الفصل الأخير

.. بعد مرور اكثر من خمسه شهور..

داخل غرفة "كريم"..
تتحدث والدته بعتاب قائله..
" يا ابني فهمني ليه مأجل عمليتك كل الوقت دا؟.. انت الحمد لله حالتك اتحسنت كتير اوي ونسبة نجاح العمليه هتكون كبيره بمشيئة الله.. يبقي ليه مش عايز تعملها"..

ظهرت الفرحه على ملامح "كريم"، وبرتياح تحدث قائلاً...
"كنت مستني اطمن علي هنا، والحمد لله هي اتحسنت كتير اوي، ونقدر نقول انها خفت يا امي، وانهارده هتخرج من المستشفى"..

تأملت "عبير" فرحته بأعين ترقرقت بالعبرات، وبذهول قالت..
" كريم انت حبيتها؟"..

ابتسم "كريم" بشرود في تفاصيل تلك ال "هنا" يتذكر رقتها، وخجلها، وهمسها بإسمه الذي يذيب قلبه، عيونها التي تخطغ أنفاسه بنظرتها الناعسه، وتجعل قلبه ينبض بجنون وكأنه أوشك على مغادرة صدره من عنف دقاته..

"لا انا محبتش هنا".. قالها "كريم" بجديه مصطنعه.. بينما كانت "هنا" تقف أمام غرفته تحاول التقاط أنفاسها المسلوبه، وتستعد بالطرق على باب الغرفه، ولكنها تسمرت مكانها حين اخترقت جملته أذنها.. بل اخترقت قلبها كالسهم حارق مسموم أوشك على قتلها في الحال..

أحست بسخونة متزايدة تغزو بشرتها أثر سيل دموعها المنساب على خدها ببطء شديد.. سرعان ما تحولت لأبتسامه متسعه، وانمحى من قلبها ذلك السهم،وعاد ينبض بالحياه من جديد حين تابع "كريم" حديثه بصدق استشعرته بنبرة صوته..
"انا عشقت هنا بكل تفاصلها يا أم كريم،وحاسس ان ربنا رزقني حبها علشان تكون عوض لقلبي، ونفسي اطلب ايدها بس خايف ترفض"..

تهللت اسريرها، ومسحت عبراتها سريعاً، وبدون تفكير كانت اندفعت لداخل الغرفه جعلت "عبير" تشهق بفزع متمتمه..
"بسم الله الرحمن الرحيم..خضتيتي يا هنا يابنتي"..

"انا اسفه ياطنط مش قصدي والله".. أردفت بها "هنا" برقتها المعهوده.. وعينيها لم تبتعد عن اعين"كريم" الذي يخبرها بنظراته لها كم يشتاقها.. بينما هي رسمت الغضب على محياها، ورمقته بنظرات عابسة تخبره بها انها لن ولم تستطيع ان ترفض عشق مثل عشقه الذي أحيا قلبها بعدما ظنت انها فقدته للأبد..

"اتفضلي يا هنا.. ادخلي.. دي أول مره تنوريني في أوضتي".. قالها "كريم" بابتسامه هادئه، واعين تلتمع ببريق العشق..

سارت نحوه بخطوات بطيئه.. اقسم بسره انها تسير على إيقاع دقات قلبه.. حتي وصلت اليه ووقفت أمامه مباشرة تحت أنظار "عبير" التي تبتسم ببلاهه، وبمتنان قالت "هنا"..
"انا جايه أشكرك على تعبك معايا، ووقفتك جنبي لحد ما خفيت يا دكتور كريم"..

تأمل "كريم" عينيها يحاول يقرأ مشاعرها نحوه.. بينما هي تستجديه ان يعرض طلبه عليها بالزواج وستكون هي اكثر من مرحبه.. ليطول صمته جعلها تتنهد بيأس، وتستدير لتغادر سريعاً قبل أن تخونها عبراتها وتهبط أمامه،وتحدثت بصوت جاهدت لأخراجه طبيعي.."متشكره جدا على وقفتك جنبي.. ربنا يجعلها في ميزان حسناتك؟"..

توقفت عن السير، وانقطعت أنفاسها حين تحدث هو بلهفه قائلاً..
"تتجوزيني يا هنا؟"..

انبلجت ابتسامه على محياها تمكنت من قمعها و هي تستدير ببطىء بدا و كأنه استغرق أعواما .. بل دهور ..
قبل أن تستقر أمامه مخفضة الوجه، و صدرها ينتفض بعنف ..
رفعت وجهها أخيراً , ثم عينيها،ونظرت له نظره ارتعد منها قلبه.. نظره جامده خاليه من المشاعر، وبستحياء وجديه همست..
"موافقه"..

غمرته السعاده وبعدم تصديق أدرف قائلاً..
"قولتي ايه؟"..

اقتربت منه مره أخرى، وبخجل همست..
"قولت موافقه يا كريم"..

علت ضحكاته الرجوليه، وبعتاب تحدث قائلاً..
"أمال نظرتك اللي وقفت قلبي دي كانت ايه؟.. بتلعبي بأعصابي يا هنا؟"..

تلاشت ضحكاته، وحل مكانها الحزن، وبأسف قال..
"انتي عارفه اني المفروض هعمل عمليه بفضل الله نسبة نجاحها بقت مضمونه.. بس بعدها هفضل فتره برضو على الكرسيي"..

ابتسمت له "هنا" ابتسامه اثلجت قلبه، وبلهفه قالت..
"عارفه،وموافقه يا كريم، وانت هتخف وهترجع احسن من الأول بإذن الله"..

هبت "عبير"واقفه واقتربت من "هنا" وتحدثت ببكاء من شدة فرحتها..
" طيب يا بنتي انتي شايفه ان أهلك ممكن يوافقو على كريم؟ "..

توردت وجنتيها وبخفوت همست "هنا"..
"ماما تقريباً كده بتحب كريم اكتر مني"..

"يبقي على بركة الله، وهكلم الواد ياسين يجيب المأذون ويجي حالاً.. هكتب عليكي قبل ما أدخل العمليات يا هنا"..
قالها "كريم" وهو يمسك هاتفه، ويطلب رقم صديقه الخلوق..
........................................
.. بفيلا صافي..
خطي"زياد" بخطوات تشبه الركض، ودفع الباب بعنف وتحدث بصوت جوهري قائلاً..
"انتي فين يا مدام صافي.. يا صافي هااانم"..

" ايه يا زياد.. في ايه مالك بتزعق اوي ليه كده؟!"..
قالتها "صافي" بغضب وهي ترمقه بنظرات محتقره.. فهما لم يمر على زواجهما سوا اقل من شهرين، وقد ظهرت حقيقته البشعه، وطمعه الشديد بأموالها..

ابتسم لها ابتسامه زائفه وهو يقول..
"بقي تضحكي عليا، وتقوليلي انك اطلقتي من كريم المهدي علشان عايزه تخلفي، وهو مبيخلفش؟!"..

اجابته بثقه قائله.. "انا مكدبتش عليك.. دي الحقيقه، وانا عملت كل الاشاعات والتحاليل اللي تثبت كلامي، وطلع العيب من كريم، وكان بيتعالح بس لما عمل حادثه الموضوع بقي شبه مستحيل علشان كده طلبت الطلاق"..

" كداااااابه".. قالها "زياد" وهو يلقي بوجهها مجموعه من الاوراق والتحاليل، وبغضب تابع قائلاً..
" انا جبت كل تحاليلك واشاعاتك من المستشفى، وطلعتي انتي اللي مبتخلفيش، وكريم طليقك دا يقدر يخلف حتي وهو مشلول وعلى كرسيي بعجل"..

حديثه كان كالصاعقه التي هبطت على رأسها كادت ان تزهق روحها من شدة صدمتها.. ليسطرد هو دون انتظار سماع رد منها..
"انا من حقي أكون اب، وانتي حالتك ميؤس منها"..
صمت لبرهه، وتابع ببرود..
" انا هدور على عروسه وهتجوز يا صافي"..
برغم غبراتها التي انهمرت بغزاره على وجنتيها..
التوى فمها ببسمة جانبية ساخرة، ورسمت الجديه على محياها، محركة كتفيها ببراءة مزيفة..
"حقك طبعاً.. بس استني لما تشوف ايه اللي هيحصل معاك الأول بعد تزويرك في الأوراق علشان تكتب الأسهم بتاعتي في المستشفي بأسمك"..

ابتسمت بتساع وتابعت بشماته..
"والد كريم راجل صارم جداً في الامور دي، ولسه مكلمني علشان يبلغني ان قرار فصلك من المستشفي اتمضي، وكمان انت متحول للتحقيق، وقريب أوي هيتشطب اسمك من النقابه"..
...................................
.. داخل مستشفى عبير الأمل..
بغرفة "كريم".. تعالت صوت الزغايط فور انتهاء المأذون من عقد قران"كريم وهنا"..

اقتربت "هدير" التي بدأ يظهر عليها علامات الحمل بطفلها الثاني، واحتضنت شقيقتها بحب شديد متمتمه.." الف مليون مبروك يا حبيبتي.. ربنا يسعدك ويفرح قلبك يارب"..

هبت "سراراي" واقفه لتظهر بطنها المنتفخه قليلاً اثر حملها هي الأخرى بالشهور الأولى.. اقتربت هي ايضاً من "هنا" التي اصبحت مؤخراً بمثابة اخت لها هي و "هدير"، وضمتها بقوه مغمغمه..
"الف مبروك يا هنا"..

"الف مبروك يابنتي".. قالتها "هدي" ببكاء شديد من شدة فرحتها.. ركضت نحوها "هنا" وارتمت داخل حضنها وهمست قائله..
"ربنا يباركلي في عمرك يا ماما"..

اقترب "ياسين" من زوجته، وامسك يدها، وسار بها نحو الخارج وهو يقول بمرح..
"الف مبروك يا ابو الصحاب.. انا جنبك هنا لو احتجتني"..

"خدني معاك يا ياسين"..
قالها "ياسر" وهو يمسك يد صغيره، ومن ثم يد زوجته، وسارو سوياً نحو الخارج..
نظرت "هدي" ل "عبير" وتنحنحت باحراج مصطنع..
"واحنا اللي هنفضل قاعدين ليهم كده؟"..

هب والد كريم واقفاً، وتحدث بمزاح قائلاً..
"وانا هروح مكتبي قبل ما دكتور كريم يديني جزا على تأخيري"..

خرج الجميع من الغرفه.. تاركين لهما بعض الخصوصيه..
وقفت "هنا" بمكانها خافضه رأسها ارضاً.. بينما كريم يتأمل فستانها الكشمير الأكثر من رائع، وحجابها بنفس لون الفستان، وبهمس يكاد يسمع هتف قائلاً..
"هنا"..
رفعت رأسها بلهفه، ونظرت له بأعين تصرخ عشقاً.. بادلها هو النظره بعشق أشد، وبلحظه قطعا المسافه بينهما سوياً والتقطها داخل حضنه.. يضمها بكل قوته.. بل اجلسها على ساقيه، واعتصرها داخل صدره،وتحدثو بنفس واحد..
"بحبك يا عوض ربنا ليا"..
.......................................
داخل مكتب "ياسين"..

تبكي "سراراي" بفرحه غامره داخل حضن زوجها، وبعدم تصديق تتحدث قائله..
"بجد يا ياسين انا حامل في توأم؟!"..

أبعد "ياسين" وجهه قليلاً كي ما يستطيع النظر في عينيها جيدًا، وهو يقول، وأنفاسه المهتاجة الملتهبة تصفع وجهها..
"هو انا صحيح دكتور جراحة تجميل.. بس متأكد انهم بمشيئة الله تعالى ولدين توأم يا احلي، واجمل سراراي"..
أنهى جملته، ولثم جانب شفتيها بعمق، وعاد دسها داخل حضنه، ويده تمسد على بطنها برفق مكملاً..
"ربنا يقومك ليا بألف سلامه يا فرحة قلب ياسين"..

رفعت كف يدها الصغيره، وضعتها على موضع قلبه، وبعشق ليس كمثله عشق همست..
"يسلملي،ويدوملي نبض قلبك يا قلب"..
نظرت لعينيه بابتسامتها التي تفقده صوبه واكملت بنعومه..
"ساره،وسراري"..

‏عسى أن تجد ما تحبه تمامًا كما تمنيته، أن تأتيك المسرات من حيث لا تحتسب، عسى أن تجاب دعواتك إلى درجة تعجبك، أن تتفتح لك أبواب الخيرات جميعها في سيرك، عسى أن تطمئن كثيرًا حتى لا تخشى أي شيء، وأن يفاجئك القدر بما تهوى كما يرضاه الله إليك، وأن يمتلئ فؤادك بالفرحة التي لا يعكر صفوها أي شيء..

ثم يأتيك شخص تتعافى من ندوبك به، وجوده معك يجعل الطمأنينة تسكن في أعماق قلبك شخص ينتشلك من عمق المحيط ويرميك على حافة الشاطئ..شخص مرسل إليك من الله..

تمت بحمد الله..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي