الفصل الحادي عشر

"قمر"
بعد أن عدت الى المنزل، أخذت حماماً دافئاً لبست بجامة مرسوم فيها وجه باندا فضفاضة جداً رفعت شعري عالياً، كل هذا من أجل تحسين مزاجي للدراسة، جلست على كرسي وضعت جميع الكتب وبدأت انظم الدروس التي أخذناها ستكون الإمتحانات بعد شهر، وستكون هنالك دروس اضافية، وجدت أنني لم أدرس شيئا يذكر، جلبت لي أمي عصيراً بارداً شربته وبدأت أدرس ولكن استعصى علي فهم الكثير، الرياضيات صعبة جداً لا أحبها، أحب اللغة العربية جداً ولكن النحو لا أستطيع فهمه، شعرت بالملل سريعاً، انا إنسانة ملولة لايمكنني تغيير هذا الشئ فيني لا أستطيع ان اجلس للدراسة ساعة واحدة متواصلة بنفس النشاط، ضقت ذرعاً، كل هذه التجهيزات ومفعول التحفيزات استمر لساعة واحدة، رميت نفسي على السرير بتعب كشخص كان في الحرب، نفسي المتعبة،نهضت ادور في المنزل، تحدثت قليلاً مع أمي، كانت تسعد عندما تراني ادرس، لكن سعادتها لم تدم طويلا،
قالت لي: اكملتي دراستك؟
_لم أكمل ولكنني مللت.
_كالعادة، اصبري لا شئ يأتي بسهولة، حتى جلسوك للدراسة يحتاج منك جهاداً لنفسك.
_حسناً سأحاول يا أمي.
ذهبت الى أبي ووجدته يقرأ في جريدة، أبي يحبني أن اقرأ الأخبار وأن أبقى على علم بما يجري في هذا العالم، ولكنني في الحقيقة لا أجد في ذلك فائدة، العالم اصبح ممتلئ بويلات الحروب و بالكثير من الفساد، ماذا ستستطيع نفس ضعيفة مثلي ان تفعل للعالم، مالفائدة أن ارى شيئاً لا أستطيع تغيره، سيجعلني أشعر بالحزن فقط لا غير،كنت أتجول في المنزل كمن يملك الابد وغد يوم أخير كقول الشاعر ههه، ذهبت الى اخي وكان يهب للخروج،
قلته له: الى اين أنت ذاهب؟
_سأذهب لاتمشى قليلاً
_حسناً سأذهب معك.
_لا ارجوك لا تذهب معي.
_ماذا هناك، اين تريد الذهاب، لماذا لا يمكنني أن اتمشى معك،
_قمر اتركيني ارجوك أن اذهب سأتاخر.
_لم تقل أنك تريد أن تتمشى، ستتأخر عن ماذا، هل هنالك من ستقابله.
لم يرد علي وسذهب مسرعاً الى الخارج، يبدو اخر فترة انه يقابل فتاة ما ههه، شئ عجيب، لماذا لا يريدني ان ارى خطيبة اخي، هل اخي لعوب يا ترى، ياللفتاة المسكينة، حقاً لقد كنت فارغة اليوم اكثر من اللازم، لا أريد العودة الى غرفتي، ذلك سيجعلني اشعر بأنني يجب أن ادرس، ذهبت الى الخارج لأستشق بعض الهواء، كان الحي هادئاً هنالك بعض الأطفال يلعبون في الميدان بالكره، تدحرجت الكره الى ناحيتي ركلتها لهم بقوة، لم اقصد ركلها بقوة، لقد ذهبت بعيداً، كان هنالك طفل بدين قليلاً وضع يده على خصرة بحركة يقصد بها انكار ما فعلت، قلت وانا اضع يداي على اذناي :آسفة ههه. صرت أتمشى واتمشى استنشق الهواء لم يكن الجو اليوم شديد البرودة، كان لدينا في الحي جسر، جميل على جانبيه مزروعة اشجار متسلقة، تحف الجسر، المشي فوقة يشعرني بالراحة وبأن الإكسجين يملأ رئتاي، كل هذه الأشجار تزهر في الربيع ويصبح مظهرها يسلب الألباب، ذهبت الى البقالة واشتريت بعض المثلجات، مثلجات في الشتاء، لا يهم، اشتري المثلجات طوال الوقت، كان صاحب البقالة رجل كبير في السن يبتسم لي في كل مرة آتي لأشتري منه، اسمه عم حسن، كان يعطيني بعض العلكة المجانية دائماً،
مثلجات باردة ونسيم بارد.
"لميس "
المساء هذا اليوم جميل، اقف بالقرب من النافذه وانظر الى اضواء هذه المدنية، مضيئة، مضيئة للغاية، لقد اكملت واجباتي ودروسي وها أنا الآن استمتع بشرب كوب من القهوة وانا انظر الى الخارج، أتفكر هل سيأتي يوم وستكون فيه الأيام اقل حملاً، انا الآن اشعر ان الحمل ثقيل علي،ولكنني صغيرة في السن، اذا قلت لشخص اكبر سناً هذا سيقول ان هذا لا شئ بالتأكيد،ربي لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يكلفني الا وسعي،اظن دائماً اننا سنشعر أننا الأكثر حملاً ولكنني حينما أنظر حولى ارى الجميع مختبرون، كنت ارتشف القهوة وانا اتفكر حولي، واتذكر ايماني العميق بالله وبنفسي حتى لا افقده، حتى يمكنني مواصلة السعي وانا اشعر بالخفة.
السادسة صباحاً:
في الفصل قمت بأخذ أسماء الحضور، كانت برق غائبة اليوم، كانت في الفترة الأخيرة هادئة على غير عادتها لم تفتعل المشاكل مع الجميع، بدأت الدروس تتوالى كالعادة وانا أضع جل تركيزي مع المعلم، ما يقوله المعلم في شرح الدرس مهم جداً، أكتب معه دائماً.
وقت الطعام اجتمعنا ثلاثتنا كعادتنا، سألت: كيف دراستكم؟
قمر: درست ساعة البارحة ثم مللت،اشعو بأنها النهاية، لا أستطيع الدراسة، هنالك اشياء احتاج فهمها، شئ واحد لا افهمه يجعلني اتوقف.
نور: لقد درست قليلاً ايضاً، ومن ثم ذهبت مع أمي الى الطبيب لتفحص نظرها.
قلت : هل نظرها بخير؟
_نعم بخير فقط اعطاها نظارة لحفظ نظرها لأنها تعمل كثيراً فشعرت بأن عيناها مرهقتان.
قلت :دعونا نذهب الى المكتبة وندرس، سأساعدكم في فهم ما أستعصى عليكم.
ذهبنا الى مكتبة للدراسة خارج مدرستنا، جاء سائقي ولكنني قلت له أنني سأذهب لأدرس في المكتبة، راقبنا حتى دخلنا الى المكتبة،تعليمات أمي بالطبع، المكتبة القريبة لمدرستنا مكتبة كبيرة جداً تحوي الآف الكتب، توضع على الرفوف بشكل منتظم وكل قسم يحوي كتب معينة، دخلنا أنا وقمر ونور اليها، عظيمة المكاتب على بقاع الارض جميعاً، ماتحتويه مكتبة واحده من معلومات على مر العصور، وتجارب حياتية مختلفة لكتاب دونوا  عليها خبرتهم الكبيرة، كانت اطلالة المكتبة من زجاج، يمكننا من الخارج رؤية كل شيئ داخلها، جلسنا على طاولة، أخرجنا كتبنا، وبدأنا الدراسة، سرعان ما ملت قمر ولكنني كنت اشرح لها بشكل سهل ومريح، عسى ان تخطوا خطوات بجدية تجاهها، يمكنني أن اجد الهدوء الذي أنشدة في المكتبة بلاريب،رائحة الكتب عظيمة، درسنا الرياضيات والعلوم وبعض الفقه وكان هنالك بعض الدروس سنكملها مرة اخرى، وضبت اشيائي في الحقيبة وحملتها على ظهري، كانت قمر تحمل حقيبة صغيرة. حقاً لا اعلم كيف تحوي كل هذه الأشياء، خرجنا كانت الساعة الخامسة مساءاً، صرنا نتمشى حتى موقف الحافلات، سأركب الحافلة اليوم، اشعر بالسعادة،كنا جلسنا على الحافلة بالقرب من بعضنا البعض، جلسة هادئة لم نتحدث فيها، قطعت نور العدئة قائلة : لننزل للبحر قليلاً.
قالت قمر بفرح : موافقة بشدة
نظروا إلي الإثنتان برجاء، اعينهم برئية. جداً ههه، كنت أريد أن ارى البحر أيضا، لايعلمون أنني اريد هذه الأشياء اكثر منهم، انشد الحرية أكثر منهم، قلت :حسناً لنذهب.
نزلنا من الحافلة وصرنا نحازي الأشجار، كانت اشجار عالية ولكنها ليست مزهرة على امتداد البحر، اقتربنا من رمال البحر، كان البحر صافياً وازرقاً لم يكن متجمداً، نسيمه بارد، كان هواءه يتخلل الى شعري وقفنا بقرب بعضنا البعض، كتنا صامتين نتأمل، جلست على هذه الرمال. وصرت وقلت شعراً للأمير بونغ نيم بصوت عال :
ما الذي يدهشكَ في صوت المطر الأزرق
فوق الجدول الرقراق :
آهٍ ، أهي الأزهار والأشجار فوق التل؟
أنت ترتجف وتضحك، تضحك وترتجف .
ابتهجْ، إذن ، بينما أنتَ شباب الحياة
لا تبعد سوى أيام قلائل عن نسائم الربيع .

"نور"
في البحر كانت الأمواج تتحرك ببطء، كل موجة تبدو وكأنها تدفع الاخرى، كنا نقف بينما جلست لميس قالت لنا شعراً، أن نبتهج بينما نحن شباب الحياة، كان شعرا جميلاً حقاً امكنه أن يرن في قلبي، جلست انا وقمر بقربها وقلت لهم قصة عن موجة اخذها صبي في يده ولكنها تكلمت وحدثته عن حزنها لفراقها الموجات الأخريات فأعادها الى البحر لتعود تسبح مرة اخرى.
قالت لميس :جميل، جميل حقاً.
كانت قمر هادئة وتستمع الى حديثنا لم تقل شيئاً، ولم نقل شيئاً نحن ايضا بعد ذلك استمتعنا بهذه الجلسة بهدوء،بعد مدة قليلة نهضت ونظرة نظرة أخيرة الى البحر، أشعر بالإنتماء اليه، وكأنه جزءاً مني، اشعر بنفسي اكثر صفاء وانا بقربه، وتزهو وتذهر نفسي كثيراً الى جانبه، صرنا نخطو خطواتنا على الرمال ببطء، حملنا احذيتنا علي ايدينا، كانت اقدامنا تدخل عميقاً في الرمال ونعود لنرفعها لتتناثر حبات الرمل، وصلنا حتى المحطة، ركبت انا ولميس الحافلة وقمر استمرت مشياً،، ودعنا قمر، كان يوماً جميلاً، كنت استمتع بالصمت معهم حتى وإن لم نتحدث، حتى الصمت كان جميلاً.

"قمر"
لميس أمنا الحنونه، لقد قامت بشرح الكثير من الأشياء من غير أن تكل، انا لقد مللت ولكنها لم تمل، لديها قدرة ثبات عظيمة، يمكنني ان ارى ذلك دائماً في قدرة تعاطيها مع الامور،
أن ابتهج، أن ابتهج، كم هذا جميلاً، البحر وامواجه خطواتنا على الرمال، وصمتنا العميق، وعمق البحر اللا متناهي، كان النسيم بارداً اشعر به في داخلي، انا اسير الآن الى المنزل سأكون بحال ممتاز اليوم، لقد كان يوما سيشحنني لأيام عديدة، إن حافظت على لحظاته، يمكنني أن اعيش مع الأشياء السعيدة أوقات أكثر اذا حفظت تفاصليها جيداً اذا ذكرت نفسي بها دائما، أن احافظ عليها بعيشها داخل نفسي مرات و مرات، دخلت الى المنزل وكنت مبتسمه وهادئة على غير العادة فتحت لي أمي الباب، جلست على الكرسي وخلعت جواربي وحذائي بهدوء ايضاً، انا الان في حالة من الهدوء والتأمل الداخلي الممتد الى هذه اللحظة، لا اريد الحديث مع شخص لا أريد فعل شئ اريد فقط ان اتوجه بتأملي هذا الى مراحل أكثر تطورا الى تأمل النوم، اسرعت الى غرفتي رميت نفسي على الفراش، حضنت لحافي الي، كنت متعبة بالفعل سأودي التأمل النومي بكثافة.
"لميس"
استطعت اليوم ان ادخل الي منزل بنجاح من غير عقبات طالما أن سائقي رأني ادخل الى المكتبة، اظن انه انتظر لوقت ليس بقصير ثم ذهب، بدأت اقرأ اشعاراً كانت تناسب هذا اليوم، اشعر بالخفة، الخفة التي تشعر بها في قلبك بعد احداث بسيطة، بعد امور صغيرة تسعدك، هذا ما اشعر به الان واقرا شعرا يقول
إلى أن تصبح سيقان البطة الصغيرة
طويلةً مثل سيقان الكركي.
إلى أن يصبح الغرابُ أبيضَ.
أبيضَ مثل طائر البلشون الأبيض الشرقي.
تمتع بسعادتكَ الباقية.
إلى الأبد!
صرت ادندن داخل نفسي، احب ترديد ذلك على مسامعي، اصدق أنني اتأثر بما اقوله وما اسمعه ، بما افكر وبما احصر نفسي حوله لذلك اردد.
يمكنني قطف النجوم اذا اردت.
يمكنني الوصول عمق المحيط اذا اردت.
يمكنني فعل الكثير اذا اردت.
اذا اردت حقاً، يمكنني أن اكون الأكثر سعادة بلا ريب.
انتهى يوم جديد،يوم كان مليئا بكثير من المشاعر، هذا المساء اسعد من سابقه، وستكون هنالك مساءات اخري زاخرة بالكثير المخبأ، بالأجمل والأسعد ، استلقي على فراشي الدافئ اللين اللطيف ادخل على مسامعي هذه الكلمات ببطء قبل النوم، رويداً رويداً لتتشبع داخل دماغي، ليمكنني أن احظى بالليلة سعيدة واحلام جميلة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي