الفصل الخامس مطاردة

"كيف كان يومك الدراسي؟" تساءلت ماما فور أن دخلت المنزل، وكأنها كانت بأنتظار مجيئي منذ مدة بالفعل.

هل كل شيء على ما يرام؟

هل حل غزو فضائي على عقل ماما من جديد؟

أعلم أن الأشباح تسكن روح ماما كل فترة، لكن نوبتها هذه مبكرة جداً.

متى كانت تقوم بأنتظاري؟

جمعت حواجبي بحيرة.

سيدة أعمال مثلها لا أدري كيف لها أن تكون ناجحة وهي طوال اليوم في المنزل تسعى إلى إزعاجي.

سريعًا ما جمعت شفاهي في خط مستقيم مستاء.

"كان سيئا جداً." قلت أتجاهلها وأسرع بتجاوزها حتى أطمئن على باغيير.

"سمعت أنكِ حصلتِ على صديقة أخيراً ميلانو!" تسمرت في مكاني حينما تحدثت ماما بذلك بنبرة متحمسة للغاية.

أعدت قدمي إلى السطح بعد أن كادت تلمس الدرج الأول ثم أستدرت لها أرمش عديد المرات بعدم تصديق.

"أنا فخورة بكِ." أضافت من جديد بضحكة تصفعني بكلامها أكثر وأكثر.

"عليكِ أن تشكريني لو لا أرسالي لكِ إلى الجامعة لم حصلتِ عليها. أرأيتِ كم أن أمك رائعة؟ إذا الخطط التي أخبرتك بها ليلة البارحة سأبدأ بتنفيذها اليوم. وبما أن كلتاكما تحبان الهياكل والجماجم سأغير ديكور المنزل إلى مقابر. شيئا مثل هالوين. ما رأيكِ؟"

أمي قد قالت كل ذلك كنوع من الممازحة. لكنها ببساطة كانت تثير أعصابي.

"كما أنني سأذهب معكِ إلى حفل توقيع خالها لأتعرف على عائلتها. تحمست للتعرف عليهم خاصة بعد سماعي أنها فنانة معروفة."

عيونها كانت تعلم وكأنها طفلة صغيرة.

"لأول مرة أشعر أن ذوقك في ملابس قد أجدى نفعا في حياتك الإجتماعية وبدأ بجذب الناس إليكِ على عكس ما أعتدته من نفور الكل منك بسبب ملابسكِ القوطية."

كانت سعيدة، وكنت غاضبة.

كل شيء قد سلم لها كتقرير أخباري.

"من الأحمق الذي وشى بي؟ براد؟" تساءلت بحدة وأنا أسترق النظر إلى براد الذي كان واقفًا خلفها.

"أنتَ مطرود!" صحت عليه بسخط أجعله يتراجع إلى الخلف بصدمة.

أنا غاضبة.

أنا أريد قتل براد الواشي.

"ثم أنني لم أحصل على صديقة توقفي عن قول التفاهات!" صحت من جديد أتجاهلهما وأسرع بصعود السلالم.

"أنا لم أجن بعد لأقيم علاقة مع بني البشر!" صرخت. أصرح بذلك عن ذلك بصدق من أعماق قلبي.

"ولن تقام حفلة على شرفي إلا في يوم مماتي. هل تفهمين؟ توقفي عن تخيل سيناريوهات لن تحدث! توقفي عن التدخل في حياتي! توقفي عن الاهتمام بي كما كنتِ في السابق!"

"ستعتادين على ذلك! ثم لا يحق لكِ طرد براد أسمعتِ؟ أو أنكِ لن تحضري عرض خال صديقتكِ! ومن قال لكِ أنه هو الواشي؟ لدي عيون كثيرة في جامعتكِ ليكن بعلمكِ أيتها المتعالية." ظلت تثرثر من الأسفل بصوت مرتفع.

"ثم لا تذكري سيرة موتكِ بهذه الطريقة من جديد! ألا تعلمين مدى حساسية هذا الأمر للأشخاص اللذين يحبونك؟ توقفي عن كونكِ أنانية!"

أستمعت إلى صوت كعبها العالي يطرق على الأرض بهرولة يحاول اللحاق بي.

"أنا أمك ويحق لي التدخل في كل صغيرة وكبيرة تخصكِ رغم عنكِ! لا أحتاج إلى أخذ أذن منكِ للقيام بواجباتي الأموية ولا أسمحك لكِ بتقليل شأنها أو المساس بمشاعري حتى لو كانت مخفية. أتسمعين؟"

ألا أنني تجاهلتها مثل كل مرة...

ضربت الأرض من أسفلي بسخط قبل أن أصرخ في وجه موكو الذي سريعًا ما أنحشر داخل المزهرية يطل بعيونه فقط من أعلى بخوف.

"حاول مرة أخرى أن تضحك عليا وسأقطع ذيلك أهذا مفهوم؟" هددته بحنق مع أنه لم يفعل شيئا ثم عدلت حبال حقيبتي وأكملت سيري ناحية غرفتي.

.

.

.

"أنا متأكدة من كون هنالك دخيلا يتسكع في المنزل." حدثت باغيير وأنا أسير ذهابا وأيابا داخل الغرفة، أقضم أظافري بتفكير.

رأسي قد أصيب بالدوار بسبب ألتفافي حول نفسي.

"لكن المشكلة أنني لا أعلم من أين دخل." أضفت متنهدة وأنا أجلس على حافة السرير.

"حينما أردت النزول إلى المطبخ قبل دقائق سمعت صوت قرقعة، لكن حينما دخلت لم أعثر على أحد. وذلك ما حدث تماماً ليلة البارحة في المطبخ! أليس ذلك غريباً باغيير؟"

كنت داخل دوامة من الحيرة بسبب ما حدث قبل قليل.

"أخواي الصغيرين لا ينزلان إلى المطبخ بعد منتصف الليل. لولا لم تكن متواجدة في أنحاء ماما يعني أنها نائمة برفقة ماما في غرفتها. وبابا وفرانسيسكو خارجا الدولة أساساً." همست مفكرة مع نفسي.

"وأنا متأكدة من كوني لا أهلوس."

تنهدت بقلة حيلة.

إذ من هو صاحب الضجيج بالأسفل؟

زفرت الهواء بيأس وقد أسترقت نظرة خاطفة على باغيير حيث كانت جالسة على وسادتها بأستقامة تطالعني بثبات بواسطة عيونها الخضراء الواسعة.

"أنا لستُ خائفة!" تحدثت فور أن فهمت سبب نظرتها تلك.

"ولست أهلوس أيضا!" أضفت من جديد بتذمر حينما ظلت تحدق بي دون أن ترمش حتى.

"ألم تشتمي رائحة غريبة في المنزل صباحا عندما أخرجك براد للتمشي في الحديقة الأمامية؟"

باغيير وببساطة تجاهلتني، كل ما فعلته هو أنها نهضت وأستدارت حول نفسها ثم نامت. هي أعتبرتني غير موجودة حتى.

حدقت بها بعدم تصديق.

ما الخطب معها هذا اليوم بجدية؟

كانت تتجاهلني طوال الوقت ولم تقابلني بذات الشوق المعتاد. كأنها وجدت صديقا غيري. كأنها لم تعد تنظر لي كرفيقة لها.

زفرت الهواء بعصبية وقد قررت ألتزام الصمت ثم أسرعت بألتقاط جاكيت من فوق مكتبي وقد قررت الخروج حتى أرفه عن نفسي قليلاً. دخولي للجامعة جعلني أكثر عصبية.

وربما كنت أهلوس فعلا.

أغلقت باب غرفتي بخفوت ثم تسللت على رؤوس أصابعي حتى لا أصدر أي صوت.

وحتى حينما قابلت بابو الذي كان نائما في منتصف البهو مثل العادة لم أصرخ في وجهه ولم أركله. بل تفاديته أتركه يتقلب على ظهره نائما بينما لسانه كان خارج فمه، يتدلى على الجانب بينما يلطخ الزربية المفروشة بلعابه. غداً ستكون جنازته على يد ليدي.

بابو أحمق مثل صاحبه.

بدأت نزول الدرج بهرولة وخفة حتى لا يلتقطني أحد.

لكن عند المنتصف تماماً سمعت صوت أغلاق باب المنزل.

ابتسمت بسعادة.

أنا لا أهلوس إذا.

ميلانو هقد جاءت لعبة تحري وتحقيق التي تحبينها. سترفهين عن نفسكِ أخيراً بعد هذا اليوم البائس!

لكن حينما نزلت لم أجد أحداً.

لا بدا أنه خرج.

أسرعت ناحية الباب وأحدثت شق صغيراً لتقع عيوني على هيئة ضخمة تفتح الباب الخارجي للمنزل وتخرج.

"من هذا؟" تمتمت بحيرة وأنا أسرع بالخروج وأغلاق الباب خلفي.

أهو براد؟

لكن اليوم هي عطلته ولا شك أنه ذهب للمدينة المجاورة للأطمئنان على شقيقه.

إذ من يكون؟

العقدة بين حواجبي أزدادت وبدأت بتتبع ذلك الشخص من بعيد.

حينما خرجت من المنزل عيوني فوراً ألتقطت هيئته وهو في أخر الشارع يستدير إلى اليسار لذلك ركضت للحاقه.

لحسن حظي أنه لم يبتعد كثيراً.

أستمر بالمشي لمدة عشرين دقيقة تقريباً وأنا أتتبعه من الخلف قبل أن يقوم يفتح باب مزري وقديم يقتحم المكان.

الباب الذي دخل منه كان متواجد في أحد الأزقة بجانب القمامة.

مقرف.

ما هذا المكان؟

ولماذا ذلك الباب لم يكن موصد؟

هل عليا الدخول وتتبعه لأشباع فضولي؟

ماذا أن كان أحد رجال بابا؟

ماذا أن كان عدوه؟

أجتماع لجماعة مافيا التي تعمل معها ماما ربما في الداخل؟

تبا.

ذلك سيكون رائع دون شك.

سريعًا ما أقتربت من الباب دون تفكير.

كمشت عيوني بضيق فور أن قابلتني أنوار ساطعة وموسيقى مزعجة ما أن قمت بفتحه.

"بار؟" همست بعدم تصديق وأنا أنزل درج واحد ناحية الأسفل.

الباب تلقائيا أنغلق من خلفي يجعلني أستدير له برهبة حينما ظننت أن أحدا ما قام بأغلاقه.

زفرت براحة حينما لم أجد أي شخص. لقد أغلق من تلقاء نفسه.

عيوني سريعًا ما عادت إلى المكان تتسكع فيه بفضول.

"ما هذا المكان؟" تساءلت بتعجب وأنا أرى رجال ونساء يتراقصون في حلبة الصغيرة متواجدة في زاوية مظلمة.

الطاولات هنا كانت رثة عليها شراب ورجال ثملون يتحدثون مع نساء شبه عاريات.

البار كان على يساري تماما. لم يكن ضخما، لكنه كان مناسبا لحجم المكان. كان يعمل به شبان بمقتبل عمري.

مررت بصري على الطاولة الضخمة التي أكتسحت المكان قبل أن أرفع عيوني إلى الأعلى حيث وجدت أبواب عديدة وطاولات أخرى.

أنه مكان لعب!

مكان للقمار!

من يكون هذا شخص تحديداً؟

كنت أدوس على الدرجات نزولا إلى الأسفل وأنا أشعر بالقرف من النفسي. أشعر بالأسف على حذائي الثمين لأنه يسير داخل قمامة كهذا المكان.

بالكاد كنت أتنفس داخل هذه العلبة العفنة. رائحة خمر، سجائر، عطور، عرق وأحذية. ما هذا المزيج المثير للغثيان؟

أستدرت حول نفسي وأنا أحشر يداي في جيوب الجاكيت. أراقب المكان من حولي بنظرات حائرة.

تحديداً كم عمر هذا المكان؟

يبدو وكأنه خرج من أحد حانات القرن العشرين.

"لم لا تفتح عيونك؟" صرخت ما أن أصطدم بي أحدهم ولم يكلف نفسه عناء الأعتذار لي حتى.

أيعلم ابنة من أكون هذا المتخلف؟

نظرت إلى الرجل العملاق ذا الملابس الرثة بنظرة قاتلة حيث كان يطالعني بأستياء.

"ماذا قلتِ للتو؟"

"ما سمعته. لم لا تفتح عيونك؟ مما يعني أنكَ أعمى! يعني أنك لا تبصر أمامك!" رددت عليه بذات النبرة الثابتة والهالة القوية. أبقي التواصل البصري بيننا قائم قبل أن يمنحني ظهره يسير مبتعدا عني.

"أخرق." همست بقرف ثم قررت التوغل بين طاولات اللعب لعلي أعثر عليه.

الرجل الذي كنت ألاحقه كان يرتدي سترة بقلنسوة سوداء اللون وكتب عليها من الخلف الموت باللون الأحمر القاني. سروال جينز واسع وممزق وحذاء رياضي أبيض.

لكن ملامح وجهه لم تكن واضحة لأنه أخفاها جيداً تحت القلنسوة. لهذا سيكون من الصعب العثور عليه إذ خلع سترته.

تسكعت بين الطاولات أبحث عن هيئته بين الرجال الكبار ذوي البطون الممتلئة والروائح الكرهية. لكن لم ألتقط هيئته الشبابية لذلك قررت الصعود إلى الأعلى.

"عذرا." همست لشاب كان واقفًا مع فتاة شقراء على الدرج، يمنع المارين من الصعود.

"تفضلي." قال بابتسامة واسعة ودودة بينما يسير جانبًا ليقف أمام الفتاة يفسح لي المجال للعبور. أستمر بمغازلتها بينما هي ضحكت بعلو باستمتاع.

أما أنا رميت كل القرف الذي سمعته للتو جانبًا ومررت من جانبه أتجاوزه صعودا إلى الأعلى.

"أنه ليس هنا أيضاً." تحدثت بسخط وأنا أركل الأرض من أسفلي بقوة.

"لم المكان مملوء بالعجائز؟" تمتمت متساءلت بقرف وقد قررت مغادرة المكان.

كنت على وشك النزول إلى الأسفل مجددًا وأنا ألعنه من أسفل أنفاسي قبل أن أقرر التوقف ومناداة ذلك الشاب لعله يرشدني إليه، هو في ذات عمري ويبدو بشوش ليس كالعجائز المتحرشين المنتشرين في كل مكان.

"أتريدين مساعدة؟" تساءل وقد أستدار يناظرني باهتمام بينما الفتاة بجانبه قد طالعتني بكره دفين.

تجاهلتها وحجبت ملامحي أكثر وسط القلنسوة.

"أيمكنني سؤالك عن أحدهم؟" سألته ليبتسم بجانبية. "بكل تأكيد."

"سأعود." همس لرفيقته وهو يشد خدها بود قبل أن يصعد الدرج بهرولة ناحيتي.

وقف بجانبي تماماً وهو يناظرني بنظرات لم أرتح لها مع ذلك دفنت ذلك الشعور عميقا.

"عن من تبحثين يا آنسة؟ أهو مسؤول هنا أو عامل."

"لا أدري. من المفترض أن أقابله لأول مرة لأني تعرفت عليه عن طريق الهاتف وطلب مني المجيء إلى هنا. لكن شحني قد نفذ لأتصل عليه ولا أعلم وجهه أو شكله حتى. لكنه أعلمني بهيئة ملابسه."

كنت فاشلة جداً في الكذب لأنني أعتدت أن أكون صريحة ووقحة مع الكل لأنني ابنة والكر.

أفتقدت لقبي وبشدة في هذه اللحظة.

لكن بالنظر إلى ملامحه التي ابتسمت لي بود بدا وكأن الحيلة قد أنطلت عليه.

أؤمئ لي بموافقة لذلك ابتسمت بأتساع.

"يرتدي سترة سوداء كتب على ظهرها الموت باللون الأحمر القاني، سروال جينز ممزق وحذاء رياضي أبيض." سردت له شكله ليرفع حاجبه كمن تعرف عليه.

"ستيف؟ رأيته مر من هنا قبل دقائق قليلة. وقد دخل إلى تلك الغرفة." قال وهو يشير إلى الغرفة الثالثة المتواجدة على يساري.

"شكراً لكَ." شكرته ولم أحدثه أكثر فسريعًا ما توجهت إلى الغرفة.

طرقت على باب بخفة وسألت: "هل هنالك أحد؟"

كان يجب أن أستسفر عن هوية الغرفة قبل الذهاب إليها.

لحسن حظي كان الباب مفتوحاً.

"ستيف؟" نديته وأنا أحدث شق بسيط في الباب أسترق من خلفه النظر.

كانت الغرفة مظلمة للغاية لم أستطع لمح فيها أي شيء لذلك قررت الدخول.

بلعت ريقي بتوتر وأنا أفتح الباب على مصرعيه ثم تقدمت بخطوات بطيئة ناحية الداخل.

"أيوجد أحد؟" تساءلت من جديد وأنا أتوقف مكاني.

ألقيت نظرة خاطفة على الباب بتوتر وأطلقت تنهيدة يأسة.

أي كان...

بدأت التوغل وسط الغرفة العاتمة بخطوات مترددة. أتفحص المكان من حولي بخوف.

ماذا يوجد في هذه الغرفة تحديداً؟

أطلقت شهقة متفاجئة وأنا أرتجف في مكاني حينما سمعت صوت أغلاق الباب فجأة من خلفي.

ثم كنت أشعر بظل أحدهم يحوم في مكان.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي