الفصل السابع عشر مقامرة

أركان كان واقفا عند طاولة أخرى برفقة وريا التي سحبها بعيدا عنا بعد أعترافها الساذج ذاك. أما آيلينا قد ذهبت إلى كواليس حتى تجهز نفسها أستعداد لإكمال حفلتها. وأنا ظللت عالقة في مكاني برفقة جيس الذي ظل يثرثر ويتحرى عن عائلتي.

فضوله أشتعل ما أن أخبرته أن أمي سيدة أعمال وعمها عمدة البلدة. وتوأمي المزعج رئيس تنفيذي في شركة مختصة في صناعات السيارات في فرع بالبرازيل بالرغم من أنه بذات سني.

كان لا يستطيع استيعاب أن عائلتي عبقرية وبذات الوقت ذات نفوذ قوي.

"عائلتك مذهلة ميلانو." تحدث رفيق جومرد بانبهار. كان يستمع باهتمام إلى التحقيق الذي كنت فيه من طرف المحقق جيس دون أن يتدخل.

"أعلم." رددت عليه بابتسامة مزيفة أعتصر الكوب الذي في يدي بقوة حتى لا أبين لهما أنني متوترة.

"عائلتك ثرية وذات نفوذ قوي. خاصة أنه نفوذ سياسي. لم بقيت بالارجنتين إذ؟ لم لم تكملي دراستك بنيويورك؟" تساءل جيس بحيرة من أمره.

"لدينا جامعات مذهلة ورائعة أيضا جيس." رد الثاني.

أسترقت نظرة خاطفة إلى جومرد حينما أنشغلا الشبان من حولي في نقاش.

جومرد كان يبدو عليه الاهتمام بحديثه مع تلك الفتاة. هو لم يوفر ثانية من وقته حتى ليتعرف عليت أو يشاركنا الحديث. عيونه تبدو وكأنها لا ترى سواها. كأنها هي فقط موجودة أمامه.

أحسدها.

هي جميلة وتمتلك ابتسامتها حيوية. ليست كما تقول ميامي عن خاصتي أنها أقرب إلى ابتسامة جثة أو زومبي.

بالطبع سيعجب بها جومرد ولن ينظر لي لأنه كما قال أركان، أنا سيئة. وأنا لا أنفي ذلك بل أعترف به. لأن نفسي تروقني وبشدة.

أنا ابنة عائلة والكر. أنا أمتلك نفوذ. وأي شخصية في هذا العالم تمتلك قوة ونفوذ يراها الكل سيئة. وسوئي هذا يعجبني لأنه رمز قوة بالنسبة لي.

شربت القليل من كأس المشروب الذي بحوزتي، كنت قد طلبته دون كحول حتى لا أثمل.

لا أريد أن أتورط، لا أريد توريط بابا بأي شكل بعد أن أصبحت محور اهتمام الكل هنا بما أنهم علموا أنني ابنة جنرال.

عيوني علقت على أركان ووريا التي لم تتوقف عن ضحك لثانية واحدة منذ مرافقته.

"ساذجة. يبدو وكأنها تمتلك عيب فطري في فمها يجعلها دوما تبتسم مثل البلهاء." همست من أسفل أنفاسي بقرف وأنا أعود لأحتساء الشراب.

"أحمق وخرقاء، كيف تعجب بمتخلف مثله أساسا؟ لو تمعنت النظر في شخصيتهما فهما مناسبان لبعضهما البعض." تمتمت بحدة وأنا أضع كأس الشراب على الطاولة بعنف.

كان هو الآخر يستمر بالابتسام باستمتاع. عيونه كانت تلمع بلذة وكأنه فاز باليانصيب. وكأنه ربح بكأس العالم. كان يستمر بعض شفته السفلى كل فترة أو بالمسح عليها بابهامه، بتلك الحركات بدا مهتم بحديثها وأنا أراهن أنها تثرثر بالسخافات لا غير.

"أتشعرين بالغيرة؟" تسلل إلى مسامعي صوت مألوف بالرغم من أني سمعته لمرة واحدة في حياتي إلا أنه نجح في جعله مطبوع في ذاكرتي.

استدرت إلى جومرد الذي وقف بجانبي مع ابتسامته اللامعة وهو يضع كأس شرابه على الطاولة الخاصة بي.

لم أستوعب الموقف بعد أو كلامه حتى. كان عقلي في حالة صدمة لا يعي أي شيء من حوله.

رمشت عديد المرات بعدم تصديق ومررت عيوني في مكان باحثة عن الشبان اللذين تبخرا فجأة.

هل كان جومرد يحدثني لتو؟

"تبحثين عن جيس وروماني؟ قد خرجا للتو ليدخن بالخارج. لم يتبقى الكثير على بدأ الحفلة من جديد."

شرب القليل من مشروبه وعيونه سبحت في المكان يمرر نظره على الحاضرين.

هل جومرد أيضآ يقرأ الأفكار؟

هززت رأسي له بفهم وظللت جامدة في مكاني لا أعلم بما سأرد عليه.

مباشرة عيوني عادت إلى أركان وكأني أطلب العون منه في هذه اللحظة. لأول مرة في حياتي تمنيت أن ينظر لي أركان. أن تتقابل عيوني وعيونه ويأتي لأنقاذي.

هو قال أنني شفافة ومع ذلك لم يفهم مشاعري.

هو قال أنه سيحمني مع ذلك ذهب وتركني وحيدة حتى يغازل الفتيات.

تبا له.

كلهم متشابهون.

"أنا أيضا أشعر بالغيرة حينما تفارقني لمحادثة رفاقها الذكور." حينما بدأ بالحديث بهذه الطريقة تأكدت أن الفتاة التي كانت معه هي حبيبته.

حظي قبيح كوجه أوسكار. أنه علامة لسوء الحظ في منزلنا وكل ما أصابني من سوء ونحس في حياتي كان بسبب وجهه وقدوم صاحبه إلى الحياة.

"لم لا تفكرين في الأعتراف..."

"عذرا لا أعلم بما تفكر. لكن؛ أريد أن أوضح لك أنني وأركان مجرد أصدقاء لا غير. تقريبا." قاطعته وأنا أقلب عيوني في جو اهمس بالكلمة الأخيرة بضجر.

"آسف لأني اسئت الفهم. ظننت أنك تحملين مشاعر له بسبب نظرك المتواصل لهما." تحدث وهو يتنحنح في مكانه بحرج.

هل شعرت بنظراتي عليه ولم تشعر بها عليك؟

هذا الشخص حتما أعمى!

"لا بأس بذلك." رددت عليه بنبرة ودودة لم اعتد أن أتحدث بها قط. هي خرجت لوحدها رغم عني. لا أعلم متى أو كيف. لكن هي من انطلقت بتلقائية من شفاهي.

لهذا أكره الشباب الوسيمين لأنهم يجعلوني اتصرف بساذجة مثل وريا تماما.

"بأي سنة حاليا؟" قاطع الصمت المميت الذي حل بيني وبين جومرد سؤاله المفاجئ عن دراستي.

حمحمت في مكاني وأنا أدفع خصلة وراء أذني بينما أحملق بانعكاسي على المشروب الأخضر.

"بالسنة الثانية وأنت؟"

"حاليا بالسنة الأخيرة من ماجستير. في واقع كنت أود أكمال لعب كرة القدم لو تعلمين." تحدث بنبرة مرهقة وهو يرفع حاجبيه بيأس.

"أجل. رأيتك مرة على شاشة الجامعة. لا أذكر التفاصيل جيدا." قد كذبت عليه وأنا ابتسم في وجهه.

تفاصيله التي عرضت في شاشة ذلك اليوم لا تزال مطبوعة في ذاكرتي. لأنه سحرني يومها بجماله وابتسامته. فمن هي العاقلة التي تستطيع نسيان وجه جميل كهذا؟

"بعد أن تعرضت للإصابة أردت أن أصبح صحافي رياضيا حتى لا ابتعد عن مجال الرياضة. لكن عائلتي رفضت. لذلك أكملت دراسة الكيمياء هنا حتى أصبح أستاذ فيما بعد." تحدث مبتسم وهو يطرق بانامله على الكوب، بدا وكأنه شارد في ذكرباته.

"من لاعب رياضيا إلى صحافي ثم مدرس أستاذ أليس مزيج غريبا؟" تحدث بعد فترة من الصمت بسخرية وهو يرفع ذفنه لينظر لي.

"كلا. أنا أيضا أردت دراسة الطب الجنائي. لكن عائلتي منعتني بحجة خوفهم على صحتي النفسية من دراسة علم التشريح والعيش وسط الجثث. لكنهم في واقع يظنون أن الفتيات لا تناسبهن أعمال مثل هذه."

لأول مرة أتحدث عن شيء يخصني مع غريب قابلته لأول مرة في حياتي. لكن شعرت ناحيته بشعور غريب. بشعور مثل الراحة لأن قصته كان شبيهة بخاصتي.

"في نهاية لجئت إلى كيمياء." أضفت وأنا أرفع حاجباي بعد أن استدرت له، أقابل عيونه الزرقاء الفاتنة.

"من السيء دراسة شيء لا تحبينه صحيح؟" سأل بابتسامته الودودة.

هل يبتسم لكل فتيات هكذا؟

لو كنت مكان حبيبته لقمت بتمزيق خدوده حتى لا يبتسم لغيري.

"في واقع لا أكرهها ولا أحبها أيضا. لكني أطمح أن أصبح عالمة وباحثة في هذا المجال."

"جميلا جدا. أتمنى لك التوفيق." بتلك الكلمات أنهى الحديث بيننا.

مع أن محادثتنا كانت عادية وقصيرة إلا أنني شعرت براحة أثناءها.

صدر في أرجاء صوت أنوثي ترحيبي جعلني أوجه نظري تلقائيا ناحية آيلينا التي قالت بعض كلمات أفتتاحية وتحمسية قبل أن تبدأ فرقتها في العزف ثم تباشر هي بالغناء.

"كما توقعت. صوتها ساحر." همست وأنا أسند مرفقي على طاولة وأريح ذقني على راحة يدي استمتع بصوتها العذب.

كل شيء كان مثالي بالنسبة لي. السهرة جميلة وصوت آيلينا مذهل.

لكن كل شيء تحطم كالعادة من قبل أركان فما أن لمحت مجيء وريا لطاولتي من دونه توجهت أنظاري مباشرة إلى طاولة القمر حيث جلس وقد بدأ باللعب دون أي تردد.

"كما توقعت. أنه لا يتغير مهما تلاقى من صفعات." همست من أسفل أنفاسي وأنا أحرك كعبي سريعا باتجاه أتجاهل وريا التي سألتني عن كيفية ألتقائي بأركان. لو تعلم أنه مقا

"ماذا تظن نفسك بفاعل؟" صرخت به ما أن وصلت له وأنا أقوم بأفتكاك البطاقات من يده.

"هاي ميلانو! أعيدي بطاقاتي! الحظ قد حالفني منذ البداية!" تذمر وهو يستدير لي يرفع يده حتى يأخذها مني لكني ترجعت مباشرة إلى الخلف أمنعه.

"هل كنت تتذمر من كونك في حفلة مراهقين والآن تلعب معهم؟" تحدثت بتفاجئ ما أن مررت بصري على المتواجدين على الطاولة وأكتشفت أنهم شباب أصغر سن مني برفقتهم رجل واحد كبير في السن بدا عليه السكر.

"أنا لا أستطيع تصديقك أركان."

"بربك مع من سألعب إذ كنت قد أقحمتني في مشكلة مع لوسيو؟"

"لوسيو، لوسيو، لوسيو! لقد سئمت من سماع هذا الاسم!" صحت به بأنفعال وأنا أجعد البطاقات في قبضتي.

"توقفي! ماذا تظنين بنفسك فاعلة؟ الراهن كان على خمسة ألاف دولار!" صرخ هو الاخر وقد أندفع

" هاي يا شباب! نحن لا نملك..."

"أخرس أنت!" قاطعت الشاب المقامر الذي أراد تدخل أصرخ في وجهه بحدة.

"من أين أتيت بالنقود لتراهن؟ ألم تكن مفلس قبل ليلة من الآن؟" سألته أقف أمامه مباشرة.

"لدي بنك متنقل معي!" قال بابتسامة واسعة وهو ينخفض ويربت على شعري.

"وثمل أيضا؟ لقد تجاوزت حدودك!" تحدثت بتفاجئ حينما اشتممت رائحة الكحول الصادرة من فمه.

"أعطيني بطاقاتي!" طلب وهو يمد يده ليأخذها.

"في أحلامك." أجبته وأنا أرمي بطاقاته في الجو ليشهق الكل من على الطاولة بتفاجئ. لقد افسدت عليهم لعبتهم.

"كيف تجرؤين..."

"أظنك قد سمعت أنني ابنة جنرال لذلك لا تتجاوز حدودك معي أو أن حارس الشخصي الذي بالخارج سيكون سعيدا بضربك وزجك بالسجن." قاطعت حديث أحد المقامرين أهدده بالرغم من أني كذبت بشأن وجود براد بالخارج.

نظرت ناحية أركان الذي بدأ بجمع بطاقاته من على الطاولة والأرض.

"حسابك سيكون عسيرا." تحدثت بسخط أبدأ في سحبه من تلبيب قميصه من الخلف. أجره رغم أعتراضه ناحية الخارج حتى نرحل.

ومثل كل مرة قد ندمت على موافقة على عرضه.

لكن تغير الوضع فجأة وأنقلبت الأمور حينما سحبني هو.

"رجال لوسيو هنا." تحدث بانزعاج وهو يغير مسار خطواتنا.

نظرت ناحية رجال الأربعة الذين دخلوا تو إلى البار. استطعت تميزه لأنه من ضمنهم الرجل الذي ضربته باغيير في وقت سابق.

"كيف علموا وجودنا؟" تساءلت بقلق أتتبعه.

"لا حاجة لتفكير طويلا." قال ينظر الى الرجل العجوز الذي نهض من على الطاولة القماو يحاول الانسحاب من المكان بعيدا.

"عليك تحطيم وجهه قبل خروجنا." تحدثت بغضب أركض معه بإتجاه الرجل. لحسن الحظ أنه أعرج.

"علمت منذ البداية أن وجهك مشبوه." تحدث أركان وهو يخطفه من تلابيب قميصه يسحبه خلفه تجاه البار.

أنخفض خلف البار يضربه بعد أن دفعه ناحية الأسفل.

"أنصحكما بالهروب." حدثت العاملان اللذين نظرا لنا بتوتر لفترة من الزمن ثم أنصرفا بعيدا.

وقفت أمنح ظهري لمن خلفي حتى لا يتعرفوا على ملامحي نتظرة من أركان الإنتهاء.

لكمه عديد المرات على وجهه وبعد أن أنتهى قال له وهو يتعدل واقفا: "هذه حتى لا تفكر بالوشاية بأحدهم من جديد."

"لنذهب." قال يسحب يدي.

"إلى أين؟"

"علينا إيجاد الباب الخاص بالعمال حتى نهرب منه."

عيوني وقعت على رويا وجومرد الذين اقترب منا بملامح متعجبة لما حدث على طاولة القمار.

"هل حدث شيء؟" تساءلت وريا وهي تنظر لنا بقلق.

"أين هو الباب الخاص بالعمال؟" سألتها لتجعد حاجبيها بحيرة لثواني قليلة قبل أن تشير على الباب المتواجدا قرب الحمامات.

لم يسمح لي الوقت بمحادثتها أو إجابتها حينما سألتني مجددا عما حدث لأن أركان قام بسحبي من ذراعي سريعا بإتجاه الباب بعد أن صرخ احد الرجال بأنه عثر علينا وهو يشير ناحيتنا.

"ألم يعلم لوسيو بعد أنني ابنة جنرال وأن العبث معي مثل العبث مع النار؟" سألته لاهثة فور خروجنا.

"أنا أستبعاد ذلك. لكن عليك أن تعلمي أنه لا يهتم أن كنت ابنة جنرال او كنت ابنة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حتى. فكل ما يريده هو الانتقام لما حدث تلك الليلة وأخذ باغيير منك." تحدث بصدر يعلو ويهبط بأضطراب.

كانيمرر نظره بين الأزقة يحاول تحديد الطريق الذي سنسلكه.

"لنتوغل أولا في أزقة لا نعرفها حتى نشتتهم." تحدث ثم بدأنا بالركض سويا وسط الشوارع نسلك طرق غير معروفة.

الآن بدأت أشعر بالندم الشديد أنني تشاجرت صباحا مع براد واعطيته عطلة لمدة ثلاثه أيام أو لكنت قد إتصلت به ليصطحبني.

لكن فجأة ودون سابق إنذار وجدت سيارتي تتوقف أمامي.

نظرت إلى السائق الذي أنزل زجاج نافذة وداخلي كنت أدعو أن لا تكون أمي أو أنها ستكون نهايتي.

لحسن حظي كان براد.

لكن أكان يتتبعي بالرغم من أوامري؟

"هل كل شيء بخير يا آنسة؟" تساءل براد بقلق حينما لاحظ ملامحي المضطربة.

"أسرع إلى المنزل في الحال." قلت وأنا أدخل السيارة أجلس بالمقعد الخلفي.

"انتباهي جيدا لنفسك." تحدث أركان قبل أن يعود الركض باتجاه زقاق أخر.

"إلى أين أنت ذاهب؟"

"سأحل المشكلة بنفسي. سألقاك غدا في ذات الموعد وأخبرك بالتفاصيل." ذلك أخر ما قاله قبل أن يختفي داخل الزقاق المظلم.

نظرت له بقلق ثم أغلقت الباب من ورائي.

"من كان ذلك الرجل آنستي؟" تساءل براد ينظر لي بفضول عبر مرآة وهو يشغل السيارة.

"أبدأ السياقة براد سريعا ناحية المنزل. سأوضح لك كل شيء لكن شرط أن لا تقول لوالدي." أمرته ليبدأ السياقة مباشرة بسرعة ناحية الداخل.

وأنا كنت أدعو داخلي أن لا يحدث المقامرون أي فوضى في نادي وأن لا يتأذى كلا من آيلينا وأركان.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي