الفصل الثالث عشر

كان اسعد يقود سيارته بشرود من ان تكتشف فرحة ما يشعر به و ما بين مشاعر اعادت لقلبه شبابه و لهفته و ابتسامته المشرقة التي خرقت نظام حياته الرتيب
احيانا يعد الجنون بوابة للسعادة و لكن سعادة منتقصة ما ان يستيقظ ضميره و صدقه ..
لياتي شيطان نفسه و يحلل له ما يشعر به بانه لم يرتكب ذنبا باي شكل .. مجرد شعور نقي احيا قلبه و لن يتعدى كونه مجرد شعور و فقط ..
وصل اخيرا لعمله فترجل من سيارته و صعد لشركته .. ما ان دلف مكتبه حتي وجداسلام يجلس امامه و يطالعه مبتسم .. توقف تدفق الدم بجسده لثاني حتي استطاع خرق شلل جسده و قال بقلق :
_ صباح الخير .. ايه يا اسلام انا كنت هخلص شويه حاجات وجاي لك قلقتيني انت كويس .
حرك اسلام كتفيه بهدوء و قال :
_ لا ابدا مافيش حاجة انا كنت قريب من هنا وقلت افوت عليك نخلص شويه كلام كده بدل ما انت تجي المشوار ده كله لاني بعدها رايح مشوار تاني بس .
تقدم اسعد ناحية مكتبه و هو يظفر براحة و قال :
_ خلاص تمام كده احسن .. ايه رايك نطلب فطار نفطر احنا الاتنين مع بعض زى زمان لاني مفطرتش بالبيت كويس النهاردة .
لمعت عيني اسلام و قال بحماس :
_ انت بتقول فيها احنا عايزين ساندوتشين فول وطعميه نخرج بره المألوف و ننسى فيهم الدنيا ايه رايك ؟!!
تعالت ضحكات اسعد و هو يقول بتعجب :
_ فول وطعمية ايه بس يا اسلام واحنا صحتنا هتستحمل فول وطعميه دلوقتي لا احنا هنجيب فطار عادي جبن وحاجات و هناكل بسلام .
ضيق اسلام عينيه و قال بتذمر و هو يعود بظهره لكرسيه :
_ يا عم بس ما تنشفش دماغك من زمان ما كالتش فول وطعميه و عايز اكله معاك زي ايام الجامعه يلا بينا بس نجيب سندوتشات من محل انا عارفه هينسوك اسمك بجد والله ايه رايك .
اجابه اسعد باستسلام :
_ خلاص يا سيدي معاك اللي تشوفه .. نطلب بقى من الصيدليه كده قبل ما الفطار يجي مهضم ودوا حموضه الاحتياط واجب .
ابتسم اسلام قائلا بمداعبة :
_ موافق يا سيدي ما فيش مشكله ده انت عجزت خالص يا اسعد .. المهم بقى بعد الفطار نقعد نتكلم شويه في الشغل .
اومأ اسعد براسه موافقا و انتبه علي رنين هاتفه فاخرجه من جيب سترته فوجدها دعاء .. رجفة يده جعلت اسلام يطالعه بشك و قال له بمكر عابث :
_ هترد علي تليفونك ده ولا ايه يا شقي .
اغلق اسعد الاتصال و وضع جهازه علي وضع الصامت و قال بمواربة :
_ لا حاجه مش مهمه يعني في الشغل و كده .
غمز له اسلام قائلا بابتسامة ماكرة :
_ ايوة يا عم مكالمات الواتساب دي انا عارفها كويس قوي خصوصا لما تبقى كمان مخصوص على الصبح كده .. مين بقى اللي بيكلمك يا لعيب انت .. وانا اللي فاكرك ملاك طلعت سوسة اهه .
دارى اسعد ارتباكه بالاوراق امامه و قال بتوتر و نبرة مرتعشة :
- ابدا والله ما فيش حاجه من اللي انت بتقولها دى .. ده بس واحد زميلنا هنا بيرن عليا مش اكتر .
هز اسلام راسه بيأس و قال :
_ يا سلام ولما هو زميلك هنا بيرن على الواتساب ليه ما يرن علي التليفون بتاع المكتب يا عم مش عليا انا الكلام ده والله العظيم ده انت طلعت ميه من تحت تبن يا اسعد .
زفر اسعد بضيق و قال فاقدا صبره :
_ يا سيدي والله موظف معانا هنا خلاص بقى انت ما تكبرهاش وتقول كاني و ماني اساسا انا ما ليش في الحاجات دي وانت عارف كويس قوي .. المهم يا سيدي كده احنا خلصنا اكل و شغلنا  .
قهقه اسلام قائلا :
_ ايوه خلصنا كله شغلنا وخلصنا الفطار وخلصنا على كل الادويه اللي انت جبتها هقوم بقى انا اشوف اللي ورايا عندي مشوار مهم واسيبك انا لتليفوناتك .. جامد جامد يا اسعد انت ها .
ابتسم اسعد ابتسامة ميتة من قلقه و قال :
_ ماشي يا لذيذ لو حصل اي حاجه ابقى كلمني اتفقنا .. اي حاجه تحصل في الموضوع ده انت عارف فلوسي كلها فيه فلازم نبقى مع بعض خطوه بخطوه .
وقف اسلام منتصبا و قال بهدوء :
_ يا عم ما تقلقش مشروع مضمون وشركه مضمونه والفلوس هترجع اضعاف اضعاف اضعاف اضعافها وان شاء الله ما يبقاش اخر مشروع بيننا وبينهم فما تقلقش كده و اجمد هي فلوسك لواحدك .
وقف اسعد قبالته و قال بجدية :
_ سيبها على الله ربنا خير حافظ ان شاء الله .
اشار له اسلام بيده و قال مودعا :
_ خلاص يلا اسيبك بقى تشوف اللي وراء سلام ولو احتجت اي حاجه في اي وقت كلمني .. شكرا على الفطار الحلوه ده .
_ العفو علي ايه تعالا انت كل يوم و انا اجيبلك احلي فطار .
التفت اليه اسلام غامزا بعينه و قال :
_ طب متجوزة و لا منفصلة و لا بنوتة اصل انا بموت بالمتجوزة بيبقى ليها طعم تاني .
رفع اسعد عينيه بملل و قال :
_ روح شوف اللي وراك يا اسلام انا مش ناقص خفة دمك .
وده اسلام ضاحكا و انصرف .. طالع اسعد هاتفه الذي لم ينقطع اتصاله و حمله و اجابها قائلا :
_ ايوه يا دعاء معلش ما قدرتش ارد عليكي والله كان اسلام هنا .
شهقت دعاء بذعر و سالته بصياح مرتعد :
_ اسلام كان بيعمل عندك ايه اوعى يكون عرف حاجه ولا شاف التليفون ولا شاف الرسايل اتكلم هو عمل حاجة .
هدأها اسعد قائلا بتلقائية :
_  اهدى يا حبيبتي والله ما في اي حاجه من دي خالص انا عملت الفون صامت .
ابتلعت دعاء ريقها و قالت بتلهف :
_ حبيبتك ده بجد ولا انا سمعت غلط .
اتسعت عيني اسعد و صفع جبهته و اسرع قائلا بخجل :
_   لا انا ما اقصدش حاجه من اللي جات في دماغك خالص هي الكلمه طلعت بتلقائيه ما اقصدش والله اوعي تزعلي مني بجد والله ما اعرفش قولت كده ازاي انا مش قصدى حاجة غلط ..انا انا الكلمه طلعت بتلقائيه مش اكتر .
اسرعت قائلة :
_  يعني التلقائيه والعفويه اللي جواك ان انا حبيبتك ؟!!!
عض اسعد علي باطن فمه و قال لاعنا حظه العثر :
_ معلش ياريت نغير الموضوع ده .. انا ما اقصدش والله انا اسف .
تاففت دعاء قائلة بضيق :
_  بتتاسف على ايه وانت لو في مشاعر جواك حقيقي ناحيتي تستحق الاسف هو قد كده وحشه ؟!
اسرع اسعد قائلا بتوضيح وهو يدور حول نفسه :
_  والله ما اقصدش برضه انتي هتفهميني غلط تاني .. ما اقصدش حاجه والله بالعكس يعني انتي اي حد يتشرف ان هو يعرفك ويتشرف اكتر لو قال بحبك وحبك بس انا ما اقصدش والله سامحيني .
جلست دعاء علي اقرب مقعد و هي قلبها يرقص فرحا و قالت :
_ قلبك حبني بجد يعني انت في مشاعر جواك ليا .. يعني هو انا لسه بني ادم ممكن اي حد يحبني وكده .
قطب اسعد حاجبيه من حديثها المفتقد للثقة و قال بتاكيد :
_ اكيد طبعا يا دعاء اي احد ممكن يحبك ليه يا ماما انت فاكره نفسك كده او قليلة .. انتي فاكره ان لو سبتي اسلام في يوم مش هتلاقي حد يحبك ويرتبط بيكي تاني .
تنهدت دعاء مطولا و قالت بتمني :
_ تعرف انا بقى الحلم الوحيد في حياتي كلها ان انا اسيب اسلام وابقى احد تاني فعلا بس هو حد معين مش اي احد وخلاص .. يعني في حد في بالي بتمنى يكون هو الانسان اللي اكمل معاه بقيت عمري .
وصله مقصدها و رغبتها به فاغلق عينيه قائلا :
_  ربنا يسعدك يا رب .. اهم حاجه ما تكونيش زعلانه مني وخلاص .
وقفت دعاء وقالت بصياح مزيج من السعادة و المفاجأة :
_ ما تقولش زعلانه انا مش زعلانه وبعدين لما بيكون في مشاعر جوه البني ادم بتبقى غصب عنه مش بايده .. وما فيش اي حد يقدر يسيطر على قلبه انا كمان حاسه ان انا قلبي ميال ليك و لاخلاقك و لطفك و حنيتك .
وقف مكانه متصنما و قد قفز قلبه من مكانه و سيطر علي ارتجافه جسده من قوة كلمتها و جلس قائلا باندهاش :
_   ميلالي انا  !! قلبك انتي اللي مال ليا !! انتي بتتكلمي جد يعني انتي حاسه ان انتي بتحبيني يا دعاء .
خرج صوتها هامسا و هي تقول بنبرة هائمة :
_ بصراحه انا مش حاسه انا متاكده .. عارفه انه ممكن يكون غلط اي احد ممكن يشوف الموضوع من بره يحكم و يسمي مشاعرنا باسم انا مش حابه اقوله بس غصب عني .. حكم قلبي اللي قال انا ما عملتش معاك حاجه غلط ما اتجاوزتش مع ك في اي حاجه بس هو قلبي اللي مال ليك والله يا غصب عني .
اتسعت ابتسامة اسعد و قال بشرود و كانه يراها امامه :
_ انا كمان ... وانا كمان غصب عني بقيت عاوز اطمن عليكي طول الوقت بقيت عاوز اسمع صوتك طول الوقت .. بقيت عاوز اسمع ضحكتك مش عارف ده معناه ايه انا مش لاقي ليا اي تفسير تاني .
اجابته دعاء قائلة براحة :
_ وانا مش عايزه تفسير انا كفايه عليا الاحساس وبس احنا متجاوزناش وما عملناش اي حاجه حرام وما عملناش اي حاجه غلط هو مجرد احساس انت ممكن ما تكونش محتاجه بس انا محتاجاه .. انا محتاجه احس ان انا في حد مهتم بيا و بيسال عليا .. محتاجة احس ان في حد شايف قلبي و حاسس بيه .. محتاجه احس ان انا متحاوطه حتى لو مجرد احساس انا مش عايزه منك اي حاجه انا بس مبسوطه في الاحساس ده وبس .
ابتلع اسعد ريقه و قال بهدوء متزن :
_ ولا انا محتاج منك حاجه والله ولما الموضوع ابتدا جوايا انا كنت بتعامل معاكي انك محتاجاني .. بس اكتشفت ان انا كمان محتاج لك مش عارف ليه ومش عارف ازاى بس لما بتغيبي عني شويه هبقى هتجنن .. بالليل لما ما عرفتش اكلمك بقيت نايم مش طايق نفسي كأنه في حاجه نقصاني ما عرفتش انام بقيت قلقان و خايف عليكي و استنيت الصبح يجي عشان اجي هنا المكتب واكلمك انت بقيتي حاجه كبيره قوي عندي.
تطلعت دعاء بمرآتها و قالت بتنهيدة ساخنة :
_ وانت كمان والله يا اسعد .. انا هاسيبك بقى دلوقتي ترتاح عشان كل الكلام اللي احنا قلنا ده يربك اي احد لازم نقعد احنا الاتنين ونفكر علشان انا محتاره مش عارفة اعمل ايه .
اكد علي حديثها قائلا :
_ معاكي حق انا كمان مجرد ما اعترفت لك باللي جوايا انا حاسس ان انا الحمل زاد عليا وخايف اجري ورا مشاعري اكتر نأذى ناس ملهاش اي ذنب .. ارجوكي احنا كل واحد فينا محتاج يفكر كويس .
امنت دعاء علي حديثه و قالت برجاء :
_ معاك حق يا اسعد بس ارجوك وانت بتفكر ابعد بتفكيرك خالص عن انك تسيبني في يوم من الايام حتى لو بس هتسال عليا بازيك و اخبارك و بس .. انا مش محتاجه منك حاجه بس تكون موجود في حياتي بلاش تظلمني انا ما ليش ذنب .
وقف اسعد و سار حتي مكتبه قائلا :
_ وانا ما اقدرش اظلمك ما اقدرش خالص لا ابعد عنك ومش هظلمك انتي بس لا هو هيكون ظلم ليا انا في حاجه انا مش اقدرش عليها في يوم .. انا خلاص ادمنتك ومش لاقي حل تاني غير اني افضل اكلمك واطمن عليكي حتى لو هنكمل حياتنا كده اكلمك واطمن عليكي و بس .
ابتسمت دعاء و قالت بتفهم :
_ فاهمه كل حاجه والله و اللي مطمني انك تكون دايما بخير ومبسوط  .. يالا مش عاوزه اتقل عليك اسيبك دلوقتي وارجع اكلمك تاني خلي بالك من نفسك .
_ و انتي كمان يا حبيبتي سلام .
اغلق الهاتف و هو يبتسم بسعادة و كأن الحياة دبت باوصاله من جديد و عاد اليه شباب قلبه ...


............................................................
..............
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي