الفصل الثامن

"ياسين"..
يسير بالطرقات بلا هواده، يفكر في كل شئ حدث معه بأول يوم له بوطنه بعد غياب سنوات طويله، عاد ظناً منه انه سيجد الراحه أخيراً برفقه شقيقه الذي هو كل عائلته..

يدور بعقله الكثير من الأسئله لم يستطيع العثور علي اجابه لها، او انه يعلم اجابتها ويكذب نفسه..

أيعقل يكون شقيقه هو وراء كل ما يحدث له؟!.
هيئته وفزعه الغير مبرر كان يدل انه علي علم بما سيحدث بداخل هذه الشقه، وهروبه خير برهان علي ذلك..

نهر نفسه ونفض تلك الافكار من رأسه محدثاً نفسه..
"لا يا ياسين أوعى تظن في أخوك ظن سوء دا ياسر اللي بتعتبره ابنك مش بس أخوك الصغير"..

صمت للحظات وتابع بثقه..
"سر الشقه دي عند عم شاكر"..
تابع سيره حتي وصل لمنزله الجديد مره أخرى..

اخذ نفس عميق، وسار نحو الداخل قاصداً الدرج ليوقفه صوت "شاكر" يقول بلهفه..
" انت رايح فين يا ابني؟!"..

" طالع شقتي يا راجل يا طيب، وهستناك تقولي كل حاجه بصراحه"..
قالها "ياسين" بابتسامة وهو يصعد الدرج درجه تلو الأخرى بهدوء ورزانه..

ليسرع "شاكر" ويركض خلفه وامسك زراعه يوقفه عن السير وهو يقول بصوت مرتجف يدل علي شدة خوفه..
" الساعه داخله علي 10 بليل يا ابني بلاش تطلع في الوقت دا وتبقي لوحدك ليجرالك حاجه"..

" الاعمار بيد الله وحده يا عم شاكر، وانا لو كنت خوفت شويه في الأول فدا لأني ممرتش بحاجه زي دي قبل كده في حياتي، بس لما هديت وفكرت كويس اتأكدت ان اللي بيحصل دا مستحيل يكون شغل عفاريت وجن والكلام اللي انت عايز تقنعني بيه دا"..
هتف بها "ياسين" بتعقل وحكمه شديده، ونظر له وتابع بأسف..
" بقولك انا واثق إني اتخدرت وحد نقلني من مكاني وغيرلي هدومي كمان"..

صمت فجأه وضيق عينيه وهو ينظر ل" شاكر"، وتابع بتساؤل..
" انت معاك نسخه من مفتاح شقتي يا عم شاكر؟"..

ظهر التوتر علي شاكر، وابتعد بنظره عنه وهو يقول..
"لا يا ابني مش معايا"..
ضحك "ياسين" بقوه وهو يقول..
" مش بقولك انت من الناس اللي مبتعرفش تكدب يا راجل يا طيب، بس انا هعمل نفسي مصدقك"..

صعد الدرج وهو يقول بمرح..
" تصبح علي خير وابقي اطلع اطمن عليا من وقت لتاني ل "سراري" تخلص عليا ولا حاجه"..

"انت هتطلع العشر ادوار علي رجلك؟! ما الاسانسير شغال يا ابني"..
هتف بها" شاكر" بذهول..
فأجابه" ياسين"بأسف.." مش هعرف اطلع فيه عندي فوبيا من الأدوار العاليه للأسف"..

"شاكر".. بتحذير.." طيب ما تنساش تقول انتي سراري وانا هنا ضيف في مكانك قبل ما تفتح الباب، وانا هبقي اطلع اطل عليك واصحيك لصلاة الفجر وأمري لله، وربنا يسترها عليك، وعلينا ويعدي الليله دي علي خير يا ابني"..

"بإذن الله هتعدي يا عم شاكر زي ما كله بيعدي"..
هتف بها" ياسين" بصوت عالِ نسبياً حتي يصل لسمع" شاكر"وتابع الصعود بقلب فشل بالسيطره علي سرعة نبضاته..

التفت "شاكر" وهو يحرك رأسه بيأس من تصرفات
"ياسين"التي لا تروقه وتقلقه كثيراً ليشهق بعنف حين وجد زوجته" عفاف" وابناءه عبد الله، وعبد الرحمن،فاطمه وعائشه يقفون خلفه مباشرة وينظرون له بابتسامه بلهاء وتحدثو بنفس واحد..
"تفتكر سراري هتسيبه يبات فوق؟!"..

وضع يده علي قلبه يحاول تهدأته قليلاً وبغيظ تنقل بنظره بينهم وهو يقول..
"قولت ميت مره تبطلو حركتكم دي معايا هتموتوني من الخضه في مره"..

ضحكت "عفاف" بقوه وهي تقول..
"الله مالك يا راجل ما تمسك نفسك كده وهي يعني أول مره، قولنا يله تفتكر سراري هتسيب الجدع دا يبات فوق الليله؟"..

تنهد "شاكر" وهو يقول.. "هو شكله واد ابن حلال وأخلاقه عاليه عن أخوه، وكونه انه جاي من الغربه هيفكرها بأبوها وكمان اللي حصله صعب اوي ويمكن دا يكون سبب انها تحن عليه شويه، علي العموم خلينا صاحين ومن وقت لتاني حد فينا يطلع يتابع اللي بيحصل"..

نظرو لبعضهم البعض بابتسامه متسعه تظهر جميع اسنانهم، وحركو رؤوسهم بالايجاب..

بينما يجلس "ياسين" علي الدرج ممسك حذائه بيده ويستمع لحوارهم بتمعن، وقد تأكد انهم وراء كل ما يحدث..

وبحذر،وحرص شديد صعد الدرج مسرعاً حتي لا يشعر بوجوده احد منهم حتي وصل للطابق الخاص به، ووقف يلتقط أنفاسه بصعوبه، وعينيه مثبته علي باب الشقه..

رسم ابتسامه زائفه علي محياه، وسار بخطي واثقه نحوه وقف أمامه ووضع المفتاح به وهو يقول..
"انتي سراري، وانا هنا ضيف في مكانك"..

فتح الباب ليتفاجئ بعتمة المكان فأسرع بأشعال كشاف هاتفه، وخطي نحو الداخل يبحث عن أزرار الإضاءة حتي وجدها، وضغط عليها ليضئ المكان بأضاءه هادئه، ومريحه للغايه..

تمتم بأسم الله بسره وأغلق الباب خلفه وسار للداخل بخطوات بطيئه يتطلع حوله بتفحص لتعتلي الدهشه محياه حين وصل لانفه رائحة طعام شهيه تنبعث من المطبخ المفتوح علي ردهة الشقه..

سار نحوه وهو يحدث نفسه بصوت مسموع..
"ريحة اكل تجنن، وانا واقع من الجوع الصراحه والله اتمني يكون في اكل مش ريحه بس"..

جحظت عينيه حين وجد طاولة المطبخ موضوع عليها أشهى المؤكولات من كل ما لذ وطاب..

تذوق بتلذذ وهمهم بمتعه قائلاً..
"اممم الله علي حلاوة الأكل البيتي اللي اتحرمت منه بعد موتك يا أمي"..

جلس علي إحدي المقاعد، وبدأ يأكل بشراهه غير منتبه لباب تلك الغرفه الذي فتح بحذر، واندفعت منه "سراري" بخطوات راقصة باليه حتي توقفت خلفه مباشرة خافضه رأسها وشعرها الحريري يخفي وجهها كعادتها..

صوت أنفاسها وصل لسمع" ياسين"الذي يتناول الطعام بشهيه، فعلم ان يوجد احد خلفه يتابع ما يفعله بصمت مريب..

ظهر لامبالاه مصطنعه عكس توتره وتحدث وهو يلوك الطعام بستمتاع قائلاً..
"لو في حد واقف ورايا اتفضل اقعد كل معايا حتي نفتح نفس بعض بدل ما انا باكل لوحدي ونفسي مسدوده كده"..

أنهى جملته والتهم الكثير من الطعام دفعه واحده جعل "سراري" تميل برأسها لليمين وترمقه بنظرات مندهشه،ورفعت رأسها نظرت بتجاه الأضاءه وبلحظه كانت انقطعت الكهرباء وتبقي النور الأحمر النابع من باب الغرفه المفتوح ساعد علي الرؤيه قليلاً..

لم يبرح "ياسين" مقعده ظل يأكل بشهيه وانبلجت شبه ابتسامه ساخره علي ملامحه وهو يقول..
"سراري من فضلك متلعبيش في النور بلاش شغل الأطفال دا خصوصاً ان عم شاكر قالي ان عندك 8 سنين يعني انا اكبر منك 24سنه يبقي تسمعي كلامي وتقوليلي حاضر يا عمو ياسين"..

صدعت صوت ضحكه انثويه عاليه من خلفه جعلته يتوقف عن تناول الطعام، واستدار ببطء ينظر لمصدر الصوت، لتسرع سراري بالسير وتجلس أمامه علي الطاوله..

تمعن هو النظر خلفه فلم يجد شئ ضيق عينه وقد ايقن انها الآن تجلس أمامه مباشره خصتاً ان الإضاءة الحمراء بدأت تقل شيئاً فشيئاً..

كتم أنفاسه والتفت ينظر أمامه بحذر وبطء ليتفاجئ بفتاه تجلس علي المقعد المقابل له خافضه وجهها وشعرها يخفي كافة ملامحها بهيئه مرعبه قد تسبب بسكته قلبيه في الحال لضعاف القلوب..

ساد الصمت قليلاً يقطعه صوت أنفاس "ياسين" الهادئه والمرتبكه بأن واحد، ظل يتأمل تلك الجالسه بلا حراك ينتظر ما ستفعله معه بابتسامه زائفه تزين محياه..

لتقرر "سراري" قطع الصمت وتحدثت بصوت خفيض قائله..
"قلبك أقوى من ما تخيلت"..

صوتها يتميز بنعومه وسحر خاص جعل نظرة "ياسين" المندهشه تتحول لإعجاب وبتساؤل تحدث قائلاً..
"انتي سراري؟!"..

رفعت كلتا يدها، وبدأت تتمايل بهما دون رفع رأسها وبغنج تحدثت..
"اممم انا هي بس مش الطفله اللي عندها 8سنين"..
هبت واقفه فجأه ولم تكف عن تمايلها بمهاره ورشاقه، تدور حوله بحركات راقصه مردده بخجل ظهر بنبرة صوتها..
"الانسه سراري اللي كلها كام شهر وتكمل 19سنه"..

أنهت جملتها وركضت لخارج المطبخ ليسرع "ياسين" خلفها ويتحدث بلهفه قائلاً..
" استني رايحه فين احكيلي انتي حكايتك ايه بالظبط"..

"ليه انت ناوي تعيش هنا علي طول؟!"..
هتفت بها "سراري" وهي تسير علي يدها فوق الأثاث أمام أعين "ياسين" المنذهله،والذي يجاهد حتي يلمح وجهها ولكن الأضاءه لم تسعفه، وحرصها علي عدم ابتعاد شعرها عن وجهها إعاق الرؤيه بالنسبه له..

" معنديش مكان تاني اعيش فيه للأسف"..
قالها" ياسين"بصوت كساه الحزن جعل "سراري" تتوقف عن الرقص، واقتربت منه بضع خطوات وتحدثت دون النظر له..
"انا عارفه كل اللي حصلك، وعلشان كده هسمحلك تفضل هنا فتره مؤقته لحد ما تلاقي مكان تاني تعيش فيه، ولحد ما الفتره دي تعدي لازم تلتزم بقوانين سراري علشان تعيش هنا في سلام"..

"اولاً انا بشكرك علي الأكل الجميل اللي انا نسفته دا بجد تسلم ايدك كان بقالي زمن مكلتش اكل بيتي بالطعامه دي"..
قالها "ياسين" وهو يقترب منها بخطوات ماكره وقد اتخذ قرار بأمساكها..

" وثانياً؟"..
هتفت بها" سراري" ببوادر غضب بعدما تفهمت ما ينوي فعله..
ظل" ياسين"يقترب منها حتي توقف أمامها، وهي ثابته، وخافضه رأسها وعينيها تتابع خطوات قدمه، وتابع هو بتساؤل..
"وحابب اعرف انتي ايه بالظبط أنس ولا جن؟، ويا تري ايه هي قوانين سراري؟!"..

أنهى جملته ورفع يده فجأه وهم بأمساكها ليتسمر مكانه حين شعر بصاعقه كهربائية اجتاحته بقوه من ظهره جعلت جسده يرتجف ويصطك على اسنانه بعنف، وصوت "سراري" يهمس بأذنه بفحيح..
"أول قانون إياك تفكر مجرد تفكير انك تلمسني مجرد لمسه عابره وإلا هتموت متكهرب يا دكتور"..

كانت تلك أخر كلمات استمعها قبل ان يسقط ارضاً غائباً عن الوعي..

أنتهي الفصل..
استغفروا لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي