البارت الخامس

#البارت_5
بعد أن وصل محمد إلى العنوان الذي وصفته له وعد وجدها هي و فتاة تشبهها تستند إلى سيدة كبيره في السن.
اقترب محمد منهن.

محمد بقلق : فيه إيه يا وعد؟ إيه اللي حصل؟

وعد : بابا، يا محمد تعيش أنت.

محمد بحزن : لا إله إلا الله، البقاء لله يا وعد.
وتوجه ببصره إلى السيدة نجوى : البقاء لله يا هانم.

نجوى : و نعم بالله يا إبني.

وعد : محمد، عوزاك تاخذ همس أختي و ماما نجوى الشقة اللي قولتلي عليها، و أنا هشوف هعمل ايه في إجراءات الدفن و الحاجات دي.

محمد : أنا فعلا هاخد آنسة همس و مدام نجوى أروحهم و هجيلك بسرعة.

شكرته وعد و كادت أن ترجوه ألا يترك أختها و نجوى لحالهما و لكن تذكرت عندما اتصلت بطاهر صديق والدها و ابنه زين ولم يجيب أيا منهم كأنها وباء يخشوا على أنفسهم منه.

فردت وعد شاكره : أنت حقيقي و نعم الأخ و مش عارفه هقدر أردلك جميلك ده إزاي.

أحس محمد بحزن عميق داخله فهي لازالت تضعه في خانة الأخ و ليكن هو لن يتخلى عنها و هي في تلك الظروف.
محمد : أديكي قولتي و نعم الأخ يعنى مفيش ما بنا جمايل.

أسرع محمد و استوقف سياره أجرة ليقل كلا من همس و نجوى إلى حيث المنطقه التي يقطن بها ليقيموا بها ومن خلال لجوء وعد الى الابتعاد عن حياه الترف وبعد ما تداولته وسائل الاعلام وبعض الصحف الصفراء من اخبار عن تورط والدهما مع الاموال العامه علم محمد ان الزمن قد دار على هاتين اليتيمتين فلم يزيد على وعد كلمه واحده حتى لا يسكب الملح على جرح لم يندم بعد.

فلقد اخذتهما الدنيا تحت رحاياها أو كما يقول البعض لو دامت لغيرك ما اتت إليك.

وصلت سياره الاجرة الى مقر سكن وعد وهمس الجديد في المنطقه التي تختلف كليا عما عاشوه من قبل.

خطت همس مع السيده نجوى الى العماره السكنيه المتواضعه التي قادهم اليها محمد.

صعدت همس سلم العماره وهي إلى الآن تشعر وكأنها تعاني من كابوس وسيأتي اليوم الذي تستيقظ منه.

طرق محمد احد ابواب الشقق السكنية لهذه البناية، ففتحت لهم سيده في نهاية عقدها الخامس ولم تكن سوى والدة محمد التي هاتفها أثناء ذهابه لملاقة وعد وقص عليها ما حدث مع وعد وأختها فهما أصبحتا يتيمتا الأم والأب وليس لهما سند، إلى جانب ما تداولته وسائل الإعلام عن تورط والدهما رجل الأعمال عزام، وأوصاها بحسن ضيافتهما فهما حتى ولو كان ما أوشيع عن والدهما صحيح فما ذنبهما في ذلك، وكما قال الله تعالى (لا تزر وازرة وزر أخرى).

سابقآ قد قص محمد لوالدته ما يكنه لوعد من مشاعر حب بريئة، وحكى لها عن نقائها وبراءتها، وأنها لم تكن مثل قريناتها اللاتي يعلقن الشباب بحبال الهوى الذائبة ليثبتن جاذبيتهن ولهفة الشباب عليهن.

في ذلك الوقت الذي أفصح محمد فيه عن مكنون قلبه قدرت تلك السيدة البسيطة أخلاق وعد، وبالرغم من تعلق ابنها بها لم تعطيه وعداً كاذباً.

السيدة تحية والدة محمد ببسمة حنون: اتفضلي يا همس يا بنتي، اتفضلي يا ست نجوى عقبال ما محمد يشوف الشقه ناقصها إيه، ولو محتاجه نضافة نبعتوا حد ينضفها، إحنا عارفين إنها مش قد المقام بس على عيني والله.

همس بعرفان: معلش يا أنتي، محتاجة أرتاح شوية، ميرسي لذوق حضرتك.

السيدة تحية جاذبة لها من ذراعيها ضامه لها إلى صدرها مثلها كمثل أي سيدة مصرية أصيلة من أمهاتنا وأخواتنا الطيبات الحنونات اللاتي يتعاملن مع كل الناس بمحبة صادقة وقلوب نقية، وفقرهن وقلة إمكانياتهن لم تفقر قلوبهن ولكن زادتهن محبة.

السيدة تحية : أبداً ومن نبى النبي نبي ما يحصل لازم تدخلوا تاخدوا واجبكم.

السيده تحية غامزة إلى محمد واضعة مفتاح الشقه الشاغره في يده : روح يا محمد خلص وشوف هتعمل إيه .

أسرع محمد إلى محل البقالة أسفل بنايتهم وابتاع الضروريات على قدر امكانياته والتي قد تحتاجها الفتاتين وتكفيهم حتى يتدبرا أمرهما، وعاد إلى الشقة المتواجدة أمام شقته هو و والدته وأخته هناء التي تبلغ من العمر 16 عام.

وكانت أخته في هذا الوقت عند عمته في إحدى البنايات المجاورة فقد توفى والد محمد منذ أكثر من عشر سنوات وقد أفنت تلك السيدة شبابها لرعاية أبنائها.

قام محمد بوضع ما جلبه في براد الشقة ورتب ما معه من خزين قد وضعته والدته في مطبخ الشقه قبل مجيئه من زيت وسكر وأرز وشاي مما لديها فقد اقتسمت تموينها الشهري بينها هي وأبنائها، وهاتين الفتاتين.

وبعد إنتهاء محمد من مهمته دق باب شقته وأعطى لوالدته المفتاح وأسرع لمساندة وعد في محنتها.

أسرع محمد بالعودة إلى وعد لمؤازرتها.

في هذه الأثناء كانت وعد تشعر بالتيه من أين تبدأ حتى أتتها النجدة الإلهية فقد وصل محمد، ووجدها تقف منزوية خلف نظاراتها الشمسية في أحد الأركان تختبئ من عدسات الكاميرات.

أسرع اليها محمد يقول : وعد إيه اللي موقفك كده؟! تعالي نخلص الإجراءات، إكرام الميت دفنه.

وعد بأعين تحتبس دمعها من شدة الحزن والتخبط : الحمد لله يا رب، محمد ما تسبنيش أرجوك أنا تايهة، ومش عارفه أعمل إيه .

أخرج محمد هاتفه واتصل بأحد رفاقه في الحارة الشعبية التي يقطنها محمد: السلام عليكم يا حسن، أنا قصدك في خدمه على السخان، اوصل لغاية الحج رمضان شيخ الحارة واستاذنه في عربية تكريم الموتى وهات العربية بالسواق وتعال لي على مستشفى........ اللي في شارع........ وأول ما توصل إديني رنة .

أغلق محمد مكالمته مع حسن. والتفت إلى وعد.

محمد : بطاقتك يا وعد، واصلبي طولك كده، وما تخافيش أنا معاكي.

أمسكت وعد حقيبتها تفتحها باحثة عن هويتها الشخصية بأيدي مرتجفة.

دست أصابعها الرقيقه بحقيبتها التي بدت وكأنها بئر عميق تبحث عن البطاقة كإبرة في كومة قش إلى أن استخرجتها وأعطتها لمحمد وأسرعت خلفه.

ذهب محمد إلى مكتب الاستعلامات وخلفه وعد.

تحدث محمد إلى موظف الاستعلامات مستفسرا عن الإجراءات التي يلزم عليه فعلها لاستلام الجثة ودفنها، ومحمد بلباقته وحسن تصرفه استطاع إنجاز تلك الاجراءات اللعينة .

وخلال ساعه كان حسن يعطي رنة لمحمد كإشارة منه للاستعداد، فقد اتى حسن.

أسرع محمد مهرولاً ناحية البوابة الخلفية للمشفى، مد يده يسلم على حسن الذي يعتبره بمثابة الأخ الذي لم تنجبه أمه ورحب بسائق السيارة.

محمد : إيدك معايا يا حسن، وأنت يا اسطى رجب، آجرني، الثواب اللي هنعمله مع المرحوم هيقعد لنا في صحتنا لأنه ما عندوش ولد، معندوش غير جوز ولايا ، بينا نستره.

وكعادة ولاد البلد الجدعان تكاتفوا في حمل الصندوق الذي به الجثمان لتوصيله لمثواه الأخير.

استقلوا ثلاثتهم السيارة السائق بمكانه وبجواره حسن، وأبى محمد أن يترك وعد بالخلف في السيارة وحدها، فذهب واستقل خلفها حتى لا يتركها وحدها فريسة للأحزان.

محمد : شدي حيلك يا وعد، ما فيش حد عاوزة تبلغيه عشان يحضر الدفنة.

لاحت بسمة حزينة على وجه وعد.

وعد باكية : لا يا محمد إحنا ما لناش حد برغم الهيلمان ده كله.

أطرقت رأسها : ما بقى ليا غير همس، وهمس مش هتقدر تحضر موقف زي ده، دي أول ما الدكتور أكد خبر الوفاة وقعت من طولها، بعد الدفنه تبقى تيجي تزوره.

حرك محمد رأسه مؤيدا لرأيها.
بعد أن أتم الثلاثة رجال المهمة حتى النهايه جلست وعد بجانب قبر والدها تشكوه همها فوضع محمد يده على كتفها بحنو يخلو من أي أحاسيس متدنية كل ما يتمناه أن يراها سعيدة ولا يحب أن يراها بهذا الضعف.

محمد : قومي يا وعد لسه المشوار طويل وأنت قدها أنا واثق من كده.

التفتت له وبعينها نظرات شاكرة محبة لأخ ولد من رحم الشدة.

وعد : مش عارفه من غيرك كنت هاعمل إيه ، اللي عملته معايا دين في رقبتي.

محمد محاولاً التخفيف عنها : أقول لك تعملي ايه، قومي بينا نروح عند خالتك تحيه تأكلنا لقمة ألا عصافير بطني بتصوصو.
نتفاعل بقى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي