الفصل الحادي عشر

..ياسين..
يقف أمام المرآه يمشط شعره الحريري بعنابه بعدما أخذ حمام دافء وارتدي كامل ثيابه..لتنغلق الستائر فجأه فعم الظلام الدامس الغرفه..

"سراري من فضلك خليني اكمل لبسي علشان في ناس مستنياني"..
هتف بها "ياسين" وهو يسير بحرص متجه نحو مفتاح الإضاءة.. كان صوته هادئ وبه نبره مرحه وابتسامه مسليه تزين محياه.. رغم هول الموقف الذي يمر به..

ليظهر نور أحمر خافض نابع من المرآه جعله يتسمر مكانه، وينظر نحوها بنظرات متسعه.. منذهله حين لمح "سراري" تجلس بداخلها أرضاً مستنده عليها بكلتا يدها.. خافضه رأسها وشعرها كعادتها يخفي ملامحها تماماً..

رجفه طفيفه اجتاحت قلبه، وهو يتأمل هيئتها المخيفه.. عقد حاجبيه عندما هاجم عقله الكثير من الأسئله..
كيف لها أن تظهر بالمرآه وهي ليست أمامها؟!...
ايعقل ان تكون حقاً شبح؟!...

صوتها الهامس ذو البحه المميزه انتشله من قاع أفكاره حين قالت ببوادر غضب..
"اعتقد مشكلتك اتحلت..فالأفضل ليك انك مترجعش لمكاني هنا تاني"..

أقترب منها "ياسين" حتي أصبح أمام المرآه مباشرة.. فجثي علي ركبتيه أرضاً أمامها.. يتطلع لها بنظرات متفحصه.. وبفضول شديد همس هو الأخر قائلاً..
"بصيلي وانتي بتكلميني من فضلك"..

كتم "ياسين" أنفاسه حين وجدها تحرك رأسها ببطء مريب، ورفعت وجهها حتي أخيراً لمح نصف وجهها الملائكي ذو الملامح الفاتنه.. لتتسع عينيه بذهول مغمغماً بنبهار..
"سبحان من ابدعك"..

برغم خجلها الواضح على ملامحها إلا انها ادعت الإبتسامه، ورمقته بنظره غاضبه وتحدثت محذره إياه..
"الشقه دي مش هتكون ابداً ملك حد"..

ابتسم "ياسين" بعبث وهو يقول..
"بس انا اشترتها وبقت ملكي فعلاً يا انسه سراري"..
لم يعطي لها الفرصه لترد عليه.. وتابع مستفسراً..
"هو معني اسمك دا ايه؟.. يعني ايه سراري؟"..

أقتربت بوجهها للمرآه أكثر.. ونظرت لعينيه نظره جامده خاليه من المشاعر وبصوت تحول من الهمس الناعم الي أخر اكثر خشونه، وكأنها أصبحت شخصاً أخر، وببطء قالت..
" سراري.. الخادمه.. المملوكه هنا لمكاني"..

ضيق عينيه وانبلجت ابتسامه علي محياه قمعها سريعاً من هيئتها التي تجاهد لتغيرها ظناً منها انها هكذا سترعبه غافله انها تروقه كثيراً، وتجذبه لها أكثر، وبتساؤل قال..
"أفهم من كده ان انتي وسراري شخصين؟!"..

"بالظبط كده،وياريت تكون ضيف خفيف ومطيع، ومترجعش لمكاني تاني"..
كان حديثها صارم رغم نبره الحزن الذي استشعرها "ياسين" بصوتها..

ساد الصمت قليلاً وكلاً منهما ينظر للآخر بتأمل وكأنهما يحفظان ملامح بعضهما..
ليعود صوتها مره أخرى لهمسه الناعم وتحدثت بأمر قائله..
"أمشي.. وقت ضيافتك انتهي"..

" عايزاني امشي بالسرعه دي؟!"..
همس بها "ياسين" بلهفه فشل في اخفائها، وبحذر رفع يده ووضعها علي المرآه وكأنه يمسد على وجنتيها، وتابع بابتسامه عذابه..
"انا مش كل يوم هيطلعلي عفريته حلوه كده"..

زاد خجلها أضعاف جعلها تبتعد بعينيها عن عينيه بتوتر ظاهر علي محياها، واسرعت بخفض رأسها حتي لا يري ابتسامتها التي لمحها "ياسين" فهمس بإعجاب شديد..
"بحياتي مشوفتش في جمال ابتسامتك يا سراري"..

طرق بأنامله علي زجاج المرآه بخفه، وبنبره راجيه تابع..
" قوليلي ايه حكايتك، ومتخفيش مني.. انا حابب أساعدك؟!"..

قطعت هي حديثه حين قالت بصراخ، وصوت اختنق بالبكاء دون النظر له..
"انت اللي لازم تخاف مني يا دكتور"..

أنهت جملتها، وتلاحقت أنفاسها حتي اصبحت تتنفس بصوت عالِ وصدرها يعلو ويهبط بصوره ملحوظه جعلت "ياسين"يعقد حاجبيه، واعتلت الدهشه ملامحه من غضبها المفاجئ..

لتتسع عينيه علي أخرها، وارتعد قلبه بزعر حقيقي حين دفعت المرآه بكلتا يدها بعنف فجأه كادت أن تتسبب بتحطيمها، ورفعت رأسها هذه المره بعدما ابعدت شعرها عن نصف وجهها المحروق، ونظرت له نظره انقبض منها قلبه، وظهر الخوف علي ملامحه.. لتتحدث هي بتساؤل قائله..
"وكده هتبقي حابب تساعدني برضو؟!"..

ضحكت بسخريه مكمله..
"ولا هتجرى بسرعه زي اللي خافو وجريو قبلك!!"..
تبدلت نظرته لها من الخوف لأخرى متألمه حين أدرك مدي حزنها، وتألمها..

اذداردت هي غصه مريره بحلقها، وتابعت بأمر، ونبره محذره..
"امشي ومترجعش تاني يا"..

ترقرقت عينيها بالعبرات ولأول مره تهمس بأسمه ببطء قائله..
"ياسين"..
................................
.. أمام العماره..
يجلس "شاكر" علي مقعده الخاص..
" أخوك اتأخر اوي يا بيه ..خلينا نطلع نطمن عليه ليكون جراله حاجه"..
هتف بها ل "ياسر" الجالس بجواره.. بقلق وتوتر بادي علي محياه..

"هو قالي هياخد دش ويلبس ويحصلني علي طول..بس انا هرن عليه يا عم شاكر لو مردش هطلعله وأمري لله"..
قالها "ياسر" وهو يخرج هاتفه من جيب سرواله،وهم بطلب رقم شقيقه ولكن صوت رنين هاتفه برقم زوجته جعله يبتعد عن "شاكر" قليلاً، ويجيب عليها بلهفه قائلاً..
"ايوه يا أم إياد طمنيني ايه الأخبار عندك؟"..

اجابته "هدير" بتنهيده قائله.."هنا نامت يا ياسر وخايفه تصحي وتعبها يزيد.. لازم نروح بيها المستشفي وانا معطلهم علي ما تقولي عملت ايه،وقولت لأخوك ولا لسه"..

"ياسر".. "اطمني انا قولتله علي"هنا" اهم حاجه دلوقتي،وكلمنا صاحبه وهنروحله، وانتي ابعتيلي كل التحاليل، والاشعه بتاعتها علي الواتس علشان اعرضهم عليه وبإذن الله نوديها المستشفي انهارده"..

قالت "هدير" راجيه.." متتأخرش علينا يا ياسر"..
" حبيبتي مقدرش اتأخر عليكي"..
قالها بهمس وصوت يحمل لها الكثير من العشق جعلها تبتسم بخجل، وبهمس هي الأخرى قالت..
" مع السلامه يا حبيبي"..

أغلق" ياسر"الهاتف وتطلع أمامه بشرود يفكر كيف سيخبر شقيقه بأمواله الذي أخذها منه دون علمه؟..
أطبق جفنيه بعنف وهو يتخيل نظرة الأسف تملئ أعين شقيقه تجاهه..

رفع يده ومسح علي وجهه وشعره بقوه كاد ان يقتلع خصلات شعره من جذوره محدثاً نفسه بعتاب..
" إزاي قدرت تعمل كده وتسرق أخوك اللي أمنك علي ماله؟!!"..

"يله يا ياسر"..
قالها "ياسين" الذي خرج من المصعد مندفعاً، وسار نحو الخارج بخطوات شبه راكضه بأنفاس متلاحقه، ووجه يبدو عليه الغضب الشديد..

ليسرع "شاكر" خلفه ويتحدث بتساؤل وقلق قائلاً..
"مالك بتنهج ليه كده مع انك خارج من الاسانسير.. انت كويس يا ياسين يا ابني؟"..

اجابه "ياسين" بابتسامه باهته.." كويس.. كويس يا عم شاكر بس انا عندي فوبيا من الأماكن العاليه مش أكتر"..

"طيب يله بينا يا ياسين مش عايزين نتأخر علي البنت التعبانه دي"..
حرك "ياسين" رأسه بالايجاب وسار معه نحو الخارج وعقله يدور به الكثير من الاسئله حول ما تدعو "سراري" بل والأكثر هناك رجفه اجتاحت قلبه، وكيانه لأول مره يشعر بها لم يستطع تفسيرها لم تكن أبداً رجفة خوف..

بينما أنتظر" شاكر" حتي تأكد أنهما ابتعدوا عن المبني، وسار نحو المصعد مسرعاً وضغط علي الزر الموصل للطابق العاشر الخاص ب "سراري" ..
..................................
بمنزل هنا..
" بت يا "هدير" قوليلي المستشفي اللي انتي عايزه نودي اختك فيها اسمها ايه؟"
هتفت بها "هدي" بتساؤل، وهي ترمق ابنتها بنظرات شك..

أخذت "هدير" نفس عميق وبتعقل تحدثت قائله..
"ماما انا عملت بحث عن احسن مستشفي متخصصه في جراحة الأورام ولقيت مستشفي"عبير الأمل" هي احسن مستشفي.. علشان كده خليت "ياسر" يشوف وسطه ندخل بيها "هنا" المستشفى"..

شهقت "هدي" بعنف، وضربت بكف يدها علي صدرها وهي تقول بذهول..
"انتي عايزه أختك تتعالج في المستشفي اللي "زياد" شغال فيها يا بت!!"..

اجابتها "هدير" بغضب.."اديكي قولتي انه شغال فيها.. يعني الندل دا كان ممكن يساعد اختي ، ويقف جنبها ويدخلها المستشفي اللي هو اكيد عارف انها من احسن المستشفيات اللي عامله قسم متخصص في الحالات اللي زي حالة "هنا".. بس خاف ليدفع حاجه من جيبه فخلع وبعد عن أختي خالص"..

بكت "هدي" وهي تقول.." اختك مش هتوافق يا هدير"..

" هتوافق يا ماما.. "هنا" عندها أراده وعايزه تخف"..
هتفت بها "هدير" بثقه..
صمتت لبرهه وبتمني تابعت.." بس علي الله "ياسر" يقدر فعلاً يدخلنا المستشفي دي.. أدعي من قلبك يا أم هدير"..

انتهي الفصل..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي