الفصل العاشر صفقة مرفوضة

حملقت في ملامح لوسيو الهادئة بصدمة.

لم عاد إلى هنا؟

كان واقفا مع رفيقه بالخلف بينما رجال الحراسة كانوا بالمقدمة يرفعون مسدساتهم باتجاهنا.

الرجل الذي أرشدني سابقا أخبرني بتواجد شخصيات مهمة في الغرفة برفقة رجال حارسة بالخارج. لا بدا أن لوسيو ورفيقه هما المعنيان بالأمر.

"لوسيو." همس أركان بنبرة محذرة وهو يقف أمامي حتى يحجبني عنهم. كان أضخم مني، عريض المنكبين. أخفى كل شيء من أمامي.

تسمرت في مكاني أستمع لهم دون أن أبدي أي ردة فعل فقد كنت خائفة على حياتي الثمنية. أن أصيب هو بطلق ناري ومات فلا مشكلة لأنه أساس مجرم وذلك جزاءه. لكن أنا لا ذنب لي كما أنني لا زلت صغيرة على الموت.

لكن هل يقوم بحمايتي الآن؟

أنا لا أفهم هذا الرجل!

تارة يدافع عني وتارة أخرى يصرخ في وجهي بغضب.

مجرم لكنه يتصرف بشهامة.

هو يمتلك انفصاما في الشخصية بلا شك!

"ما حدث هو من تخطيطك صحيح؟" تساءل لوسيو بنبرة هادئة.

لوسيو كان شابا يافعا، يبدو في أواخر العشرينيات من عمره. ذو بنية نحيفة وطويلة. بشرته برونزية وشعره خفيف ذهبي اللون. عيونه ضيقة مصبوغة بلون العشب وملامح وجهه كانت حادة وطويلة، ذا شفاه رقيقة وأنف صقري.

بدا جذاب بطريقته الخاصة على الرغم من أن ملامحه لم تكن مثالية ولا جميلة. لكن هندامه الغالي وعطره الرجالي قد هزموا عيوبه. كان يبدو تماما مثل زعيم لعصابة أو فرد من المافيا.

"ماذا تقصد أنه من تخطيطي؟"

"أقصد أقتحام الفتاة لهذا المكان مع نمر أسود لأفساد اللعبة."

سريعا ما عدت لوضع الكمامة على وجهي وأخفاء جبيني وحواجبي أسفل القلنسوة.

أن تم كشف أمري ومن أكون سأهلك بلا شك لأنها ستكون فضحية لي ولعائلتي وخاصة لبابا.

ستكون ثانية فضيحة لنا بسببي...

ولن أكون المتوحدة الوحيدة التي ستلازم المنزل طوال حياتها بل كل أفراد عائلتي سيكونون كذلك أن علموا ابنة من أكون.

بجدية ميلانو كلام أركان صحيح.

لم تتبعتي فضولك؟

لقد كنت جالسة في منزلك بسلامة والآن أنتِ في دار قمار مع رجال عصابات يسددون مسدساتهم باتجاهك أنتِ وقطتكِ المسكينة.

"منذ متى كنت متلاعبا بهذا الشكل لوسيو؟ خاصة أن كان الموضوع متعلق بإمرأة. أنتَ تعلم مبادئي جيدا حيال موضوع حساس كهذا."

"أعلم جيداً أركان أنك رجل نبيل. لكن التي معكَ ليست أي امرأة. أنها ليست عادية بكل تأكيد. تبدو خطيرة."

عقدت حواجبي بحيرة من أمري.

"مالذي يقصده هذا المتخلف؟" همست من أسفل أنفاسي ليلقي أركان نظرة خاطفة علي من وراء كتفه.

"أخرجي من ورائه." تحدث لوسيو من جديد بنبرة صارمة.

لم الجميع في هذا المكان المقرف يستمرون بأمري؟

حمقى.

ليحمدو الرب أن هذا المكان مشبوه وغير شرعي أو أنني قمت بتوريطهم جميعا ورميتهم بالسجن.

"يبدو أنها لا تسمعني أركان."

شددت على قبضتاي بقوة.

ماذا يريد مني؟

"أخبرتك أنني لم أخطط لذلك. هي من جئت من تلقاء نفسها حتى تقوم بتصفية مشكلة ما معي. مشكلة خاصة بي وبها لذلك لا تقم بأقحامها في شيء لا ذنب لها فيه." تغيرت نبرة أركان الهادئة والباردة إلى أخرى مهددة ومحذرة.

يبدو أنه معتاد على مثل هذه المواقف.

في واقع قد بدأت أحسده على حياته.

ألقيت نظرة خاطفة على باغيير التي ظلت ثابتة في مكانها لا تتحرك لأن الحارس الثاني قد وجه عليها مسدسه السخيف أيضاً.

تبا له. سأكون متأكدة من كسر يده التي تجرأت على رفع السلاح في وجه قطتي.

"ألم ينته الموضوع؟ كما أن آل هو المتضرر الوحيد بسبب ما حدث. لذلك أظن أن الأمر لا يستحق مداهمتك للغرفة مع رجالك. كان يمكنك مغادرة المكان ببساطة واعتبار هذه الليلة مجرد راحة وتسلية صغيرة."

أطلق لوسيو صوتا ساخرا ثم سمعت صوت نقر كعب على الأرض. أطلت برأسي من خلف ظهر أركان لأرى هيئة لوسيو التي شقت الحارسين تخطو ناحيتنا.

"لا تملي علي ما أفعله أركان. أنزع شخصية القائد المتغطرس هذه منك حينما تقوم بمحادثتي."

مع أنني لا أعرف من يكون، ولا أعلم لم قد يوجه سلاحه علي وعلى قطتي، ومتأكدة من كونه مجرم قذر أيضاً. ألا أنني أحببت رده هذا.

شعرت بيد أركان تسحبني من الجانب حتى أعود للاحتماء خلف ظهره.

أراهن الآن أنه يسخر مني لكوني أختبئت خلفه مثل الجبانة ورميت كل غطرستي في مهب الريح.

لكن حياتي وسلامتي أهم من أي شيء حاليا، حتى أنها أكثر أهمية من حياته.

"وأنتَ أيضاً لا تقحم ما هو خاص بي في مشاكلنا."

خاص بي؟

من يقصد هذا الأبله؟

مباشرة قمت بقرص أركان من أسفل ظهره.

أنا لست شيئا لأكون خاصة بأحد!

رأيته يشد على قبضته بقوة حتى يكتم ألمه.

"أهي حبيبتكَ؟" تساءل الثاني باهتمام.

بجدية ما خطب هذه المحادثات الغريبة بينهما؟

أركان ظل صمت ولم يجب.

شعرت بلوسيو يقف أمامه مباشرة.

"أنا لا أرغب بإيذائها. كل ما أريده منها هو التحدث معها بشأن النمر. هو بصحة جدية كما أنه مروض ببراعة." تحدث بجدية يكشف عن سبب عودته للمكان وتشبثه بي.

هذا الأحمق حتما يرغب بأخذ باغيير.

"دعني أتحدث معكِ يا آنسة. أنا أعدكَ أننا لن نختلف في الثمن."

هذا الحقير!

"ميلانو! عودي إلى الخلف الوضع خطر!" صاح بي أركان فور أن خرجت من خلفه مندفعة.

لن أدعه يمس قطتي بسوء!

"أنها ليست للبيع." حدثته بحدة وأنا أقف أمامه بتحدي.

رفع حاجبه لي وهو يقوم بحك لحيته الخفيفة بتفكير.

"لنعمل بها إذا ونتقاسم المرابيح. لا أستطيع تفويت قطعة نادرة مثلها."

"أخبرتك أنها ليست للبيع." كررت له للمرة الثانية على توالي بتحذير.

"من أين حصلت عليها؟ هي من صنف نادر يساوي ملايين الدولارات." تحدث وقد سار من أمامي بإتجاه باغيير يتجاهل رفضي القاطع لعرضه.

"كم عمرها؟" سأل من جديد يحشر يديه في جيوب بنطاله.

أنحنى يقوم بتفحص وجهها مما دفع باغيير إلى زمجرة بقوة تحذره من التقدم أكثر.

"أخبريها أن تكون هادئة ومطيعة." تحدث بهدوء وهو يعتدل واقفا بينما كلا من الحارسين قد وجها مسدساتهما ناحيتها.

هذا النذل!

"باغيير أهدئي." أمرتها بنبرة مختنقة حينما أحسست بالخطر المحدق بها.

أنا لم أتخيل يوما أن أقع في مثل هكذا موقف.

عليكِ أن تفكري بطريقة للتخلص من هذه المشكلة ميلانو التي ورطت نفسك فيها.

"أخبرتك أنها ليست للبيع لوسيو. لم تصر على خلق الفوضى؟" تدخل أركان هذه المرة يتحدث بحنق.

أقترب منه ثم كانت المناقشة بينهما تزداد حادة بينما باغيير ظلت ثابتة في مكانها باضطراب لأنها أحست بالخطر.

مررت بصري ناحية الحارسين الثابتين في مكانهما ومن ثم إلى رفيقه الذي وقف بالخارج بعالم متصلبة. هو خائف من باغيير. أحد المسلحين يده كانت ترتجف بخوف. إنهما مرعبون بسبب وجودها. يجب أن استغل هذا الأمر لصالحي.

علي أن أفكر وأعثر على مهرب.

"أركان، هذا النمر سيخرج برفقتي بعد أن أدفع لها المبلغ. وإن لم يحدث ما أريده فهو سيخرج جثة من هذا المكان." بتلك الجملة التحذيرية ختم لوسيو النقاش بينه وبين أركان.

"أيها الحقير!" تحدث أركان من بين أسنانه وهو يقبض على يده مستعد لضربه.

"أنا موافقة. سأبيعها." تدخلت قبل أن يهاجمه أركان وتصبح الأمور أكثر تعقيدا.

العملاق قد ألتفت يحملق بي بصدمة بينما الثاني قد رسم على شفتيه ابتسامة هادئة متغطرسة جعلتني أرغب بتشريح جثته.

"خيار صائب." تحدث لوسيو برضا وهو يسحب سيجارة من جيبه أما أركان ظل يناظرني بتفاجئ.

"هل جننتِ؟" تساءل هامسا وهو يقترب مني بملامح متفاجئة.

"أنه أمر يخصني. أمر لا شأن لكَ به." تكلمت بجدية أتبادل معه النظرات الحادة.

رسم ابتسامة غير مصدقة وهو يعقد حواجبه بحيرة.

"هي معكِ منذ الطفولة. كيف تفرطين بها بسهولة؟"

"أحتاج بعض النقود." قلت أدس يديا في جيوب سترتي وأنا أرفع كتفاي بعدم اهتمام. ثم تقدمت أسير باتجاه لوسيو الذي كان يشاهد الأمر بصمت.

"تحتاجين نقودا؟ يال السخرية! كنت أظنكِ تستطيعين شرائي بنقودك." رد ساخرا.

"وأستطيع بيعك أيضا أن أردت." رددت عليه رافعة حاجبي بثقة.

"لقد أثرتِ إعجابي." تحدث لوسيو بهدوء ما أن وقفت أمامه.

"مختلة. أنتِ بحاجة إلى علاج عند طبيب نفسي في أقرب وقت ممكن." همس أركان بحنق.

"أساسا ما شأني بكِ وبنمركِ؟ أفعلي ما تريدنه. أنا راحل."

كان من الواضح أنه يكتم غضبه بصعوبة. كان مثل القنبلة المؤقتة، على وشك انفجار في أي لحظة.

حشر يديه في جيوبه ثم سار بخطوات حثيثة ناحية الباب لكن الحراس قد اعترضوا طريقه يردعونه عن الخروج.

"نحتاج شاهدا كما تعلم من أجل العقد." تحدث لوسيو بابتسامة مزيفة وهو يقوم بنفث دخان سيجارته في الجو.

صك على فكه دون أن يتفوه بأي كلمة أما أنا فقد استغللت الوضع ووضعت يدي خلف ظهري، أغلقت أصابعي على سبابتي كإشارة مني لباغيير أنني في ورطة وبحاجة لمساعدتها.

أطلقت زئيرا صغيرا موافقة على كلامي لكنها بتلك الحركة جذبت انتباه الكل.

"ما الخطب معها؟" تساءل لوسيو بفضول.

"يبدو أنها تشعر بالضيق من مكان. أظن أنه من الأفضل النزول وإكمال الإجراءات تحت. كما أنه لا وجود لأحد هناك." تحدثت بهدوء أسير باتجاه باغيير حتى أقوم بمداعبتها لأهدأ من روعها.

ابتسم لوسيو بهدوء. وهذه المرة ابتسامته لم تكن مزيفة كالسابق كان وكأنه راضي وسعيد بما يحدث.

إنه مثير للغثيان.

"حسناً." رد وهو يرمي سيجارته على الأرض ثم داس عليها يطحنها أسفل حذائه.

ظللت أحدق في عيون أركان لفترة طويلة بينما هو كان ينظر لي بسخط.

لكنه رفع حاجبه باستيعاب حينما أدرك أخيراً أنني أتلاعب بلوسيو.

ضغط على فكه ثم أشاح عيونه سريعا ينظر بعيدا عني.

سرنا ناحية الخارج.

كنت أنا وباغيير وأركان بالخلف بينما كان لوسيو ورجاله بالمقدمة.

"سنهرب." تحدثت بلا صوت لأركان بعد أن أنزلت الكمامة.

جمع حاجباه بحيرة كأنه يتساءل كيف سنفعل ذلك.

ارتديت الكمامة سريعا ما أن استدار أحد الحراس لنا.

جمع حاجبيه بشك لكنه تجاهل الأمر وعاد للنظر إلى أمام.

تبادلت أنا وأركان النظرات فيما بيننا فور إن وصلنا إلى الطابق الثاني ثم أقتربت منه.

ما أن بدأ لوسيو ورجاله بنزول الدرج حركت يدي إشارة حتى يستعد.

"الآن." صحت لباغيير التي وقفت على أقدامها مباشرة تدفع الرجل المسلح الأول بواسطة أطرافها الأمامية.

وقع برفقة لوسيو على الدرجات ثم بدأ بالتدحرج بقوة وعنف ناحية الأسفل.

الحارس الجبان رفع مسدسه فور ناحية باغيير يريد التصويب عليها لكن أركان أندفع اتجاهه وامساك ذراعه يرفعها إلى الأعلى لتصيب الرصاصة السقف.

وضعت يديا على أذناي برعب بسبب صوت الطلق العالي أراقب أركان الذي ضرب رجل بعنف ثم رفعه إلى الأعلى يرميه من فوق الدرج ناحية الطاولة بالأسفل.

باغيير زمجرت بخوف بسبب صوت الطلق الناري. التفت حول نفسها بخوف ثم بدأت بالركض ناحية الأسفل تهجم رفيق لوسيو الذي ظل متسمرا في مكانه بفزع.

"باغيير." صرخت بخوف فور أن هجمته.

أطلقت نفسا براحة ما أن رأيت ثيابه ممزقة أسفلها جرحا غير عميق بصدره.

لحسن الحظ أن أظافرها كانت مقلمة ولم تكن حادة أو أنها قمت بقتله.

"لنسرع." تحدث أركان على عجلة وهو يمسك يدي ويجرني خلفه راكضا.

جريت برفقته ننزل الدرج بينما باغيير دفعت الحارس الأول فور أن حاول الاستقامة واقفا.

لوسيو كان ملقى على أرض دون حراك لأنه كان في مقدمة حينما دفعتهم باغيير ورجله الذي رماه أركان كان ملقى على بطنه ووجه غير واضح أما الطاولة من أسفله فقد كانت محطمة.

لم يسعفني الوقت لتفقدهم أو معرفة على الأقل أن كانوا على قيد الحياة لأن أركان سحبني خلفه مجددًا يركض اتجاه الباب.

"اسبقيني." أمرت باغيير فور أن خرجنا ثلاثتنا إلى الزقاق لتندفع راكضة بسرعة ناحية منزل لا تنتظر أحدا. هي نمرة، يعني أنها عدائة مهارة وستكون هناك في غضون لحظات.

سحبت يدي من خاصته أتوقف عن الركض وأنظر إلى الباب من خلفنا.

"لنسرع." همس أركان لي فور أن لاحظ ترددي.

"لكن ماذا أن كانوا ميتين؟"

"لا تقلقي، لوسيو ذو سبع أرواح لن يموت بسهولة هو ومن معه." قال وهو يعود لإمساك يدي يجرني خلفه.

"ماذا قلتِ لكِ؟" قال وقد عدنا للركض ما إن سمعنا صوت طلق ناري.

لا أعلم كمْ من الوقت قد استمرينا في الركض.

وعلى الرغم من إننا كنا سريعين للحد الذي لم أعد أشعر به بأقدامي إلا أنني أحسست وكان تلك الدقائق التي ظللت أركض هاربة وكأنها دهر.

توقفنا في زقاق قريب من منزلنا حتى نلتقط أنفسنا.

"لن يخبروا الشرطة صحيح؟" سألته لاهثة أنظر له بقلق.

بلع ريقه ثم أنزل القلنسوة من على رأسه ينظر لي.

"لا تقلقي. المكان غير قانوني لذلك لن يجرؤ أحد على الذهاب إلى مركز الشرطة. إنهم حتى لا يعرفونك ولا يعلمون عني أي شيء سوى اسمي."

"ماذا عن صاحب المكان؟ لم لم يظهر ولم يتدخل رغم كل تلك الفوضى؟" سألته بحيرة من أمري لأن ذلك السؤال كان يشغل تفكيري خوفا من أن يكون ذا نفوذ.

"إنه نفس الرجل الذي أنتفض فازعا منك فور إن دخلتِ المكان."

رفعت حواجبي بدهشة.

ذاك العجوز الجبان هو صاحب المكان؟

"هو مريض قلب ولا بدا أن ضغطه قد أنخفض لذلك فر من المكان. هو بالأساس جبان لذلك لن يجرؤ عن البحث عنك." أكمل ساخر وهو يجلس على الأرض.

سحبت نفسا بقوة ثم نظرت له من فوق رموشي بتوتر.

"من تكون تحديداً؟"

ابتسم باتساع ونظر إلى السماء لا يجيبني لأرفع نظري لها أقوم بمراقبتها معه.

"أسف يا حلوة. لكن وقتي قد انتهى." قال ذلك تزامنا مع ظهور خط برتقالي في سماء يعلن بداية يوم جديد.

وفور أن أنزلت عيوني حتى أسأل عن مقصده وجدته قد تلاشى من مكانه وكأنه لم يوجد من قبل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي