الفصل السادس عشر

"لميس "
الجو بارد، ركبت السيارة وكانت أمي تقف على الباب تودعني كالعادة، لكن اليوم كان أبي يقف معها، شعرت بالسعادة، وصلت الى المدرسة، في الفصل، كانت برق هادئة، استمرت على هذه الحال لمدة طويلة، ليس من عوائدها، ولكنها حقاً كانت تبدو أكثر حكمة، ونور كانت تبدو أفضل بكثير، اليوم سنذهب الى المكتبة بلا ريب، آخر يومين لم ندرس جيداً، تدرجت السلم إلى مكان الطعام، كانت برق تجلس مع قمر ويتحدثان، جلبت طعامي، وجلست، جاءت نور وجلست، قلت :كيف حالك اليوم؟
_بأفضل حال الحمدلله.
_الحمدلله.
قالت:ماذا تعتقدين أن برق تقول لقمر.
_ لا أعلم ولكن شكلهما يوحي بالهدوء ولا أظنه شجار او أمر سيء.
واصلنا تناول الطعام بهدوء. بعد مدة ليست بطويلة، جاءت قمر وجلست الي جانبنا.
لم نسالها ولكننا في الحقيقة كنا ننتظر أن تحكي.
ولكنها لم تتكلم.
قلت : ألن تحكي؟
_كنت انتظر أن تسألوا،حسناً الآن سأحكي ههه،
قمر هذه مجنونة بالفعل، اعتقد أنها كانت تود أن تخبرنا أكثر من رغبتنا في السماع، ولكنها انتظرت حتى نسألها، يالغباء ههه.
قالت: في الحقيقة أنها لم تقل شيئاً، فقط أعتذرت عن ما بدر منها في أول الأيام، وحتى إنها اعتذرت من الفتاة التي تنمرت عليها ايضاً.
قالت نور : وماذا قلتي لها؟
_قلت لها لا بأس ونحن كلنا لسنا بمعصومين عن الخطأ، ومن الجيد أنك أعتذرت لها، وقلت لها انها لم تفعل لي شيئاً فلا يجب أن تعتذر.
قالت نور : من الغريب أن يتغير شخصاً ما فجأة هكذا.
كنت استمع وشعرت أن من الغريب أيضاً ان يتغير شخصاً ما بسرعة، ولكن قد يكون هنالك ضوء مفاجئ انار عينيها، فجأة وبلا مقدمات استطاعت أن تفرق الخطأ من الصواب، أو قد تكون هنالك ليال طوال وهي تفكر، وهي تعلم كم هي مخطئة ولكن لم تكن لديها الجرأة على التغير، قد تكون هنالك قصص كثيرة تروى وقد لا تكون الحقيقة، ولكن الحقيقة أنه يمكن التغير في مدة قصيرة وبقرار شجاع يمكن ذلك، ليس الأمر سهلاً، ولكنه ضروري. اسعدني اعتذارها،انها شجاعة.
قلت :اليوم سنذهب للمكتبة للدراسة يا فتياات
قمر: اظن اننا في الأيام السابقة درسنا بما فيه الكفاية، الدراسة التي درستها سابقاً لم أدرسها طوال عمري، طوال فترات حياتي المديدة.
_لم أخذ رأيك ياقمر، ونحن في الحقيقة لم ندرس شيئاً، سنذهب.
اذا اعطيتهم خيار أعتقد انهما سيظلان هكذا من غير دراسة حتى موعد الإمتحانات،وكصديقتهم التي تعي خطورة هذا الأمر لن اتهاون معهم. كانت تتذمر قمر ولكنها لم ترفض ههه.
بعد المدرسة سرنا حتى المكتبة، في كل مرة ادخل الى هذه المكتبة اشعر بالإنتماء، الانتماء الحنون والشديد، رؤيك الجميع من حولي يدرسون ويقرأون أمر مشجع وجميل، الجميع يعمل، الجميع ينبذون الفراغ، الجميع يفيد نفسه بشكل أو بآخر، انه مكان مطمئن بلا ريب، جلسنا وقمنا بإخراج اشيائنا وبدأنا ندرس، كنت اشرح لهما كل ما يستصعب عليهما،كانت نور تدرس بشكل جيد، أمر يبعث بالراحة انها بحال جيد الآن.
أكملنا الدراسة، أقترحت قمر أن نذهب الى مقهى قريب من منزلها، قالت أن مذاق القهوة لديهم مختلف، جميع الإقتراحات مثل هذه تأت من قمر، ونحن نوافق على الفور، سرنا ثلاثتنا مشياً حتى وصلنا جسرا جميلاً، كانت الأشحار تحفه، كان جميل، تشعر أن تحتك مياه ولكن تحتنا منتزه جميل، وقفنا فيه قليلاً نستنشق الهواء النقي، قالت قمر :أغمضوا اعينكم، تنفسوا، شهيق، زفير، شهيق، زفير.
اغمضنت أعيننا واصبحنا نتنفس بعمق، كانت أود بكل زفير يخرج، أن أخرج معه كل مخاوفي وألالامي، كل ما يزعجنني، أتمنى مستقبلاً، سعيداً، أتمنى لا أفكر في المسقبل، وان يمكمني أن أعيش هذه الحظة قدر الإمكان، كانت نور تغمض عينيها، كانت وجهها بريئاً ونقياً، كان الجو بارداً والسحاب يملأ السماء، حينما وصلنا الى المقهى كان الوقت قد تأخر كثيراً، كانت الشمس تبدأ بالغروب، الليل سيدخل بعد قليل، دخلنا الى المقهى بدأ بإشعال الأضواء، كانت اضواءه جميله، الأنوار الذهبية مع بداية حلول الليل، مزيج وقت الغروب ولمعان هذه الأضواء الذهبية بشكل خافت، دخلنا الى مقهى كان لونه زهري فاتح ، وهنالك. بعض الأثاث باللون الأبيض كنت أشعر بأنه مقهى فتيات، ولكنه لم يكن كذلك، الزجاج شفاف جداً يمكنك رؤية الخارج بوضوح، جلسنا وطلبنا بعض القهوة، كانت نور هادئة. كعادتها، ولم تتحدث خلال هذا اليوم كثيراً، حل الليل، واصبحت الأضواء أشد اضاءة، كان يسمى مقهى السعادة، حقاً انه مريح، جاءت القهوة، وضعتها فتاة امامنا بإبتسامة كبيرة، كان مرسوم على القهوة شكل قلب، رغوة بيضاء بشكل قلب،اصبحنا نحتسيها، قلت : ماذا ستفعلون اليوم؟
قالت قمر : لقد انتهى اليوم لا يوحد مانفعله سأنام
قالت نور : وأنا كذلك.
قلت : سأقرأ كتباً كنت قد بدأته وسأنام بعد ذلك.
المقهى فارغ لم يكن به أحد سوانا، نجلس بهدوء على زاويته نستمتع بدفء القهوة وبهذه الأنوار البراقة الصغيرة.
"قمر"
أصرت لميس اليوم علي الذهاب الى المكتبة،لميس هذه صديقة حقيقة، لقد تحسنت دراستي كثيراً بعد أن التقيتها ههه، جلبتهم الى مقهى السعادة بالقرب من منزلنا، يحب أن يكون هنالك دافع بعد الدراسة لمدة طويلة، يمكنني أن أدرس لأنني سأذهب الى المقهى بعد الدراسة، أكثر من رغبتي في الدراسة ذاتها، حسناً، يمكنني أستخدام هذه المحفزات، لأن أمثالي لن يتقدموا إلا بهذه الطريقة ، نور كانت هادئة، أفضل حالاً بكثير، ولكنها لم تتحدث كثيراً، سرنا من المقهى مشياً، قلت : حسناً الا تريدون الدخول الى منزلي قليلاً؟
قالت نور: أنها تاخرت كثيراً، وكذلك قالت لميس.
قلت : حسناً نلتقي غداً، ويمكنكم أن تأتو الى منزلي يوم آخر.
سار كل منا بإتجاه.
"نور"
اليوم، كنت قد نهضت من سريري بسرعة من غير تفكير، حتى لا يكون هذا اليوم مثل سابقه، لن أجعل نفسي تغوص كثيراً في الألم، لأن ذلك سيجعله يمتد، كانت أمي قد حضرت لي الشاي كالعادة، تتعامل معي باللطف أكثر من العادة، كان داخلها خائفاً من ظهور أبي، أشعر بأنها خائفة من فقداني، ولكن هذا لن يحدث، كانت وهي تبتسم لي بشكل أكثر من العادة، وتسكب لي في الشاي، قلت لها : أمي أنا معك دائماً لا تخافي، لن اتركك، ليس هنالك شئ يمكنه أن يبعدني عنك.
توقفت لبرهة،وكانت عيناها حزينة جداً، بعد ذلك واصلت سكب الشاي لي، جلست إلى جانبي وشربنا الشاي سوياً، خرجت إلى المدرسة، كنت أود جعله يوماً أفضل بلا ريب، كانت الدروس تتوالى بصعوبة، رغم أنني كنت أردد أنني بخير ولكنني في الحقيقة كان الأمر صعباً، ذهبنا إلى المكتبة، ودرسنا، كنت سأفعل كل شئ يخرجني من الحزن ولا يجعلني أتذكر أبي، سأفعل كل شئ لأعيش حياة طبيعية، مع قمر ولميس يمكنني أن أصبح خفيفة، كانت جلساتي معهما مريحة، وليس فيها ضغوط، كانت سلسلة ويمكنها تخديري حقاً،أكون معهما سعيدة، برغم أنني في بداية الأمر لم أكن أود الإنخراط مع أي شخص، ولكن في قلبي عميقاً شعرت بأنني أود أن أكون معهما برغم طباعي المختلفة عن ذلك، واشكر قلبي أنه دلني على ذلك، لأنني كنت سأفوت شيئاً عظيماً، وشعوراً مريح وناعم معهما، شربت قهوة معهما، كان أفضل مذاق للقهوة، كانت لهذه الجلسة البسيطة في هذا المقهى البسيط والجميل أن تجعلني أشعر بالسعادة، أشكر أنهما إلى جانبي في هذه الأيام، فقد أشعراني بالقوة حتى إن لم يعلما ذلك، اشكرهم من قلبي، كنت أنظر إليهم وهما يشربان القهوة، كانت أعينهما تحكي كثيراً، وكان كل شخص فينا في عالم آخر، سرنا بعد ذلك على الطريق، ودعتهما، وسرت إلى موقف الحافلات، تأخرت كثيراً ستكون أمي قلقة، ركبت الحافلة، جلست بالقرب من سيدة عجوز كانت تبتسم لي، كنت أشعر دائماً أن اليوم مهما كان حزيناً، ستكون هنالك تفاصيل صغيرة إن لاحظتها ستشعرني بالسعادة، سأبحث عنها دائماً، بلا ريب،نزلت من الحافلة،وكنت أشعر بسقوط شئ يهبط على رأسي مددت يداي،رفعت رأسي إلى أعلى، الثلج، الثلج يهطل، كانت حباته تتساقط بغزراة، هطول مفاجئ مجدداً، رؤية الثلج مرة أخرى كان شئ جميل، أظنه يقوم بتودعينا، سرت حتى المنزل، ولكن أمام باب المبنى، في الأسفل، كان يقف أبي، كان أبي، حفظت شكله من مرة واحدة، انه هو، لا أعلم ماذا أفعل، ماذا أفعل، هل أركض، ماذا أفعل، لا أود رؤيته، كنت أود الدخول بسرعة ولكنه اوقفني، وقال : يا أبنتي أود الحديث معك قليلاً.
قلت : ليس هنالك شيئاً لأسمعه،
_انا أعلم أنك لا تردين سماعي أو رؤيتي، ولكنني أود أن أقول فقط أنني آسف.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي