الفصل٢٣

تحدثت «فيونا» محاولة أن لا تظهر صدمتها لما قال «راسل» من أمر طلبه للزواج من «روز»:
  -اا ألف مبروك، أنا أول مرة أعرف إن في مشاعر ليك اتجاهها.

تبسم «راسل» بخفوت، ليطالع «روز» بنظرات تملأها الحُب، قائل:
  -المشاعر موجودة من بدري، بس الخطوة دي هي اللي كان صعب شوية اخودها.

تطالعه «روز» عاقدة حاجبيها بخفوت رغم عدم فهمها مايقول لقوله بلهجة انجليزية، ولكن البسمة كانت ترتسم فوق ثغرها؛ لما ترى من حُب يملاء عيناه.

استمرت «فيونا» في مطالعتها وهناك ما كُسر بقلبها، فكيف تضيع جميع امالها فجأة هكذا؟!

حاولت تمالك نبرة صوتها، ووجهها الذي لم يستطيع كبح الحزن أكثر، تحدثت أثناء نهوضها، قائلة:
  -اا طيب إذا كان كده، أنا همشي بقى، جيت أطمن عليك واشوفك عامل أيه، واديني اتطمنت.

طالعها «راسل» قائل:
  -خليكِ معانا شوية، أنتِ مشربتيش حاجة حتى.

حركت «فيونا» رأسها نافية، لتقول:
  -شكرًا ورايا شغل كتير ولازم اخلصه، سلام.

تركتهم وذهبت، لتتحدث «روز» ناظرة إلى «راسل» أثناء قولها:
  -هي مشيت ليه؟!

اجابها «راسل» قائل:
  -وراها شغل، كانت بتطمن عليا ومشيت.

رفعت «روز» حاجبيها بفهم، لتقول:
  -طيب، أنت ناوي تعمل أيه دلوقت؟

استمر «راسل» في تصويب نظراته اتجاهها، يفكر بما سيتخذ من قرار لا عودة به.

ليقول في جهل منه:
  -مش عارف، بس الأكيد إني هجيب البت دي، وهعرف إذا كانت بتكذب ولا لا.

ذهبت «فيونا» في طريقها للمنزل، قامت بالجلوس داخل إحدى الكافيهات؛ وكأن طاقة ذهابها انتهت.

اصبحت تتذكر الحديث الذي قاله «راسل» والتي قالته «روز»، فبرغم عدم فهمها للعربية إلا أن كلماتها كانت معروفة لديها، وياليتها لم تعلم بها؛ فمن كان يتملك قلبها من الصعب عليها نوله الأن!

قامت بسند ذقنها فوق يداها المشبكة ببعضهما البعض، والتي توضع زراعها فوق الطاولة من امامها، تتطلع إلى الاشيء شاردة الذهن والدموع تتجمع بعيناها أكثر حين تمر الثواني.

تتذكر حديث «جان» الذي أصبح يدور بعقلها، كم كان مؤلم أن يبقى الشخص متمسك بك لترضى ولتتقبل قربه، وترفض أنت هذا لأجل شيء لن يتحقق بحياتك!

اغمضت عيناها مملكة وجهها بين يدها في حزن على مشاعرها التي تهالكت، تتساقط الدموع من عيناها على أمل أن تهداء روحها المشتعلة بتلك القطرات المتساقطة!

استمرت في الجلوس بعض الوقت، حتى هدأت دموعها، التي كلما جففتها تساقطت من جديد.

نهضت ذاهبة إلى منزلها.

وحين وصولها إلى هناك، طالعت «سوزان» الجالسة فوق الأريكة تحاول اجراء مكالمة ما، هذا مادفعها للتطلع لها، قائلة:
  -بتعملي أيه؟

طالعتها «سوزان» في ضيق يتملك ملامحها، قائلة:
  -مشوفتش «جان» من امبارح، بقاله يومين كده مجاش ومبيردش على تليفونه، مش عارفة أيه اللي حاصله! طبعًا دي حاجة مش هتهمك فملوش لازمة تتكلمي.

استمرت «فيونا» في مطالعته شاردة الذهن؛ فهو بالفعل أنصت لحديثها!

ذهبت إلى غرفتها دون كلمة أخرى وقد استمر عقلها في الشرود ب«جان»، الذي أصبح ملامس لروحها بطريقة تعجبت منها! فلماذا سيضايقها حدوث شيء هي من أصرت عليه؟! هي من اخبرته أنها لا تود رؤيته مجددًا وأن يبتعد عنها وعن والدتها، لماذا إذن تشعر بالضيق لأجل هذا؟

اصبحت تتسائل بداخلها عن سبب هذا الشعور الذي يراوضها، لقد كان مؤلم لقلبها، أهذا بسبب «راسل» أم «جان»؟! اصبحت مشاعرها مختلطة لا تعلم ما يحزنها، وما يسعدها، لا تعلم مالذي اصبحت تريده، كل شيء أصبح غامض بالنسبة لها، كل شيء.

مر اليوم ليس بسلامه المعتاد؛ فهناك من القلوب ما تمتلاء حزنًا وحسرة، وهناك من العقول ماتفكر لدرجة كادت تنفجر منها، لم تعود المدينة هادئة كما كان الأمر، فيبدو أن القيامة على وشك أن تقوم!

استيقظت «فيونا» خارجة من غرفتها عند استحمامها كالعادة، لتطالع «سوزان» التي تجلس أمام التلفاز بملامح ونظرات ثابتة، وكأن هناك مايضايقها اتجاهها!

تحدثت «فيونا» أثناء مرورها ذاهبة بإتجاه غرفة الطهي:
  -غريبة يعني وشك مقلوب النهارده! أيه الحلو طنشك؟

طالعتها «سوزان» لتقف متحدثة بغضب كابح يتملكها اتجاهها، قائلة:
  -هو بردو اللي طنشني، ولا كلامك معاه خلاه سابني؟

التفتت «فيونا» لتطالعها، متحدثة ببسمة ساخرة، حين قالت:
  -لو كان بيحبك مكنش حبة كلام اللي هيخلوه يسيبك، بس تعرفي حاجة؟ هو مكنش بيحبك من البداية أصلًا، كان بيحبني أنا، وكان معاكي لحد اللحظات الأخيرة بسببي، ولما قولتله إني مبحبوش وقتها هو قالي أنه هيبعد، وأديه بعد.

تستمر «سوزان» في مطالعتها، لتتحدث بغضب ونفي لما تقول:
  -كذابة، أنتِ كذابة.

أومأت «فيونا» بسخرية قائلة:
  -صح أنا كذابة، والدليل أنه دلوقت اختفى من حياتك، فعلًا كذابة.

احتست المياه التي قدمت لأجلها أسفل نظرات «سوزان» الشاردة، والتي لا تستطيع استيعاب ماقالت.

لتذهب من المنزل بأكمله دون كلمه أخرى.

ذهبت لتجلس بإحدى الكافيهات من جديد، تفكر بما حدث وخاصة ب«جان».

لا تدري لما يجتاح تفكيرها، ولكنه بالفعل لم يبتعد عن عقلها منذ ليلة أمس.

وهاهي قد حسمت امرها لما تود القيام به.

لتنهض ذاهبة حيث يقودها قلبها.

(بمنزل أدم).

استيقظ «أدم» من نومه، ليتطلع حوله ولا يدري كيف ومتى غفى، فمنذ أن تناول الشاي ليلة أمس ولم يشعر بشيء بعدها!

جلس فوق الأرض والذي غفى عليها، ليتطلع حوله في تعجب، قائل بصوت خافت يظهر ارهاقه:
  -أيه اللي حصل؟!

نهض وعيناه تتفقد الأجواء من حوله، باحثة عن «هارلي» التي ظن خروجها من المنزل.

قام بالذهاب لدورة المياه، ليحاول أن يستفيق أكثر؛ فهناك ألم يجثوا عقله وكأنه محمل بشيء ما!

انتهى من غسل وجهه وتجفيفه وتفريش اسنانه كذلك، ليتلقى اتصال هذا مادفعه للإمساك بالهاتف، مجيب:
  -ألو.

تحدث «راسل» بصوت ثابت، قائل:
  -أنت فين؟

اجابه «أدم» قائل:
  -في البيت، ليه؟

أكمل «راسل» حديثه بذات لهجته الثابتة:
  -أنا جايلك علشان نصفي حوار البنت ده خالص.

عقد «أدم» حاجبيه في تعجب؛ فكيف يفعلوا وهي لا تعلم بأمر عمله بعد؟

لم يترك له مساحة ليرد على حديثه، فقد قال ما أراد وأغلق الخط بعدها.

أغمض «أدم» عيناه في ضيق يتملكه لما يفعل «راسل» دون قبوله.

خرج من الغرفة ليتطلع حوله مُتفقد «هارلي».

لم يراها بالخارج، وهذا مادفعه للإتصال بها والتعجب يملاء عقله.

ولكن هاتفها كان مغلق! وهذا ما ازداد من تعجبه وقلقه.

مر القليل من الوقت، والذي أتى «راسل» به.

ليتحدث سائل ما إن مر بالغرفة:
  -هي فين؟

طالعه «أدم» بجهل، قائل:
  -مش عارف صحيت ملقتهاش ومبتردش على التليفون.

رفع «راسل» حاجبيه في سخرية، قائل:
  -واللهي؟

تحدث «أدم» منفعل، ليقول:
  -«راسل» ملوش لازمة اللي بتعمله ده، أنا في القضية وهترجع عليا بخسارة زي زيك، ومش هخبيها يعني!

اجابه «راسل» بذات انفعاله، قائل:
  -أمال أيه؟! هتكون راحت فين يعني؟!

أغمض «أدم» عيناه في ضيق بتملكه لإتهامه بهذا الأمر، ليحرك رأسه نافي ببساطة وبرود، قائل:
  -معرفش أبقى اسألها.

تحدث «راسل» محذره بلهجة توضح هذا:
  -صدقني أنت لو مرجعتهاش يا «أدم» أنا هقدم بلاغ فيك، وصدقني ده مش تهديد.

رفع «أدم» حاجبيه في سخرية من تهديداته له، ليتحدث بذات سخريته، قائل:
  -أنا قولت اللي عندي، وخلي تهديداتك دي لنفسك، عايز تعمل حاجة روح اعملها بعيد عني، أنا لا خبيت حد ولا ساعدت حد يهرب، ولو مش مصدق متصدقش.

تركه وخرج من الغرفة ذاهب للبحث عن «هارلي» بالقرب من الكافية والذي توقع ذهابها له.

تطلع «راسل» إلى أثر ذهابه والغضب يجتاحه؛ فيبدو أنه بالفعل فقدها.

(بمنزل جان).

خرج من دورة المياه والذي كان يأخذ شاور بها، ارتدى ملابسه حين انتهى وحين استمع لصوت طرقات فوق باب المنزل.

ذهب ليتفقد من الطارق، ما إن فتح الباب تطلع لها بدهشة وسعادة تملكت قلبه لرؤيتها، قائل:
  -«فيونا»!

طالعته «فيونا» وهناك من التوتر ما يجتاح قلبها، بل ونظراتها أيضًا.

أكمل حديثه مبتعد عن باب المنزل، ليقول:
  -ادخلي.

اقتربت «فيونا» إلى الداخل، والتوتر يتملكها، تحدث حين أغلق الباب والبسمة تزين ثغره، ليقول:
  -في حاجة؟ أنتِ كويسه؟

نظرت «فيونا» له، لتقول وقد توترت كلماتها:
  -اا، لا، هو مفيش حاجة بس..

شعر «جان» بتوترها في الحديث، هذا مادفعه لمقاطعتها والبسمة ترتسم فوق ثغره حين شعر أنها لا تجد حجة لمجيئها:
  -هعمل قهوة.

طالعته «فيونا» بهدوء ولا تشعر مالذي حدث لها حين رأته، لتومأ بهدوء، قائلة:
  -مفيش مانع.

تبسم «جان» الذي ذهب بالفعل ليصنع القهوة، كانت السعادة تتملك قلبه بطريقة لا يستطيع كبحها، فكم أن مجيئها بعد ماحدث بينهم من حديث كان قاطع لعلاقتهم، أسعد قلبه واشعره أن هناك أمل بوجودهم معًا.

انتهى من صنع القهوة ليخرج واضعها امامها جالس هو الأخر فوق الأريكة امامها، ليتحدث ببسمة ترتسم فوق ثغره وعيناه مصوبة اتجاه عيناها، ليقول:
  -نورتي البيت.

تبسمت «فيونا» لتبعد نظراتها عنه بذات البسمة المرتسمة فوق ثغرها وقد خجلت من غزله بها، أكمل حديثه ببسمة هادئة ترتسم فوق ثغره، قائل ومازالت نظراته تتعلق بها:
  -أنا نهيت علاقتي بمامتك.

طالعته «فيونا» من جديد، لتومأ بهدوء وقد هدأت بسمتها، لتقول:
  -عارفة.

أومأ «جان» بذات هدوئه، ليكمل سائل:
  -أيه اللي خلاكِ تشوفيني تاني؟ رغم إن كلامك أخر مرة كان بينهي علاقتنا تمامًا!

تستمر «فيونا» في مطالعته، لتومأ بهدوء، قائلة:
  -عارفة، وجيتلك علشان حسيت إني لازم أعمل كده، يعني كلامك كان صح وبعدك عن ماما حسسني بكده، يعني أنت فعلًا مش عايز فلوس وخلاص.

تبسم «جان» ليرفع حاجبيه قائل:
  -يعني برأة؟

ابعدت «فيونا» نظراتها عنه بذات بسمتها ممسكة بفنجان القهوة، لتقول:
  -أمم، يعني شبه كده.

استمرت بسمة «جان» في الأرتسام فوق ثغره، ليقول بشوق يتملك قلبه:
  -يعني موافقة؟

طالعته «فيونا» متسائلة:
  -عن أيه بالظبط؟

اجابها «جان» متنهد وكأن الأمر يهدد صعود انفاسه، ليقول:
  -علاقتنا.

تطالعه «فيونا» شاردة الذهن؛ فلا تدري مالذي تريده وما الصائب لتختارة، ولكن قادها قلبها إلى هنا!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي