الفصل الثالث عشر باب لنعيم

نظرت للأجساد التي تتراقص من حولي بازدراء.

أنهم يثيرون أشمئزازي بسبب ذوق ملابسهم الرخيص والمنحط الذي لا يمت الموضة بصلة.

أركان كان يسحبني من خلفه أما أنا فظللت أجر أقدامي ببطء عن قصد حتى أستطيع تفقد الحضانة من حولي. ففور دخولناسريعا ما توغل في مكان لا يسمح لي حتى بالقاء نظرة عليه وتفحصه حتى أنتقد ذوقه المنحط في الاختيار بالرغم أنه لم يكن بذلك السوء.

"إلى أين تجرني؟ أنت لا تنوي خطفي وبيع أعضائي لتجار المنظمات السوداء؟ أو تهديد عائلتي بي مقابل فدية؟ أو تسليمي للوسيو حتى ينتقم مني صحيح؟" استفسرت ما أن أستمر في جري يدخلني إلى مكان مظلم ومنطوي بعيدا عن حلبة الرقص.

"كيف يجرؤ عامي منحط مثلي على فعل مشين كهذا في حق ابنة جنرال مثلك؟" رد ساخر.

عقدت حواجبي بسخط بسبب رده وحاولت سحب يدي من خاصته على الفور.

"أركان." همست له من بين اسناني بتحذير حينما تمسك بيدي لا يفلتها.

توقف عن المشي ثم استدار لي يناظرني بهدوء بعدما ترك يدي.

"لا تقلقي سأخذك إلى مكان سيروقك. أنا لن أقوم بفعل أي شيء من التفاهات التي سبق وتفوهت بها. وأنتِ على علم جيدا بذلك يا ابنة ولكرا ولو ذلك لما كنت لتوافقي على عرضي ورافقتني إلى مكان لا تعرفينه."

بقيت صامتة ولم أجبه دليلا على صحة كلامه.

"لكنك أعدك أن المكان الذي سنذهب إليه سيعجبك لأنه يشبه ذوقك، لأنه يشبهك، هناك ستشاهدين أشياء جديدة لم تريها من قبل ميلانو، أشياء لم تفكري يوما في أكتشافها."

"عيشي هذه الساعات معي دون أي خوف أو تردد. أنا معك لذلك لا تخافي لأني لن أقوم بإيذاك مهما حدث، بل جئت لأعرفك على العالم الذي أختبئت منه طويل. العالم الذي من مفترض أن تكوني منه ولست منعزلة عنه."

شعرت بتشتت بسبب كلامه الصائب عني، أنا لم أعيش حياتي من قبل كما عاشه بقية أقراني سوء في فترة المراهقة أو في الحياة الجامعية. فهل حان الوقت لأكتشاف هذا العالم سوء كان جيدا أما سيئا؟

كنت محتارة للغاية بسبب ذلك مع هذا لم أبدى أي علامات تدل على رفضي لعرضه لأنني في داخلي كنت أتوق لمعرفة كل ما كان محجوب عن عيوني طوال السنين الماضية حتى لو كان سيء، حتى لو كان مخالف لقوانين المنطق.

ابتسم برضا كأنه قرأ أفكاري وعلم بموافقتي ثم مد لي يده من جديد.

نظرت لملامحه المسترخية لثواني قليلة بتشتت ومن ثم إلى كفه المبسوط أمامي.

كيف تثقين به بسهولة ميلانو؟ كيف تنجرين معه إلى المجهول دون تفكير؟ دون أن تضعي أي حد أو حساب أو عواقب حتى وكأنك لا تفكرين بعقلك وتعيشين بهمجية كبقية أقراني السخيفين؟

تصبحين أندفاعية وغير مسوؤلة وذلك ما لا يتوافق مع لقب ابنة الجنرال ولا يتوافق مع أسلوب عائلة والكر.

كيف تتصرفين مثل شخص غير ناضج وغير عاقل ميلانو؟

تتصرفين مثل المجانين تحديداً...

أنتِ الآن تنقادين وراء رجل لا تعرفين عنه أي شيء. وراء رجل يظهر في منتصف الليل ثم يختفي فجر كالخيال. رجل قام بتهديدك وساومك من أجل النقود. رجل يعلم كل أسرارك وكل خباياك المدفونة.

أنتِ حتى لا تعلمين أن كان شبح أو كنت أنتِ المجنونة هنا وتهلوسين. أما أن كان هو عفريت أو كنتِ أنت مصابة بشيزوفرينيا.

رجل غريب وغامض وفتاة غريبة الأطوار. كان مزيجا مثالي بالنسبة لي لطالما تمنيت وجوده. لذلك رفعت يدي أضعها على خاصته مما جعل ابتسامته تتسع أكثر.

شبك أصابعي بخاصته ثم عدنا للسير معا.

"لن تندمي على قرارك هذا أبدا. المكان الذي سنذهب إليه يناسب ذوقك. هو غير مرخص لذلك يتواجد خلف الحانة في زاوية غير معروفة ألا لمن يعشقون الممنوعات. عادة ما يرتدون أقنعة عند دخوله لكن الكمامات التي نرتديها والقلنسوة تفي بالغرض."

أطلق ضحكة مستمتعة في نهاية كلامه وقد أنعطفنا إلى ممر ضيق كان به بضع أشخاص يقومون بالتدخين رشم غبار أبيض اللون. هم يتعاطون المخدرات هنا إذ لذلك هذا المكان ممنوع.

"للأسف كل الأماكن التي أقوم بأرتيادها غير شرعية. تعلمين، كل ما كان شيء ممنوعا كل ما كان أكثر رغبة من غيره، خاصة لشخص يعشق المحظورات مثلي."

أكتفيت بالتحديق به بينما كان يتكلم بحماس. كان يثير فضولي أكثر وأكثر. كما كان يجذبني له.

"من تكون أركان؟" كررت له ذات السؤال مع أني على علم مسبقا أنه لن يقوم بإجابتي.

"عفريت من عالم أخر أو شبح من يعلم؟" قال ضاحكا وكأنه قد سبق وقام بقراءة أفكاري.

كنت أتتبعه لا أنزل عيوني عنه.

"بل أنتَ شخص قد خرج من خيالي."

"عبارة شخص سحري من عالم أخر ستكون أكثر دقة." قال وهو يتوقف أمام مكان كانت تصدر منه موسيقى روك عالية.

وحينما فتح لي الباب شعرت وكأنه فتح لي باب للنعيم.

.

.

.

أخذت العصير من العاملة التي كانت ترمقني بنظرات مرتبكة من أسفل نظاراتها الطبية. كانت تتحاشى نظر داخل عيوني، حتى أنها لم تتجرأ على تحديق في وجهي.

حشرت القشة بين شفاهي بعدم مبالاة ثم استدرت وقد قررت مغادرة الجامعة دون إكمال يومي الدراسي بسبب أستاذ أحمق قد نجح في إثارة أعصابي وتعكير مزاجي.

سأكون متأكدة من طرده هو والأحمق الذي سبق وسخر مني اسمي. لينتظروا قليلا حتى يعود بابا إلى منزل وحينها سنتحاسب.

لكن خططي قد تغيرت ما أن رفعت آيلينا يدها تلوح لي. كانت جالسة مع فتاة صاحبة الشعر الأزرق التي سبق وأصطدمت بها عن غير قصد عند طاولة في زاوية. قمت برفع يديها تقوم بتغطية ملامح وجهها خوفا مني.

"هل أنا مومياء ليخاف الكل مني بهذا الشكل؟" همست من أسفل أنفاسي وأنا أرفع يدي كتحية بسيطة لها.

"تعالي وأجلسي معنا." صاحت وهي تشير على مقعد الذي بجانبها حتى أتي وأجلس معهما. صديقتها فورا حركت رأسها برفض مما جعلني أسدد لها نظرة قاتلة جعلتها تنظر لهاتفها مباشرة تدعي أنها مشغولة.

"أظن نعم. أنا مومياء." تحدثت هازئة بينما ألقي نظرة خاطفة على باب الكافتيريا ومن ثم حدقت بآيلينا التي كانت تبتسم بود منتظرة مني المجيء.

"سأذهب للجلوس معها لأنها ابنة شقيقة جان تيتش وحتما ليس لأنني اعتبرها كصديقة." تمتمت وأنا أنزع السماعات من أذني أحرك كعبي ناحيتها.

"من مستحيل أن اعتبرها كذلك. أنه شيء محظور ميلانو." همست لنفسي لمرة أخيرة قبل أن اقترب من طاولتها

"كيف حالك؟" تساءلت آيلينا تنهض من مكانها بابتسامة مشرقة.

"مرحبا." تحدثت الثانية بتصلب بعد أن رفعت يدها بتردد كتحية صغيرة.

لكن لم تسمح لي الفرصة للرد عليها حتى لأني تسمرت في مكاني بتفاجئ ما أن قامت آيلينا بتقبيل خدودي كتحية لي.

"ماذا فعلت لتو؟" حركت شفاهي دون صوت حينما استدرات لرفيقتها مبتسمة.

من سمح لها بتقبلي؟

أمي لم تفعل ذلك حتى فكيف تفعل هي!

مجددا من سمح لها بتقبيلي؟

رمشت عديد المرات بتفاجئ وأنا أراقبها تعود لمكانها بملامح بشوشة وكأنها لم ترتكب جريمة في حقي قبل لحظات.

"ميلانو أجلسي. لم لا تزالين واقفة؟" تساءلت بغرابة وقد هيئت لي وكأنها ذئب خبيث متنكر في زي حمل وديع.

َبحق الخالق من سمح لها بلمسي؟

شعرت في رغبة في تمزيق شفتيها، قتلها وتحنيطها ومن ثم دفنها في مقبرة.

"لا تخبريني أنكِ خجلة؟ نحن صديقات ميلانو!" تكلمت ضاحكة وقد امسكت يدي تسحبني حتى أجلس بجانبها.

ما الجحيم الذي حدث لتو؟

كيف لها أن تلمس شخص دون أذنه؟

ما كان عليا قبول دعوتها بالبداية!

تلك أفكار أركان الشيطانية التي تدور حول تجربة أشياء جديدة ومختلفة لا تزال تتسكع داخل عقلي وتقوم بتلويث تفكري وجعله منحط.

"هذه هي وريا فريره، صديقتي لمقربة." عرفتني على صاحبة الشعر الأزرق التي لا تزال تحمل على وجهها ملامح متصلبة بينما يدها لا تزال مرفوعه كالبلهاء.

لكن لم أكن مهتمة بها بقدر اهتمامي بالفتاة التي قبلتني ومن ثم قامت بسحب يدي وظلت تحضنها داخل خاصتها.

"أكره الملامسات." أفصحت لها عن شعوري وأنا أسرع بسحب يدي منها لتحمحم في مكانها معتذرة مني.

أنه من الغريب أني لم أشعر بهذا الضيق حينما قام أركان بامساك يدي البارحة. فقط هو من دون الكل الذي شعرت معه بذلك. من دون الكل شعرت بالراحة والأمان بسبب ملامسته.

"إذا مالذي قررته؟ هل ستذهبين؟" انتشلني من شرودي به سؤال آيلينا المهتم الذي جعلني أنظر لها لبضع لحظات بتشتت.

"أقصد الحفلة."

أطلقت أوه صغي بعد أن أستوعبت أخيراً معنى كلامها.

لقد نسيت الأمر تماما.

"لا أعلم بعد."

"لم؟ هل هنالك شيئا يشغلك تلك الليلة أما أنك لا تحبين الأجواء الصاخبة؟"

كنت أريد العثور على كذبة كحجة للتهرب من الحضور لكني لم أجد.

كيف سأتهرب منها الآن؟

لماذا أنا فشلت بالكذب؟

لم قامت ماما بتربيتي على الصراحة؟

"كما أن خالي ربما يكون متواجد هنالك." تحدثت مجددا تراقص حاجبيها لي بتلاعب.

هذه الفتاة تعرف كيف تغريني في كل مرة.

عليها أن تكون شاكرة كونها قريبة جان.

"سأفكر." رددت عليها على فور بابتسامة مجبرة مما جعلها تقهقه ضاحكة.

"لم أعلم أنك تحبين خالي إلى هذا الحد! لو كنتِ أكبر بقليل لقمت بتزوجيه لكَ."

"في الواقع لا أمتلك مشكلة في هذا الخصوص. أحب الرجال الذين يكبروني سن." لقد رحبت جدا بهذه الفكرة مما جعل آيلينا تقهقه بعلو أكبر.

"لكنه أقصر منك. ألا تملكين مشكلة مع هذا أيضاً؟" أندفعت صديقتها وريا في كلام تسألني بفضول.

"لقد دمرتي لي أحلامي للتو." همست لها بنبرة قاتلة مما جعلها تتصلب في جلستها بتوتر.

أنا أعلم ذلك بالفعل لكن من سمح لها بتذكيري؟ من سمح لها بمحادثتي من الأساس؟ فأنا هنا أجلس من أجل ابن اخت جان تيتش وليس لتبادل الأحاديث السخيفة.

"إذ ميلا كيف حالك اليوم؟ وجهك لا يزال يبدو عليه تعب."

"جيدة." تحدثت بغرابة وأنا أعقد حواجبي بحيرة حينما وعيت على الاسم الذي نادتني به.

ميلا؟

هل أخطئت بتلفظ اسمي؟

"أوه عذر. يمكنني منادتك بميلا صحيح؟" سألتني بخجل حينما وعت على لقب السخيف التي أطلقته عليا تدفع خصلة من شعرها خلف أذنها.

عائلتي فقط من تطلق عليا ذلك!

"لكنها ابنة شقيقة جان تيتش. من أجله مرريها لها. لا بأس بذلك." همست لنفسي داخل عقلي وأنا أرسم على ثغري ابتسامة مزيفة.

"لا بأس بذلك."

"جميل جدا. يمكنك أيضا منادتي بلينا أو إيلي. مثلما تشاءين. هناك أيضاً من يناديني بالعنكبوت مشرين لملابسي ظلامية. الكل يفكر كوني قوطية وفي نادي هنالك من أصدر في حقي إشاعة مشعوذة." تحدثت وهي تقوم بتقليب ملعقتها داخل كوب القهوة.

كان يبدو عليها الأشمئزاز والضجر حينما تفوهت بذلك ولأول مرة في حياتي أجد شخص يعاني مثلي بخصوص هذا الموضوع. مع أني لا اهتم بأراء الناس كثيرا إلا أن كلمات ماما السامة دوما ما تنجح في مضايقتي.

"ذات ما أعانيه مع ماما. أنها حتى لا تدخل لغرفتي بسبب جدرانها السوداء." تحدثت أقلب عيناي بضجر حينما استرجعت الموقف الذي حصل معي ليلة البارحة.

"بهذا الشأن أمي لا تزعجني كثيرا كونها مطلعة على عالم الموضة. لكنها تتضايق بعض الأحيان بسبب هذالشيء، وفي الواقع هي لا تفعل ذلك من أجل ذوقي، بل من أجل أختلق مشكلة من العدم معي مثل كل أم."

ابتسامة صغيرة وسعيدة نمت على شفتيها فور أن تلفظت بذلك.

"أحسدك." همست لها دون أشعر.

شعرت بالغيرة منها. ليس فقط كون أمها مهتمة بالموضة بل لكونها أيضا قد ابتسمت ببشاشة فور أن ذكرتها.

"هل قضيت ليل بطوله مستيقظة؟ وجهك يبدو متعب أكثر من البارحة." تحدثت وهي ترتشف القليل من كوبها بينما أبقت نظرها ثابتا على ملامحي.

تبا لقد حاولت أخفاء الهالات السوداء والتعب بواسطة مكياج لكن يبدو أن الأمر دون فائدة.

يبدو أن ميا على حق، أنا دائما ما أشبه جثة ميتة متنقلة. أو مثل زومبي قد عاد إلى الحياة لكنه بدون روح.

لم أنم ليل بطوله ولم أتجرأ حتى على تفكير بذلك بعد ما خضته البارحة من قرف.

كله بسبب أركان.

كانت الذكريات المشوشة من ليلة الماضية تعود لعقلي شيء فشيء، ترغمني على تذكر الفترة الأخيرة من الليل التي محيت من عقلي تمام وكأنها لم توجد، وكأني لم أعشها. وحتى الآن لم أدرك ما هو السبب بعد.

"هل أنت على ما يرام؟" تساءلت آيلينا بقلق فور أن وضعت يدي على رأسي بألم.

"أجل." همست لها أغمض جفوني بوجع بينما أدلك جبيني بقوة أحاول طرد تلك الصور والأصوات المشوشة من عقلي.

تبا لك أركان.

تبا للتي وافقت على عرضك.

تبا لي.

"هل أنتِ متأكدة من كونك بخير؟ لقد سمعت أنك تشاجرت مع الأستاذ وخرجت من الفصل في منتصف المحاضرة دون أذنه بعد أن ألقيت على مسامعه تهديدات بفصله! مما زاد من غضبه وكان على وشك التعرض لأزمة قلبية. أنتِ تعلمين ذلك صحيح؟"

نجحت وريا في ترويض مخيلتي وأبعاد تلك الأفكار عني حينما ثرثرت بكل ذلك دفعة واحدة وهي تنظر لي بفضول.

رمقتها بحدة.

فتاة مزعجة وثرثرة!

هذا ما كان ينقصني!

"عليكِ أن تحلي الأمر معه دون أن تتدخل الإدارة أو أن الموضوع سيصبح أكثر تعقيد. كما أنه رجل كبير بالسن يجب أن تقومي بمراعاة صحته الجسدية." تحدثت بجدية تتجاهل كوني أرسلت لها نظرة مهددة.

"أن هذه المشاكل تحصل دائما. لا تفكري في هذا الموضوع كثيرا ميلا." تكلمت آيلينا بابتسامة صغيرة.

شعرت بألم يداهم رأسي من جديد حينما مر في ذهني صورة الأشخاص الذين يرتدون أقنعة ملتفين حولي وحول أركان. كان يبدو الأمر وكأنهم يقومون بمحاصرتنا حتى يقومون بمنعنا من التحرك.

"آيلينا عليا أن أذهب." تحدثت سريعا انهض من مكان وأترك كوبي على الطاولة حينما بدأت استرجع بعض من أحداث تلك الليلة المشؤومة.هم
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي