الفصل الخامس عشر

"لم الغرفة محطمة بهذا الشكل؟"

رفعت رأسي عن ركبتاي حتى أعرف من هو صاحب الصوت. كنت أشعر بالصداع والثقل في رأسي كما كنت أشعر بالنعاس لذلك لم أميزه.

"أركان." همست وأنا أراقبه يدخل الغرفة ببطء بعد أن أغلق الباب من خلفه وهو يتفصح المكان من حوله بتوجس.

جميع الإطارات والصناديق والزجاجات التي كانت تحمل الحيوانات والحشرات المحنطة كانت محطمة، وسائلها اللزج ذا رائحة العفنة قد أغرق الغرفة. كذلك كل كتب الكيمياء والأحياء كانت ممزقة وملقاة على أرض أيضاً.

كل ما كان يتعلق بحلمي في العمل الجنائي قد حطمته ولم أبقي منه شيء، حتى الذي أدرسه في كيمياء حاليا قد قطعته وكسرته.

جل ما أوده هو تحطيم ما حولي. تحطيم مستقبلي الذي بنته ماما كما كانت تشتهي هي وليس مثلما حلمت به أنا.
ض
"هل أنتِ بخير؟" استفهم بقلق وهو يتقدم مني سريعا ثم أنخفض لمستواي يتفحص وجهي بخوف.

رقت عيوني له حينما لاحظت خوفه عليا لكن مشاعري كلها قد تغيرت ما أن تذكرت السبب الحقيقي وراء كل ما حدث.

"أنت السبب." صحت به أضربه على أكتافه وأدفعه إلى الخلف ليقع على ظهره مباشرة.

ظل ينظر لي بتفاجئ بينما أنا أستقمت واقفة أحدق له من فوق رموشي بكره.

ليس خطئي وليس خطأ أمي ولا الأستاذ الأحمق حتى، بل كله بسبب أنني لم أنم ليلة البارحة كفاية. كله بسبب أني تعطيت شيء ممنوعا. كله بسبب أركان.

"كل ما حدث لي بسببك لأني تتبعتك إلى ذلك المكان المقرف." صرخت بسخط ثم أنقضضت عليه أجلس فوق صدره وأنا أشده من ياقة قميصه بقوة.

"أي جنون تتفوهين به؟! أخذتك إلى حفلة الروك لكن أنتِ من أصررت على تجربة الحشيش!" صرخ بي بدوره وهو يحاول أبعاد يديا عنه.

ظللت أتضارب معه. هو يبعدني ويدفعني وأنا كنت أعود للأنقضاض عليه وضربه في أماكن عشوائية بلا أي نية في التراجع أو التحدث معه بسلام. كل ما رغبت به هو إيذاءه!

"أنت من أخذتني إلى جزء مخفي من الحانة! أنت من دعوتني وتقول أنك لست السبب؟" سألته بحنق وأنا أستمر بضربه بينما هو كان يحاول أبعاد وجهه ودفع يديا بعيدا.

"ما أن رأيتك لم أرى خيرا! في كل ليلة أقابلك فيها تحدث لي مصيبة!" تحدثت بغمغمة غير مفهومة لأنه قام بدفع وجهي بواسطة يده التي ضغطت على فكي بقوة.

صككت على اسناني ثم مددت يدي أسحب شعر لحيته ليطلق صرخة متألمة.

"أنت غراب مشؤم! نحس! لم أؤمن بذلك يوماً إلا عندما شاء القدر وقابلتك!"

"أهو بسببي أما بسبب فتاة قوطية مدللة لا تستمع لكلامي مهما حذرتها؟" تساءل بانزعاج وقد نجح في دفعي بعيدا وإيقاعي على ظهري.

تأوهت بألم مما جعل عينيه تلمع بشمتة. زحف إلى الخلف بعيدا عني بعد أن أعتدل جالسا.

"أخبرتك أن نهرب من المكان لكنك من أصررت على البقاء وتجريب الحشيش مع المقنعين! لم أجبرك على أي شيء! تعلمي دفع ثمن أخطائك لوحدك لا أن تقومي بلوم الأخرين!"

مضغت شفتي السفلية بضيق واستقمت واقفة تزامن معه.

"أساسا أنا الذي منذ لقائك باتت المشاكل تطارده! أنت هي مصدر كل شرور! مشعوذة!" تحدث بضيق وهو يرتب هندامه.

"أنت ميت!" صرخت به وأنا ألتقط المزهرية الزجاجية من جانبي.

لاحقته في أنحاء الغرفة ما أن فر مني هاربا.

"هل تلبس شيطان جسدك يا فتاة؟ أوه نسيت أنك بالأساس شيطان." تحدث ساخر بعد أن وقف على سريري يستمر بالقفز عليه بحذاءه المتسخ وابتسامته الهازئة.

"سأقوم بتشريح جثتك الليلة أركان!" صحت أقذف المزهرية عليه. لكن بدل أن تصطدم به أصطدمت بالجدار. شظاياها تناثرت في كل مكان حتى أن أحداها قد خدش وجهي.

"لو لم أنخفض في وقت المناسب لأصبح وجهي مشوه."

كان مستلقي على السرير وهو ينظر لي ويحدثني برعب.

حينما هممت برمي المزهرية عليه أرتمى إلى الأسفل سريعا يستلقي على بطنه بينما يقوم بحماية رأسه بواسطة ذراعيه.

"لا أريد رؤيتك مجددا!" هسهست أحمل إطار خشبي وأرميه عليه.

"أه! أنه مؤلم!" تأوه وهو يتلوى في مكانه بألم بعد أن أصبت ظهره.

"حذاري يا فتاة! الزجاج في كل مكان!" تحدث بنبرة محذرة وخائفة ما أن قفزت على السرير ومن ثم عليه أشده من ياقة قميصه حتى أخنقه.

كنت لا شيء أمام ضخمة جسده وقوتي كانت لا تقرن بقوته. كنت مستندة على ركبتاي بعيدا عنه خوفا من الزجاج لذلك أستغل فرصة وأسرع بدفعي يقلب الوضعية بيننا ليكون هو فوقي.

"هل جننت؟ هل أردت تخلص مني عبر خنقي للتو؟ ثم تقولين عني مجرم؟ ما هذه المهزلة؟" سخر مني وهو يعقد يديه ناحية صدره بينما يدحرج عينيه بضجر.

لففت يدي بلحاف من جانبي ثم ألتقطت شظية كانت على مقربة مني.

"أنت بالفعل شيطانة!" صاح بتفاجئ وهو يحاول ردعي ما أن رفعت يدي أحاول خدش رقبته.

"أهدئي! هل أنتِ كلب مسعور؟ لقد أخبرتك أن تهدأي!"

"ليس قبل أن أدمر حياتك مثلما فعلت معي!"

"دمرت حياتك؟ حياتك بالأساس مدمرة لا تتهميني بما لم أصنعه!"

"بغيظ!" صرخت به ألكمه في بطنه بواسطة ركبتي. إلا أنه لم يبدي أي ردة فعل بل ظل يقاومني، يحاول أخذ الشظية بأي طريقة.

أطلقت أنين خافتة ما أن ضغط على معصمي بقوة يسرع بألتقاط الشظية ورميها بعيدا.

"أنتِ مشروع قاتلة متسلسلة ناجحة. في حقيقية لا أستبعد ذلك بما أنك أردت دراسة الطب الجنائي."

عيوني فورا فتحت على مصرعيها بدهشة.

"كيف؟" همست بعدم تصديق أمرر بصري على ملامحه.

كيف يعلم كل هذه الأشياء عني؟

هو يبدو كشخص يعيش في منزلنا. لأن لا أحد في هذا العالم غير من يعملون ويعيشون بين هذه الجدران يعلمون أنني أردت دراسة الطب الشرعي.

"من تكون؟" سألته بخفوت للمرة المائة ذات السؤال على أمل أن يجبني.

عيونه لمعت بسخرية.

"أخبرتك أنني سحر." رد عليا مستهزئا. كان يستمتع باستفزازي، بإثارة حنقي.

إذ كان سحر لا مانع بقتله صحيح؟

رفعت ركبتي أضربه بين قدميه.

عيونه أتسعت بألم ووجهه أنكمش وتحول للون الأصفر.

قلل الضغط على معصمي لذلك أستغللت الفرصة وضربت صدره بكلتا قدماي أدفعه إلى الخلف.

تأوه من جديد بوجع حينما تدحرج على شظايا زجاجية. لسوء الحظ أن سترته كانت مصنوعة من الجلد ما يعني أنها ستحميه.

فتحت عيوني بتفاجئ حينما شعرت بجسدي يتهاوى إلى الأسفل بعد أن لكمني في بطني بواسطة قدمه.

شعرت بلسعات مؤلمة تمر على عمودي الفقري ما أن لمست الأرض.

وقف أركان على الجانب السرير وهو ينظر لي بشيء من بتفاجئ.

"أنتِ مجنونة وقد أصبتني بالعدوى!" تحدث بصدمة غير مصدق بعد لما فعله.

"هذه هي حقيقتك أيها المجرم." رددت عليه وأنا أدفع جسدي بكلتا يداي حتى أجلس ثم سارعت بامساك أحد الإطارات المحطمة في يدي.

"يجب أن تموت." همست وأنا أرميها عليه ليشتمني وقد انطلق راكضا بإتجاه الباب.

"بل أنتِ من يجب أن تفعلي أيتها المشعوذة!" قال ذلك قبل أن يخرج من غرفتي راكضا.

أستقمت بدوري أشرع في الجري مطاردة إياه.

لحقته في أنحاء القصر. لحسن الحظ أن المنزل كان فارغا. أمي بالعمل وفرانسيس قد خرج هو ساكا وميا بعدما تشاجران ليتجولوا سويا.

"أوه باغيير! نحن لا نلعب لعبة القط والفأر!" صرخت بذعر حينما كنت على مقربة من السلالم ولمحت من خلف كتفي باغيير تركض ورائي وهي تكشر عن اسنانها بينما لسانها كان يتدلى على جانب ينشر لعابها في كل مكان.

أركان كان يقفز متجاوز الدرجات بخطوات واسعة بينما كنت أنزلها واحدة تلو الأخرى بهرولة.

"باغيير." صحت بفزع حينما قفزت فوقي تجعلنا نتدحرج سويا على السلالم إلى أن وقعت على الأرض.

"ميلانو!" صاح أركان بخوف وقد سمعت صوت خطواته تقترب مني.

أطلقت أنين متألما لا أقوى على النهوض أو حتى فتح جفوني.

"باغيير." همست بنبرة جافة لأشعر بشيء رطب يمر على خدي. إجابتني بطريقتها حيث أستمرت بلعق خدي لتوقظني.

"هل أنتِ على ما يرام؟" تساءل يدفع جسدي للنهوض لابتسم ساخرة.

"أخبرتك أنك غراب! لم تفارقني المصائب منذ أن قابلتك!" تمتمت مستهزئة وأنا أفتح جفوني جزئيا.

"لا تشعرين بالألم؟" تساءل مجددا بقلق وهو يبعد خصلات شعري عن وجهي.

"أتضربني ثم تقلق ما أن…هاي!" توقفت عن الكلام أقهقه بخفة ما أن قمت باغيير بدفع رأسي بواسطة يدها تطمئن عليا.

"أنا بخير." همست لها ما أن عادت للعق وجهي.

"أبتعد عني." دفعت أركان بعيدا وأنا أحاول الجلوس بأعتدال لوحدي.

"لقد ضربتك دون وعي مني! أنت من تجعليني أتصرف عكس طبيعتي! ثم هل من المنطقي رؤية أحدا يحاول قتلي ولا أدافع عن نفسي؟" تحدث باستنكار وقد عاد سريعا لأحتضن أكتافي حتى لا أقع أو هكذا كنت أظن قبل أن يضع يديه أسفل ركبتاي.

"أنتِ مجرد صرصارة صغيرة ومع ذلك تحاولين ترويض نمر ومقاتلتي؟!" سخر ما أن رفعني دفعة واحدة دون عناء.

"أنزلني! من سمح لك بحملي!" صرخت به أشد شعر لحيته.

"أنه مؤلم ميلانو توقفي! أنا أحاول مساعدتك هنا!" تكلم وهو يجعد ملامحه بألم.

"لم أطلب منكَ!"

"جيد." قال ذلك ثم تركني دون سابق أنذار.

ظننت لوهلة أن ظهري سيتحطم لكني تنهدت براحة فور أن فتحت عيوني ووجدت أنه قد قام برمي على الكنبة.

"تقول أنك رجل نبيل وأنت لا تفهم في اللباقة والتعامل مع النساء شيء!" تمتمت وأنا أدعك قدمي بألم.

"لتكوني إمرأة أولا وحينها سأتعامل معك بالباقة."

"ماذا تقصد؟"

"أقصد ما أقصد. أنت مشعوذة ومجرمة تمتلكين عقل سفاح وليس فتاة عشرينية من عائلة استقراطية." أجابني بهدوء لكني لم أقوى على الرد عليه أو ضربه نظرا لأني لازلت أشعر بالألم بسبب الوقوع.

"هل نذهب إلى الصيدلية؟" تسائل ما أن شاهدني أجعد ملامحي بألم.

"لا أريد أي شيء منك سوى أن تختفي من حياتي."

"عليك أن تتقبلي حقيقية أنني أصبحت جزءا منها." ابتسامته المستمتعة استفزتني.

"بأي حق تقرر ذلك؟" رددت عليه أعتدل في جلستي وأنا أسدد له نظرات حادة.

"منذ أن لحقتني تلك الليلة وحياتي أصبحت خراب!"

"ماذا؟ حياة من باتت خراب؟" سألته بسخرية بالرغم من شعوري بالخط تجاهه.

"حياتي أنا ميلانو! ألم أخبرك سابقا؟ كنت أجني المال من المقامرة لكن بسبب المشكلة التي حدثت مع لوسيو لم أعد قادر على دخول أي مركز القمار مرخص كان أما لا. كل ما أستطيع فعله هو تسكع بين الحانات الرخيصة!"

"توقف عن أذلالي وجعلي مذنبة في شيء لم أقترفه! قد سبق ودفعت لك تسعة ألاف دولار! ماذا تريد أكثر من ذلك؟"

"وهل تظنين ما دفعته لي يقارن بما كنت أربحه كل ليلة؟"

"أستمع لي جيدا أركان. انا لا أهتم بروتين حياتك، أو ما هيئة الأماكن التي تتسكع فيها مساء او أعمالك الغير قانونية ولا أخلاقية. كل ما أريده أن تخرج من حياتي. ألا تستطيع فهم كلامي؟"

"سأفهم. لكن حينما أنشر فضائحك في وسائل الإعلام وجامعة. أو حينما أشي بك والدك ما رأيك؟" عرض علي ساخرا يضم يديه ناحية صدره.

"هنالك شهود كثيرة ولا أظن باستطاعتك الكذب في هكذا حالة."

ابتسامته اتسعت تجعل مني أرمقه بكره شديد.

"ما الذي تريده مني؟"

"لا شيء. لكن بما أنني لم أعد أستطيع التسكع كما يحلو لي أو عيش حياتي كالسابق سأمضي وقتي في إزعاجك، يعني أنني سأتسلى معك." قال مبتسم وهو يرفع له حاجه بنصر مما جعلني أحدق به بتفاجئ.

"يعني أنك تريد شراء وقتي مقابل تسليتك؟" سألته بصدمة ليؤمى بإيجاب.

"أنت شخص مريض أركان!" صرخت به وأنا أعود لضربه بالوسائد بعصبية بعد أن أستقمت واقفة.

"أنا لا أريد منكِ أشياء قذرة! كل ما أريده منك هو تسكع معك أبتدأ من منتصف الليل إلى شروق الشمس!" صرخ وهو يهرب بعيدا عني.

"من قال أنني سأوافق؟" صرخت به وقد حاصرته في زاوية أستمر بضربه في أماكن عشوائية بواسطة الوسادة. 

"لا خيار لك أو أنني سأقوم بتنفيذ تهديداتي!"رد صارخ بدوره وهو يضع ذراعيه أمام وجهه كدرع حتى لا أصيبه.

"بما أنك تعلم كل شيء عني بالفعل كيف لا تعلم أنني شخصية غير إجتماعية ولا أتردد إلى أي مكان؟" سألته ساخطة وأنا أحاول سحب الوسادة منه بعد أن نجح في أفتكاكها مني.

سحبها وقربني منه ثم نظر داخل عيوني بثبات وقال بابتسامة: "معي أنا ستصبحين رغم عنك إجتماعية. وذلك أبتدأ من حفلة صديقتك التي ستقام غدا!"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي