الفصل السابع

لو كان قريبًا منها بعض الشيء، إستمع لصوت ضربات قلبها السريعة وكأنه يحارب ليخرج من موضعة، توتر وخوف.. إرتبكت بلا شك وهي تراه يبتعد عنها ليرتدي ملابسة هاتفًا بتعجب وضيق:

_أليس غريبًا أن تكوني بأحضان زوجك وبين يديه وتنطقين بأسم رجلًا أخر غيرة!

أبتلعت لعابها وهي تفرك أصابع يديها حركتها المعتادة عندما تتوتر، تشعر بالإنهيار ترتعب خائفة أن تخسرة بسبب غبائها وذلة لسانها، لا تصدق أنها نطقت بأسم إبراهيم!! غير مستوعبة أن لسانها فعل ذلك.. كيف وهي المخلصة لمصطفى من أول يوم لهم بالزواج..

كيف ستخرج من ذلك المأزق التي وضعت نفسها به!؟

وكأن القدر معها تلك المرة؛ حيث صدح صوت رنين هاتف مصطفي مرة أخرى ينبؤه بوصول مكالمه أقتربت "هنا" ممسكة بالهاتف من الكومود، وقد لمعت عيناه رفرف قلبها فرحًا عندما قرأت هوية المتصل فأخيرًا وجدت مبرر لذلة لسانها.

نظرت لمصطفى وهي ترفع الهاتف له قائلة:

_هيما يتصل بك.

كان مصطفي يقوم بغلق أزرة قميصه معطيًا لها ظهرة ليلتفت لها وينظر للهاتف بيدها، لتتصنع هنا الحزن والزعل وهي تهتف قائلة:
_لعلمك لن أسامحك والأن أنا غاضبه منك كثيرًا، كنت أقول لك هيما على الهاتف، ومنذُ مدة أخبرك بأن الهاتف يرن عندما نطقت بأسمة هذا لأنني أكتشفت أنه على الهاتف وأردت أخبارك وتنبيهك ليس إلا، ولكنك لم تنتظر أن أكمل حديثي وبسرعة حكمت عليّ وفهمت الأمر خطأ.

ناولته الهاتف وهي تتصنع محلمح الضيق بأحترافيه:

_تفضل هاتفك.

خرجت من الغرفة وهي تشعر أنها تختنق لأنها تعلم بقرارة نفسها أنها مخطئة وفوق كل ذلك تحمله ذنب ليس له أي دخل به.

بكت بالخارج وهي تحاول أقناع نفسها أنها زلة لسان ليس أكثر من ذلك، زلة لسان بكل تأكيد، هي لا تحب إبراهيم الأن، لم يتبقى بداخلها أي مشاعر له كل ما تحملة داخلها من مشاعر حب تتوجهه نحو مصطفى زوجها أما إبراهيم لم يعد يهمها أمرة بعد الأن..

ظلت تقنع نفسها مرارًا فمصطفى لا يستاهل منها الغدر أبدًا.

أما بداخل الغرفة يهتف إبراهيم موجهه حديثه لمصطفى وبمشاكسة:

_ما كل تلك الغيبة يا صاحبي، تسافر أسبوع ومن ثم تجلس بجانب زوجتك أسبوع أخر لم تفعلها وأنت عريس ببداية زواجك.. ما الموضوع؟ ثم أكمل إبراهيم حديثة بقلق واضح" أياك أن تكون مريض ولا تريد إخباري.

إبتسم مصطفى نصف إبتسامة:
_لا أبدا لستُ مريض لا تقلق علي، سأتي للعمل غدًا بأذن الله، أسف لتركك وحدك.

رفع إبراهيم حاجبه قائلًا بلوم وعتاب:
_على راحتك يا صاحبي، كل ما في الأمر أنني قلقت عليك وأردت الإطمئنان ليس إلا، وأمر أخر أردت مساعدتك به.

_فقط شيء واحد أنت تؤمرني وأنا علي التتفيذ.

_لا يأمر عليك عدو، الموضوع أن رشا كانت مريضه وانت تعلم أنني لا أذهب لهناك فأردت أنت تذهب لها وتراها وتطمئن عليها وتأتي لتخبرني أحوالها، فيبدو أن زوجها منعها من أن تأتي لنا..

ثم أستطرد حديثة وهو يزفر يضيق:

_يشهد الله أنني أتحمل لاجلها وصابر عليه فقط لخاطرها هي...

قطع مصطفى حديثة بسرعة:
_من حقه يا هيما، حقه زوجتة وله كامل حرية التصرف، المهم سأبدل ملابسي وأذهب لها الأن حاضر، وأنت أهدا فرأفت رجل ليس له مثيل أن لففت الدنيا بأكملها لن تجد لرشا زوج مثله.

أغلق الأتصال وبسرعه إرتدى ملابسه وخرج ليتجهه للصاله يجد هنا تجلس على الأريكة ويبدو على شكلها أنها بكت فدموعها تركت أثر على وجهها، تنهد بعمق فهو يشعر بضيق من نفسة لتسرعة وإندفاعة.


رفعت هنا راسها لتجده مرتدي ملابس تدل على خروجه عقدت حاجبها وسالته بتعجب:
_هل ستخرج؟!

أقترب منها بخطوات بطيئة وحرج ليثني ساقة ويدنوا أمامها وضع كفية على وجنتيها وكاد يهمس بأعتذار لتقاطعه هنا بسرعة وهي تهز راسها:
_إياك، إياك مصطفى إياك أن تنطقها بحياتك، أنت لم تخطى أبدًا أي رجل مكانك كان سيفعل نفس ما فعلت وأكثر.

أمسكت بكفة وقبلته بمنتهى الرقة عدة قبُلات ناعمة ومتفرقة، قبلات ناعمة ورقيقة تماثل رقته المعهوده معها هامسة بعشق واضح بكل حرف يخرج منها:
_أحبك، أحبك كثيرًا مصطفى.

لمعت عيني مصطفى بالدموع فرح ليبتسم بسعادة وهو يقول بصوت مبحوح:
_حقًا هنا؟

لتهز راسها بهيام ليقترب مصطفى من وجهها ويجتاحها بهمسه وقربه ومشاعره الجياشه التواقه لوصالها فأسلمت حصونها، تاركه له القياده فى بحر الشوق، ليرسو بها فى شاطق العشق ولذة القرب المتاح المتوج بالحلال ليعلن هيمنته عليها وملكيته لها.

وتم تأجيل ذهابة لرشا والإطمئنان عليها ساعات طويله وبكل مرة تساله هنا أنه كان سيخرج يضحك ويأخذها بين إحضانه مرة أخرى مجيب بكل بساطة عن كونه غبي أن تركها وخرج بعد أعترافها التاريخي له بما تكنه داخلها من حب له.

وبعد مرور عدة ساعات ذهب مصطفى لمنزل رشا ولم يجد رأفت فقرر عدم دخوله للبيت أحترامًا لصاحب البيت، ثم جلس بالحديقة الخلفية وأعطى خبر للخدم بوجوده ليخبروا رشا بأنه موجود، وبالفعل نفذت الخادمة طلبه وذهبت لغرفة رشا وبدأت بطرق الباب عدة طرقات متتالية ولكن لم يأتيها الرد..

فبالداخل كانت رشا شاردة ولم تسمع طرقات الخادمه على الباب فقد كانت سارحة داخل دهاليز عقلها شاردة بذلك اليوم عندما أراد منها رافت أن تعتذر لأميرة..

_ماذا؟ هل تريد مني أن أعتذر من تلك!!
أنهت حديثها بصدمه وسخرية، ليقابلها نبرة الحادة المليئة بالتحدي:
_وما بها تلك؟ ولما لا تعتذري منها حضرتك؟! دكتورة ومجتهدة جدًا بعملها، ذكية وفتاة محترمة وأبنة ناس مهذبين ولهم أسم مرموق والدها قنصل فى السفارة الأمريكية، لكن عندما تتحدثِ عنها تحدثِ بأدب.. هي ليست قليلة الشأن لتقللي منها وتقولي عنها تلك!

أسترسل حديثة بجدية:
_أنتِ من أخطاتِ بها وأهنتيها أمام الجميع ويجب عليكِ أن تعتذري منها.

أجابته رشا بنبرة مخنوقه ودموعها على طرف عينيها:
_وأن لم أعتذر؟

نظر لها رأفت بضيق وحزن وهتف وهو يضغط على أسنانة يحاول التحكم بغضبه لينطق بهدوء عكس ما يشعر به:
_على راحتك بكل تأكيد، لن أغصبك على شيء لا تريده، وبعد أذنك تفضلي على مكتبك لدي الأن عمل كثير.

تركته وخرجت من مكتبه متجهه لمكتبها تشعر بالضيق والحزن نار متأججه تلتهب أكثر تكاد تحرق كل ما بداخلها، تحاول أن تتحل بالهدوء وتنتبه لتلك الأوراق الموضوعة أمامه ولكن دون أي فائدة وقفت وأستأذنت وخرجت من المستشفى كلها.

قررت الذهاب للبيت وظلت منتظرة عودته طوال اليوم ولكنه لم يعود يومها، تعمد إلا يعود وأن يظل بمكتبة طوال النهار والليل يشغل نفسه بأجراء معظم العمليات بنفسة، فضل أن ينام على الاريكة بمكتبة ولا يعود للبيت، قرر معاقبتها على طريقته.

تلك الليلة قضتها رشا بشرفة غرفتهم تنتظرة أن يعود بلا فائدة ومع طول أنتظارها غفت ونامت مكانها دون أن تشعر ببرودة الجو ولسعة الهواء التي تضرب بخلاياها.

أستيقظت بالفجر لتصلية كما أعتادة بمعادة ولكن أحست بتصلب جسدها وتيبس جميع أعضائها ظلت تسعل ويبدو أنها ألتقطت نزلة شعبية حادة، فقد كانت حرارتها مرتفعة..

أخذت مسكن ودخلت لدورة المياة تحضر حمامًا دافيًا، ومن ثم شرعت لأداء صلاتها وبعدما أنتهت جلست على مخدعها وأتصلت برأفت ولكن لا مجيب فقد كان وقتها نائم، لتبعث له رساله تساله "أين هو" ولكن لم يجيب على رسالتها أيضًا.

وقفت وبدأت بأرتداء ملابسها وقررت الذهاب له.

بهذا الوقت أستيقظ رأفت من النوم وبدا يباشر عملة ليجدها أمامها تجاهلها وكانها غير موجودة بالمكان من الأساس.. أتجهت رشا صوبة وهو يتحدث مع احدى الممرضات لينهي حديثة وتركها ومشى لتقف رشا مكانها بضيق وحزن تنظر لطيفة..

تعبت من كثرة المشاحنات بينهم شد وجذب أرهقتها كل تلك الشجارات، كفى.

ظلت طوال اليوم تحاول أن تراه وتتحدث معه ولكن لم تنل ولو فرصة واحدة ظلوا على هذا المنوال وحالهم لم يتغير لمدة ثلاثة أيام، لا يعود للمنزل ولا يسال عنها ولا حتى يجيب على أتصالاتها أو رسائلها.

لم تعد تستطيع رؤيته بالمنزل أو بالمستشفى..

ثلاثة أيام بعيدًا عنها.

أشتد تعبها وأزدادت إرتفاع حرارتها أكثر وظهر الإرهاق عليها، والهالات السوداء وضحت تحت عينيها..

باليوم الرابع ذهبت للمستشفى وسالت عنه ليأتيها الرد كالعادة أنه بغرفة العمليات، تلك المرة إنتظرته وطال إنتظارها لمدة ساعه كاملة ليخرج رأفت هو وعماد وهيثم وأميرة.

وقف رأفت وتحركوا كل من عماد وهيثم وأميرة بعدما نظرت لرشا بحزن وكسرة.

تبقى بالممر رأفت ورشا فقط كاد أن يتحرك وبتخطاها ولكن أمسكت رشا بيده وبصوت مختنق ودموع وتعب:
_أن كان الأعتذار سيعيدك لمنزلك، فأنا موافقة أن أعتذر، أن كنت أتِ هذة المرة على نفسي وأكسرها أمام فتاة صغيرة فقط لتعود لي، فأنا مستعدة أن أعتذر لها.

أبتلع رأفت لعابه بصعوبه يشعر بالضيق والإختناق لا يستطيع روايتها بتلك الحالة ولكن يجب أن يتصرف معها تصرف رادع ليرد به على كل تصرفاتها الغير مسؤولة بالمرة فى الفترة الأخيرة.

هتف بجمود مصطنع:
_تعتذري لأنكِ أخطأتِ، من أخطا يجب علية تحمل خطأه

رشا بتعب:
_ حاضر، حسنا يا رأفت

تركته وتحركت لمكتب أميرة لتعتذر منه وأمسكت بمقبض باب مكتب أميرة وكادت أن تفتح الباب ولكن سرعان ما أت رأفت من خلفها وأمسك يدها ليمنعها من فتح الباب.

رفعت رشا عينيها ودموعها تترقرق وتقف على أبوب سجنها تنتظر التحرر والسقوط، ليهز رأفت راسها قائلًا بضعف:
_لا

لم تهن عليه أبدًا أن يقلل منها أو تعتذر بدون أرادتها او غصب عنها فقط لتراضيه، ضعيف هو أمامها.

نظرت له رشا بأنكسار وعتاب ودموعها تحررت من سجنها لتسقط على وجنتيها واحدة تلو الآخرى لترسم خطين واضحان للأعين وبدون أي مقدمات أو تنبيه سقطت أمامه على الأرض لينظر لها بصدمه وذعر...

بين لحظة وضحاها سقطت وسقط معها قلبه..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي