الفصل الخامس:

"لميس"
الساعة ال ٦ صباحاً :
اليوم الجمعة
البارحة تفاجأت من ردة فعل قمر وحديثهم عن أن الخسارة والفوز لايهمان، فالحقيقة ألجمني حديثهم، لم أعرف ماذا اتحدث، فأنا طوال عمري عشت على أن آتي الاولى دائماً في كل شيئ، النصر مهم، مهم جداً، والخسارة تجعلني أشعر بالهزيمة، قد كان حديثهما بعيداً عني تماماً، بعيداً عن كل ماعشته سابقاً، عن الطريقة التي لقنت بها مفهوم الحياة، ولكن بشكل غريب، شعرت بالحب لكلامهما،وكأن هنالك نسخة أخرى مني تثور ضد كل ما عشته، وكل المفاهيم التي ترعرت عليها، كنت دائما أشعر في اوقات أنني لست راضية بأن اكون دائما اركض وراء مايرجى مني، وكانت نفسي تثور ولكن ماتلبث أن تعود وتهدأ، وتواصل الحياة تبعاً لخطة شخص آخر، وأعتقد أنه اذا نما الشخص في بيئة تضع له الخطط مسبقاً ليعيش وفقاً لها سيجد أن خلاصه من هذا يحتاج الى قدر كبير من الشجاعة، فأنا أحب أمي ولكنها لا تزال تريد مني أكثر، لا يوجد حد لما تريده، لو علمت حداً لهذا لكنت ارتحت، ولكنني أظن أنني، أظن حتى وإن واصلت السير حتى وصلت الي وظيفة مرموقة أَو تزوجت، ستريد مني أن أكون المديرة في غضون شهرين وستعاتبني على تقصيري، أو ستريد مني أن اشارك في مسابقات ربات المنازل ، من غير مراعاة لما اريد أنا، في الحقيقة أشعر أن وضع الخطط دائماً مرهق، وأن هنالك فترات يجب أن تكون خطة الأنسان ألا يضع خطط، أن يسير فقط مع التيار ويستجم، كم مضحك أن تملك الكثير من الأفكار ولكنها تنتهي في وقتها، وتظن أن شعورك هو شئ مخجل يجب ألا يظهر للعلن.
اليوم مساءاً سأذهب الى نادي الكتب، أنه مكان مثير للانتباه حقاً ومريح، هنالك دائماً اشياء لكل شخص تشعره بالراحة، كنت أعرف صديقة لي لا تشعر بالراحة الا اذا عملت كثيراً جداً وكانت  تقول لي :
"الحمد لله على نعمة العمل من منظورك قد ترين أن العمل مرهق و هو مضاد للراحة، ولكن هو راحة، فكرة أن تبدأ عملاً تجلب لي الراحة، وتشعرني أنني أنبض بالحياة وتعطيني فرص أفضل لراحة حقيقة، لم أذق طعم الراحة الحقيقة إلا بعد عمل مضنٍ، من غير العمل سأكون هائمة في هذه الحياة "،
يعجبني تفكيرها، وكيف أنها أمكنها لكلمات بسيطة. أن تغير مفهوم العمل وتعطي للتعب ثوب مريح.
انا اليوم ممتنة لنادي الكتب الذي سيجلعني أخرج من المنزل، اليوم ستأتي زميلات لأمي سابقات، في الحقيقة ليس لديها أصدقاء حقيقين، كن زميلاتها ممن يلبسن الفرو ويرتدين انواع الملابس ويضحكن بتلك الضحكة المصطنعة، ستجدهم دائماً يسألونها عن ماركة حذائها أو حقيبتها، وكانت أمي تشعر بالمتعة وهي تعرض لهم كل شيء، كانت لا تحبهم ولا يحبونها ولكنهم يستمرون في استعراض حياتهم لبعضهم البعض، يالسخرية، كانت هذه الأجواء تشعرني بالقرف،
ستأتي أمي بعد قليل لتقول لي يجب أن البس ملابس جيدة،ولكنني كنت أرتدي ملابسي للخروج فعلاً ، كانت درجة الحرارة  -٢ تحت الصفر - الجو بارد جداً، أوراق الأشجار الملئ بالثلح متساقطة على الطرقات، كان لا يزال هنالك وقت لموعد النادي ولكنني خرجت حتى لا التقي بزميلات أمي، الشتاء يعطي فرصة للأشجار لتتجدد، يعطي فرصة للربيع ليأتي، كنت أحدق في السماء، كانت هنالك سحب داكنة في السماء وكنت ارتدي معطفي واضمه إلي من شدة البرد، انفاسي تتصاعد، جلست في مقاعد على الرصيف، إن كانت أمي هنا كانت لتقول أنه لا يليق بي أن اجلس هنا،
توجهت الى نادي الكتب، كان النادي يضم ستة اشخاص، لقد أخترت أن أنضم إليه لأنه غير مزدحم، كان من ضمن الستة طفل يدرس في السنة الثانية في المدرسة الإعدادية وكان جده معه وكنت أنا وفتاة أخري وصبيان آخريان هؤلاء نحن جميعاً، ليست لدي مشكلة ان ينضم لدينا اشخاص آخرون ولكنني الى ذلك الوقت سوف انعم بعددنا البسيط هذا، وصلت الى النادي كان حجرة صغيرة، دافئة جداً، كان اثاثه من الخشب وكانت هنالك على الجانب مدفئة نيرانها مشتعلة بإستمرار، كان صاحب المكتبة صبي في عمري، أنه يدرس ولكنه يحب القراءة جداً فأفتتح هذا النادي كل يوم جمعة، كنت أول الواصلين، جلست بالقرب من المدفئة، كان هنالك كرسياً متحرك بالقرب مني، جلست عليه وجعلت أضع يداي بالقرب من النار، كان منظري كجدة عجوز تقطن في الريف هه، جاء ماهر صاحب النادي وخاطبني
_أووه أنك اول الواصلين.
_نعم اليوم أردت أن آتي مبكراً.
_ماذا قرأت هذا الأسبوع؟
_ الليالي البيضاء لدوستوفيسكي،وانت ماذا قرأت؟
_السحاب الأحمر للرافعي.،هل تريدين أن تشربي بعض الشاي؟
_حسناً لا بأس.
جاء الولد الصغير وجده معه، كان أسمه محمد، يرتدي معطفاً اكبر منه وقال بفرح
_السلام عليكمم
انا وماهر: عليك السلام يا محمد.
كان هذا الصبي يعيش مع جده بعد وفاة ابويه، كانت تجمعهما علاقة قوية، دخل من بعده جده وألقى علينا السلام من ثم جلس، جاء يونس من بعدهم وثرية وهكذا أكتمل عددنا، جلسنا في دائرة على بساط دافئ على الأرض ومسك كل أحد منا كتابه، كان الجد يجلس بعيداً ويشوي لنا البطاطا الحلوة، دائما م يجلس بالقرب منا ويشوي لنا شيئاً وهو يستمع لنا، كانت رائحة البطاطا الحلوة تملأ الأرجاء،الأضواء ذهبية خافتة، والبخار يتصاعد من كؤوس الشاي، كان كل أحد منا يقرأ كتاب كل أسبوع ونتبادل الإقتباسات وكل ما أعجبنا في ما قراءناه، سرد لنا محمد قصة، قال ببراءة:
أريد أن اقص عليكم قصة رجل سافر الى بلاد العجائب ليجلب بيضة سحرية يقال أنها تزيل الهموم بعد أكلها، قطع البحار واجتاز العواصف ليصل لتلك البلاد، وحين وصل التقى ببعض الأرانب، تقدمت نحوه وأعطته صندوق ذهبي، فتحه وأخذ البيضة، بدأ بأكلها وكان يتخيل أنه سيكون من هذه اللحظة سعيداً، سمع صوتاً عالياً من هذه البلاد يقول له لقد أصبحت سعيداً، ستكون سعيداً من اليوم، عاد الى بلاده، وهو سعيد، واصل أعماله وهو يبتسم، كانت لديه وردة أمام منزله ولكنه لم يكن يلاحظها أبدا، استطاع أن يرى كم هي جميلة.
توقف محمد عن الحديث
قالت  له ثرية :هل انتهت؟.
_نعم، لقد انتهت.
_اعتقد أنها قصة جميلة حقاً
_كانت السعادة بقربه ولكنه لم يرها.
تدخل يونس وقال:
الفرق في أن يصدق الأنسان أنه سعيد، سيكون سعيد بأبسط الأشياء.
قلت: هل تعتقدون أن البيضة كانت سحرية؟
قال محمد والجميع معه: لا، لا نعتقد.
كان الحديث ينساب برقة، كانت أوجه الجميع تترسم عليها الراحة، الدفء ينتشر في الأرجاء.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي