الفصل الثالث

اجابها"ياسر" ببتسامة متسعه تظهر جميع أسنانه..
" دا اللي حصل فعلاً، ومش عارف هفسرله اللي حصل دا إزاي بس، ولا هقوله أيه؟!"..

"اعمل عبيط يا يسوره، ولا تعمل ليه ما انت عبيط فعلاً يابيبي"..
تفوهت بها" ناني" ببعض السخرية جعلت "ياسر" يستشيط غضباً، وبصرامه قال..
"اتعدلي يا نهى بدل ما اقلب عليكِ، وأنتِ عارفه قلبتي عامله إزاي"..

" ايه بس يا بيبي، مالك مش في المود ليه، شكل مراتك قرفاك كالعادة فبطلع زهقك علي ناني الكيوته"..
تفوهت بها بنعومة لتتلاشي غضبه التي تعلمه، وتحفظه عن ظهر قلب..

"أيوة كده اتعدلي، واتنيلي فكري معايا بحجه تدخل العقل اقولها لأخويا"..
تفوه بها" ياسر"وهو يمسح علي وجهه، صعوداً بخصلات شعره بعنف كاد ان يقتلعها من جذورها، لتتنهد" ناني"بصوت مسموع مردده بميوعة شديدة..
"ولا أي حاجه يا روحي، هي كلمة واحدة بس اللي تقولها لو سألك"..

بلهفة نطق" ياسر"..
" أيـــة هي قولي بسرعه خليني اطلعله"..
"معرفش، قوله معرفش"..
ضحك "ياسر" بسخريه وهو يقول..
" بقي اقوله معرفش وياسين هيسبني كده"..
دار حول نفسه وبثقه تابع..
"دا هيعلقني"..
..................................
"ياسين"..
يسير بخطوات متثاقله نحو إحدى الجدران، ورفع يده ببطء ولمس أحرف من اسم "سراري" المرسوم بكل انش من حوله..

لتتسع عينيه بدهشه وبعدم تصديق همس بسره..
"يا صلاة النبي احسن دا دم؟!!"..
اعتلت ملامحه الغضب، وسار لخارج الشفة بخطوات أشبه بالركض مغمغماً بوعيد..

"دا انا هكلك علقه يا ياسر الزفت"..
هم بالاقتراب من باب الشفة ليستمع لصوت حطام قوي سقط خلف ظهره مباشرة..

بدأ الرعب يزحف لقلبه، وازدرد لعابه بصعوبة، وبهدوء استدار يتطلع لما يحدث وهو يردد بعض الآيات القرآنية..

جحظت عيناه برعب عندما وقع نظره على الكثير من البلورات الزجاجية محطمة ومتناثرة، زجاجها كأسهم وجميعهم يحملون نفس الأحرف لنفس الاسم ، كان الاسم هو "سراري"..

شبه ابتسامة مستهزئة ظهرت علي محياه قمعها سريعاً، وبأنفاس متهدجه تمتم لنفسه..
"خد نفس، وأهدي خالـــص وكل دا هيطلع حلم مش اكتر"..

تصببت جبهته بحبات العرق الغزيرة، وأرتجف جسده قليلاً حين اخترق سمعه صوت هامس كفحيح الأفاعي يردد بلا توقف..
"سراري دا اسمي، وأنت هنا في مكاني"..

تباطأت دقات قلبه، وبدأ صدره يعلو ويهبط بشده، وتراجع للخلف بخطوات مرتعشة وهو يردد..
" أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"..

لينتفض بهلع حين اصطدم بجسد صلب خلف ظهره وصوت اجش يقول بضحكات متقطعه..
"يا عيني عليك يا بيه"..
قفز" ياسين"يطلع لمصدر الصوت بوجه شاحب وعيون زائغه، لتنقطع أنفاسه حين وجد "شاكر" يقف أمامه رغم أنه اغلق الباب بيده، ولم يستمع لصوته يفتح حتي!!..

حاول إيجاد صوته، وبصعوبه قال..
"أنت دخلت هنا إزاي يا راجل أنت ؟!"..
"الباب كان مفتوح ودخلت منه يا بيه"..
قالها "شاكر"وهو يقترب منه ويسحبه لخارج الشقة بخطوات راكضه..

ليصرخا كلاً منهما بألم حين قفز "شاكر" فجأه لخارج الشقه،ساحباً "ياسين" معه وسقطا أرضاً بقوة، وصُفع الباب خلفهما بعنف شديد..

"أيــــة اللي بيحصل دا بالظبط؟!"..
تفوه بها" ياسين"وهو يضرب الارض بقبضة يده بكل قوته..

"انا هقولك يا بيه بس أوعدني أن اللي هقولهولك دا ميطلعش لمخلوق"..
قالها شاكر بنبرة راجية ..
التزم "ياسين" الصمت لدقائق يحاول السيطرة علي انتفاض جسده، ودقات قلبه، وزفر بضيق مردداً..
" لو عندك تفسير للي بيحصل دا اتكلم علي طول لو سمحت"..

"عندي تفسير لكل اللي حصل، واللي هيحصل كمان"..
قالها" شاكر"بثقة ،وهب واقفاً، ومد يده له يساعده على النهوض..

تنقل "ياسين"بنظره بين يد "شاكر" وباب الشقة المغلق، وبتردد مد يده وقبض علي كفه، وهب واقفاً أمامه وبفضول شديد تحدث..
" قول اللي عندك، وانا أوعدك مش هجيب سيره لمخلوق"..

أبتسم" شاكر"بود وبجدية قال..
"تعالي الأول خليني أقولك الجملة اللي المفروض تقولها وانت بتفتح الباب عشان تقدر تدخل بسلام"..

تطلع له "ياسين" باهتمام، وحرك رأسه بالإيجاب، ليقترب "شاكر" من باب الشقة، واغمض عينيه مردداً بتأكيد..
"سراري دا اسمك، واحنا هنا ضيوف في مكانك"..
فور انتهائه من جملته، انفتح الباب بسهولة تامة..

نظر" ياسين" له بنظرات منذهله، بادله هو النظرة بأخرى مطمئنه، وبهدوء تحدث..
" اتفضل ادخل متخفش يا بيه"..
خطي "ياسين"لداخل الشقة دون تردد، ليصعق حينما وجد المكان أصبح خالي من كافة شيء، لا أثر للزجاج، ولا الدماء،حتى اسم "سراري" لم يعد له أثر..

عقد حاجبيه بدهشة وبتوتر قال..
"ودا بقي اسمه ايه؟!"..
سار شاكر نحو الداخل بأريحية وكأنه صاحب هذا المكان، وبجديه بدأ يتحدث..
" انا هحكيلك يابيه وهعرفك كويس أوي مين هي
"سراري، و إزاي تتعامل معها "..
......................................
" هنا"..

تقف أمام المرأة تمشط شعرها، وتطلع لوجهها الظاهر عليه الاجهاد بشرود، عينيها تصرخ من شدة تألمها، ولكنها صامدة، هادئة، وشبه ابتسامه تزين محياها رغم أن بقلبها جرح غائر..

فمن كانت تظن أنه سيكون سندها، وظهراً لها خذلها،طعنها طعنه قاتله بما ألقاه علي سمعها، فبعض الكلمات تكون احياناً أحد من السيف تقتل الروح، والقلب تاركة الجسد بلا حياة

ولكنها حسمت أمرها لن تخضع لأي شيء يعوقها عن تحقيق هدفها، ستسعي جاهده لتحصل علي شهادتها بكلية الطب كلية القمة كما يلقبونها..

ستبذل قصارى جهدها وتتحمل الآلام المبرحة التي سيتسبب بها علاجها الكيماوي أملاً بأن يكتب الله لها الشفاء العاجل..

أخذت نفس عميق وبثقة وإيمان شديد حدثت نفسها..
"بمشيئة الله تعالى هتخفي يا هنا، مرضك دا اختبار من ربنا ليكي، وأنتِ هتنجحي في الاختبار دا بأذن الله، وهيرزقك براجل بمعني الكلمة يعوضك عن ندالة زياد اللي مصدق إنك قولتيله كل شيء قسمة ونصيب ومهنش عليه يرن عليكِ رنه واحدة من بعدها"..

اغمضت عينيها بعنف كمحاوله منها لكبح عبراتها، واعتلى نشيجها وبأصرار تابعت..
" أنتِ قوية متخليش حاجه تأثر عليكِ"..

" يله يا هنا يا بنتي أخرجي لأختك اللي مفطوره من العياط بره دي، ومش راضيه تقولي تفاصيل اللي جوزها عامله، وأنا مش عارفه اسكتها خالص،اخرجلها أنتِ يمكن في حاجه مش عايزه تقولي عليها، وأنا هجهزلكم الفطار"..
تفوهت بها والدتها بعدما طرقت علي الباب وخطت للداخل على عجل..

"هدير بنتك لما بتفتح في العياط أوي كده بتبقى جابت أخر أخرها يا ماما"..
قالتها "هنا" أثناء سيرها لخارج الغرفة متجه نحو شقيقتها الجالسة علي إحدى الارائك محتضنه صغيرها وتبكي بنحيب..

اقتربت منها وربتت علي شعرها بحنو مرددة..
"هدير يا حبيبتي احكيلي ايه اللي حصل علشان تعيطي أوي كده؟!"..

" قولي ايه اللي محصلش يا هنا"..
تفوهت بها "هدير" بصعوبة من بين شهقاتها، ومسدت على شعر صغيرها، وبابتسامة من بين كم دموعها قالت..
"إياد يا حبيبي روح عند نانا علي ما اتكلم مع خالتو شوية"..

انتظرت حتي اختفى الصغير عن عينيها، ورفعت وجهها ونظرت لشقيقتها بعيون غارقة بالدمع، وبحسره، وكسرة نفس قالت..
"ياسر جوزي،وحب عمري اللي اتخدعت فيه وفي أخلاقه قبل علي نفسه يأخذ من فلوس أخوه اللي أمنه عليها من وراه، و بيخوني كمان يا هنا"..

أنهت جملتها وأجهشت بالبكاء بنحيب أكبر، و بأصرار تردد..
"مستحيل أفضل علي ذمته يوم واحد بعد اللي عمله"..

ضمتها "هنا" لحضنها وربتت علي ظهرها برفق، و بحدة طفيفة تحدثت ..
" اهدي يا بت، واجمدي كده المرادي وخدي منه موقف قوي لان اللي زي دا ملوش خير في أخوه يبقي مش هيكون ليه خير فيكِ"..

"عندك حق يا هنا، وعلشان كده انا هطلب الطلاق، خلاص مبقتش مستحمله عمايله اللي هتجلطني وتموتني بحسرتي"..
همست بها "هدير" بضعف..

لتصك "هنا" علي أسنانها وبأسف قالت..
" وياسر عمره ما هيطلقك كده بسهوله ياهدير؟!"..

أطلقت "هدير" زفرة نزقة وبغصة مريرة قالت..
"هيطلع عيني، وهيلوي دراعي بابني علشان عارف اني مش هقدر أدفع مصاريف مدرسته"..

" اشتغلي واصرفي علي ابنك يا هدير"..
تفوهت بها "هنا" بنبرة حادة ، وبصرامة تابعت..
"فوقي لنفسك أنتِ مش قليلة الحيله يا حبيبتي علشان تسبيه يلوي دراعك، اللي زي ياسر دا لو شافك ضعيفة وخايفة بالمنظر دا هيستقوي عليكِ أكتر، وأنتِ اللي معاكي الحق، وصاحب الحق عينه قوية "..

انتهي الفصل..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي