الفصل الرابع

فتح اسعد الباب لمجدى الذى دلف قائلا بقلق :
_ في ايه يا اسعد و حياة او موت مين حد نعرفه يعني ؟!
مسح اسعد وجهه بكفه و قال بتلخبط :
_ احنا دلوقتي في شقة واحد صاحبي ضرب مراته و عدمها العافية و هو مش موجود و هي استنجدت بيا و مش عاوزاني اقوله و مش عارف اعمل ايه عندك حل .؟!
اجابه مجدي قائلا بعملية :
_ انا ماليش دعوة بتفاصيلك دى انا ليا الحالة هي فين علشان اكشف عليها ؟!
اشار اسعد بيده علي احد الغرف البعيدة وقال :
_ في الاوضة اللي هناك دى ياريت تدخلها لايديها متكسرين و قبل ما تدخل لا تقولي نطلب حكومه ولا ضميرك المهني و لا زفت اتفقنا يا مجدى .
اوما مجدى براسه و قال بتعجب :
_ و انت مش هتيجي معايا و ندخلها ؟!
اجابه اسعد قائلا :
_ لا يا عم ادخل و شوفها و خليني هنا افكر هعمل ايه في المصيبة دى .
هز مجدي كتفيه بتسليم و دلف لغرفة دعاء متنحنحا و ما ان راي وجهها وذراعيها قال بصدمة :
_ يا نهار اسود ده مش محتاج شرطة ده محتاج حزب النيتو كله بجنوده و طياراته و النووى بتاعه كمان .
اقترب منها قائلا :
_ انا الدكتور مجدي يا مدام لو سمحتي هكشف عليكي و عاوزك تقوليلي علي كل مكان تاني بيوجعك غير المعجنة الي ان شايفها دى طبعا .
قطع اسعد ردهة البيت ذهاب وايابا و هو يطالع ساعة هاتفه حتي انتبه علي رنين هاتفه فوجده اسلام انتصب في وقفته كمن ضبط بالجرم المشهود حتي تمالك نفسه و اجابه قائلا بتوتر :
_ ايوة يا اسلام .
_ انت فين يا اسعد مش بينا ميعاد ليه اتاخرت كده قلقتني عليك انت كويس ؟!!
ابتلع اسعد ريقه و قال بتماسك هاوى :
_ حصلي ظرف عطلني لو كده ناجل مقابلتنا لبكرة ان شاء الله في مشكلة ولا حاجة .
_ لا عادى براحتك بكرة زى دلواقتي هستناك المهم امورك كلها بخير صح .
اجابه اسعد قائلا :
_ ما تقلقش كله تمام اشوفك بكرة بقا ان شاء الله .
_ تمام ان شاء الله .
اغلق اسعد الهاتف و هو يزفر براحة و اعاده لجيبه و عاد لانتظاره المقيت .. حتي وجد مجدي يخرج من غرفة دعاء و هو يقول بامتعاض :
_ انا عملت اللي اقدر عليه لانه للاسف هي رافضة تعمل اشعة فحطيت لها كفيها بجبيرة كده و قولتلها لو حصل مضاعفات جوزها المتوحش ده ينقلها المستشفي ده بني ادم همجي .
ساله اسعد بفضول :
_ طب وجروح وشها يا مجدي ؟!!
اخرج مجدي دفتره من حقيبته و اخذ يدون به و هو يقول بجدية :
_ انزل هاتلها الادوية دى يا اسعد لو سمحت علشان تترحم من الالم اللي هي فيه ده .. و انا هروح المستشفي اتاخرت .
ناوله الورقة فالتقطها اسعد منه و قال :
_ خدني معاك انزل اشتريهم و ارجعلها .
خرجا من الشقة فاسرع امجد قائلا :
_ اقنعها تكلم حد من اهلها عالاقل لانه جوزها لو شافها متشيشة كده هيسال مين عالجها و انت هتروح في الرجلين يا استاذ .
ضيق اسعد عينيه مفكرا و قال بجدية :
_ معاك حق انا بس حبيت اساعد و الله ربنا يعرف نيتي و اني ماليش فيه و الله .
ذهب اسعد لاقرب صيدلية و عاد محمل بالادوية .. وقف امام باب الشقة قليلا قبل ان يطرقه و يفتحه مجددا بالمفتاح ودلف للداخل و اغلق ورائه الباب ..تنحنح بجوار باب غرفة دعاء وقال بتادب :
_ مدام دعاء جبت لحضرتك الادوية ممكن ادخل .
اتاه صوتها قائلا بوهن :
_ اتفضل .
دلف اسعد للداخل فوجدها ملفوفة الذراعين و الوجه فهز راسه باشفاق و اقترب منها و وضع الادوية بجوارها و بحث حوله عن ماء فلم يجد .. تركها ودلف للمطبخ ملا كوب بالماء و عاد اليها و ساعدها في تناول ادويتها و قال بجدية :
_ ياريت تكلمي حد من اهلك يجي هنا علشان لو اسلام شافك يعرف انهم هما اللي ساعدوكي انا مش عاوز اخسر اسلام ده عشرة عمرى .
اشارت له دعاء براسها علي هاتفها و قالت بوهن :
_ معاك حق .. افتح تليفوني هتلاقي تليفون مامتي رن عليها و انا هخليها تيجي و لو سالتني هقولها جارتي ساعدتني ما تقلقش .
حمل هاتفها و فتحه و بحث بقائمة الاسماء حتي وجد رقم والدتها فاتصل بها وقرب الهاتف من دعاء فاتحا سماعته الخارجية .. اتاهم صوت والدتها قائلا :
_ ازيك يا دعاء اخبارك اي يا حبيبتي ؟
اجابتها دعاء قائلة :
_ بموت يا ماما .. ممكن تيجي ضرورى او حد من اخواتي يجي .
_ عملتي ايه المرة دي اكيد ضربك تاني .
ضيقت دعاء عينيها و قالت بتماسك :
_ مش مهم دلوقتي بس عاوزة منكم حد يجيلي لان جارتي ساعدتني و طلبتلي دكتور عالجني و اسلام مش بيحبها لو عرف انها دخلت البيت بكرة هتصلوا عليا و ترتاحوا مني .
صرخت والدتها قائلة :
_ و لما جوزك قالك بلاش تدخليها بتدخليها ليه قاصدة تستفزيه علشان يطلقك مش كده يا دعاء عاوزة تخربي بيتك باي شكل .
قبضت دعاء بعينيها و صرخت قائلة بغضب جعل اسعد ينتفض في وقفته و هي تقول :
_ هو ده اللي همك انتي حتي ما سألتنيش مالي او عمل فيا ايه .. انا مش عاوزة منك حاجة غير حد يجي يثبت انه كان هنا .. انا ايديا الاتنين متكسرين بمطرقة زى افلام الرعب ياا .. امي .. قلبك موجعكيش زى الامهات اللي بتحس بعيالها .
ساد الصمت لثواني حتي قالت والدتها بنبرة ثابتة :
_ اقفلي و انا مسافة السكة وهجيب اخوكي و نيجي .
اغلق اسعد الهاتف لتدخل دعاء في نوبة صراخ هيستيرية و هي تقول بمرارة :
_ يا رب سايبني ليه .. انا عمرى ما اذيت حد .. خدني بقا وريحني انا تعبت .. وحياتك عندى يارب تعبت ارحمني بقا .
طالعها اسعد باشفاق حتي هدات فاقترب منها قائلا
_ اهدى خلاص .. انا مش عارف اقولك ايه غير ربنا معاكي و لو احتاجتي اي حاجة باي وقت انا زى ما قولتي اخوكي الكبير و تحت امرك .. انا همشي و هرجع المفتاح مكانه تحت الدواسه لو حسيتي باي مضاعفات في ايدك هيبقي كسر و لازم تروحي المستشفي .
طالعته بعيون ممتلئة بالدموع و قالت بامتنان :
_ مش عارفة اشكرك ازاي يا استاذ اسعد ربنا يجازيك خير و ما يجربها علي بنتك ابدا.
اوما اسعد براسه و قال :
_ يارب .. بعد اذنك .
تركها وغادر و صورتها لا تفارق عقله .. فرحة كانت محقة بكلماتها بخصوص دعاء .. فما راه بعينه شىء غير انساني علي الاطلاق ..
صعد سيارته وذهب لعمله بشرود ........

.........................................................
...................

بعد ساعة انتبهت دعاء علي فتح لباب شقتها و ما هي الا ثواني و دلفت دالدتها عليها و ما ان راتها حتي تسمرت ساقيها من هول المنظر...
بينما قال اخوها و هو يسير ناحية غرفتها:
_ هو كل يوم تزعلي الراجل منك و تخليه يلطشك قلمين و احنا نتمرمط و نيجي كده.
انتبه علي وقفه امه فدخل للغرفة ليتهدل وجهه و هو يري اخته لم يتبقي من وجهها سوى اطلال و ذراعيها الملفوتين و هيأتها المذرية فابتلع ريقه بصدمة يجلي حلقه الذي جف من قوة ما راي...
اقتربت والدتها منها و قالت بحزن :
_ يا حبيتي يا بنتي ايه اللي حصلك ده .
اجابتها دعاء بملامح مجمدة :
_ خلي ابنك يكلم اسلام يعرفه انه جابلي الدكتور و عالجني علي قد ما قدر و انه لازم اروح المستشفي انا متاكدة من كسر ايديا .
دنت منها امها تطالع كفيها فصرخت دعاء قائلة :
_ عاوزة تشوفي ايه .. ايديا اللي اتكسرت علشان قلقت عليه امبارح وسالت واحد صاحبه عنه يمكن يطمني يقوم يرجع و يجيب المطرقة الحديد دى و يكسر ايديا علشان معرفش اكلم حد تاني .
جلس اخوها علي مقعد و هو يشعر بالخزى بينما اردفت دعاء قائلة بحزن :
_ ما تخافوش مش هسيبه و هفضل معاه و الشهرية بتاعتكم هتفضل ماشية .. بس ياريت تفضل ماشية حتي بعد ما يقتلني .. ابقوا وقتها ادفنوني بالصحرا محدش هيحس اني اختفيت اصلا و الشهرية هتفضل ماشية ما تخافوش .
قالت لها والدتها :
_ يا دعاء يا بنتي... .
بترت دعاء كلماتها و قالت بنبرة قاطعة :
_ اطلعوا برة لو سمحتم عاوزة انام يمكن ربنا يرحمني وياخدني عنده هو اللي عالم باللي بيا و عارف بشوف ايه و احن عليا منكم .. برة .
اخرج اخيها من جيبه هاتفه و هاتف اسلام قائلا :
_ انا عند اختي بالبيت و هطلب لها الاسعاف و هنقلها عالمستشفي و هعمل تقرير طبي بكل اللي حصل لها و هطلب الحكومة علشان تيجي تعاين و ترف بصماتك و .. المرة دى هجيب حق اختي منك يا اسلام .

...................................................
...............

في المساء عاد اسعد للبيت فجلس علي الاريكة المجاورة للباب و هو يفكر بشرود .. خرجت فرحة من غرفتها و وقفت تطالعه بتعجب .. وقف سليم الى جوارها و قال بتعجب :
_ هو بابا قاعد كده ليه ياترى حصلت مشكلة ليه مع اونكل اسلام .
هزت فرحة كتفيها بعدم فهم و قالت :
_ مش عارفة يا سليم والله هو دخل و قعد كده زى ما انت شايف و بصراحة خايفة اساله .
انتبه اسعد علي وقفتهما فوقف و سار ناحيتهما و هو يقول :
_ مالكم واقفين ليه كده .
سالته فرحة بفضول و هي تنزع عنه سترة بذلته و قالت :
_ انت كنت قاعد مش حاسس باي حاجة و لا حتي بينا استغربنا حالتك دي فوقنا جنبك نستناك .
جلس فجلس سليم بجواره و قال :
_ هو امور شغل حضرتك بخير .. مضيت العقد مع اونكل اسلام و لا الامور وقفت بينكم ؟!!
التفت اليه اسعد و قال :
_ اتفقنا و هنمضي العقود بكرة ان شاء الله و الامور كويسة .
طالع فرحة بحيرة هل يخبرها بما حدث معه هو ودعاء ام يخفي عليها ما حدث و كانه لم يحدث من الاساس .. استشرعت فرحة حديثه بعينه فقالت لسليم :
_ سليم قوم يا حبيبي شوف اختك بتعمل ايه .
وزع سليم انظاره بينهما و وقف قائلا بتفهم :
_ انا في اوضتي لما تحضروا العشا عرفوني .
انتظرت فرحة حتي دلف لغرفته و جلست بجوار اسعد و ملست علي صدره بكفها و قالت بهدوء :
_ احكيلي اللي خانقك يا اسعد مالك يا حبيبي انا حاسة بيك شايل حمل .
حمل كفها وقبله و قال بابتسامة هادئة :
_ مافيش يا حبيبتي بس بقعد افكر بكل حاجة بخاف من الايام مش اكتر .
طالعته بلوم و قالت مسرعة :
_ كله بايد ربنا يا حبيبي المهم اننا بخير كلنا و انت معانا و مش عاوزين حاجة تاني من الايام .. قوم يالا خد شاور سخن فوق نفسك كده علي ما احضر العشا .
وقف ممتثلا لرغبتها و سار خطوتين فاستوفته قائلة :
_ اسلام قالك حاجة عن دعاء .
وقف مكانه و لم يلتفت لها و ابتلع ريقه قائلا بهدوء مصطنع :
_ لا معرفش عنهم حاجة و مالنا دعوة احنا بخصوصياتهم .
و تركها و دلف لغرفته وسط انظارها التي ملؤها القلق و الشك ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي