الفصل الثاني عشر طفيلي

دندنت مع أغنيه الروك التي ملئت الحمام. كنت أجفف شعري المبلل بالمنشفة أمام المرآة قبل أن ابتسم لانعكاسي بعد أن مسحت البخار من على زجاج.

كم هو منعش الاستحمام في آخر الليل.

رميت منشفتي جانبا وخرجت إلى غرفتي حتى أقوم بتغير ثيابي.

لكن فور أن فتحت الباب وسرت بضع خطوات داخل غرفتي المظلمة شعرت بأحد ما فيها.

"مالذي تريدينه مني ميليسا في منتصف الليل؟ إذ كان بشأن حفلة آيلينا فقد سبق وأخبرتك أنني لن أذهب." تحدثت بهدوء وأنا أسير ناحية الزر حتى أشعل الأنوار.

لوهلة ظننتها ماما لكن ما أن أنرت الغرفة واستدرت إليها شهقت بصدمة وصرخت أتراجع إلى الخلف حينما وجدت أركان متربع على الأرض بينما يداعب باغيير.

"لم أظن أن جاسوسة ومتعقبة مثلك قد تفزع بسهولة هكذا." سخر وهو يحك عنق باغيير من الأسفل.

رمشت عديد المرات أحاول استيعاب ما شهدته.

هل أصبحت لدي هلوسة جديدة تدعى أركان تظهر لي مع منتصف الليل؟

"بحق الخالق. كيف دخلت الى غرفتي؟ بل كيف تسللت إلى المنزل؟"

"الحراسة في منزلكم سيئة. عليكِ أخبار الجنرال والكر بتغيير رجاله لإنهم مجموعة من الفاشلين." تحدث ساخرا وهو يبعد يده عن باغيير التي اغمضت عيونها تعود للنوم.

ما يحدث الآن معي بسبب هذا الرجل يشبه الخيال.

بقيت احملق بباغيير بتفاجئ. كانت ساكنة وهادئة بحضوره على عكس ما تفتعله من فوضى عندما يتواجد غريبا بالغرفة. حتى لو كان هذا الشخص أمي أو أبي كانت تنزعج وتبقى حذرة ولا تنام لأنها لا تشعر بالطمأنينة بوجودهم.

لكن هذا مجرم قد قام بصفع المنطق. جعلها تنام براحة في حضوره. هي تتعامل معه مثلما تتعامل معي، وكأنه بات ملكها الثاني.

أن هذا الأمر يستفزني أكثر من أي شيء آخر. حتى أكثر من تسلله إلى غرفتي في منتصف الليل.

"ألم أحذرك سابقا؟"

"حذرتني من ماذا؟ ذكريني؟" رد باستمتاع وهو يعقد يديه ناحية ظهره يسترخي في جلسته على وسادتي أكثر.

أنها ملكي!

يجلس في مكاني المفضل وبجانب باغيير! ذلك المكان مخصص لي ولها! أنه يعتدي ويفتك كل شيء مني.

"ألم أخبرك أن لا تقترب من قطتي من جديد؟" صحت ساخطة أرفع الوسادة التي كانت على مقربة مني ومن ثم ألقيتها عليه.

"أنا أعرفك شعور أن يقوم شخص ما بتعاقبك في كل مكان تذهبين إليه." قال ضاحكا بعد أن ألتقط الوسادة بسهولة. وضعها على حجره ومن ثم أسند عليها ذراعاه يراقبني بابتسامة واسعة.

أنه مريض!

"أليس هذا ما كنتِ تفعلينه منذ ليلتين؟ حشر نفسكِ في خصوصيات غيرك وتطفل عليه؟"

"أنا لن أتعقبك من جديد. لن أتطفل عليك. لم أعد أرغب في رؤية وجهك بعد الآن! أنت مثل مغناطيس للمشاكل عندما تكون معي! أخرج من غرفتي وحياتي في الحال أنا لا أريد رؤيتك من جديد!"

"كلا يا حلوة أنا لن أفعل. خاصة بعد تخريبك لحياتي."

"تبا لك! لا تقل لي حلوة من جديد. أنا لست حلوة!" صحت به وأنا أرفع تحفة بلاستيكية وأرميها عليه إلا أنه كان بارع في ألتقاط الأشياء.

"من العار أن تكون ابنة جنرال سيئة إلى هذا الحد في تصويب."

زمرجت حانقة بسبب تعليقه الساخر.

هو أكثر استفزاز من فرانسيسكو نفسه!

كنت على وشك تقدم له لكني بلعت ريقي بتوتر فور أن سمعت صوت خطوات تقترب من غرفتي على عجلة.

"اوه لا." همست ما أن طرق أحدهم على الباب.

"ميلانو حبيبتي هل أنتِ بخير؟ أحدث شيئا ما؟" تساءلت ماما بنبرة قلقة من خلف الباب تستمر بالطرق عليه.

بلعت ريقي ألقي نظره خاطفة على أركان الذي استقام واقفا يعبث بنظره في الانحاء باحثا عن مكان مناسب للاختباء.

"أين ساختبئ؟" همس لأشير له مباشرة ناحية الحمام.

أسرع إليه بخطوات خفيفة.

"لا تغلق الباب. سأصرفها بسهولة." همست له وأنا أشد المنشفة حول جسدي بقوة ثم بعثرت شعري لأبدو أنني قد خرجت تو من الحمام.

"ميلانو لما قد تأخرت؟ هل حصل لك شيء؟ لما كنتِ تصرخين؟" اندفعت ماما في اسئلتها فور إن فتحت لها الباب.

تفحصت ملامح وجهها للحظة من الزمن حيث كانت قلقة ومتوترة للغاية.

"لا شيء. لقد كنت أغني بصوت عال." أجبتها ببرود أدعي الثبات أمامها مما جعلها تعقد حاجبيها بغرابة من أمرها.

"تغنين في منتصف الليل؟"

"أجل. ما المشكلة في ذلك؟"

"لأن ما كنت تفعلينه الآن ليس بغناء بل صراخ وكأن شيئا ما قد أرعبك. هل كنتِ تقومين بأستدعاء الشياطين؟"

لا أعلم متى ستنضج وتفهم جيداً أن ذوقي ليس له علاقة بالشعوذة والسحر!

"هل تظنين أن هنالك شيئا في هذا العالم يستطيع أخافتي؟" سألتها بدوري ساخرة لتعقد حاجبيها بحيرة لأنها تعلم يقينا أنني لا أخاف مهما حدث.

"لم لازلت مستيقظة لهذا الوقت المتأخر على الرغم من أنك تمتلكين محاضرة على ساعة الثامنة صباحا؟" تسائلت وهي تشد  سترتها حول نفسها أكثر. كانت. يبدو أنها تشعر بالبرد حتى أنها قدمت حافية القدمين. إلى لهذه الدرجة كانت قلقة؟

"شعرت بالضغط والتوتر لذلك استحممت وفتحت موسيقى روك عالية حتى أقوم بالترفيه عن نفسي قليلا." قلت وانا أشير على حمام الذي لا يزال يخرج منه البخار كما كانت تصدر من داخله موسيقى روك عالية.

"متوترة؟ من ماذا؟"

"من الجامعة المقيتة التي تجبرينني على الذهاب إليها. ومن براد المرافق السخيف الذي يلتصق بي أربعة وعشرين ساعة لينقل أخباري لكِ أنتِ وبابا وكأنني طفلة صغيرة تحتاج إلى مربية."

كنت أخبرها بطريقة غير مباشرة أنني سئمت من تحكمها وسيطرتها على حياتي وكأنني لعبة بين يديها. تتصرف معي كموظفة لديها وليس كابنة.

"هل أنتِ متأكدة أنه لم يحدث لكِ شيء بالداخل ميلانو؟" تساءلت تتجاهل كلامي.

"أن لم تصدقيني تفضلي وتفقدي الغرفة بنفسك." قلت وأنا أفتح لها الباب على مصرعيه.

ألقت نظرة على غرفة لتمر رعشة على جسدها بسبب منظرها الموحش والمملوء بالحيوانات المحنطة.

"لم أجن بعد لأدخل إلى غرفة فتاة قوطية جدرانها مطلية باللون الأسود. لا أفهم أن كانت غرفة فتاة شابة في مقتبل العمر أما غرفة ساحرة عجوز." ظلت تثرثر بعد أن منحتني ظهرها تعود لغرفتها التي كانت لولا جالسة أمامها تنتظرها.

زفرت الهواء من ثم أحكمت إغلاق الباب من ورائي.

"هذا أسلوب ليس مناسب مع أمك. أنك وقحة للغاية. أظن أنه يجب أن يتم إعادة تربيتك من جديد." ساخر أركان بعد أن خرج من الحمام.

اسندت ظهري ورأسي على لوح الباب وظللت أحدق به من أسفل رموشي ببرود.

"على الأقل لست بمجرمة."

"لكنكِ لست نبيلة مثلي ولا حتى ابنة مثالية." رد ساخر وهو يتسكع في أنحاء غرفة يقوم بتفقد إطارات الحيوانات المجففة والمحنطة.

"كما قالت تبدين مثل مشعوذة." علق وهو يتفحص إطار أفعى الكبرى التي حنطتها حديثا.

"هل أنت شبح؟" سألته فجأة مما جعله يعقد حاجبيه بغرابة يعيد الإطار إلى محله.

نظر لي بتشتت بعد أن حشر يديه في جيوب بنطاله.

"ماذا تقصدين؟"

"أقصد اختفاءك ليلة البارحة بطريقة مبهمة وغير منطقية."

ابتسم بسخرية ثم رفع كتفيه بعدم اهتمام.

"لنقل أنه سحر." رد ببساطة واختصار يكمل جولته.

"ماذا تريد مني؟ لم تسللت إلى غرفتي؟ ألم تكن تريد عدم مقابلتي من جديد؟"

"قد أخبرتك بالفعل أن حياتي قد أصبحت في فوضى عارمة بسببكِ وقد جئت لاسترداد سلامي منكَ."

"ماذا تقصد؟"

"أقصد أني بحاجة إلى النقود منك كتعويض لي عما حدث ليلة البارحة." قال يتوقف وينظر لي بشيء من الحدة.

جمعت شفاهي في خط مستقيم مستاء أنتظر منه أن ينهي كلامه.

"في العادة كنت أذهب إلى بيت القمار لأجمع بعض المال لكن بعد ما حدث مع لوسيو البارحة أصبحت سمعتي سيئة عند جميع مقامري الأرجنتين ولم يعد بإمكاني المقامرة مجددًا." كان متضايق جدا أثناء قوله لذلك.

لكن أليس ما حدث أفضل له؟ على الأقل سيتوقف عن كونه مجرم وسبب في إثارة مشاكل.

أوه يا بابا لو تعلم أن ابنتك قد قامت بتخليص أرجنتين من مجرم قذر مثله.

"وما شأني أنا؟" سألته أحفظ على معالمي هادئة وثابتة.

"لأن هذا كله قد حدث بسبب فتاة مدللة تظن نفسها محور الكون لمجرد أنها ولدت وفي فمها ملعقة من الذهب."

قضمت بطن خدي وأنا أرفع له حاجبي بتهديد.

أنه لا يترك أي فرصة ليثير أعصابي.

"عليك أن تخرج قبل أن أنادي لك الحراس." هددته ابتعد عن الباب بعد أن اعتدلت أقف باستقامة.

"وأن لم أفعل؟"

"حينها سأزج بك بالسجن."

طرف شفاهي اتساع له بابتسامة غير محببة تحذيرية ليرفع لي بدوره حاجه بتحد.

"لا تستطيعين تهديدي ميلانو وأنا في يدي هلاكك وفي يدي الأخرى أيضا نجاتك. أن حاولت توريطي أو أن تفكري مجرد التفكير في إيذائي لن أتردد لحظة في أخبار لوسيو عنك ولن أتردد أيضا في قول جميع ما حدث ليلة السابقة لوالدك."

"أبي لن يصدق أي من تراهاتك تلك. ففي النهاية أنت لا تملك أي دليل. والكاميرات تلك الليلة لم تصورني ولوسيو ذاك لم يرى وجهي. ألا تظن أن لعبتك بهذا الشكل قد أنتهت؟ توقف عن التلاعب."

"باغيير تكفي لفضح كل شيء عند لوسيو."

ابتسمت ساخرة وأنا أهز له رأسي بشفقة.

مسكين! لا يعلم أي شيء عن عائلتي ونفوذها بعد.

لا يعلم أنه بأمكاني دهسه تحت قدمي كالحشرة حتى ولو كنت أنا المذنبة.

"لنقل أنك قد نجحت في فعل ذلك مع أنني أستبعد الأمر. لكن ما لا تعلمه أن بابا سيفعل المستحيل لإخراجي من ذلك المأزق وزجك أنتَ ولوسيو في السجن لبقية حياتكما."

ثغري اتسع في ابتسامة شماتة جعلته يرفع لي حاجبه بتحد.

"ربما كلامك صحيح. لكن أظنه لا يستطيع إخراجك من فضيحة التي سينشرها الإعلام ما أن أبوح لهم بسرك الصغير الذي تخفينه عن الجميع." هذه المرة كانت نبرته أكثر حدة وأكثر خطر.

سر؟

أي سر؟

مالذي يعرفه هذا الرجل عني تحديد؟

لم يستمر بتهديدي منذ البارحة بهذا السر؟

شعرت بالتهديد لذلك عقدت يداي ناحية صدري وأنا أرميه بنظرات شرسة.

"أي سر تثرثر به منذ البارحة؟"

"تعرضك إلى التنمر في الثانوية بعد أن غدرت بك صديقتك المقربة." تلفظ يقلب عينيه في فضاء بسخرية يجعل من الدماء تتوقف داخل عروقي.

"ربما طلاب وعمال الجامعة الآن يخافون منك لكونك ابنة جنرال لكن ما أن يعلموا حقيقتك ستصبحين فتاة مثيرة للشفقة في نظرهم. تلك الطفلة التي احتجزت نفسها في المنزل لسنوات لمجرد بعض تعليقات سلبية دمرت نفسيتها."

اتسعت ابتسامته أكثر تصبح أكثر شر. بدا وكأن الشيطان متجسد أمامي الآن بسبب ابتسامته الظلامية وهالته الشريرة.

أرتجفت يدي دون سابق إنذار مني ثم كانت تلك الرجفة تسري على بقية أطراف جسمي تجعلني أرتعش في مكاني.

أتكئت على الحائط استند عليه ما أن شعرت بأقدامي تصبح هلامية غير قادرة على حملي.

"مما يعني أنك ستصبحين مصدر شفقة الكل في الجامعة."

جزيت على أسناني بقوة.

إبليس!

من أخبره وقد جاهد أبي لدفن ما حصل؟ قد منع أي شخص بالتحدث عنه أو ذكره، كما عاقب وأوقف كل دار نشر أو جريدة سربت مقال عن تلك القصة.

أبي قد أغلق جميع السبل التي تؤدي إلى هذا الموضوع...

فمن أين علم بكل هذا؟ 

ثم كيف يجرؤ على تهديدي؟

ألم يدرك بعد أن العبث معي هو مثل العبث مع النار؟

شددت على قبضتي أقوى. اغرس أظافري في باطن يدي.

لكن ميلانو من قال إنه لا يتلاعب بكِ الآن؟

"أي هراء الذي تتفوه به الآن؟ عن ماذا تتحدث؟" تساءلت بابتسامة مزيفة أدعي عدم المعرفة على الرغم من كوني فاشلة في الكذب.

"عن تلك المدعومة بيرلي."

فتحت عيوني على مصراعيها بتلقائية. كنت غير قادرة على تحكم بردود أفعالي ولا حتى على أرتجاف جسدي الذي فضح توتري وخوفي بسبب كلامه.

"كيف لك أن تعلم كل هذا؟" همست بعد أن بلعت ريقي بخوف.

"ماذا تريد؟ ومن أرسلك؟"

"لم يرسلني أحد ولم يخبرني أحدا أيضاً. كل أسرار المتعلقة بكِ وبعائلتكِ أعرفها حق المعرفة. لذلك ميلانو نفذي لي طلباتي دون أي إعتراض أو أن العواقب ستكون وخيمة."

"لقد سألتك ماذا تريد؟"

"أريد بعض المال." قال بابتسامة واسعة جعلتني أصك على فكي بقوة.

أستغلالي وأنتهازي!

لكني قررت أن أدع الموضوع يمر بسلاسة دون أي مشاكل لذلك اتجهت ناحية الخزانة بصمت ثم سحبت له مبلغ لا بأس به.

"هل ألف دولار تكفي؟" سألته وأنا أسحب الأوراق النقدية من محفظتي.

"إضافي صفر أخر إلى اليسار وستكون كافية حينها. فالألف التي تريدين منحي إياها لا تكفي ثمن المشروب."

"لماذا؟ هل ستسهر في كازينو ملكي؟" تساءلت بتفاجئ أستدير له مباشرة.

عشرة ألاف دولار؟

هل يمزح؟

مصروفي لشهرين كاملين يريد أن ينفقه في ليلة واحدة؟!

هذا جنون! 

"هل تعي حجم ما طلبته الآن أركان؟" سألته ساخرة ما لم يجبني.

"لم؟ ألم تخبريني سابقا أنه بإمكانك شرائي بواسطة نقود والدك؟ لم تبدو عشرة آلاف دولار بنسبة لكِ ضخمة؟ أو أن سركِ صغير لا يستحق كل هذا المبلغ؟"

طرق لسانه بسقف فمه بطريقة مستمتعة حينما شاهد معالمي تنقبض بإنزعاج.

حشرت يدي أخرج جميع ما أدخرته في أشهر الأخيرة من أجل شراء فستان مصمم من قبل جان تيتش.

"أنها تسعة ألف. لا أملك أكثر منها حاليا." همست وأنا أقذف محفظتي الفارغة على الأرض بعد أن سحبت جميع أموالي منها.

ابتسم برضا بعد أن تقدم مني وسحب من يدي النقود بفضاضة.

"أدين لكِ بألف دولار أخرى إذا." قال بابتسامة واسعة وهو يشحر نقوده في جيبه خلفي للبنطال.

ظللت صامتة ولم أجبه.

"وادعا يا حلوة." ودعني بابتسامة شقية ثم منحني ظهره.

راقبته وهو يسير ناحية الباب بينما كنت أشتمه في سري مع كل خطوة يخطوها.

وقبل أن يفتح الباب أستدار لي ثم قال: "أن كنتِ لا تملكين شيئا لفعله. ما رأيك بمرافقتي؟"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي