الفصل الثالث عشر

"قمر "
كانت الأجواء تصبح ادفأ شيئا فشيئاً، والطيور تخرج من أعشاشها،اليوم يوم عطلة استيقظت صباحاً، وأصبحت أفكر ماذا أفعل، كنا قد قررنا اليوم سنذهب الى منزل نور للدراسة، قالت أن امها ستكون في العمل غالباً ويمكننا المجئ والدراسة هناك، ففكرت بما أنه سأدرس بعدة مدة من الآن يجب علي أن افعل شيئا آخر، استحممت وغسلت شعري، كان الماء ينهمر على شعري ويتخلله عميقاً، اغمضت عيناي واستمتعت بهذا الحمام الدافئ، كان صوت ارتطام المياه على الأرض كالموسيقى، موسيقى طبيعية، جففته بمنشفة، خرجت ووضعت على وجهي ماسكاً، من الشوفان والزبادي، وسألت أمي، إن كانت تريد أن اضع لها على وجهها، فقالت بكل تأكيد تريد ههه، كانت ترتدي ازياء عامل النظافة، طقوسها اليومية، جلست على الكرسي أمامي وبدأت اضع على وجهها هذا القناع الطبيعي السحري، كنت اضعه على وجهها بفرشاة وكانت مسترخية تماماً، عندما أرى التجاعيد على وجه أمي وأبي أشعر بالفزع، اشعر بالفزع لأنهما يكبران بسرعة، يكبران بسرعة لدرجة أنني حتى لا أشعر انني شبعت من رأيتهما يوماً، كانت هذه التجاعيد وعدم قدرة أبي على المشي الأ حين يضع بعض الدهان على قدميه لا زالت  في كل مرة تشعرني بالفزع، اخاف فقدانهم قبل حتى أن اوفيهم  قدرا قليلا من ما فعلوه لي، الى هذه اللحظة اعيش تحت كنفهما، بكل حب، و
اعطياني كل الحنان الذي يمكن يمده شخص لآخر، بفضلهما صرت واثقة وشجاعة وقلبي ممتلئ بالحب، الحب الذي يمكنني بسببه فعل كل شئ،الحب الذي تغلب كفته كل مخاوفي، إلا حبي لهما يتزامن مع خوفي من فقدانهم. وضعت لها القناع وقالت لي أن افعل لها بعض المساج لأكتافها، صرت ادلكهم لها برفق وحنان يمكنني أن افعل ذلك طوال عمري،بعد ذلك سرت الى غرفة أخي بالمتبقي من القناع لدي، كان يمسك هاتفه ويتكتب بسرعة ويبتسم، يبتسم مؤخراً كثيراً مع الهاتف، وضعت له وجهه بالفرشاة بعض القناع على وجهه، كان مندمجاً جدا مع الهاتف، شعر ببرودته بعد مدة،
صاح :ما هذا الذي تفعلينه!
قلت: دعني أضع لك القليل أرجوك.
_ قمر ماذا تفعلين بحق الله.
صرت اضع له القناع على وجهه دون اكتراث بما يقول.
صار وجهه ابيضاً وحزيناً هههه.
قال : حسناً هل انتهيت؟ .
ذهب الى الخارج ورأى وجهه في المرأة وصار يهمهم. رأته أمي وأطلقت ضحكة مدوية، أصبح كالشبح، بعد ذلك ذهبت الى ترتيب غرفتي أخرجت جميع ملابسي من على رفوف دولابي، وصرت أقوم بطيها مجدداً ، نفضت الغبار من على بقية الغرفة، وأخرجت الشراشف وملابسي المتسخة للغسيل،،رتبت كتبي وأقلامي على المكتبه جيداً، وقمت بعد ذلك بالكنس ومسحتها ايضاً، جلبت بعض البخور وقمت بإشعاله، صارت نظيفة جداً ولامعة، بعد ذلك استلقيت على السرير أريد أن اخذ لي قليولة، اريدها قليولة طويلة، رائحة البخور جميلة، سأنام بسعاادة.

"لميس"
اليوم أجتماع أمي وصديقاتها مجدداً، صاروا يجتمعون تقريباً كل جمعة، ولكنني اليوم سأذهب للدراسة في منزل نور، ولذلك يجب علي اداء بعض الفروض قبل ذلك، بدأت بعملها،الإمتحانات على الابواب، والشتاء على حافة الإنتهاء، أمي من الصباح الباكر  تقوم بإرتداء أفضل ملابسها كأنها ستذهب الى عرس، التفاخر الإجتماعي الهرائي، سيبدأ قريباً، سيحتسون الشاي بشكل معين ويجلسون بوضعية معينة، ويذكرون معدلات أولادهم وافضل المدارس التي قاموا بدخولها، حقاً لم أعد أريد أن اجلس واشاهد هذه المناظر المتكررة، سأذهب الى نادي الكتب، سانهي هذه الفروض التي أمامي وأذهب الى النادي، سأجلس قليلاً فقط بعد ذلك يمكنني أن أخبرهم بأمر الدراسة لم اذهب الجمعة الماضية، ولكن لهذا النادي القدرة الكبيرة في تغيير مزاحي، وزيادة فاعليتي للدراسة، قلت لأمي أنني ذاهبة الى المكتبة، ستسمح لي بالتأكيد لأنها لا تريد أن اجعل وجهها اسوداً امامهم بنظراتي المشمئزة، لذلك في هذا اليوم بالذات يمكنني الخروج بسهولة، هذه نقطة جيدة لصالحي، ههممت بالخروج، كان وقت النادي سيبدأ قريباً، سرت على اقدامي، كان نادي الكتب صغيراً،كنت أشعر في كل المرات انه يضمني، فتحت الباب كانت هنالك بعض الأوراق المعلقة على يمين الباب، يكتب فيها الزوار ما يكتبون، كنت دائما ما أقرأ ماذا يكتبون، كانت عبارات جميلة، كان عددنا في النادي كما هو لم يزداد ولكن هنالك بعض الزوار يأتون لشراء الكتب ولم يسجلوا في النادي، وهنالك ايضاً بعد الصدف المربوط بخيوط، ومنظوم بطريقة جميلة موضوع أعلى باب النادي حينما أفتح باب النادي في كل مرة أسمع صوت اتصدام الصدفات ببعضها كان صوتاً رقيقاً ويخبرني أنني هنا في النادي الآن، هنالك اشياء دائماً ماترتبط معي بمكان معين، او ذكريات في ماضي ترتبط برائحة معينة شممتها في ذلك الوقت، حينما اشمها تلك الرائحة مرة اخري ولو بعد سنوات يمكنها أن تشعرني بتلك الذكريات لا أقصد أن اتذكر تفاصيل تلك الذكريات جميعها ولكنها تشعرني بإحساسي في ذلك الوقت حتى وإن لم اتذكر جل التفاصيل، فهذه الصدفات إن سمعت صوتها في مكان ما في وقت آخر ستجعلني أشعر بالحنين الذي أشعر به الآن في هذا الوقت، جلست على البساط، وكانت المدفئة مشتعلة كعادتها، تضيئ دائما، جاء الطفل محمد بإبتسامته المعهودة ومعه جده، كان حسام متواجداً، وبثينة، ويونس، الجميع متواجد، القيت السلام عليهم جميعاً، كانت بثينة متزوجة تأتي هنا كل جمعة مهما كان الوضع لأنها تشعر بأن ذلك يدفعها للعطاء، ويرفه عنها كثيراً، بدأت جلستي بإقتباس ، كنت اقرأ بهدوء مع رائحة البطاطا التي يشويها لنا الجد، وكؤوس القهوة والشاي بجانبا، كان الإقتباس يقول :
ألزهرة
تتفتٌح وتزهر
ثم تذبل.
العشب أخضر
ثم الى أصفر
يتحوٌل.
فقط الحجر
في هذا العالم
لا يتغيٌر.
كان هذا الإقتباس يعجبني، يمكنه أن يفسر كيف أنه لا شئ لا يتغير الا الحجر، نفسنا البشرية يمكنها أن تغيير امزجتها دائماً، لا يمكن ان نكون على وضع واحد، الزهرة تتغير ونحن نتغير، الثبات للأحجار، وليس لإنسان، الإنسان طبعه التغلب ليكون صحيحاً نفسياً.
واصل يونس بقول :
اليوم أهرب اهرب اهرب،
غداً يتسع الهرب.
لا شئ غير الهرب اللامتناهي.
قالت بثينة :
أمي كانت تبكي ولكنها ابتسمت في وجهي.
ابي البارحة نام متعباً وكانت ممتلئة بطني.
خافتون ولكني متلألأة.
واصل محمد بقصة :
قصة رجل يسعى دوماً من أجل نجاحات، يسعى ولكن لا يجد، يبدأ العمل يومياً بجد من أجل اهدافه ولكنه كان لا يجني غير الخسارة،يضجر، ويسخط،لم يمتلى قلبه بالإيمان الكامل، كان الله بكل فشل يلاقيه يملأ له ميزان حسناته كالجبال، سخر الله له الفشل المر من اجل نجاح كبير، هل سيهمه هذا الفشل اليوم حينما تكون نهايته سعادة كبرى؟، الإنسان دائما يهتم باللحظة ويعطيها قيمة كبيرة، ولكن هل فكر يوماً، بأن هنالك لحظة أخيرة، لحظتي الآن ليست لحظة أخيرة هنالك لحظات أخرى في أمكان أهم وارفع، سأكون مهتمة بحالي فيها أكثر بكثير من الآن، يقول كاتب القصة هل يمكن للرجل أن يخفف حمله الآن ويتنفس بعمق، ويستعد من  اجل الهدايا التي يعدها الله له لأوقات اهم، هل يمكنه أن يتوكل على الله توكلاً حقيقاً ويستشعره، هل سيكون سعيداً إن علم أن هنالك احداً يعد له مفاجأة كبيرة ولكنه لم يحسن الظن به ولم يثق به، حينما يعلم ذلك ألن يشعر بالخجل،ألن يشعر بأنه يريد أن يحبه ويثق به، لانه لن يستطيع ان يوفيه حق هديته الكبيره، ولكن ابسط الاشياء التي يمكن أن يفعلها أن يكون ممتن ويالأسف إن لم يكن ممتن.
كلمات قصة هذا الصبي ضربت قلبي بشدة، كانت قصة،منتقاة بعناية شديدة، يمكنها أن تجدد إيمانك وأن تنير جوانب كانت مظلمة لديك، محمد طفل ذكي وسيكون له مستقبل باهر.
كل جلسة في هذا النادي يمكنها أن تنير جوانب كثيرة مني، قدرة الكتب، قدرة عظيمة.
"نور"
ارتب في المنزل قليلاً استعداداً لقدوم لميس ونور، أمي في العمل، تعمل يوم الجمعة أيضاً، إيجار هذه الشقة، ومنصرفات الدراسة والطعام، كانت كثيرة بحق، يجب عليها أن تعمل كثيراً، رن الجرس، كانت قمر، سلمت عليها وقلت : لقد عرفت موقع منزلي جيداً.
قالت وهي تخرج حذائها بالقرب من الباب :نعم لقد كان وصفك جيداً.
أحضرت بعض العصير وجلسنا نتناقش فيما سندرسه، جاءت بعد ذلك لميس وسنبدأ الدراسة الفعلية الآن، اذا تركنا أنا وقمر سوياً كنا سنتناقش في  جميع الأمور الكونية ونكمل جميع القصص ولن ندرس،كان الوقت يمضي بسرعة، رن جرس الباب، أسرعت لأفتحه، كان رجلاً ليس كبيراً في السن جداً، وقفت وانا صامتة امامه مدة طويلة في إنتظار أن يقول ماذا يريد، بعد برهة قال :انت نور اليس كذلك، لقد كبرت ي أبنتي.
حينما قال يا أبنتي قلت له: من أبنتك؟
قال: انت إبنتي، أنا ابيك.
لقد شعرت بصدمة كبيرة، وشعرت بالدوار حقاً، قفلت الباب في وجهه من غير أي رد فعل، قفلت الباب بسرعة كبيرة وبخوف، كنت أرتجف، جلست على الارض لم أعرف ماذا أفعل، جلست فقط، جاءت لميس وقمر وكانوا يقولون : ماذا هناك، ماذا بك، هل انت بخير؟؟!! .
كنت اشعر بالحزن، بالسخط، بالغضب الشديد وبالخوف ايضاً في آن واحد، كيف يمكنه أن يأتي،أنا ليس لدي أب من هو أبي،كانت أمي متطلقة منه منذ ولادتي لم أعلم عنه شيئاً وقد غادر المدينة ولا أعرف عنه اي شئ حتى لم أحصل على صورة واحدة له من أمي كانت قد أحرقت جميع صوره ، لا زلت اتذكر  حينما جمعت جميع صوره واشعلت عليها النار، كنت صغيرة صغيرة جداً، ولكنني اتذكر النيران وهي تتأجج على جميع أغراضه وكانت أمي تبكي، منظر أمي وهي تبكي لم يفارق مخيلتي، شهدت جميع المعاناة التي لاقتها أمي في هذه الحياة، نظرات الناس إليها، كفاحها من أجلي، كيف يمكنه أن يأتي ليقول ببساطة، انت إبنتي، كنت لا زلت ارتجف، كانتا قمر ولميس الى جانبي ويريدونني أن اتحدث ولكنني لم انطق بشئ، جلسوا الى جانبي الى أن جاءت أمي، بعد ذلك غادروا، من غير ان انطق بشئ، كنت لست معتادة الى الآن أن احكي لأحد شئ،كنت لا زلت في عزلتي، جاءت أمي تقدمت نحوها بخطوات وقلت لها جاء أبي، كانت نظرات أمي مرتعدة، الخوف من عينيها كان بادياً، قالت :ماذا قال لك؟
_قال إنني أبنته.
لم تتحدث أمي لكنني شعرت بأنها ارادت البكاء. كنت اشعر في هذه اللحظات بمشاعر مختلطة حقاً،الرفض الشديد كان شعوري الغالب علي في هذه اللحظة.
سمعت أمي بعد ذلك تتصل عليه، لم أعلم أن لديها رقم هاتفه، لقد سألتها مرة عنه ولكنها قالت إنها لا تملكه، ولم أسمعها تتحدث مع طوال هذه السنوات، كانت تصرخ معه في الهاتف وتحدثه كيف أنه يمتلك الجرأة ليأتي الى منزلنا، لا أعلم ما جرى بين أمي وأبي سابقاً، ولكن كل ما أعلمه انه تركني ولم يسأل عني ابداً، كنت وانا صغيرة اتلهف لعودته كثيراً، أرى دائماً ابآء الأخرين وابحث عن ابي بينهم، ركضت ذات مرة لأحضن رجلاً غريباً وقلت له أنه أبي، وأنني أشعر انه أبي، كنت أبحث عنه كالمجنونة في كل الوجوه رغم صغري،أشعر الآن بأنني شخص مهمل، يمكنه ان يأتيني وقت ما شاء، أنني لست سوى قمامة يأتي لإلتقاطاها من دافع الواجب أو الفضول، او لأي سبب كان، اشعر بأنني صغيرة جداً الآن، كما كنت أشعر سابقاً، طوال عمري أشعر بالغربة الشديدة، والوحدة، وأن أبي تركني يمكن لأي شئ أن يتركني كذلك، وأنني لا أستحق شيئاً جميلاً من الحياة لأن أبي تركني، وأنني لا أستحق الحب لأن أبي لم يحبني،كنت أربط كل شئ في حياتي به، والآن بعد أن بدأت اتعافى كنت أعيش لحظات سعيدة بعد أن خرجت من هدوئي وعزلتي قليلاً، يأتي ليقول انا اباك، حقاً؟، كيف يمكنني تقبل ذلك، هنالك الكثير من الأشياء التي لا أستطيع فهمها، لماذا تركني منذ البداية؟ ولماذا عاد؟، كانت هنالك الكثير من الاسئلة التي تخنقني حقاً، أشعر معها بالإختناق حقاً.

"قمر "
ذهبنا للدراسة في منزل نور كما هو مخطط له، ولكنني رأيتها اليوم في منظر لم اره من قبل، كانت نور في الطبيعة باردة طوال الوقت، كنت اشعر بانها حساسة وخجولة وكان هذا صحيحاً، اليوم كانت ضعيفة، ضعيفة وخائفة، كنت ارى في عينيها مخاوف كبيرة، كنت كصديقة لها أقف عاجزة عن فعل شئ لم تتحدث معنا عن شئ، لم تكن تريد الحديث، ولم تخبرنا عن الذي طرق الباب وماذا أخبرها لتكون في هذه الحاله، كانت صديقتنا ولكنها لا زالت تحتفظ بجزء كبير لنفسها، لا تشاركنا مخاوفها،قد لا نكون وصلنا بعد لتلك الدرجة من الثقة، ولكن لدينا علي الاقل  حداً يمكنها أن تؤمن في داخلها أننا اهلاً لهذه الثقة، حتى وإن كانت مصارحتها لنا ستأتي بعد وقت طويل، اشعر بالحزن الشديد من اجلها، ولم استطع في التفكير في شئ منذ أن اتيت منها غير في الذي حدث معها وماذا يمكن أن يكون وكيف يمكنني مساعدتها بشكل حقيقي.

"لميس"
رأيت نور بحالة مزرية، كنت أشعر أنني أمر بظروف صعبة ومشاعري مضطربة طوال الوقت ولكنني رأيت اليوم حزناً اعمق بكثير في عيني نور، لم أستطع الدراسة، ولا أعلم ماذا قد افعل لها وهي لا تشاركنا شئ، الليل  يصبح حالكاً شيئاً فشيئاً ولكنه اليوم أحلك، لأنني حقيقة شعرت بحزنها داخل قلبي وكأنني شعرت بهذه المشاعر قبل، اتمنى لقلبها السلام،واتمنى أن ترتقي صداقتنا لدرجة يمكننا أن نتشارك فيها مخاوفنا، وأن نصبح ملجأ أمناً لبعضنا البعض، اتمنى حقاً ان تزول جميع المخاوف والخسارات والحزن ومشاعر العجز الشديد من هذا العالم، اتمنى أن تكون دعواتنا مستجابة واحلامنا حقيقة، اتمنى أن يكون الفقدان مفقود لدينا،  متلاشي من وجودنا، ادعوا بالسعادة المديدة والضحكات الطوال، الأمنيات الحلويات، والطريق المنير والنفس الهانئة، السلام العميق، الراحة الدئمة، والخطوات الثابتة لنا جميعاً، آميين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي