الفصل الثامن نمر أسود

"أنا أتشاجر بالأسفل مع عائلتي بسببكِ وحينما أشتكي لكِ ما حدث لي نتيجة أفعالك تتجاهلينني!" أنبت باغيير التي كانت نائمة على وسادتها تتجاهل وجودي تماما.

"باغيير لم تستمري بتجنبي؟ هل أنا غير مراية لكَ؟" أضفت بتفاجئ حينما ظلت هادئة.

هنالك أمر غريب يحصل معها. هي تتصرف بشكل غريب لم أعهده منها قط.

باغيير قد كانت منذ طفولتها متعلقة بي وكأنني أمها مما جعلها تصبح قطة صغيرة سوداء مدللة كمالكتها تماما. لكنها الآن أشعر وكان تلك الرابطة المقدسة التي كانت تربطني بها قد بدأت بالتفكك.

"أنتِ تبدين مختلفة هذه الفترة." همست أجمع لها حاجباي بحيرة.

"وكأنك لم تعودي تعتبرينني مثل صديقتك المقربة التي تحبين الجلوس معها والأستماع لأحاديثها. هل ذلك بسبب خروجي للدراسة وعدم جالستكِ طويلا كالسابق؟" سألتها أناظرها باهتمام تام.

لكنها تجاهلتني مجددًا مما جعلني أجمع شفاهي في خط مستقيم مستاء.

"قطة سيئة." أضفت هامسة بغضب لتطلق خرخرة خافتة تعبر عن أستياءها من كلامي.

تجاهلتها مثلما فعلت معي وأقتربت من النافذة أبعد الستائر حتى أراقب الحديقة.

"الجو مثالي بالخارج."

عيوني كانت تتفحص السماء الغيمة بغيوم رمادية.

الوقت الأمثل لأرتكاب جريمة قتل في ليلة باردة وتحت سماء مغيمة لا قمر فيها.

"هل سيخرج ذلك الرجل من جديد من منزلنا؟" همست متساءلة.

الساعة منتصف الليل ونصف. الموعد المثالي للخروج من بيت الجنرال والكر دون أن تشعر بكَ عائلة والكر الذين ينامون جميعا على ساعة العشرة مساء ما عاد ابنتهم البكر.

"هو شخص غريب عن المنزل ولم يسبق لي مشاهدته من قبل لم قد يخرج من منزلنا؟ من يكون؟ هل هو أحد أتباع ماما السريين؟ أو عميل لبابا؟" كنت أحدث نفسي أثناء تسكع نظري في حديقة. لكني توقفت حينما عثرت على إجابة لتساؤالاتي.

"أجل." همست بحماس حينما لمحته يخرج من الباب الجانبي للمنزل.

الباب الذي خرج منه توا كان مخصص لأدخال حاجيات المطبخ مما يعني أنني في تلك الليلة لم أكن أهلوس. كان هنالك شخص متواجد داخل مطبخ كما كان الظل عائدا له.

مالذي يفعله في منزلنا في هذه الساعات متأخرة؟

أود معرفة اللغز وراءه. .

عضضت شفتي بتفكير ثم ساعرت بفتح خزانتي أقوم بأخراج ملابسي ما أن حزمت قراري.

"لم لا يتواجد حراس عند موعد خروجه؟ يبدو الأمر وكأنه يحفظ توقيت تبادلهم للأماكن ومواقع تواجدهم وكأنه فرد من هذا المنزل. هو يحفظ النظام عن ظهر قلب. أيكون حارسا أما عامل سابق لدينا؟" حدثت نفسي بصوت عال وأنا أقوم بتغيير ثيابي.

"كيف يدخل وكيف يخرج ومتى يعود ولم يذهب إلى مقار القمار ذاك؟"

قمت بتخبئت رأسي تحت قلنسوة ثم قمت بأرتداء القفازات وكمامة سوداء اللون حتى أخفي ملامحي.

حان وقت كشف السر وراءه.

أجل أركان. أنا بطلة في فيلم شارلوك هولمز وأنتَ هو اللغز الذي سأبحث له عن حل.

لأول مرة منذ مدة طويلة يثير أحدهم فضولي، لأول مرة أرغب بمعرفة حياة أحدهم.

نظرت إلى باغيير النائمة بابتسامة حينما خطرت على بالي فكرة ستجعلني أدخل ذلك المكان بسلاسة ودون أن يعترض أحدهم طريقي أو يحاول إيذائي كالسابق.

"باغيير هل ترغبين برحلة ليلية لطيفة وسرية خارج المنزل؟ نقيمها أنا وأنتِ فقط؟"

القطة المحتالة فور أستيقظت من نومها ترفع رأسها بحماس وتضرب بذيلها على الأرض موافقة على عرضي.

.

.

.

"لقد أوشكنا على الوصول." همست لباغيير وأنا أربت على رأسها.

كنا نسير مع بعضنا البعض إلى مكان القمار من جديد.

ثغري الملطخ باللون الأسود قد أتسع بابتسامة شيطانية ما أن وصلنا.

"لا يوجد لوحة تنذر بعدم دخول الحيوانات، لذلك لا بأس بدخولكِ باغيير." قلت ساخرة.

دفعت الباب بقدمي وأنا أنظر لها بجانبية حيث لمعت عيونها بحماس.

"لعبة المصيدة قد بدأت للتو. قد حان الوقت لرد الصاع صاعين لكل من حاول التقليل من شأني." همست فور أن دست على أول عتبة للدرج.

لم يلاحظ أحد الفتاة التي كانت مغطاة باللون الأسود من أخماص قديمها إلى قمة رأسها سوى بعض أستيطع عدهم على الأصابع.

لا أحد أهتم بهوية زائر الجديد للمكان.

لكن فور أن نزل من خلفي نمر أسود مرقط بعيون واسعة خضراء وأقدام طويلة انتباها الكل لها.

عدلت الكمامة حتى أخفي ملامح وجهي بشكل جيد ثم ممرت بصري على وجوه الحاضرين المذعورة.

الموسيقى قد أنعدمت والأضواء قد أنطفئت. الأجساد الثملة توقفت عن رقص والصرخ قد طغى على المكان.

"من أنتَ؟" صاح أحد المقامرين بذعر وهو ينهض من مكانه بفضاضة ورعب يشير ناحيتنا بتفاجئ أما الفتاة التي كانت معه قد وقفت خلفه تحتمي به.

أسفة يا حلوة. لكن لا أحد سيستطيع أنقاذك من باغيير حتى سربومان نفسه.

"كيف تحضر نمر إلى مكان خاص!"

"أخرجه فورا!"

"كيف تدعه طليقا في أرجاء هكذا؟"

"رةاءً أخرجه!"

"هل هو حقيقي حتى؟"

"أظن أنني شربت زيادة لذلك بدأت أتوهم."

"هل أنتَ مجنون؟ أخرج قبل أن أتصل بالشرطة!"

"باغيير." همست لها لتتقدم مباشرة تزمجر بعلو في مكان مما جعل صاحب التعليق الأخير يرفع يديه إلى الأعلى بأستسلام، حتى أن البعض قد أغمي عليه من الرعب بعد زئير باغيير.

"أين هما المدعوان بأركان وستيف؟" تساءلت بصوت مرتفع ليبتعد بعض الأشخاص مشكلين طريق.

ثم فجأة تم دفع ستيف الجبان من قبل أحد الرجال إلى الأمام.

كان مذعور ينظر إلى أشخاص من حوله بتفاجئ ممزوج بذعر لأنهم سلموه ببساطة.

أهو غير مدرك لحد هذه اللحظة أنه مجرد نكرة؟

لكن حينما نظر داخل عيوني بلع ريقه برهبة حينما علم من أكون.

ابتسمت بجانبية كان يمكن للجميع الشعور بها حتى ولو كان وجهي مخفي تحت الكمامة.

"رجاءً." همس يطلب العفو يجمع يديه في توسل.

لكني لم أحرك ساكنة بل ظللت واقفة بثبات وكأني أخبره أني لن أتراجع.

"أنا أسف." أضاف من جديد بنبرة خافتة ومختنقة كانت تشير إلى أنه على مقربة شعرة واحدة من الأنفجار باكيا.

لكنه لم يأثر بي أبدا لأنه في نظري كان شخص لا يستحق العيش.

كنت أنظر له بأزدراء وبرود كما كان يحملق بي البارحة. عاملته كنكرة كما فعل.

"تقدمي." أمرت باغيير لتبدأ بالتقدم ببطء مزمجرة تعلن عن أستهدافها لفريستها.

صاح ستيف واقعا على الأرض بخوف بينما دموعه كانت تنهمر بلا توقف.

بدأ بالزحف إلى الخلف أما باغيير كانت تتقدم إليه بدون أي نية للتراجع.

تعالت الصرخات أكثر بسبب ما حدث وبدأ الجميع بدفع ستيف وضربه بقوة حتى يقترب منها وبذلك ينجو البقية.

"أرجوكِ أعفي عني يا آنسة. أنا أسف، أنا حقا أسف. مستعد لدفع أي نقود تطلبينها وفعل ما تريدين. لكن رجاء أغفري لي. أنا أعترف بأنني قد أخطئت." توسلني باكيا.

أقتربت منه باغيير أكثر لذلك أغمض عيونه يردد عبارات الأسف عديد المرات.

"أين هو أركان إذا؟" سألته بصوت عالي.

بدا الكل بالنظر إلى بعضهم البعض بحيرة من أمرهم يشعرون بالغربة بسبب بحثي عن أركان تحديداً.

تبادلوا النظرات الحائرة فيما بينهم إلا ستيف الذي أنكمش حول نفسه بخوف أكبر لأنه لا يعلم بماذا سيجيب.

أعلم جيداً أنه خائف جدًا من الوحش المدعو أركان. لكن حاصد الأرواح باغيير التي كانت تقف أمامه كانت تسبب له رعب لم يسببه له أركان من قبل.

"باغ..." وقبل أن أكمل كلامي كان يسرع بالإشارة إلى فوق دون أن يتفوه بأي كلمة.

"أعلم أنه هنا. أريد مكانه تحديداً." تحدثت بنبرة صارمة.

"أو أنها لن تترك أي أحدا من الحاضرين على قيد الحياة." هددتهم لتكشر باغيير فور عن أنيابها.

"أنه فوق. تحديداً في غرفة شخصيات المهمة. يقوم بلعب جولة من بوكر مع مجموعة من المقامرين معروفين. أظن أنهم على وشك الأنتهاء." تلفظ أحد الرجال مباشرة بتوتر.

تتبعت بنظري سبابته التي كانت تشير إلى الغرفة المتواجدة بالطابق الثالث، الطابق الأخير.

ابتسمت بأتساع.

"لقد حان وقت الانتقام باغيير." همست لباغيير التي عادت للأقتراب مني تتراجع بعيدا عن مجموعة الدجاج التي كادت قلوبها تتوقف عن العمل لمجرد أقترابها منهم.

"خذني إليه." قمت بأمر الرجل الذي أخبرني بمكانه.

.

.

.

تتبعت سير خطوات الرجل الذي أمامي.

عيوني كانت لا تفارق الأرض. أتبع أقدامه دون رفع وجهي إلى الأعلى خوفا من كاميرات المراقبة المنتشرة بالسقف.

"هذه هي غرفة الشخصيات المهمة." قال الرجل ما إن وصلنا لها.

تراجع فوراً إلى الخلف بهرولة ما أن تقدمت برفقة باغيير.

"هل هو موصد؟"

"كلا."

"هل تعلم عدد المتواجدين بالداخل؟"

"أظنهم تسعة."

"معهم نساء؟"

"كلا."

"هل هنالك مسلحون بالداخل؟"

عيونه اتسعت بخوف وهو ينظر داخل عيون سوداء حادة تنظر له بشراسة.

"تحدث!"

بلع ماء حلقه بخوف ثم حك رقبته.

"في حقيقة لا أعلم. لكن من ضمنهم شخصيات معروفة وذات مراكز مرموقة، لذا أظن أن هنالك حراسا شخصيين برفقهم، وهنالك آخرون منتشرون بالخارج يحرسون المكان خوفا من مداهمة الشرطة لهم في أي لحظة."

"إذا هو غير مرخص."

أطلقت صوتا هازئا. لقد ظننته كازينو رخيص.

"باغيير أجلسي هنا ولا تتحركي إلا بأمر مني." حدثتها ثم نظرت إلى الباب من جديد.

"أما أنتَ أبقى في الخارج وأحرس المكان." أمرت الرجلولا أنظر له.

فتحت الباب بقوة مقتحمة المكان.

أحد الرجال أنتفض من مكانه بفزع مما جعل الكرسي الذي كان جالسا عليه يقع محدث ضجيجا عاليا حتى أوراق لعبه قد تطايرت في المكان.

هذا الرجل يبدو جبانا جدا رغم كبره في سن.

"تبا! لقد ظننت أن الشرطة هي من داهمة المكان!" تلفظ لاهثا وهو يفك من ربطة عنقه قليلا حتى يستطيع التنفس جيدا.

"بئس. من هذا الشخص؟ هيئته تبدو مثل عفريت." قال من جديد وهو يستند على طاولة بيد بينما الأخرى قد وضعها على قلبه يتحسس نبضاته.

لا شك أنه إذ أرى باغيير سيصاب بنوبة قلبية.

"من تكون؟ كيف تتجرأ على اقتحام مكان خاص ومحجوز بمثل هذه الطريقة الهمجية؟" أتجه بتأنيبي وهو يشير علي بسبابته.

"أنها ليست لعبة قذرة منكَ جورجيتو لأنك كنت على وشك خسارة أخر نقودك أليس كذلك؟" صاح أحد الرجال ينتفض واقفا بفضاضة بعد أن صفع الطاولة بقبضته.

"منذ متى كنت بهذه الوضاعة يا آل؟ كيف تلرمي عليا هكذا اتهاما؟"

مع أن الرجل كان يتحدث بعصبية ألا إن السعادة كانت واضحة عليه بسبب ما حدث.

هو حتما مسرور لأن رفيقهم قذف جميع بطاقات دون وعي مما يعني أن لعبة قد انتهت.

"من أنتَ؟ هل تم بعثك من قبل الحراس بالأسفل؟" تساءل أخر وقد كان هو الوحيد الثابت بينهم.

رمشت عديد المرات لا أرد عليه.

حمقى.

لم الكل يعتقد أنني رجل؟

"من أفضل لكَ أن تغادر أيها الشاب وإلا لن تخرج سليما من هذا المكان فيما بعد." أضاف ما لم أرد عليه وهو يعدل من أوراق لعبه يعود لحشر السيجارة بين شفتيه يكمن التدخين واللعب كأن شيئا لم يحدث.

"ماذا تقول الآن لوسيو؟ بسبب ذلك الأحمق الأرعن قد انتهت اللعبة وأنتَ مستمر بها؟" تحدث المدعو جورجيتو يقذف أوراق اللعب عن قصد على الطاولة يلعن بذلك أن اللعبة قد انتهت لأنه قد كشف أوراقه.

الجميع بدأ بشتمي يدخلون في حالة من هماجية. ما عاد واحد لم يكلف نفسه عناء الالتفات لي.

كان جالسا باسترخاء على مقعده يمنح ظهره لي.

"أيها الشاب تأكد من أنك ستخرج بيد مكسورك وعين متورمة من هذا المكان." صاح آل وهو يقوم بركل كرسيه.

بسبب ركلته تحطم الكرسي ثم بدأ دفع جميع محتويات الطاولة على الأرض أمام أنظار اللاعبين الصامتة.

يبدو أنه ليس فقط جورجيتو السعيد باقتحامي للمكان. جمعيهم كذلك لأني على ما يبدو أنقذتهم من خسارة فادحة.

"إذ لمستني حينها ستكون أنتَ من يخرج بيد مكسورة." استوقفته بنبرة حادة.

هو قد تجمد في مكانه، لكن ليس لأني هددته، بل لأنه كشف أنني فتاة من صوتي.

الجميع حدق بي بصدمة وتفاجئ حتى المدعو لوسيو لم يمنع حاجبه من الارتفاع بدهشة.

"فتاة." تلفظ أحدهم ساخرا يطلق شتيمة قبل أن يقذف جميع بطاقته في الجو.

"لا أهتم! يجب أن تعوضي لي نقودي! لقد كنت على وشك الفوز!" صاح آل بغضب على الرغم من أن معالم الصدمة لا تزال واضحة على تقاسيم وجهه.

"أنا أحذرك!"

كان يقترب مني دون أن يكترث لتهديدي.

"أنتِ ميتة! حمقاء! كيف تتجرئين على اقتحام مكان مثل هذا! بسببكِ قد خسرت!" تحدث بحنق.

"آل من أفضل أن تتراجع." تحدث لوسيو بهدوء وهو يراقب الأمر دون أن يتحرك ساكن بالرغم من أن يد رفيقه قد قامت بسحب ياقتي بقوة واعتصارها.

لم أرغب بمقاومته ولم أرغب بمناداة باغيير.

استسلمت أمامه أنتظر من الشخص الثابت في مكانه التدخل لأني أعلم أنه هو.

"باغيير." ناديتها ما أن رفع آل يده في هواء رغبة في صفعي.

وفي لحظة كان مرمى على الأرض بعد أن قامت باغيير بدفعه بواسطة قدميها الأمامية.

"شيطان." كان ذلك أخر ما صرخ به آل بذعر وهو ينظر لي ولباغيير بفزع قبل أن يغمى عليه من شدة الخوف.

جبان.

"إنه ليس طعام باغيير." حذرتها ما أن لاحظت أن قرص عينيها بتسع.

"من أنتِ بحق الخالق؟" تساءل الرجل الذي أنتفض في بداية بخوف يضع يده على قلبه. وجهه بات أصفر اللون يبدو أنه على وشك أن يغمى عليه أيضاً.

ليس هو فقط بل جميعهم.

جورجيتو ذاك قد أنتصب واقفا بجانبه ما أن اقتحمت باغيير المكان يحتمي به أما البقية قد تجمدوا في مكانهم برعب غير قادرين على الحركة.

لوسيو الذي حسبته لوهلة عديم المشاعر كان يتعرق بخوف وقد أوقع السيجارة  لا يتحكم في ارتجاف يده.

لكن شخص واحدا فقط من ظل ثابت في مكانه وكأنه في عالم منفصل عنا تمام.

أملت رأسي إلى الجانب حينما تأكدت من هويته.

"لم لا ترغب بالاستدارة لي أركان؟"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي