الفصل الثاني والعشرون دامارا

"هل تسللت ليلة البارحة أيضا لرؤيته من جديد حتى بعد كل ما حدث؟" فجأني براد بسؤاله. كنا قد نزلنا تو من السيارة والسائق قد قادها بعيدا.

كيف أستطع كشفي؟

لقد كنا حريصين على الخروج دون أن يشعر بنا أحد ودون أن ترصدنا كاميرات المراقبة.

تبا.

لكن من حسن الحظ أنه لم يلاحظ وجود أركان معي أو لكنت داخل ورطة حقيقية مع والدي.

"ماذا؟" حاولت أدعاء البلاهة وأنا أعقد حاحباي بحيرة مزيفة بالرغم من كوني متيقنة من فشلي في الكذب.

"أنت لا تجيدين الكذب يا آنسة." تحدث وقد لاح على ملامحه شبح ابتسامة ساخرة غير معهودة منه.

"لا تظن لكونك تتسر عليا يعني بإمكانك التصرف معي وكأنك قريب مني. أنا السيدة هنا وأنت العامل لا تنسى ذلك أبدا ولا تحاول التصرف بما هو خارج هذه العلاقة." حدثته بحدة وأنا أشير عليه بسبابتي تحذير له حتى لا يتجرأ يتمادى من جديد.

"لقد كان بالفعل مجرد سؤال يخص عملي يا آنسة." رد بهدوء مما جعل ملامحي تمتعض أكثر.

سددت نظرة حادة أخيرة له ثم بدأت صعود الدرج.

بدأت أتجول بعيوني باحثة عن آيلينا في حرم الجامعة.

"أنا فقط أبحث عنها حتى أراها وأتجنبها وحتما ليس لأني أرغب برؤيتها أو شيء من هذا القبيل." حدثت نفسي وأنا أهز رأسي طاردة الأفكار السخيفة التي بدأت تتسكع في عقلي فجأة.

"هل قلتِ لي شيء يا آنسة؟" تساءل براد من خلفي بفضول مما دفعني إلى ابتسام بتوتر وأنا أهز له رأسي بنفي.

"كلا. أنا لم أفتح فمي أساسا." رددت وأنا أدفع شعري إلى الوراء. كمش عينيه وهو ينظر لي بشك.

لمحت بطرف عيني جومرد لذلك ابتسمت تلقائيا وأردت الذهاب له لكني تراجعت في دقيقة الأخيرة حينما تذكرت أنه يمتلك حبيبة بالفعل وأن ما أفعله هو جعل نفسي رخيصة أمامه.

أعلم أني سيئة لكني لست ساقطة حتما لأحاول التودد من شاب مرتبط.

"هل أنتِ معجبة به؟" صفعني صوت براد المفاجئ.

تبا. لقد نسيت أن هنالك ظل يلاحقني أينما ذهبت.

استدرت له حيث كان يرفع لي حواجبه بدهشة يستمر بتمرير نظره بيني وبين جومرد الذي كان يحدث رفيقه.

"رجاء براد لا تخبر ماما. رجاء." ترجيته حينما
أستوعبت ما يفكر فيه. هو حتما سيقوم بقول ذلك لماما وبابا دون أدنى شك. حينها سينقلب المنزل رأس على عقب.

ستذهب ماما بنفسها له حتى تدعوه إلى منزلنا. وفرانسيس لن يفلت فرصة مثل هذه بالطبع ليسخر مني. أما ميامي فستسمر بنقد شكله ومظهره العام، ولا شك أبدا بأنها ستعجب به هي الأخرى.

لم الجميع أستطع كشف أنني معجبة بجومرد بسهولة ما عاد هو؟

أو ربما كشف ذلك وتغاضى عن الأمر؟ بالطبع سيفعل. أراهن أن نصف فتيات الجامعة معجبات به أيضا. حبيبته محظوظة جدا بأمتلاكه.

رمشت بعدم تصديق حينما ابتسم براد بأتساع ما أن نظر جومرد إلينا.

"اللعنة. أنت تفضحني هكذا براد. أتريد أن تطرد من عملك؟" هسهست حانقة وأنا استدير له لأكزه في بطنه بقوة.

"عليك أن تستغلي كل فرص تيتح لك يا آنسة للتقرب منه. لا تدعيه يفلت من يدك! أنا لا أصدق أن آنستي قد أعجبت بأحدهم أخيرا!"

كان براد يبدو متأثر ومتحمس للغاية حينما كان يتحدث عن جومرد. وكأنه لا يصدق أنني أعجبت بأحد. بدا لوهلة وكأنه يشاهد طفله يخطو خطواته الأولى لأول مرة.

"أيها الأحمق! الفتى مرتبط بالفعل!"

"لقد فات الأوان يا آنسة هو يتجه إليك بالفعل. أغتنمي الفرصة. أن جسده رياضي وسيعجب السيد حتما. لا تنسي أن تسأليه أن كان يحب ممارسة الصيد." قال بلا اهتمام وهو يقوم بتعديل ملابسه مما دفعني إلى النظر له بعديم تصديق.

هذا الفاسق!

"لا تحلق بأحلامك بعيدا. لقد جعلتني أشعر بالقرف منك! تبدو كفتاة مراهقة ولست كحارس شخصي مدرب لحماية الشخصيات المهمة." تحدثت معه بلؤم وملامح حادة لكن فور أن استدرت إلى الأمام تغيرت ملامحي كليا لتصبح هادئة.

"صباح الخير." تحدث جومرد بابتسامته المعتادة وهو يمد يده.

نظرت إلى وجهه ببلاهة ثم إلى يده.

"صباح الخير." رددت أصافحه ما أن وكزني براد من الخلف يجلعني استفيق من وضع المغفلة الذي كنت عليه.

"مرحبا أنا جومرد." قال ثم مد يده إلى براد الواقف من خلفي. أنه لطيف اكثر من اللازم مع الكل وذلك لا يناسبني.

"أنه لا يتكلـ..."

"مرحبا. أنا براد. الحارس الشخصي ومرافق الخاص للآنسة." قطعني براد مجيبا إياه وصادما اياي لأنه في العادة لا يتحدث مع أي أحد حتى معي، وحتى لو بادر شخص بالحديث هو لا يجيب عليه مطلقا لأنه مبرمج مثل روبوت.

لأن تلك هي طباعه، أو لنقل أنا من صممته ليكون بهذا الشكل. أثرثر بينما هو يستمع لي وحسب. لأني أكره من يتحدثون كثيراً. مع ذلك هو الآن قد قام بالرد عليه!

بحق الخالق لما الجميع بدأ بالتغير من حولي والخروج من قوقعته التي أعتدت عليها؟ لم لا تستمر الحياة بشكل عادي ولا تتغير مهما حدث؟

"سعيد بلقائك." تحدث جومرد بنبرته لباقة وهو يصافحه.

"وجهك يبدو مأوف."

عقد براد حاجبيه بحيرة وهو يحاول استرجاع وجه جومرد.

لو استمرت هذه المحادثة طويلا أنا سأظهر شخصية ميلانو والكر التي حاولت جاهدة أخفاءها عن جومرد منذ مقابلته.

"لقد لعب مع منتخب الوطني للكرة القدم." تحدثت سريعا حتى أنقذ الموقف وأحاول أنهاء النقاش بأسرع وقت ممكن.

"بالسابق. الآن لم يعد كذلك وحتى لن أعود قادر على اللعب."

رغم ابتسامة جومرد ألا أني لمست الحزن في نبرته. أعلم جيدا مدى بشاعة هذا الشعور. إن تجبر عن تخلي عن حلمك وممارسة ما تحب.

"ذلك رائع! الجنرال والكر وسيعجب بك دون أدنى شك! هو يحب الأشخاص رياضيين ويعشق كرة القدم خاصة المنتخب الأرجنتيني." صدمني براد أكثر حينما بدأ يثرثر حيال أبي. أظنه يفعل ذلك فقط من أجل جذب انتباه جومرد ناحية عائلتي.

"والد ميلانو؟ سأكون مسرورا بأن أتعرف على رجل مثله." رد وقد اتسعت ابتسامته اكثر من السابق.

الموضوع بدأ يصبح جديا وأكثر ودية وذلك خطير.

"هو أيضا سيكون كذلك."

تدخلت مياشرة أقف بينهما حتى أقاطع هذا الموقف المتخلف الذي سيجبرني في نهاية مطاف إلى دعوة جومرد لعشاء عائلي حتى يتعرف على والدي. سوء الآن أو فيما بعد حينما يطلب والدي ذلك ما أن يخبره براد.

"لقد تأخرت عن محاضرتي براد لنذهب." قاطعت حديثهما وأنا أمر عيوني بينهما بتوتر.

ارتبك جومرد هو الأخر وتراجع إلى الخلف بينما براد قد استقام في واقفه يعود إلى الهيئة التمثال المتنقل.

"وادعا جومرد." رفعت يدي ألوح له ثم بدأت بالسير.

"تملهي لحظة ميلانو! لقد جئت لأخبارك أن آيلينا متواجدة في نادي الموسيقى لذلك لن تستطيعي مقابلتها اليوم في جامعة." تحدث وهو يسرع ليقف أمامي بعد أن سرت بضع خطوات بعيدة عنه.

"لا بأس بذلك."رددت بمعالم هادئة بالرغم من أنني كنت أشعر بالسوء في داخلي لسبب أجهله.

"لكنها تريد منك المجيء في فترة الطعام. تستطعين ذلك صحيح؟" أضاف فور وهو ينظر ناحيتي بتراقب.

ألقيت نظرة خاطفة على براد الذي حرك ذقنه إشارة لي حتى أوافق.

"أجل." أجبته بتردد وأنا أعود للنظر إلى جومرد.

"إذ أنتظرني بجانب المطعم عند منتصف النهار."

"سأفعل."

"وداعا." حرك يديه في الهواء يودعني بابتسامة وهو يسير إلى الخلف

"مع سلامة." ودعته ببلاهة وأنا لا أصدق بعد أنني سأقضي وقت أكثر برفقة جومرد.

.

.

.

لكن ما لم أكن أعلمه أن حبيبته سترافقنا.

كانت ملامحي عبوسة رغم عني وأنا أسير برفقتهما إلى النادي الموسيقى المتواجد بجانب جامعة.

أكره أجواء العشاق هذه. الأجواء التي تشعرني بالمتعة حقا هيا الأجواء المغامرة التي أقضيها مع أركان وليس الإستمرار بالتفوه بكلمات رخيصة تسمى غزل.

أنا شاكرة الآن أنني غير مرتبطة وأدعو أن أبقى كذلك طول حياتي. حتى إذ أرتبطت بأحدهم أريد منه أن يكون نسخة مثل روبوت، لا يتكلم وينفذ فقط أوامري.

في هذه اللحظة تمنيت وجود أركان إلى جانبي. على الأقل كان ليسحبني من يدي ويقوم بالهروب بي بعيدا ناحية مغامرة جديدة. تناسب شخصيتي.

"سمعت الكثير عنك من آيلينا. سررت بلقائك." تحدثت دامارا حبيبة جومرد بابتسامة بعد أن أدركت أخيراً وجودي حولهما.

"أنا أيضا." رددت عليها على مضض.

"هي قد حضرت حفلة آيلينا الأخيرة أيضا. لكن لبعض الظروف هي لم تستطع أكمال السهرة." تحدث جومرد وجعلني أنظر له مباشرة.

نظر لي هو الآخر مما دفعوني لأبثاء عيوني ثابتة عليه دون أن ارمش، أخبره بطريقة غير مباشرة إن لا يتحدث عما حدث تلك الليلة لأي أحد وحتى أن كان هذا الشخص حبيبته.

ابتسم بارتباك وهو يحك رقبته من خدف بخجل بسبب تصرفه.

مررت حبيبته نظرها بيننا باستغراب.

"هل هنالك مشكلة؟" تساءلت بفضول تبقى نظرها في نهاية ثابت على حبيبها الذي نظر إلى الأمام.

"لا يوجد." رددت عليها بابتسامة مزيفك أعيد النظر إلى الأمام.

"لسوء الحظ أننا لم نتقابل تلك الليلة." أضفت مجددا وكأنها تحاول خلق حديث بيننا.

"لم يفت الأوان بعد. كما أظن أنكما ستتفقان." تدخل جومرد يتحدث ببراءة شديدة غير مدرك لنوايا التي نحملها تجاه بعضنا البعض.

أنا لم أطقها ومن نظرتها تيبدو أنها تفعل مثل معي مع ذلك نزيف الجمل الودية فيما بيننا.

"أجل." أجبته وأنا أدفع شعري إلى الخلف.

"هل هذا الحارس الشخصي؟" تساءلت بفضول بعد فت وهي تشير على براد الذي كان يسير على بعد خطوات منا.

"ومرافقي أيضا." رددت لا أمنع من نبرة الأستعلاء التي تتميز بها الطبقة الغنية من السيطرة على صوتي.

"لما يسير بعيدا عنا؟" تساءلت بفضول أكبر.

أنها تستفزني. أكره الفتيات الفضوليات أمثالها.

لم ليست مثل آيلينا؟

غير فضولية ولا تحشر نفسها فيما لا يعنيها.

"لأن ذلك عمله." رددت عليها محاولة تماسك أعصابي قدر الأماكن حتى لا أتصرف بوقاحة.

"لكنه بشري في النهاية. أليس كذلك؟" تساءلت بابتسامة غير ودودة تشير بطريقة غير مباشرة أنني اسيء معاملة براد.

حمقاء. لو كانت من طبقة الاستقراطية لما كانت لتسأل عنه أساسا.

لهذا أكره مخالطة العامة. يظنون أن الأثرياء مستبدين ولا يتعاملون بلطافة مع من يعمل معهم. لكنهم لا يدركون جيداً أن لكل عمل حدود مثله مثل منهة موظفا أو معلما أو طبيب. جمعيهم لديه محدود لا يجب أن يتجاوزها مع العميل.

"مرحبا براد. أنا دامار. الا تريد مشاركتنا الحديث." سألته بعد ان وقفت في منتصف الطريق ترسم على محياها ابتسامة واسعة.

"هنالك حدود وألتزامات في العمل لا يجب تجاوزها يا آنسة. أخلاق مهنية كون العميل لديه حياة خاصة لا يجب أن يتم التدخل فيها. تحدث يفسر لها وقد توقف هو الآخر على بعد مسافة منا.


يا له من لبق في الحديث ومن مراوغا وكاذبا بارع. أراهن أنه قد سمعنا من بعيد، براد لديه بدأت تفوق الطبيعة تجعلني أحيانا أفكرك كونه خارق للطبيعة كأركان.

من غير الممكن أن لا يتنصت لأن هذه هي وظيفته، لن يتركني وشأني إلا إذ كنت مع أحد أفراد عائلتي أو مع شخص يثق أنه لن يقوم بايذائي وليس أن كنت متواجدة مع أحد قد تعرفت عليه منذ ساعات قليله.

ابتسمت بالشماتة لأن براد أوقف عن حدها وأظهتر أنها مخطئة بطريقة غير مباشرة.

"لكن لا يوجد أي حديث خاص نتحدث به. مما يعني أنه من الممكن أن تشاركنا فيه يا براد." تحدثت وهي ترفع حاجبا تستمر بالنظر إليه تصر على اقترابه منا ومشاركته الحديث.

يبدو أن لسانها سليط وليس كما كنت أظن.

ساذجة. تدعوه بالرغم أنها كانت تتحدث مع حبيبها لا غير والآن تريد إدخال صنما أخر.

شعرت بالنفور منها بسبب تصرفاتها.

حسنا لأكون واضحة. لا أعلم تحديدا أن كان بسبب شخصيتها الغير لبقة أو لكونها حبيبة جومرد.

"دامارا أحترامي رغبته ودعيه يقوم بعمله كما هو معتاد عليه دائما." تدخل جومرد أخيرا ينبهها أنها قد تمادت أكثر من اللازم.

"تعلم أنني أكره هذا جو. هو يستمر بتتبعنا من الخلف مثل الروبوت. الجميع ينظر لنا بغرابة." تحدثت بخفوت لا تريد من براد أن يسمعها. لكن يؤسفني أنه فعل.

"لكن لن نقوم بتغيير الناس دامارا من أجل أرضائك." تحدث الثاني بجدية وبذلك قد خلق نظرات ساخطة تسدد له من قبلها. أراهن أنها فور أن تختلي به ستقام ملاحمة بينهما. أحب ذلك.

"هل نذهب؟ لقد تأخر الوقت." تحدثت بوابتسامة هادئة.

أسترقت دامارا نظرة خاطفة عليا. يبدو أنها أدركت شعروي بالسعادة تجاه ما حدث.

أنا لم أفكر أبدا في أخذ جومرد منها لكن يبدو أنها هي من ستمنحني إياه على طبق من ذهب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي