الفصل السابع

هتفت بها "هدير" برجاء شديد، وانهمرت عبراتها علي وجنتيها ونظرت لعينيه تستجديه قائله..
"وطمني أرجوك نفسي احس معاك بالأمان بدل ما فكرة الطلاق مسيطره علي عقلي، وكل يوم اقول هطلق منك بس برجع في كلامي واقول أديك فرصه يمكن ترجع زي الأول"..

ظهر الغضب علي ملامح ياسر، وضغط علي خصرها بقبضة يده بعنف وبابتسامه مصطنعه قال..
"عايزه تطلقي مني يا هدير؟!"..

"من عمايلك الغريبه اللي بقيت تعملها، بقيت واحد انا معرفوش غير ياسر اللي انا حبيته واتجوزته"..
ضمته لها وتابعت ببكاء اشبه بالانهيار..
" أوعى تخسر أخوك يا ياسر مش هيبقي انا وانت"..

عقد "ياسر" حاجبيه وبستغراب تحدث قائلاً..
"انا وانتي؟!.. قصدك ايه يا هدير؟"..
ابتعد عنها ونظر لها مكملاً بتساؤل..
" اختك مالها، لسه بترجع اي حاجه تاكلها برضو؟"..

" ايوه للاسف وحتي لو مكلتش بترجع لو شربت ميه بس، وتعبانه أوي يا ياسر"..
هتفت بها "هدير" بتقطع من بين شهقاتها..
"يابنتي اهدي اختك اكيد واخده برد شديد في معدتها مش اكتر"..

حركت رأسها بالنفي، وبأسف شديد قالت..
" هنا عندها سرطان في الأمعاء ومخبيه عليا ومحذره علي ماما متقوليش علشان متزعلنيش تخيل!!"..

" انتي بتقولي ايه؟!"..
هتف بها" ياسر"بصدمه،وعدم تصديق..
احتضنت "هدير" وجهه بين يدها، وبتعقل تحدثت..
"بقولك الحقيقه المره للأسف، حبيبي شوفت الدنيا ازاي متستهلش وفي لحظه ممكن الحال يتقلب، وعلشان كده بقولك فوق يا ياسر، وراجع نفسك، وصارح أخوك بكل حاجه قبل ما يعرف من بره ويزعل منك وانتو ملكوش غير بعض"..

حديثها جعله يدرك حجم خطأه، ولكن الأمر بالنسبه له ليس بهذه السهوله، وهو علي علم برد فعل شقيقه حين يخبره بما فعل به، ويخشي غضبه كثيراً..
................................
بحديقه العماره يجلس" ياسين"برفقة" شاكر"..
" أولا انا بعتذرلك يا عم شاكر، وبتمني تقبل اعتذاري"..
هتف بها" ياسين"بهدوء، وصمت لبرهه وتابع برجاء..
"وثانياً أرجوك صارحني باللي بيحصل معايا دا، وبلاش تقولي ان الشقه دي مسكونه وفيها عفاريت والكلام اللي ميدخلش العقل دا لأني مش هقتنع بيه نهائي"..

"مش هقولك انها مسكونه او فيها عفاريت لو دا هيرضيك، بس هقولك ان الشقه دي مقفوله من 10سنين وزياده وكل اللي يجي يشوفها علشان يشتريها ميرجعش مره تانيه"..
قالها" شاكر"بأسف شديد،ونظر ل" ياسين" مكملاً..
"الوحيد اللي مشفهاش هو انت يلي دفعت فيها فلوسك واشترتها"..

" بس ياسر شافها، وياسر دا اخويا وكان مكاني هنا في كل حاجه، انا كنت متغرب بدرس وبشتغل بره مصر"..
هتف بها" ياسين" وهو يمسح على وجهه بعصبية ويطرد زفرة نزقة من صدره، ثم قال بصوتٍ أجش..
"طيب قولي اللي تعرفه عن الشقه دي يا عم شاكر من فضلك"..

" شاكر".." اسمعني كويس يا ابني انا بواب علي العماره دي ليا اكتر من 15سنه،والشقه دي اشتراها المهندس "محمد شرف الدين" كان راجل مقتدر وراجع من الخليج معاه خميرة فلوس ومعندوش غير بنت واحده كانت عندها 8سنين من عمر عبدالله ابني الصغير هي كانت كل حياته هو والست شوشو مراته، حياتهم كانت هاديه والضحكه متفرقش وشهم وكانو اهل كرم اووي عليا انا وولادي وعلي الناس كلها، وفي يوم صحينا الفجر علي صوت صريخ جامد، وكل سكان العماره نزلين يجرو ويقولو في حريقه كبيره في الدور العاشر"..

صمت ليلتقط أنفاسه قليلًا،ونظر ل" ياسين" الذي يستمع له بهتمام وتابع بأسف..
" النار كانت شديده بطريقه مش طبيعيه، وعلي ما المطافي جت كانت كلت كل شئ وخرج المهندس ومراته جثث متفحمه"..

"وبنتهم؟"..
قالها" ياسين" وهو ينظر له يحثه علي المواصله.. لينظر له "شاكر" بملامح قد كساها الحزن وتحدث بتنهيده قائلاً..
"ملقوش ليها اي أثر خالص وقالو ان النار كلت جسمها الصغير ومفضلش منها حاجه، والمهندس كان عنده اخت واحده عايشه بره مصر طول عمرها منزلتش حتي لما عرفت اللي حصل لاخوها وورثت كل حاجه تخصه والشقه دي كمان وكان المحامي بتاعها هو اللي بيتعامل مع الكل احنا مشفنهاش ولا مره قبل كده"..
نظر له وقد تبدلت ملامحه لأخرى شاحبه تدل علي شدة فزعه وتابع بصوت مرتجف..
"ومن وقت اللي حصل والشقه دي بتحرسها بنت المهندس اللي كان اسمها "سراري" يا ابني"..

اتسعت اعين" ياسين" علي اخرها بصدمه،وساد الصمت للحظات، ومن ثم ابتسم ابتسامه ساخره وتحدث بعدم تصديق قائلاً..
"حضرتك عايز تفهمني ان عفريت البنت اللي عندها 8سنين هو اللي بيعمل كل دا؟!"..

هب واقفاً واستطرد بنفاذ صبر..
"اللي بتقوله دا ممكن يكون حصل فعلاً لكن الجزء الأخير بتاع البنت دا مدخلش دماغي لان اللي بيحصل في الشقه دا شغل ناس مش عفاريت وناس مش سهله كمان عايزه تطفشني من الشقه وتستولي عليها"..

"انا قولتلك اللي اعرفه، وانت حر يا ابني بس لو عايز نصيحتي انت لازم تسيب الشقه دي في اقرب وقت لو خايف علي نفسك"..
هتف بها" شاكر"بنبره محذره..

ضيق" ياسين"عينيه، ونظر له بتفحص، وبتساؤل تحدث قائلاً..
" ولحد ما اسبها المفروض اني مطلعش الشقه بليل صح؟!"..

"شاكر" بجديه.. " ايوه صح ودا لمصلحتك علشان متتأذيش، واديك شوفت اللي حصل معاك"..
ربت" ياسين"علي كتفه وتحدث بابتسامه مصطنعه قائلاً..
"كلامك دا مش منطقي، واللي حصل معايا دا في حد خدرني وقدر يعرف مني أرقام الشنط بتاعتي ويفتحها"..
صمت لبرهه وتابع بتحدي..
"بس احب اطمنك لو علي البيات في الشقه فانا دكتور يا عم شاكر، وبإذن الله لما استلم شغلي في المستشفي هبقي ابات فيها بالليل واسيب"..
ضحك بستهزاء مكملاً..
"سراري علي راحتها طول الليل، وابقي اجي انا اصبح"..

سار نحو باب العماره الخارجي، وتوقف فجأه ونظر ل"شاكر" وتابع بتعقل..
"هستناك تقولي الحقيقه يا عم شاكر لان للأسف انت من الناس اللي مبتعرفش تكدب وبيبان عليها، واللي قولتهولي دا في جزء فيه مش حقيقي"..

رفع رأسه ونظر بتجاه شرفة الشقه مكملاً بثقه..
" والجزء اللي مش حقيقي دا يخص سراري"..
أنهى جملته وأكمل سير للخارج، ليوقفه صوت "شاكر"يقول بتساؤل..
" طيب انت هتبات فين لحد ما تستلم شغلك في المستشفي يا ياسين يا ابني؟"..
قال" ياسين"دون النظر ل" شاكر" الذي يطلع له بفضول..
" هبات في الشقه طبعاً، انا بس هتمشي شويه وراجع اطمن انا مبستسلمش بسهوله ونفسي طويل اووي"..

انتظر "شاكر" حتي اختفي عن عينيه، وابتسم بأعجاب محدثاً نفسه..
"الواد مفتح وواضح انه مش سهل ابداً"..
..................................
"هنا" تجلس برفقة والدتها بعيادة الدكتور المتابع لحالتها تنتظر دورها بشرود وعينيها ترقرقت بها عبراتها حين تخيلت هيئتها من دون شعرها..

اغلقت عينيها بعنف كمحاوله منها لكبح عبراتها،وعدلت وضع حجابها وبرضا تام بقضاء الله حدثت نفسها..
" الحمد لله علي نعمة الحجاب، الحمد لله كل حال اكيد ربنا ليه حكمه في مرضي دا، وانا راضيه يارب بقضائك"..

نظرت لوالدتها الجالسه بصمت ووجهها يظهر عليه الحزن والزعل الشديد، ورسمت ابتسامه بشوشه علي محياها، وربتت علي كف يدها بحنان وهي تقول..
"ايه يا ماما ليه كل الزعل اللي انتي فيه دا بس يا حبيبتي"..

رفعت"هدي" عينيها التي اغرقتها عبراتها فأسرعت
"هنا" بازالتها بأناملها وتابعت بعتاب..
"يا ماما يا حبيبتي قولتلك دا اختبار من ربنا ليا وادعيلي من قلبك أكون قده وانجح فيه"..

"مش ليكي لوحدك يا بنتي، وليا انا كمان"..
هتفت بها "هدي" بنحيب حاد، وبصعوبه تابعت من بين شهقاتها..
"قلبي بيتقطع عليكي يا ضنايا"..
ضمت رأسها لصدرها، وربتت علي ظهرها وقبلت جبهتها مرات متتاليه وهي تقول بتمني..
" يارتني كنت انا وانتي لاء يا بنتي"..

" بعد الشر عنك يا حبيبتي متقوليش كده يا ماما"..
هتفت بها "هنا" بلهفه وهي تزيد من ضم والدتها أكثر غير عابئه لنظرات الجالسين حولهما ينظرون لهما بنظرات مشفقه عليهما، وعلي حالهم ايضاً..

ظلت "هنا" مستكينه داخل حضن والدتها تستمد منها بعض الراحه والأمان، لتتفاجئ بشقيقتها
"هدير" تخطو من باب العياده خلفها زوجها "ياسر" ممسك صغيرهما "إياد" بيده..

دارت "هدير" بعينيها تبحث عن شقيقتها ووالدتها حتي لمحتهما فقتربت منهما بلهفه واحتضنت "هنا" بحب شديد وتحدثت بعتاب قائله..
"كده يا هنا تخبي عني تعبك يا حبيبتي، هو احنا لينا غير بعض يا بت يا هبله انتي"..

"مرضتش ازود همك يا هدير"..
قالتها "هنا"ببكاء وهي تضم شقيقتها بقوه، لتربت "هدير" علي ظهرها، وتتحدث قائله..
"انتي مش اختي بس يا هنا"..
احتضنت وجهها بين كفيها وتابعت..
"انتي بنتي اخت إياد الكبيره، وصحبتي وحبيبة قلبي يا احلي هنون في الدنيا، وبأمرالله هتخفي وهتبقي زي الفل"..

" هنا" بابتسامه رائعه رغم خوفها البادي علي ملامحها.. " بإذن الله تعالى انا أملي في ربنا كبير"..

" الف سلامه عليكي يا هنا"..
هتف بها "ياسر" بتأثر واضح علي محياه..
"هنا" بتنهيده.." الله يسلمك يا جوز اختي، وحمد لله على سلامة أخوك"..

نظرت للصغير، وابتسمت بتساع، وفتحت زراعيها له وهي تقول..
"تعالي يا قلب خالتو في حضني"..

" انسه هنا عبد السلام اتفضلي الدكتور في انتظارك"..
قالتها إحدي العاملين بالعياده بعمليه..

ارتجف جسد "هنا" بوضوح،وابعدت الصغير عنها ببطء، ودون أرادتها تمسكت بثياب والدتها، لتسرع شقيقتها بامساك يدها وتحدثت بحنو قائله..
"متخفيش يا حبيبتي احنا كلنا معاكي بعد ربنا"..

نظرت لزوجها وأكملت..
" خليك انت وإياد هنا وانا هدخل معاهم"..
.....................................
"كريم"..
يتحرك بكرسيه المتحرك داخل غرفته، ويضع ثيابه بالحقيبه التي سيأخذها معه المستشفي تحت نظرات والدته المنذهلة من تغيره المفاجئ..

"عارف انك مستغربه من قراري بخصوص العملية يا ماما"..
هتف بها "كريم" بابتسامه باهته..

"عبير".. بأسف "مستغربه وجداً يا كريم خصوصاً ان العملية نسبة نجاحها ضعيفة ولو لقدر الله منجحتش هنرجع لنقطة الصفر وتعيد كل علاجك من تاني يا ابني"..

"قلبي بيقولي انها هتنجح يا أمي"..
قالها بثقه ويقين تام بالله، ورفع رأسه للسماء وتابع بصوت اختنق بالبكاء..
" ربنا اسمه الجبار، وعالم أن خاطري مكسور وقادر انه يجبرني ويشفيني"..

نظر لها بأعين مملوءة بالعبرات التي تأبي الهبوط، وبتوسل تابع..
" ادعيلي انتي بس من قلبك، وبمشيئة الله العمليه هتنجح وهخف وأول خطوه همشيها هاخدك ونطلع نحج سوأ يا أم كريم"..

بكت "عبير" وضحكت بأن واحد، ووضعت كف يدها علي موضع قلبها، وبتمني شديد تحدثت..
" يااااااارب يا حبيبى يشفيك ويعافيك شفاءاً لا يغادر سقماً بحق كلمة لا إله إلا الله، ويعوضك بزوجه تقيه، وقلبها نقي تفرح قلبك ويرزقك منها الذريه الصالحه قادر يا كريم يارب العالمين"..

أمن" كريم" علي دعائها، واقترب منها أمسك يدها يقبلها بعمق،لتضع هي يدها علي رأسه تمسد بأنامها علي شعره الغزير بحنان مردده بسرها الكثير من الآيات القرآنية كعادتها معه..

أنتهي الفصل..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي