الفصل الثاني

" هدير فيها ايه يا ماما؟! "..

اجابتها هدي بعدما لوت فمها أكثر من مره قائلة ..
"جوزها نصب على أخوه اللي جاي من بره، وضرب نص فلوس الشقة في جيبه"..

شهقت هنا بعنف وأسرعت بوضع كف يدها علي ثغرها تكتم شهقاتها، لتكمل هدي وهي تضرب علي ركبتيها بكلتا يدها..
" مش بس كده يا هنا، دا كمان اشتراله شقه مسكونه"..

جحظت عينا "هنا" بذهول، وبعدم تصديق قالت..
"أعوذ بالله هو ياسر دا ايه اللي جراله، دا مكنش كده ابداً، حصلت ينصب علي أخوه اللي من لحمه ودمه"..

نظرت لوالدتها وتابعت بأسف..
"دا يبقي ملوش أمان وبنتك لازم تطلق منه فوراً"..
ضربت "هدي" علي صدرها بعنف، وبعتاب قالت..
" بقي انا داخله اصحيكي علشان تخرجي تهديها تقومي تقولي لازم تطلق وتكبريها في دماغها اكتر يا هنا!!"..

"هي هدير عايزه تطلق؟".. تفوهت بها هنا وهي تهب واقفه من علي الفراش متجهه نحو خزانتها..

اجابتها والدتها ببكاء..
"ومصره عليه كمان يابنتي، وانا عماله أهدى فيها مش راضية تهدى أبداً"..

أخرجت هنا علبة وخلعت خاتم خطبتها، وضعته داخل العلبة أمام نظرات والدتها المتسائلة، وبابتسامة ساخرة قالت..
"وأنا مش هكمل مع زياد، واضح ان الرجالة كلهم صنف واحد يا ماما"..

ازداد بكاء هدى بنحيب اكبر، وبعويل تمتمت..
"يا حظك المنيل يا بنتي أنتِ وأختك"..

"جرا أيه يا ماما علشان تعيطي كل العياط دا، الدنيا مش هتتهد بطلاق هدير، ولا بفسخ خطوبتي"..

تفوهت بها هنا بتعقل وهدوء مريب، وبعزيمه تابعت..
"انا هتعالج، وبإذن الله هخف، وهدور علي شغل واشتغل وابني كياني ومستقبلي"..

رمقتها والدتها بنظره مندهشة، وبتنهيده قالت..
"هتشتغلي ازاي بس يا بنتي، وعلاجك هيبقي متعب ومجهد، ولا نسيتي دراستك كمان"..

بمكان أخر..
منزل يبدو عليه الثراء..
يجلس"كريم" شاب بأوائل عقده الثالث علي كرسي متحرك يبتسم برزانه وهو يستمع لحديث زوجته "صافي" اللاذع وهي تقول بغضب عارم..
"وآخرتها يا كريم؟"..

دارت حوله ودفعت المقعد بإحدى قدميها بقوه وبصراخ تابعت..
"بقالك اكتر من سنه علي الكرسي الزفت دا ومبتخفش ليــــــه"..

مسحت علي خصلات شعرها المجعد بعنف،ونظرت له نظرة محتقرة وأكملت بنفاذ صبر..
"انا تعبت، وقرفت ومبقتش قادرة استحمل العيشة دي معاك بعد النهاردة"..

أعتلت ملامحه الدهشه، وبضحكه ساخرة قال..
"دلوقتي العيشه معايا بقت تقرف يا صافي؟!"..
رمقها بنظرة خذلان وبغصة مريرة تابع..
"كانت احلي وأروع عيشة بالنسبة لك قبل كده لما كنت "plunger" الغواص كريم المهدي"..

" كنت،وكنت دا فعل ماضي يا كريم، وانت دلوقتي داخل علي سنه وأكتر قاعد علي الكرسي دا مش عايز تخف، وحالتك كل مدي بتسوء اكتر من الأول، رغم ان كل زميلك اللي كانو معاك في حادثة اليخت خفوا ورجعوا شغلهم"..

اقتربت منه ولكمته بكلتا يدها علي كتفيه بكل قوتها، حتي انه كاد أن يسقط بكرسيه من قوة اللكمة، وبعويل تابعت..
" وأنت الوحيد اللي مش عايز تتحسن ولو 50٪ حتي"..

أمسكت ياقة قميصه بقبضة يدها، ونظرت لعينيه التي تطلع بها بنظرات الدهشة من أفعالها الغير متوقعه علي الإطلاق، وببكاء همست..
"انا عايزه ابقي أم يا كريم العمر بيجري وانا داخله علي ال30سنه وأنت بحالتك دي يا عالم هترجع زي الأول امتي"..

صمتت لوهله، وازدردت لعابها بصعوبه، وبأسف تابعت..
"أنا مش هقدر أكمل معاك"..
اغمضت عينيها هروباً من كم الألم النابع من عينيه، وبأمر قالت..
"طلقني يا كريم"..
صدمة قاسية، وضربة موجعة له من أقرب، واحب الناس إلى قلبه"زوجته" تتخلى عنه بعد أول عاصفة اجتاحت هدوء وصفو حياتهما الزوجية..

"ياسين"..
يقف جوار شقيقه "ياسر" يحاولان فتح باب الشقة بكافة الطرق لكن دون جدوى، ليزفر ياسين بضيق، وبنفاذ صبر قال..
"أنت يا ابني متأكد ان هي دي الشقة اللي اشترتهالي؟!، أوعى تكون شقة حد ويفتحوا يصرخوا في وشنا ويقولوا علينا حرامية يا ياسر"..

" هما هيصرخوا ويقولوا حرامية بس، دول هيكلونا علقة موت ويسلمونا لأقرب قسم كمان "..
تفوه بها ياسر بسماجة شديد، جعل ياسين يرمقه بنظرة مغتاظة والتفت يغادر المكان دون الرد عليه..

ليسرع" ياسر"خلفه، وأمسك يده يحثه علي الوقوف، وبرجاء قال..
" استني بس يا ياسين متبقاش عصبي كده يا؟!"..
قطع حديثه، ونظر كلاً منهما نحو باب الشقة الذي فتح بمفرده علي مصرعيه..

بلحظه كان ياسر معلق بعنق ياسين بكلتا يده، وحتي قدميه، وجسده يرتجف بقوة..
عقد ياسين حاجبيه، وبتساؤل قال..
"دا اسمه ايه اللي حصل دا بقى ان شاء الله؟!"..

حاول ياسر السيطرة علي ذعره أمام شقيقه، ونظر له بابتسامة مصطنعة، وبصوت هامس قال..
"دا تلاقي الباب كان معصلج من الركنه، واهو اتفتح لوحده اهو"..

"دا الباب وعرفنا، لكن سيادتك مكلبش فيا ليه كده؟".. قالها ياسين وهو ينظر لوضعهما، ليسرع بالابتعاد عنه، ورسم اللامبالاة علي ملامحه، وبتنهيده قال..
"يله يا ياسين ادخل اتفرج على شقتك، علي ما أنا اروح اجبلك حاجه تاكلها، وارجعلك"..

أنهى جملته، وسار نحو المصعد بخطوات شبه راكضه، لينظر ياسين لاثره بدهشة ، وبثقه حدث نفسه..
"امممم هروبك دا يبقي أكيد في كارثة أنت عملتها يا ياسر"..

سار نحو الشقة بخطوات هادئة غالقاً الباب خلفه، واستدار ينظر حوله بفضول ممزوج بلهفه ليصعق من هول ما رأي علي جدران الشقة..
ضيق عيناه، وتمعن النظر جيداً كمحاوله منه ليقرأ الحروف المنقوشة بكل انش، وبأكثر من لغة..

اعتلت ملامحه الحيرة، والذهول وهو ينطق إحدى الحروف المنقوشة علي الجدران بلون الدماء، او ربما هي دماء حقاً، ببطء نطق..

"سراري"..
_____________


خرج "ياسر" من المصعد يسير بخطوات متعسره من شدة فزعه، يتلفت حوله بخوف وهلع بادي علي ملامحه، وبصوت مرتجف يحدث نفسه..

"يانهار مش فايت العفاريت اللي في الشقة بدأت تتعفرت بدري أوي،يا حظك المهبب يا ياسين يا أخويا"..

قفز فجأة وصرخ بصوت عالِ للغاية حين اصطدم بحارس العقار، حتى أنه أوشك علي فقدان وعيه بل فقدان حياته بسكته قلبية من شدة رعبه..

رمقة بنظرة ناريه، وبصراخ تحدث "ياسر" قائلاً..
" أيــــــة دا يا عم شاكر، في حد يخض حد بالمنظر دا؟!"..

" أنت اللي مرعوب لوحدك يا بيه"..
تفوه بها "شاكر"وهو يجاهد لقمع ضحكته، وبشماته تابع.. "ما قولتلك وحذرتك ان الشقة دي مسكونه وانت مسمعتش كلامي واشترتها برضو يا بيه، استحمل بقي اللي هتشوفه فيها"..

ياريت تخليك في حالك، وإياك تقول للي طلع معايا علي حكاية العفاريت دي لأنه هيعيش في الشقة علي طول يا عم شاكر"..
قالها "ياسر" بنبرة محذره، وهو يخرج من جيب سرواله حفنه سخية من الاوراق المالية ذات الأرقام العالية، واعطهم له مكملاً بأمر..
" لسانك مينطقش بحرف لأخويا الدكتور ياسين"..

" يا سنه مش فآيته، وهو اللي أنت جايبه يسكن في الشقة دا يبقى أخوك يا بيه؟!"..
قالها "شاكر" بذهول وعدم تصديق..

ليجيب "ياسر" بضيق..
"امممم أخويا، ومش ساكن دا صاحب الشقة، وخلص الكلام على كده وتخليك في حالك زي ما قولتلك احسنلك"..
أنهى حديثه، وسار نحو الخارج وهو يعبث بهاتفه يطلب إحدى الارقام، ورفع الهاتف علي أذنه ينتظر الرد تاركاً شاكر يتنقل بنظره بينه وبين النقود الذي وضعها بيده ببلاهة وفم مفتوح من شدة صدمته، وبأسف حدث نفسه قائلاً..

" مبقاش في حد يؤتمن في الزمن دا، الأخ بياكل في أخوه وفاكرني هسكت بالقرشين اللي رمهملي وأقف أتفرج علي واحد وهو بيتأذي قدامي"..
صمت لوهله، وبأصرار تابع..
"والله ما هكون شيطان اخرس واسكت عن الحق ابداً" ..
قالها وهو يتجه نحو المصعد وضغط على الطابق العاشر قاصداً شقة "ياسين"..

بينما "ياسر" لحظات وأتاه صوت انثوي يتحدث بغنج..
" هاي يا بيبي، طمني وصلت أخوك شقته الجديدة؟"..

"شقة ايه وزفت ايه يا ناني"..
تفوه بها "ياسر بغضب، لتتعالي ضحكات" ناني" بميوعه وببرود قالت..
"أهدى يابيبي وقولي ايه اللي حصل، وصوتك ماله مرعوب ليه كده يا حرام"..

صك" ياسر"علي أسنانه بغيظ شديد وهو يقول..
"انتي مش قولتي ان العفاريت بتطلع بالليل بس"..

" وانت صدقتني ، ليه شايفني ماسكه مواعيدهم يا بيبي!!"..
تفوهت بها "ناني" بصعوبه من بين ضحكاتها..

"يا ناني باب أم الشقة اتفتح لوحده بعد ما غلبت فيه أنا وياسين"..
قالها "ياسر" ببكاء مصطنع، لتنفجر" ناني"بنوبة ضحك أقوى، وبتقطع قالت..
" أوعى تقولي انك سبت أخوك وجريت يا بيبي؟!"..

انتهي الفصل..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي