون فائدة، النصر دائمًا حليف إحساسي، ليتني أقل انتباهًا لتلك التفاصيل الصغيرة التي لا تؤلم سوى وجداني.

كدت أصرخ بوجههم وهم يتشاجرون دون أي اهتمام لما انا فيه من تيه وصدمات تتوال على رأسي، شددت من خصلاتي وأنا أصرخ بهم:

-لحظة فقط أريد أن أخبركم شيئًا، اسمعوني فضلًا، ما حدث معي لا يتحمل الأنتظار.
التفتوا إلي منتبهين لما أردف:

- حين خرجت من هنا قبل رحيل ستيفاني مع إسرى، حملتني  قدماي حيث البحيرة التي ألقيتموني بها في الصباح، كانت البحيرة هادئة في بادئ الأمر، لكن بعفوية مني ألقيت بحجر في البحيرة، واحد تلو الآخر لتخرج منه أحد الأصوات المفزعة، صوت قوي يدوي الآذان، أخبرني أنه الملك رع، يسكن البحيرة منذ ألف سنة، يريد مساعدتي بمقابل مساعدته في العثور على حجر الياقوت.
لم يبدى الجد كوش أي رد فعلا لحديثي مما جعلني أتابع مستفهمًا:
- تعلم عنه شيئًا يا جدي؟
رأيتك صفنت في حديثي.
عقد كفيه خلف ظهره وهو يدور في الغرفة حول نفسه،أخيرًا ما قطع صمته معاودة إسرى مستفهة:
- ما الأمر يا جدي؟
رد مقاطعًا إياها بثبات:
- هذا ما كنت أخشاه، هو إيقاظ رع، تمَّلك جسد وحش البحيرة خاصتنا، فلا أمان آت بعد هذا اليوم.
ـ لم أفهم ما تعنيه، تقصد أنه ملك شرير؟!
ـ هو الشر نفسه، ملك عبر إلى هنا منذ الكثير، يعيش هنا بنصف جسدٍ بعدما تفجر النصف الآخر وهو يعبر بالهرم  وحاشيته، يريد منك حجر الياقوت ليستعيد قوته من جديد، هو ظالم مستبد، يريد الإستيلاء على البلدة بضواحيها، بل العالم،  خطر قبيلة كوارتس مهمش جانب خطورة عودته.
ـ وما العمل الآن؟! طلب مني أن أذهب لبحر الظلمات في الليل وأبحث عن حجر الياقوت داخله،  أخبرته أن الأمر محال تكراره، لكن هذا هو حله الوحيد لمساعدتي، أعطاني مهلة خمس ليال لتنفيذ ما أمر.
ـ انسى ما أخبرك به كاملًا، لا تدع حديثه يسلب أفكارك  ، يلعب بأوتار مخاوفك أمام أعيننا، تلك هي لعنته استغلال كل المصاعب والحوادث لأجله،  لا تسمع له حرفًا، دعه يرقد بالأسفل هذا أمان لنا، العودة إليك والتحدث معك أنت تحديدًا يعني أنه كان بانتظارك.
ـ وأنتِ يا إسرى، أرى تدفق الحديث على شفتيك، ما بكِ؟!
ـ لا يا نيل، كل ما يدور بعقلي هو المقارنة بين الحديثين، استنتاجًا لهذا الأمر أن رع يريد أن يستدرجك مستغلًا حاجتك في البحث عن أبيك، هو كالشيطان.، زين لك ما طلبه منك بسهولة ممتنعة مجازفًا بروحك، ما الضامن على حياتك؟!
ما ضامن نجاتك من بحر الظلمات والعودة إلى هنا؟!
إذا عدت لبحر الظلمات وحدك لن تنجو هذه المرة.

ـ إذا كان يقصد هذا حقًا لماذا أخبرني أنا، هو يعلم انني سأعود له بالحجر، أخبرتكم أنني أتنفس تحت مائه دون عائق.
نظر كلاهما للآخر بصمت شعرت حينها أنهم لا يصدقون ما قولت.
تبدل حالي ماقتًا تكذيبهم لي:
- حسنًا، الأيام ستثبت لكم هذا.
اقترب الجد كوش معاتبًا:
- صبرك علينا يا فتي، نحن لا نكذب ما تقول، لكن الأمر محال علينا، هذا البحر لا أحد هنا يقدر أن يقربه، أنت تقول سقطت فيه وأبحرت وخرجت منه سالمًا، بالنسبة لسكان هذا الوادي أجمع غير معقول بالمرة، اسمه بحر الظلمات، والكثير هنا ما ينعته ببحر الموت، مليء بالأسماك المفترسة النادرة والوحوش البحرية، ما سمعناه في الكتب يقال أن قاعه مجمد من شدة البرودة، في الشتاء يمكنك أن تمشي على سطحه، هو أشبه بأرض مثلجة، جرائم القتل والحوادث بالبلدة يعاقب حاميها بالحدف داخل بحر الظلمات.
انتفضت واقفًا لما أردف:
- هو بالحق درجة حرارته منخفضة جدا، تكاد تكون مائة تحت الصفر، لكن لم أرى فيه أي وحوش بحرية، ولا سمكة واحدة، أقسم لك أنني سقطت فيه وخرجت منه مبحرًا.
قاطعتني إسرى:
-وأنا أصدقك، لكن ما تقوله بالحق غير معقول لمن حولك خاصة سكان هذا الوادي، حديثك هذا لا دالة له غير شيء واحد يا جدي أليس كذلك؟
ـ تقصدين أنه محمي؟!
ـ مؤكد أن هناك هالة تحميه، حمته من رؤية الوحوش وما يحويه بحر الظلمات من خطر، أجفلت عنيه عن رؤيتها، أقسم أنك لو رأيتها لزهقت روحك فزعًا من هولها.
ـ عن أي هالة تتحدثين؟ لا أفهم!
طالعت الجد كوش ليرد عليَّ:
ـ تقصد روح، روح أحد ما كانت تحميك يا نيل.
دارت نظراتي بيني وبينه التيه بخيم عقلي:
- روح لأحد توفى؟ تقصدون هذا؟
روح من يا ترى، لا علاقة لي مقربة بشخص كهذا، يحبني لدرجة الحماية هذه، معنى حديثكم أنه كان بانتظاري ويعلم أنني سأعبر إلى هذا العالم في هذا الوقت؛ كل الامور حولي تزداد تعقيدًا، أصبحت أجهل كل الطرق والوسائل في الوصول إلى ما أريد.
ـ ستمر وسنفهم كل شيء لا تقلق، نحن الأن نريد أن نعثر على الكتاب الخاص بترجمة هذه اللغة، إن عثرنا عليه وقتها يمكننا خوض رحلة العثور على والدك، لكن هناك أمر أريده منك الان يا إسرى.
ما الأمر يا جدي؟ تفضل.
ـ أريدك أن تذهبي لـ "آسيا " وتخبريها أنني أريدها الآن.
ـ الخالة آسيا؟ بهذا الوقت!
ـ نعم يا إسرى، هي من ستساعدنا في التحقق من هذا المسألة.
ـ حسنًا، سأذهب وآتِ بها في الحال.

دقائق من الصمت معدودة بيني وبين الجد كوش في اتنظار هذه السيدة، قطعه صوت إسرى وهي تستأذن قبل الدخول مصطحبة إياها.
إمراة في مقتبل العقد الخامس على ما أظن من هيئتها، صاحبة جسد كنز وبشرة بيضاء كغالب سكان هذه القرية، تدق وشمًا على هيئة عقرب صغير في ذقنها، لوثت به سماحة هذا الوجه البشوش في معتقدي.

رحب بها الجد كوش وهي تطالعني بتفقد من أعلى لأسفل مردفة بثقة:
- أظن أنني فهمت لماذا دعوتني في هذا الوقت،
أشعر بشيء ما غير مريح في هذا المكان، أشم رائحة روح خبيثة هنا.
ـ ماذا تقصدين بروح خبيثة، تقصدينني؟
سألتها تحت نظرات صامتة من الجميع المنتبه لحديثها.
ـ هي من تتبعك.
حاولت مجاهدًا إخفاء توتري ورجفة قلبي:
- لا أفهم، تقصدين أنها حولي؟
ـ نعم مرسلة معك.
ـ هي كاثرين بالتأكيد، لا أحد غيرها.
اقتربت مني واضعة يدها على رأسي مغمضة العينين قائلة بتسلسل:
-بينما أنتم هنا تبحثون عن أي دالة تساعدكم في حل هذه الألغاز، في مكان آخر تعقد كاثرين بين حاشيتها الجان المؤتمرات، تريد الوصول إليك ومعرفة أي شئ عنك.

ـ قبل العبور أخبرتني أنها ستتواصل مع قرينها أسفل الأرض ليتابع معي ويساعدني في الوصول إلى المقبرة، كنت على دراية بهذا لكن وهل ما حدث معي مذ الوصول جعلني أهمل حديث تلك الشيطانة برأس أنثى.
بالفعل هي تفعل هذا الان، توصلت مع قرينها الموجود هنا في هذا العالم، لكن جهة الأعداء بقبيلة كوارتس.
هنا حلت الصدمة على الجميع، لمست الخوف داخل أعينهم، هذا كله من تحت رأسي.
ـ تعنين أنكم وأهل قبيلة ألفا بخطر الآن؟
ـ أريد منك أن تخرج الأن وتبحث عن ستيفاني، أخبره أن الجد كوش يريده.
ـ لكني أريد أن أفهم أيضًا.
ـ لا تكن عجولًا ودع الأمور تمشي على مهلٍ حتى تجد السلامة في نهاية الطريق.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي