الفصل التاسع

مر اليوم بصعوبه علي الجميع،حتي أشرقت شمس نهار جديد..

"هنا"..
تجلس علي فراشها داخل غرفتها تنظر للفراغ بشرود، ويعاد بذاكرتها حديث الطبيب المعالج لها..
.. فلاش بااااك..
"كده هتحتاجي نعمل عملية استئصال جزء من الامعاء اللي فيها الورم وهنحللها وان شاءالله يطلع ورم حميد ونحدد العلاج المناسب لحالتك"..
قالها الطبيب بأسف، واخذ نفس عميق وتابع بعمليه..
"من بكره لازم تكوني في المستشفي علشان نجهز كل الاشاعات والتحليل اللي هنحتجها قبل العمليه يا بنتي"..

"طيب العمليه دي فيها خطر عليها يا دكتور؟"..
هتفت بها "هدي" ببكاء شديد..
أجابها الطبيب بابتسامه مطمأنه..
" اهدي يا حجه واطمني بنتك قويه، والعمليه مافيهاش خطوره ولا حاجه، وهنا هتخف وتبقي احسن من الاول وتفرحي بيها وبولادها وولاد ولادها كمان"..

سيطرت "هنا" علي عبراتها، ورسمت ابتسامه زائفه علي محياها وهي تقول..
" طيب العمليه دي هتتكلف اد ايه يا دكتور؟"..
اطبق الطبيب جفنيه بعنف، وخلع نظارته الطبيه، وتنهد قائلاً..
" بصي يا بنتي العمليه هتبقي مكلفه شويه خصوصاً إني هعملهالك في المستشفي الخاصه اللي بشتغل فيها وبعد العمليه هتفضلي فتره في المستشفي تحت الرعايه، وللأسف لازم تعملي العمليه بأسرع وقت ممكن ودا لأن حالتك مش حمل انتظار دور في اي مستشفي أورام"..

تنقلت "هنا" بنظرها بين والدتها وشقيقتها وسؤال واحد يدور برؤسهن..
" من أين يأتون بتكاليف العمليه وحالتهم الماديه بالكاد تكفي قوت يومهم"..
.. نهاية الفلاش باااااك..

فاقت من شرودها علي يد والدتها التي تربت علي شعرها، وتمسح عبراتها بحنان بالغ وتتحدث بابتسامة قائله..
"صباح الورد علي احلي"هنا" في الدنيا كلها"..

نظرت لها "هنا" نظره اعتصرت قلبها من شدة الألم، والكسره الظاهره علي ملامحها، وهمست بصوت مملوء بالحزن قائله..
"صباح الخير يا ماما"..

قبلت والدتها وجنتيها بحب، وتحدثت بهدوء قائله..
" مش عيزاكي تفكري في اي حاجه تزعلك يا حبيبتي، ومتشليش هم مصاريف عمليتك وعلاجك الحمد لله اتحلت"..

"هنا" بستغراب.. "اتحلت ازاي؟! اوعي تقوليلي هتاخدي فلوس من جوز هدير!!"..
حركت "هدي" رأسها بالنفي، وهي تقول..
"لا يا حبيبتي اطمني مش هناخد حاجه من حد"..

صمتت لبرهه وتابعت باعين ترقرقت بها العبرات..
" هنبيع الشقه لصاحب البيت ونأجر شقه صغيره علي أدى انا وانتي، وبفلوسها تتعالجي وتكملي تعليمك واختك موافقه اني ابيعها، ومتنزله عن حقها فيها ليكي"..

اتسعت اعين "هنا" بصدمه، وببكاء تحدثت قائله..
" لا طبعاً يا ماما انا مستحيل اوافق انك تبيعي شقتك اللي قضيتي فيها عمرك كله، وفيها ذكرياتك مع بابا الله يرحمه"..

"فداكي عمري كله يا بنتي مش بس شقتي، وذكرياتي، وابوكي جوايا يا هنا، ولو كان عايش كان هيعمل نفس اللي هعمله ويمكن اكتر يا حبيبتي"..
هتفت بها "هدي" بابتسامه من بين دموعها التي تهبط علي وجنتيها ببطء..

وبلهفه ضمت "هنا" لصدرها بقوه، وهي تقول..
"ربنا يشفيكي يابنتي ويطمن قلبي عليكي انتي واختك يارب"..

" هدير عملت ايه مع جوزها؟"..
قالتها "هنا"بهمس وبوادر تعب..
اجابتها "هدي" بتنهيده.." بتقولي انه اقتنع بكلامها بس خايف يواجه أخوه،وقالها تصبر عليه وهو هيصارح أخوه بكل حاجه ويرجعله فلوسه"..

تأوهت "هنا" بصوت خفيض وهي تقول..
" ربنا يصلحلها الحال يارب"..
أسرعت "هدي"بالقيام من جوارها، واتجهت نحو الخزانه،وبدأت تجهز حقيبة ثيابها وبصرامه طفيفه تحدثت..
" يله يا ضنايا علشان اختك هتيجي توصلك للمستشفي علي ما أروح انا لمكتب المحامي صاحب أبوكي اقوله يحضر معايا بيع الشقه، وهجيب العربون من صاحب البيت واجيلك أوام مش هتاخر عليكي يا حبيبتي"..
............................................
.. بإحدى المستشفيات الخاصة..
بالطابق الخاص بالعظام، والآلام الفقرات والعمود الفقري..
بجناح مجهز علي أعلى مستوي يجلس" كريم" علي الفراش ممسك بيده المصحف الشريف يقرأ منه بخشوع تام..

تجلس والدته علي مقعد بجواره تتابعه بصمت، وقلب ينفطر بألم علي حالته، ولكنها مصطنعة القوه حتي لا تشعره بمدي سوء حالته..

صوت طرقات علي الباب جعلت "كريم" يتوقف عن القراءة ورفع رأسه ينظر بتجاه الباب وهو يقول..
"ادخل"..

خطي شاب يرتدي ثياب الأطباء واقترب من كريم وتحدث بابتسامه قائلاً..
"صباح الخير يا أستاذ كريم نورت المستشفى انا دكتور"زياد" اللي هكون متابع حالتك قبل وبعد العملية"..

"صباح النور يا دكتور، وكريم بس بلاش استاذ دي"..
هتف بها "كريم" بابتسامه بشوشه..

بدأ "زياد" يفحصه بعنايه، وتحدث بود قائلاً..
"تمام يا كريم، وانا زياد بس من غير دكتور"..
انتهي من فحصه، وامسك الملف الخاص به وقرأ محتواه مكملاً..
" احنا من سن بعض يا كريم انا كمان عندي 32سنه"..

" العمر كله يا ابني"..
قالتها "عبير"وهي تهب واقفه وتقترب من زياد وتتابع بقلق ظاهر علي محياها..
"طمني يا دكتور من فضلك ابني حالته عامله ايه في تحسن، والعمليه هيعملها امتي بالظبط؟"..

ابتسم لها "زياد" وهو يقول بعمليه..
" اطمني يا هانم كريم عنده عزيمه المرادي وحابب انه يخف، ودا خلي حالته في تحسن واضح ماشاءالله، وفي بروتوكول علاج هنمشي عليه شويه قبل العمليه دا هيعلي نسبه نجاحها ويسرع في الشفا بإذن الله"..

أثناء حديثه طرق الباب وخطت للداخل "صافي" دون انتظار إذن بالدخول، واقتربت من" كريم" تحت نظرات" عبير" الحارقة، والتي تحدثت بغضب قائله..
" ايه اللي جابك هنا يا صافي مش كريم طلقك عايزه ايه تاني؟!"..

لم تبالي "صافي" لحديثها، وجلست علي المقعد بجوار"كريم" الذي ينظر لها بابتسامه ساخره، واضعه ساق فوق الأخرى وتحدثت برقه أثارت إعجاب
"زياد" الواقف يتابع نظراتهم بصمت..
" انا جايه اعمل الواجب، واطمن عليك يا كريم"..



"ياسين"..
نائم علي فراش مريح للغاية، ومرتب بعنايه تنبعث منه رائحة اللافندر الذي بات يفضلها كثيراً، وبين الوعي واللاوعي تتردد بعقله كلمات لم يستمع لها من قبل..

بل تتردد بقلبه تجعله يبتسم دون أرادته مغمغماً بتوهان..
"إحساس غريب اجتاحني حين رأيت حروف أسمك "سراري" دق قلبي، وشعرت بروحي خفيفة، وحين استمعت لصوتك، ورنين ضحكتك العذابة شيء ما جعل روحي تنتعش، شئ ما جعلني أبتسم رغم توتري وخوفي الذي فشلت في اخفائه"..

طرقات قويه علي باب شقته باستمرار انتشله من نومه الذي يشبه الإغماء..
فتح عينيه ببطء واغلقها سريعاً وهو يتأوه بصوت عالِ قائلاً..
" اااه يا عضمك وصداعك يا ياسين"..

"دا انا هوديكم في ستين داهيه لو أخويا جراله حاجه"..
هتف بها "ياسر" بصراخ شديد، وهو يطرق علي الباب، ويضغط علي الجرس بأن واحد، وبجواره "شاكر" وأبنائه يحاولون تهدأته ولكن دون جدوى..

صوته وصل لسمع "ياسين" جعله يعتدل بجزعه علي الفراش بكسل، وفتح عينيه أخيراً ليتفاجئ انه داخل غرفه رائعة الجمال ذات أثاث راقي، وتتمتع بفخامة ذوق عالي..

دار بعينيه بجميع أركانها لينتبه لغرفة صغيرة زجاجية موضوع بها كافة ثيابه بطريقة منمقة ومرتبة بدقة..

توجه بنظره لعربة الطعام الموضوعة بجوار الفراش بخدمه فندقيه تطلع الي محتوياتها المغلفة بعضها بالبلاستيك و البعض الآخر مغطى بالاستنلس بنظرات منذهله، وبمرح تحدث قائلاً..
"اعتبر انك بتصلحيني عن الكهرباء اللي كهربتيني بيها إمبارح يا آنسة"..

صمت للحظه وبابتسامة عابثة وبطء تابع..
"سراري"..

ليأتيه صوتها الرقيق الهامس وهي تقول..
"أنت ضيف "سراري" طول ما أنت ملتزم بقوانيني"..
ضيق عينيه وتمعن السمع لصوتها الذي ينبعث من إحدى جوانب الغرفة، وهب واقفاً علي عجل، وبدأ يبحث عنها بلهفة وهو يقول..
"طيب أنا عايز اشوفك أنتِ فين؟"..

"افتح يا ياسين"..
هتف بها "ياسر" بتوسل، وصوت متحشرج بالبكاء جعل"ياسين" يسير نحو الخارج بظهره وعينيه تدور بأنحاء الغرفة لعله يلمحها وتحدث بابتسامه ماكره قائلاً..
"هرجعلك تاني علشان تقوليلي ايه هي باقي قوانينك يا "سراري" غير اني المسك؟!"..

أنهى جملته وسار لخارج الغرفة غير منتبه ل "سراري" الجالسة أرضاً داخل مرأه كبيره موضوعه بجانب غرفة الملابس..

انتهي الفصل..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي