الفصل السادس عشر

يقولون النوم راحة .. و لكن اين الراحة و اين النوم من شخص ينهشه الشك و توارد الافكار ..
تخلت فرحة عن تصنعها للنوم و جلست علي فراشها و لملمت شعراتها في ربطته و حاولت ان تضبط انفاسها اللاهثة كأنها خرجت للتو من سباق عدو...
تطلعت بأسعد و الذي يغط في ثبات عميق و لا شعر بما يدور في خلدها .. انتقلت بعيناها ناحية هذا الهاتف و هي تكاد تخترقه من عمق نظراتها ..
انزلت قدميها عن الفراش حتي لامست الارضية و وقفت بتثاقل و سارت ببطء و التفت حول فراشها حتي وقفت امام هذا الهاتف ..
لم يأتي ببالها ان تبحث خلف اسعد بيوم .. لم يسبق لها ان عبثت بهاتفه و لم تكن تتوقع ان يأتي هذا اليوم .. حملت الهاتف بحرص و ه تطالع اسعد بقلق من ان يشعر بها و يفيق من نومه .. و ما ان ضغطت علي زر التشغيل حتي وجدت اسعد قد فعل بصمة الاصبع للتشغيل .
اشتعلت عيناها بغضب بعدما تأكد حدسها و لم تجد طريقة سوى المجازفة ..
مدت ذراعه الممدة فوق صدره ببطء و حذر و قربت الهاتف من إصبعه و هي ترتعش من قلقها .. حتي تمت المطابقة و انفتحت شاشة الهاتف ..
تنفست الصعداء و سارت بتمهل مبتعدة عن الفراش حتي خرجت من الغرفة .. اسرعت ناحية الحمام و دلفته و اغلقت عليها الباب و اسرعت في فتح اي تطبيق به محادثات حتي شعرت بإنقباضة يقلبها و هي ترى اخر محادثة بين اسعد و رقم غريب و لم تجد اي محادثة سابقة فعلمت انه قد محى اي حوار بينهما و نسي ان يمحو تلك الاتصالات ..
احتفظت بالرقم في عقلها و عادت لغرفتها اعادت هاتفه لمكانه و حملت هاتفها و اسرعت لتسجيل هذا الرقم بهاتفها حتي ظهر امامها انه مطابق لرقم .... دعاء
اغلقت عيناها وهي تعض شفتيها بألم بعدما تأكد حدسها و ما يدور بخلدها منذ يوم العزيمة و نظراتهما المتبادلة و تلك البسمات الخاطفة و لمعة الاعين لا يفارقانها و جعلوا ايامه تمر بحرقة الشك الذي اضيف له اليوم اليقين ..
لاول مرة تشعر بالشلل و عدم التحكم في انفعالاتها .. هل انسلال الروح من الجسد مؤلم لهذا الحد .. فجأة تكتشف ان عمرك الذي مضي بأكمله قد ذهب هباء و تلك المثالية التي تعيشها اكتشفت انها وهما ..
تطلعت اليه بعينين تملأهما الدموع و الكسرة ..
تركت الغرفة مجددا و خرجت مسرعة فتحت الشرفة و هي تستقبل هواء الفجر البارد بتلهف علها تستطيع التنفس مجددا .. فحبيب عمرها و أمانها و ضهرها و سندها و صديقها...
يخونها.....


جلست بكل خواء تطالع السماء حتي انها لم تشعر بأي شىء و لا بتلك الاشعة التي اختقت البيت من كل مكان متسللة للداخل ..

اقترب منها سليم و هو يتابع جلوسهابقلق و قال للفت انباهها له :
_ ماما انتي ايه اللي مقعدك في البرد ده .. انتي لسه صاحيه لغاية دلوقتي و لا ايه ؟!
انتبهت فرحه علي حضوره و عادت من منفاها قائلة بملامح باهتة :
_ اه يا حبيبي انا لسه صاحيه هقوم احضر لك الفطار اهه يا قلب ماما .
ثني سليم ركبتيه و جلس مقرفصا امامها و هو يتابع ذبولها و قال بقلق :
_ فطار ايه بس دلوقتي .. مال وشك باهت كده يا ماما انتي نمتى ولا انتى صاحيه كده من امبارح ؟!
حركت  فرحه عنقها يمينا و يسارا و قالت بإرهاق بادى بصوتها و ملامحها :
_ لا يا حبيبي نمت .. ده انا صاحيه من شويه قرات في المصحف وقعدت شويه اششم هوا في البلكونه لغاية ما تصحو .
لم يقتنع بما قالته و مع ذلك تخطي شعوره و قال بهدوء :
- تمام يا حبيبتي انا النهارده بعد الشغل هستلم العربيه وكنت واعد غدير ان انا هاخذه افسحها فيها اول ما اجيبها ايه رايك تيجي معنا نتمشى شويه و تغيري جو بدل حبستك دى .
اسرعت فرحه قائلة :
_ لا يا حبيبي انا ما ليش في الكلام ده انت عارفه انا بحب اقعد في البيت حتى طلبات البيت بابا اللي بيجيبها ليا .. خد اختك كده وعايزاك وتفرح وتبسط وتمشي واعملوا كل اللي نفسكوا فيه يا حبيبي .
احتضن سليم كفيها بين راحتيه و قال بابتسامة خافتة :
_ مش هيبقى ليها طعم من غيرك يا ماما وبعدين بابا بيجي متاخر بالليل تعالى معنا ساعه الغداء .. عايزين نقعد بره ونتفسح ونشوف الدنيا واخدك بالعربيه الففك في البلد كلها .
تصنعت  فرحه الابتسام و طالعته حنو و قالت :
_ يا حبيبي عشان خاطري ما تضغطش عليا انا مش قادره والله ورايا شغل في البيت كتير النهارده خذ اختك واتمشي وانا هقعد استناكم .
هز سليم رأسه بالنفي و قال بإصرار شديد و هو يشدد علي كفيها :
_ مش هاسيبك انت عارفاني زنان طالما حطيت حاجه في دماغي هاعملها هتيجي معنا يعني هتيجي معنا موافقه .
أومأت فرحه برأسها موافقة و قالت بإنصياع :
_ حاضر يا حبيبي هاجي مش هاقدر اضيع فرحتك بالعربية الجديدة .. ربنا يديك خيرها ويكفيك شرها ويكفيك شر طريقك يا سليم يا حبيبي ويبارك لك فيها وفلوسك يا رب .
قبل كفيها و رفع رأسه ناحيتها و قال بتنهيدة حالمة :
_ انتي عارفه نفسي مين كمان يكون معانا يا ماما .
ضيقت فرحه عيناها و قالت بوهن :
_ مين يا حبيبي تقصد بابا .
هز سليم كتفيه و قال بتوضيح :
_ اكيد اتمنى بابا يكون معانا .. بس انا نفسي ايمان هي اللي تكون معانا وتشوف العربيه الجديده اللي انا جايبها و بس .. انا مش عايز منها حاجه والله بس تعرف ان انا بتقدم في حياتي وشقتي شغال فيها والعربيه بقت معايا انه مش واقف ومش يعني بتقدم لقدام وحياتي ماشيه وعايز اخليها تعيش في مستوى كويس .
ربتت فرحه علي وجنتيه برفق اموى و قالت بحنو :
_ هي عارفه الكلام ده كله يا حبيبي ما تقلقش كمل انت في طريقك و حدد هدفك و امشي وراء لغايه الدراسه بتاعتهم هتخلص وقتها بس هتكون بتاعتك باذن الله .
وقف سليم منتصبا و قال براحة بعد كلمات والدته التحفيزية :
_ ماشي يا ست الكل انا هدخل اخد شاور على ما انتي تحضري الفطار ونقعد نفطر مع بعض وصحي غدير و بابا قرب يصحى ونقعد نفطر مع بعض وانزل بقى اشوف شغلي عشان بعد الشغل هاروح استلم العربيه الجديده واجي لكم بقى .
وقفت فرحه هي الاخرى و قال بتنهيدة مثقلة :
_ تمام يا حبيبي ادخل انت خد الشاور بتاعك و جهز نفسك لغاية ما احضر الاكل .
تركها سليم و دلف لغرفته .. طأطأت فرحة رأسها و سارت حتي المطبخ .. وقفت به كالتائهة لا تعلم ماذا ستفعل و من أين ستبدأ ..
استندت بكفيها علي حافة الطاولة و تهدلت راسها بين كتفيها و هي تحاول ان تبدو متماسكة عكس هذا الانهدام التام بداخلها ..
بدأت في تحضير الفطور و وضعته علي الطاولة التي جلس عليها سليم و غدير .. انتفض كل عرق بجسدها عندما استمعت لاسعد الذي قال و هو يسحب كرسيه و جلس عليه :
_ صباح الخير يا شباب واخيرا اتجمعنا على طرابيزه واحدة .. ايه مش هنتجمع غير في الفطار بعد كده .
طالعت فرحة تأنقه الزائد عن الحدة بوجه باهت .. بينما اجابه سليم قائلا بهدوء :
_ معلش يا بابا هو يوم واحد يعني بعد اذنك النهارده انا هاخذ ماما وغدير نتمشى ساعه الغداء عشان هجيب العربيه الجديده وكده .
ارتشف اسعد من كوب الشاي خاصته و قال :
_ خلاص تمام انا كده كده مش هاجي غير بالليل ابقي كلمني على التليفون طمني عليكم .
وقفت غدير و لملمت اشياؤها و قالت :
_| انا مستعجله يا جماعه مش هاقدر كمل فطارى .. يلا اشوفكم بقى على الغدا ان شاء الله .. سليم انت هتفوت عليا في الجامعه مش كده و لا ارجع عالبيت اول .
اجابها سليم قائلا :
_ ايوه انا هاجي اجيب ماما ونيجي عليكي على طول ماشي يا حبيبتي .. يلا خلي بالك من نفسك سلمي على ايمان .
ابتسمت غدير و قالت و هي تحمل حقيبتها :
_ ماشي يا عم روميو يلا سلام اشوفكم على خير .
تركتهم و خرجت فالتفت اسعد ناحية فرحة التي تعبث بكوبها بشرود و قال بتعجب علي حالها المتغير :
_ مالك يا فرحه ساكته ليه كده عالصبح ؟!
لم تتطلع فرحة ناحيته و اجابته بفتور :
_ ما فيش حاجه انا اقوم اخلص المطبخ يلا كلوا فطاركم انتم بقى وانا هشوف اللي ورايا .
و تركتهم و ابتعدت تحت انظارهما .. تنهد سليم بأسي و قال :
_ ياريت يا بابا توفر وقت لماما زى الاول حاسسها متضايقة و مش بتتكلم معايا يمكن تتكلم معاك .. يال اشوفك بالليل .
و تركه هو الآخر و انصرف .. تطلع اسعد للطاولة و هو يهز راسه بنفي من ان تكون فرحة قد علمت بما بينه و بين دعاء .. التي ما ان خطر اسمها امامه نسي كل ما يحدث حوله و ابتسمت شفتيه بسعادة ..

..........................................................
..............
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي