الفصل٢٤

تحدثت «فيونا» في تردد يتملك كلماتها، لتقول:
  -أنا مش عارفة، مش عارفة نهاية قصتنا أيه، وصح إني أقبل ولا لا؟!

أومأ «جان» في تسرع ممسك بيدها، ليقول:
  -صح يا «فيونا»، صح لأني بحبك وفعلًا عايز وجودك، أنا عارف أنتِ بتفكري أزاي، بس أنا مش عايزك تقلقي أو تخافي من حاجة؛ لأني هحل كل حاجة، حتى لو مامتك معرفتش إلا بعد مانتجوز، أنتِ شوفتي أزاي هي كانت مستعدة تتجوز وتسيبك زي منتِ عايزة حتى لو مش هتعيشي معاها.

بس متخلتش عني ولأخر لحظة، علشان كده مش عايزك تشغلي بالك بيها؛ لأنها معملتش كده يا «فيونا»، فكري فيا وفي نفسك وبس، وأنا عمري مهعمل حاجة تأذيكِ أو تضرك.

تستمر «فيونا» في مطالعته شاردة الذهن، تفكر في حديثه متأملة كلماته التي يخبرها بها عن مدى حبه وارادته في قربها، كما أن تمسكه بها يزداد من حبه بقلبها.

أومأت بهدوء، لتقول وقد حسمت امرها، فمن يجد هذا الإهتمام والتمسك من أحد ويبتعد عنه!

قالت بنظرات ثابتة، تظهر حسمها لأمر دام بداخلها الكثير من الوقت في تصارع مع عقلها:
  -أنا موافقة.

توسعت البسمة فوق ثغره، لينهض محتضنها دون سابق إنذار، فكم تمنى سماع تلك الكلمة من بين شفاهها.

تبسمت «فيونا» في دهشة من فعلته، والذي يقول بسعادة طائلة:
  -الحمدالله الحمدالله أنا كنت عارف إنك هتوافقي كنت عارف.

ازدادت البسمة ارتسامًا فوق ثغرها؛ فسعادته بها جعلتها تسعد!

في الليل.

تسير «هارلي» بإحدى المناطق المظلمة، تتطلع إلى كل تفصيلة تمر بها، والتي تذكرها بما مرت به سابقًا.

نظرت إلى هذا المنزل والذي يعد نهاية لطريقها، تطالعة وقد أعاد عقلها تلك الذكرى، بل مرتها الأولى التي قدمت بها إليه.

استمرت في السير أخذة خطواتها نحوه، لتطرق بابه ما إن وصلت.

لم تظل واقفة الكثير من الوقت؛ فسرعان مافتح «بين» الباب، والذي ارتسمت البسمة فوق ثغره ما إن رأها، قائل:
  -أوووو مين كان يصدق نرجع نشوفك تاني! أما أيام بصحيح.

تبسمت «هارلي» بسمة باردة، تمتليئ بالخبث، لتقول:
  -مين كان يصدق يا «بين»؟! طبعًا متوقع اللي المفروض اعمله فيكم.

رفع «بين» حاجبيه بمزاح، قائل:
  -أهو عندك جوه، اعملي فيه اللي أنتِ عيزاه، أنا مليش علاقة.

ابتعد عن الباب لتمر إلى الداخل، تطلعت من حولها، قائلة:
  -البيت متغيرش.

أومأ «بين» الذي أغلق الباب متبسم، ليقول:
  -أحنا اتغيرنا وهو لسه، تشربي أيه؟

طالعته «هارلي» لتقول بنظرات غامضة:
  -أشرب من دمك.

ضحك «بين» الذي بادلها نمط حديثها، قائل:
  -دي الحاجة الوحيدة اللي مش متوفرة عندنا.

في هذا الوقت خرج «الجوكر» من غرفته، ليتحدث ببسمة تتملك ثغره، قائل:
  -وأنا بقول البيت نور ليه!

التفتت «هارلي» لتطالعه ببسمة ساخرة؛ فقد كانت البدايات كذلك من قبل، وأنتهى بها المطاف مُفلسة بجانب قلبها الذي كُسر والذي لم يأبى له.

اقترب «الجوكر» ليقبل وجنتها محتضنها، عقب قوله:
  -وحشتيني.

تبسمت «هارلي» بسمة جانبية، قائلة:
  -مين كان يصدق إني ارجعلك؟!

بادلها «الجوكر» التبسم، ليبتعد قليلًا مطالعها، قائل:
   -علشان أحنا ملناش غير بعض.

رفعت «هارلي» حاجبيها متذكرة ماحدث ليلة أمس

(عودة إلى الوراء).

تتحدث «هارلي» إلى «الجوكر» عبر الهاتف، قائلة:
  -أنا موافقة اشاركك في السلاح.

تبسم «الجوكر» قائل:
  -كنت عارف إنك هتقولي كده؛ علشان أحنا ملناش غير بعض، وهتكون خسارة كبيرة ليكِ لو رفضتي ترجعيلي، خصوصًا لو علشان واحد تاني؛ لأن دي مش شخصيتك.

اجابته «هارلي» ساخرة:
  -مش أنت اللي هتقولي شخصيتي ولا لا، أنا لولا إني عرفت من فترة قصيرة أنه شغال تبع الشرطة وعايز يوقعني مكنتش قبلت ارجعلك، عارف ليه؟ لأني عارفة أنه بيحبني.

رفع «الجوكر» حاجبيه ساخر، ليقول:
  -فعلًا؟! طب ماتحبيه أنتِ كمان يا «هارلي»، وأهو تبقى قصة حب ملهاش أي علاقة ببعضها.

اجابته «هارلي» ساخرة:
  -لا أطمن، أنا ذوقي زبالة، وأكيد أنت عارف كده.

تبدلت ملامح «الجوكر» للضيق والدهشة من حديثها والذي ينص على كونه سيئ لذا قبلت ببقائها معه.

تحدث «الجوكر» بشكر وبسمة غامضة، قائل:
  -شكرًا جدًا على الكلام الحلو ده، أهي دي «هارلي» ولا بلاش.

تبسمت «هارلي» بسمة جانبية؛ ففخره بسلوكها السيئ يجعلها تسخر منه.

(عودة إلى الحاضر).

تحدث «الجوكر» سائل في تعجب:
  -أنتِ عرفتي منين أنه بوليس؟

اجابته «هارلي» قائلة:
  -سمعته بيكلم اللي أسمه «راسل» ده، وراقبت مكالماتهم أكتر من مرة، علشان كده اتأكدت.

أومأ «الجوكر» بتفهم، ليقول:
  -حلو، لسه عندك قوة الملاحظة العالية دي، أهي في حاجة مخسرتهاش.

طالعته «هارلي» بنظرات ثابتة، تتحلى بالقوة لتقول:
  -متقلقش أنا مخسرتش حاجة، وهتعرف كده كويس.

استمر «الجوكر» في مطالعتها، ليقول «بين» مقاطع هذا التوتر الذي تملك الأجواء من بينهم، عقب ثواني دامت من الصمت:
  -«هارلي» تعالي هوريكِ الأوضه بتاعتك ترتاحي لحد مانطلب الأكل وابقوا اقعدوا اتكلموا على رواق.

طالعته «هارلي» التي سارت امامه، ليطالعها «الجوكر» الذي شرد بشيء ما، ويبدو هكذا أنه خاص بالسلاح.

(بمنزل أدم).

يجلس «أدم» فوق الأض، يتطلع للوحة من امامه، والذي قام برسم «هارلي» بها، يفكر أين يمكنها أن تكون، ولما ذهبت؟ يفكر مرارًا على أمل الوصول لشيء، أمن المحتمل أن تكون علمت بالأمر؟ كل شيء كان يقوده للا شيء، لم يستطيع التوصل لما يمكنه أن يفيده، فقط رحلت ولا شيء ليدله عليها.

حتى هاتفها أُغلق وهذا مايجعله لا يستطيع تتبعه حتى.

أغمض عيناه متنهد بعمق واختناق؛ فكم أنه كان يود أن تنتهي القصة كما أراد، أن تكون حبيبة قلبه بمأمن ولا يضرها شيء، يحل القضية هو وهي بحمايته لأخر العمر، وهذا مالم يستيطع فعله سابقًا.

قاطع شروده صوت هاتفه الذي امسكه في تسرع منه عل أمل أن تكون هي، ولكن خابت اماله حين وجده القائد، والذي أعاد الضيق في نفسه؛ فماذا سيقول له ومؤكد «راسل» حادثه على ماحدث معه، وابلغه بأمر هروبها الذي يتهمه به.

أجاب على الهاتف، قائل:
  -مساء الخير يا حضرة القائد.

تحدث القائد بصرامة قائل:
  -أنت فين يا «أدم»؟

اجابه «أدم» قائل:
  -في البيت.

أومأ القائد مجيب:
  -تعلالي على بيتي، عايزك ضروري، خلال ربع ساعة تكون عندي.

تحدث «أدم» سائل في ترقب، حين قال:
  -هو في حاجة يا حضرة القائد؟

اجابه القائد بذات صرامته، قائل:
  -«أدم» أنا قولت تعالى يبقى تيجي مش عايز اسأله كتير.

أغمض «أدم» عيناه في ضيق، مجيب بلهجة يحاول أن تكون هادئة قدر الإمكان عكس مابداخله:
  -تمام يافندم، أنا جاي.

أغلق الخط وبالفعل نهض ليبدل ملابسه ذاهب له، وعقله لم يتوقف عن التفكير؛ فقلبه حائر، يرجو رؤيتها، يود ذلك ولكن لا جدوى، يبقى مجرد حلم الأن، يتسائل أين هي ولا اجابة، ومن يجيبه وكل شيء أصبح مجهول.

ذهب إلى منزل القائد، والذي صُدم بوجود «راسل» هناك.

ليتحدث «القائد» ما إن رأه، قائل:
  -تعالى يا «أدم»، تعالى أقعد.

اقترب «أدم» بوجه شبه عابث، ليقول:
   -حضرة القائد أنا مليش أي علاقة بهروب «هارلي»، وزي ماهو مش عارف هي فين، أنا كمان معرفش هي فين.

طالعه «راسل» الذي تحدث ساخر من ماقال:
  -أنت كذاب، أنت اللي هربتها وأنا عارف كده كويس، بتقول أنها كانت معاك ومن ساعة القضية مابدأت وهي معاك، أزاي بقى وقت ماقولت إني جايلك ملقتهاش؟! بأنهي عقل بتقول أن ملكش دخل فهروبها؟

استمر «أدم» في مطالعته، ليتحدث بغضب كابح قد تملكه من اتهام «راسل» له:
  -أنت ملكش علاقة، خلي الأفكار المتخلفة دي لنفسك، أنا معملتش حاجة ومجتش هنا علشان أسمع اتهاماتك ليا، وزي منت بتدور عليها وهامك القضية، أنا بردو هاممني القضية.

رفع «راسل» حاجبيه ساخر من ماقال، ولكن هذه المرة قد قاطع شجارهم صوت القائد، يقول:
  -أنتوا أيه اللي بتعملوه ده؟ أنتوا أطفال؟!

أبعد «أدم» نظراته عنه، بل عن كلاهما.

ليتحدث القائد من جديد، مطالعه:
  -«أدم» تعالى أقعد، يلا.

اقترب «أدم» ليجلس امامه، متفادي التطلع إلى من يواجهه «راسل».

طالع القائد كلاهما، باديئ بالبوح لما احضرهم لأجله:
  -أنا مجبتكوش هنا علشان أعرف أيه مشاكلكوا، أنا جبتكوا هنا علشان اقولكوا أن اللي عملتوه ده بوظ القضية، بل كان ممكن يبوظ حياة الكل كمان، أنتوا متعاونتوش علشان تجيبوا السلاح، وتوقعوا البنت، أنتوا فشلتوا أكبر فشل.

مازال كلًا منهم يطالعه صامتين تمامًا، ليكمل قوله:
  -وبما أنكوا مقدرتوش تجيبوا البنت، ودي كانت أبسط حاجة..

قاطعه «راسل» الذي حاول تبرير فعلته:
  -حضرة القائد أنا..

قاطعه القائد بنفي لسماعه:
  -هشش مش عايز أسمه كلمة من حد، أنا هقول اللي عندي ومحدش يعلق عليا، أنتوا برا القضية تمامًا، ومحدش فيكوا هيتدخل في أي حاجة تخصها، غير إن ده شبه تحذير ليكوا على الأهمال الكبير اللي اتصرفتوا بيه، يعني المرة الجاية مش هيكون تحذير وأنتوا عارفين كده، خلصت كلامي تقدروا تمشوا.

تطلع كلًا منهم إلى الأخر والغضب يجتاح «راسل» عكس «أدم» الهاديئ، فهو بالفعل كان يبحث خلف وقوع «هارلي» والذي وثق بفعله حين كلف «أدم» بتلك المهمة.

ما إن خرج كلًا منهم من منزل القائد.

التفت «راسل» لينظر إلى «أدم» بغضب كابح، ليقول:
  -أنت اللي عملته ده بوظلي كل اللي أنا عايزه، أنا غلط فعلًا لما اختارتك وافتكرتك قد المهمة دي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي