الفصل الثالث
بعد مرور ثلاثة أعوام علي سفر فراس تخرج من الجامعة وصار رجل أعمال ناجح يكدس وقته للعمل لم يحظي بصداقات كثيره لا يخرج إلا من الشركة للمنزل كان جالسا علي مكتبه منكبا علي حاسوبه يشاهد فيديو لوعد أمام الجامعة تقف تتحدث مع صديقة لها تبتسم من الحين الأخر كم يعشق تفاصيلها وتلك الإبتسامة الساحره التي ما ان تقع عينه عليها زهق روحه وتشعره بالإنتشاء قرر كثيرا العودة بعد ان تخرج من الجامعة ولكن والده يرفض رفضا قاطعا رفض والده يغضبه بشده فلا يعرف ما سببه ألح عليه مررا أن يعرف سبب رفضه للعودة ولكنه يلتزم الصمت تلك المرة لن أقول لكم متي سأعود بل سأفاجأكم بعودتي وجد هاتفه ينير وأسم والده يزين شاشته فتناول الهاتف وضغط علي زر الإيجاب ليجيب عليه ...
كان رأفت جالسا في غرفة مكتبه وحيدا يشتاق لفراس وقد ظهر الضيق عليه فأمسك بهاتفه وأنتظر إجابة الشخص الذي يتصل به والذي أتاه صوته متوجسا ما أن أجيب
(( أبي أهذا أنت ، لما تتصل الان ؟ هل حدث شيئا ))
تنهد والده وهو يرفع الهاتف لإذنه ثم سأله بجفاء
(( ما بك مفزوع بهذا الشكل لمجرد تلقي إتصال مني ، هل فعلت شيئا يستدعي القلق يا فراس .))
خرجت ضحكة خافتة مستهترة من الأخر ثم تحدث قائلا بتهكم
(( لا لم أفعل شيئا خاطئا ولكني أعتدت منك ألا تتصل إلا لو كنت فعلت شيئا غير سار بالنسبة لك .))
عبست ملامح والده فجأة ودمه يغلي فعلا صوته وهو يتحدث قائلا
(( لم تفعل شيئا هل تستغفلني يا ولد فأنا أعرف كل ما تفعله من كبيرة وصغيرة ولكن لم أتخيل في حياتي أن يوصل بك الأمر لتعصي أوامري .))
أختلطت نبرة فراس بجفاء وتمرد وهو يتحدث قائلا
(( أبي أخبرتك أكثر من مره بأنني أريد العودة وأنت من ترفض ولا تخبرني بسبب واحد علي الاقل فليس هناك سببا واحدا لأبقي هنا بعدما أنهيت دراستي لقد حجزت تذاكر السفر وسنكون عندك في أقرب وقت وداعا يا أبي .))
لم يجد أي رد فعل منه في البداية وعم الصمت بينهما لا يسمع إلا صوت أنفاسه الثائرة ثم أجابه والده بعد فترة قائلا
(( حسنا يا بني أخبرني متي ستأتي لأكون في إنتظارك .))
أنهي حديثه مع فراس وجدها تفتح الباب وتطل عليه وجهها شاحب بشده تنظر إليه بخوف وقف عن مقعده وذهب بإتجاهها فتحدثت بنبرة خائفة وقلقة قائله
(( أرجوك أفعل شيئا ولا تجعله يأتي أهون عليا بعده عني وأنا أعلم بأنه مازال علي قيد الحياة ، من أن يأتي ويكون بجواري وأظل أضع يدي علي قلبي طوال الوقت وأنا قلقة عليه ..))
أطرق رأفت برأسه ثم قال ببساطة
(( لقد حاولت معه ولكنه يرفض وأنا لا أستطيع إجباره او الضغط عليه أكثر من ذلك .))
إنفلتت أعصابها وتحدثت بحرقة قائله
(( لقد وافقتك علي سفره للخارج من أجل حمايته وأمنه هل تظن بأنهم سيتركونه لشأنه إذا عاد ألا تعرف بأن عائلتهم لا يستهان بها لقد هددوك وقالوه لك بكل صراحة بأنك لا تعنيهم وأن أبنك هو من عليه العين ماذا لو أتي ونفذوا إحدي تهديداتهم لقد أخبرك بكل وضوح بأنه سينتقم ويأخذ بثأره من ولدي حتي لو ترتب عليه أن يتعفن في السجن لبقية حياته .))
أحتضن زوجته بين ذراعيه يحاول تهداتها يخبرها بأن لكل أجل كتاب وإذا أراد الله به سواء سيحدث عاجلا أم أجلا ..
طرقات عالية علي الباب ذهبت لتفتحه وجدتها دارين ومعها طفلها سيف تحمله بين ذراعيها رحبت بها وأدخلتها وأنتشلت الصغير من بين ذراعيها تداعبه وتنظر إليه تتلمس بأصابعها بشرته الناعمة فتبتسم عليه أنتشلها صوت دارين وهي تتحدث قائله
(( مازلتي تسكنين هنا لما لم تذهبي وتعيشي مع عائلتك .))
أجابتها وقد ألتمعت الدموع في عينيها بينما لم تبارح بصرها عن ذلك الطفل وردي اللون قائلا
((إلي من سأذهب والدتي أم والدي فكل منهم يعيش حياته وكأنني غير موجودة من الأساس ، كل منهم أكمل حياته وصار عندي أخوة لا أعرفهم تخيلي لو قابلتهم مرة صدفة لن أتعرف عليهم .))
ما أن أنتهت من حديثها تساقطت دموعها لتمحيها سريعا وتبتسم للصغير بين ذراعيها ..
فتحدثت صديقتها لتبعد عنها التفكير في والديها عن ذهنها قائله
(( ألم تتمني عاما سعيدا لسيف فبعد الغدا عيد مولده .))
نظرت للصغير بحدقتين تلمعان من الفرح والسعادة فمالت تلثمه بقبلاتها وهي تتمني له عاما سعيدا ظلت معها دارين علي مدار اليوم يتذكرون ذكريات الماضي وما عاشوه معا إلي أن أتت سيرته فتحدثت وعد قائله
((دارين أرجوكي لا أريد التحدث في الأمر ، لا أريد تذكر تلك الأيام .))
قيمتها دارين بنظراتها وهي حزينه من أجلها فهي تعلم كم تعاني وعد من الوحدة فتحدثها باستمرار وتاتي لزيارتها كلما استطاعت ولكنها تحاول أن تبقي وحيده وبعيدة عن الجميع ..
يتحدث مع خاله يخبره بانه قرر العودة للوطن ويطلب منه أن يعود معه فيكفيه من سنوات الغربة..
مسح علي وجهه بنفاذ صبر وقال متهكما
((ستسافر يا فراس لقد تعودت علي وجودك معي .))
لمعت عيناه ببهجة خالصة ممزوجة بعذاب الشوق و العشق بينما يتحدث قائلا
((سأزورك دائما فلا تقلق من تلك الناحية فأنا من أحتاج إليك لتخفف عني لانك الوحيد الذي يشعر بما يعتلي في داخلي .))
تحدث خاله بصوته الرحيم والوقور قائلا
(( أعلم يا فراس بأنني واثق من صدق مشاعرك تجاهها ولكن عليك أن تنظر للعواقب التي بينكما والفوارق أيضا فكر جيدا في كل شئ من جميع النواحي .))
قطب ما بين حاجبيه بتساؤل وتحدث قائلا
((هل كانت موافقتك عندما أخبرتك بمشاعري للفتاة التي أريدها ووقوفك في صفي وقتها ماهي إلا موافقة شكليه فأنا لم أعد أفهمك .))
صمت لثواني يستجمع قواه وأستطرد قائلا
(( لست أنا من أوافق علي العادات البالية أو أشعرك بأنها أقل منك أو أي شئ من هذا القبيل قد تكون هي خيرا لك من غيرها انا فقط أتحدث معك لأوضح لك كل شئ من خبرتي في الحياة والقرار عائد لك فأنت مثل ولدي .))
سكت لبعض من الوقت ثم أستطرد يكمل حديثه قائلا
(( إذا أردت إخبار والدك سأكون واقفا بجوارك وأحاول إقناعه .))
أكتفي بإماءة من رأسه فأخبرتهم الخادمة بأن الطعام جاهز فوقفوا واتجهوا حيث طاولة الطعام والتف الجميع حول الطاولة وباشروا بتناول الطعام ..
تحدثت جولي بتوسل قائله
(( أبي لقد وعدتني بأنني سأذهب معك لحفل زفاف صديقك ))
أردف والدها بعاطفة وشجن قائلا
(( حسنا حبيبتي أنتهي سريعا من تناول وجبتك وأذهبي لتجهزي .))
فنظر لطفله الصغير وتحدث بنفس العاطفة
(( هل تريد الذهاب معنا .))
نفي برأسه وأكتفي بذلك فنظر له والده نظرة كلها حب
فتحدث فراس قائلا
(( أتركه معي وأذهبوا أنتم .))
وقف عن مقعده متجها نحو صغيره إياد يطبع قبلة علي وجنتيها ويطلب منه أن يكون هادئ ولا يزعج فراس لحين عودته ..
بعدما غادرت دارين استلقت وعد فوق الفراش ودثرت نفسها جيدا تحاول النوم إلا أنها وجدت نفسها عاجزة عنه فظلت تفكر في حياتها وما تمر به أطبقت شفتيها في خط قاس وكأن ما تتباهى به من جمالها لا ينفعها في شئ فالشخص الوحيد الذي تقبلها في حياته وأراد التقرب منها والارتباط بها ظلت تبتعد عنه إلي أن نفر منها وابتعد بإرادته
أخذت تفكر بأنه لو كان حاول أكثر التمسك بها لكانت رضخت له ولمحاولته ولكنه توقف ما أن صدته وتمنعت وكأنه كان ينتظر منها أن تصده ليبتعد مغادرا دون وداع ولكنها كانت علي حق فهو كان يريد أن يتسلي قليلا ويزعن أمام الجميع بأنه أوقعها في شباكه وعندما لم يستطع فعله أختفي وكانه لم يكن موجود من الاساس ..
بدأ الخوف يتسرب لقلبها وعقلها وهي تتخيل إمضاء حياتها وحيدة ومنبوذة من الجميع فشعرت بالدنيا تميد بها وتمنت بأن تنشق الارض وتبتلعها لعلها ترتاح ..
كان الوقت قد تاخر فجلس يلعب هو واياد ألعاب الفيديو لحين عودة خاله وجد الخادمة تقف تخبره بأن هناك ضابط بالاسفل فوقف سريعا وأتجه للاسفل ليري ما يريده ذلك الضابط وقف أمامه يعرفه عن نفسه فتحدث الضابط قائلا
(( صاحب هذا البيت تعرض لحادث هو وإبنته وهما الان بالمشفي واتيت لاخبر عائلته لاننا لم نجد معه هاتفا أو أي شيئا من متعلقاته الشخصية فيبدو أن الحادث بفعل السرقة .))
بدأ قلبه يقرع بخوف عنيف ودمعه أوشكت أن تسقط من عينيه فجمع أغراضه الشخصية هاتفه ومفاتيح سيارتة وغادر سريعا حيت أخبره الضابط ..
وصل للمشفي ووقف تائها لا يعرف إلي أين يتجه فسأل في الاستعلامات وأتجه يسرع خطاه وقف امام غرفة العمليات ينتظر أن يخرج احدا من الداخل يترفق بحاله ويطمئنه عليهم وقف يتأكله القلق والخوف في ذات اللحظه وجد الباب يفتح وخرج الطبيب فسأله بصوت يغلفه الحزن وآلم مبرح يضرب صدره ينظر إليه بتوسل أن يخبره بانهم بخير فقال .
(( كيف حالهم .))
أجابه الطبيب بلغته وما معناه قائلا
(( لقد فعلنا ما في وسعنا وما علينا إلا أن ننتظر مرور الساعات القادمة علي خير ، وبخصوص الفتاة التي كانت معه فلم نستطيع فعل شئ من اجلها لقد أتت إلي هنا ميته .))
وقع الخبر عليه وكأن هناك من يغرس سكينا في منتصف قلبه وشعر بالدور وأن قدميه لا تستطيع حمله فنظر للطبيب بتشويش في الرؤيه غير مصدق ما تفوه به هل جوليا ماتت هل ما سمعه صحيح فخانته قدميه لينزلق للاسفل يجلس علي أرضية المشفي وينهار من البكاء فكيف سيستطيع أخبار خاله بذلك الخبر إذا كان هو لا يصدق ما اخبره به الطبيب للتو فجوليا كانت معه منذ ساعات قليله تجلس معه وتتناول الطعام فكيف بين لحظة وضحاها تودع الدنيا لله الامر من قبل ومن بعد .
حاول التماسك قليلا فعليه ان يكون قويا من اجل خاله واياد ويكون بجانبهم ويواسيهم فتحدث بصوت بكاد خرج قائلا
(( أريد رؤيتها للمرة الأخيرة.))
أومأ له الطبيب وطلب منه أن يتبعه تحامل علي نفسه وأستقام واقفا يتبع الطبيب ليري صغيرته للمرة الاخيرة ويودعها فكان يستند علي الحائط بجانبه حتي لا يسقط ارضا أوصله الطبيب لغرفة ثلاجة الموتي ووقف أمامها فراس يقرأ أحرف الكلمة المكتوبه علي باب الغرفة بغير تصديق ففتح الباب الطبيب ودخل ليتبعه فراس وقف أمامها ثلاجة حفظ الموتي المصنوعة من الاستانلس العازل ففتح الطبيب بابا من ابوابها وتحرك مغادرا تاركه واقفا بمفرده في تلك الغرفة عر بالخوف والرهبة من المكان فرفع ذراعيه وامسك بأنامله الملاءة البيضاء الموضوعة فوقها ليزيحها عنها قليلا ليظهر امامه وجهها الباهي وزينتها الهادئة فكانت تشبه الملاك تطلع إليها كثيرا يحفظ ملامحها وأنهار فوق جثتها فرفع راسه ودموعه تسيل بغزارة فتسقط علي وجهها دمعة تلحقها الاخري فودعها وأمسك الملاءة بأنامل مرتجفة وغطي وجهها وجد شخصا يخبره أن يخرج فأطاعه وتحرك مغادرا ولكن نظره معلقا عليها وذلك الشخص يدخلها ويغلق باب الثلاجة فخرج من الغرفة ووقف يأخذ انفاسه بسرعة وكأنه يتاكد بأنه مازال علي قيد الحياة وأنه مستيقظ وليس نائم فجر قدمي متحركا ليري ما عليه فعله ..
بعد عدة ساعات قضاها في ضياع وحزن وكأن سهام نارية أطلقت لتستقر في صدره وجد الطبيب يخبره بأن خاله بخير وبدا بالإفاقه فطلب منه رؤيته وافقه الطبيب وطلب منه ألا يجهده في الحديث وان الزيارة لن تتعدي دقائق قليلة معدوده وافق واتجه للغرفة القابع بها خاله فوقف أمام الباب وأمسك مقبضه بتردد ثم زفر انفاسه وحاول رسم إبتسامة مصتنعة علي وجهه وضغط علي المقبض بشدة ليفتح الباب فدخل وجد خاله بالكاد يفتح عينيه يجاهل لياخذ أنفاسه وجهه وجسده ملئ بالكدمات وتلك الاسلاك الموضوعة علي صدرة وموصلة بأجهزة تشير علي شاشتها بأشياء لا يفهمها فتحرك يقف علي مقربة منه ليتحدث خاله بوهن قائلا
(( جوليا ، أريد رؤية جولي. ))
خانته دمعته لتسقط فمحاها سريعا ينظر إليه فيكذب عليه بينما يقول بتاكيد كاذب
(( اطمئن هي بخير فلقد رأيتها واطمئنت عليها بنفسي .))
سعل خاله بشده وقت من بين سعالاته المتكررة
(( أهتم بها وباياد فسأتركهم أمانة عندك .))
عند هذا الحد ولم يستطع الصمود اكثر فنهارت حصونه امام خاله وقال بحرقة
((لا تقل هذا أرجوك فأنت ستكون بخير وتهتم بعائلتك وأنا سأبقي معك هنا ولن أسافر .))
أنتهي من حديثه واشاح ببصره بعيدا عنه فلم يعد يجرؤ أن يضع عينيه في عيني خاله ويكذب عليه ..
تحدث خاله بتعب وتهتهت وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة قائلا
(( ا ي ا د ))
لفظ أنفاسه الاخيرة وتساقطت دمعة وحيدة من طرف عينه وقد تعالي صوت صفير جهاز دقات القلب فتراجع يجلس في ارضية الغرفة يستند بذراعيه علي فخذيه ويضع كفيه علي وجهه يخفيه ، فتواكب الاطباء داخل الغرفة يحاولون إنعاش قلبه ولكن الامر قد انتهي ولفظ أنفاسه الاخيرة ..
أخبر والده بما حدث لخاله فجهز والده كل شئ ليعود بجثمانهم ودفنهم في ارض الوطن فكان معلقا بين السماء والارض جالسا علي مقعده في الطائرة الخاصة التي بعثها والده لجلبه وبجواره اياد الطفل الصغير الذي لا يعي لشئ من حوله لا يكف عن السؤال عن والده وجولي فلا يعرف بما يجيبه فهو كل ما تبقي من خاله لقد اخبروه بان الحادث كان بدافع السرقة وعندما رفض خاله الرضوخ لهم والتوقف بالسيارة أطلقوا النيران عليهم مما جعل خاله يحاول تفادي الرصاص فختل توازن السيارة وفقد السيطرة عليها فانقلبت عدة مرات متتاليه فنظر لاياد بنظرات مشفقه فهو قد خسر والده واخته في لحظة واحدة عليه ان يهتم به ويحافظ عليه فهو امانة خاله لم ينطق بشئ غير أسمه زهقت انفاسة الاخيرة وهو يوصيه عليه فتناول كفه الصغير وطبع عدة قبلات عليه ثم ربط علي شعره فتحدث وقد امتلأت عيناه بالدموع قائلا ..
(( منذ اليوم ناديني بابي .))
أعلن الطيار عن وصوله وطلب منهم ربط احزمة الامان ثم بدأ بالهبوط خرج فراس من الطائرة يحمل اياد بين ذراعيه متجها للخارج وجد عائلته في انتظاره يكسو وجوههم الحزن فنظر إليهم وهو يحاول ان يبدو متماسكا من اجل طفله فهو منذ الان طفله ..
كان رأفت جالسا في غرفة مكتبه وحيدا يشتاق لفراس وقد ظهر الضيق عليه فأمسك بهاتفه وأنتظر إجابة الشخص الذي يتصل به والذي أتاه صوته متوجسا ما أن أجيب
(( أبي أهذا أنت ، لما تتصل الان ؟ هل حدث شيئا ))
تنهد والده وهو يرفع الهاتف لإذنه ثم سأله بجفاء
(( ما بك مفزوع بهذا الشكل لمجرد تلقي إتصال مني ، هل فعلت شيئا يستدعي القلق يا فراس .))
خرجت ضحكة خافتة مستهترة من الأخر ثم تحدث قائلا بتهكم
(( لا لم أفعل شيئا خاطئا ولكني أعتدت منك ألا تتصل إلا لو كنت فعلت شيئا غير سار بالنسبة لك .))
عبست ملامح والده فجأة ودمه يغلي فعلا صوته وهو يتحدث قائلا
(( لم تفعل شيئا هل تستغفلني يا ولد فأنا أعرف كل ما تفعله من كبيرة وصغيرة ولكن لم أتخيل في حياتي أن يوصل بك الأمر لتعصي أوامري .))
أختلطت نبرة فراس بجفاء وتمرد وهو يتحدث قائلا
(( أبي أخبرتك أكثر من مره بأنني أريد العودة وأنت من ترفض ولا تخبرني بسبب واحد علي الاقل فليس هناك سببا واحدا لأبقي هنا بعدما أنهيت دراستي لقد حجزت تذاكر السفر وسنكون عندك في أقرب وقت وداعا يا أبي .))
لم يجد أي رد فعل منه في البداية وعم الصمت بينهما لا يسمع إلا صوت أنفاسه الثائرة ثم أجابه والده بعد فترة قائلا
(( حسنا يا بني أخبرني متي ستأتي لأكون في إنتظارك .))
أنهي حديثه مع فراس وجدها تفتح الباب وتطل عليه وجهها شاحب بشده تنظر إليه بخوف وقف عن مقعده وذهب بإتجاهها فتحدثت بنبرة خائفة وقلقة قائله
(( أرجوك أفعل شيئا ولا تجعله يأتي أهون عليا بعده عني وأنا أعلم بأنه مازال علي قيد الحياة ، من أن يأتي ويكون بجواري وأظل أضع يدي علي قلبي طوال الوقت وأنا قلقة عليه ..))
أطرق رأفت برأسه ثم قال ببساطة
(( لقد حاولت معه ولكنه يرفض وأنا لا أستطيع إجباره او الضغط عليه أكثر من ذلك .))
إنفلتت أعصابها وتحدثت بحرقة قائله
(( لقد وافقتك علي سفره للخارج من أجل حمايته وأمنه هل تظن بأنهم سيتركونه لشأنه إذا عاد ألا تعرف بأن عائلتهم لا يستهان بها لقد هددوك وقالوه لك بكل صراحة بأنك لا تعنيهم وأن أبنك هو من عليه العين ماذا لو أتي ونفذوا إحدي تهديداتهم لقد أخبرك بكل وضوح بأنه سينتقم ويأخذ بثأره من ولدي حتي لو ترتب عليه أن يتعفن في السجن لبقية حياته .))
أحتضن زوجته بين ذراعيه يحاول تهداتها يخبرها بأن لكل أجل كتاب وإذا أراد الله به سواء سيحدث عاجلا أم أجلا ..
طرقات عالية علي الباب ذهبت لتفتحه وجدتها دارين ومعها طفلها سيف تحمله بين ذراعيها رحبت بها وأدخلتها وأنتشلت الصغير من بين ذراعيها تداعبه وتنظر إليه تتلمس بأصابعها بشرته الناعمة فتبتسم عليه أنتشلها صوت دارين وهي تتحدث قائله
(( مازلتي تسكنين هنا لما لم تذهبي وتعيشي مع عائلتك .))
أجابتها وقد ألتمعت الدموع في عينيها بينما لم تبارح بصرها عن ذلك الطفل وردي اللون قائلا
((إلي من سأذهب والدتي أم والدي فكل منهم يعيش حياته وكأنني غير موجودة من الأساس ، كل منهم أكمل حياته وصار عندي أخوة لا أعرفهم تخيلي لو قابلتهم مرة صدفة لن أتعرف عليهم .))
ما أن أنتهت من حديثها تساقطت دموعها لتمحيها سريعا وتبتسم للصغير بين ذراعيها ..
فتحدثت صديقتها لتبعد عنها التفكير في والديها عن ذهنها قائله
(( ألم تتمني عاما سعيدا لسيف فبعد الغدا عيد مولده .))
نظرت للصغير بحدقتين تلمعان من الفرح والسعادة فمالت تلثمه بقبلاتها وهي تتمني له عاما سعيدا ظلت معها دارين علي مدار اليوم يتذكرون ذكريات الماضي وما عاشوه معا إلي أن أتت سيرته فتحدثت وعد قائله
((دارين أرجوكي لا أريد التحدث في الأمر ، لا أريد تذكر تلك الأيام .))
قيمتها دارين بنظراتها وهي حزينه من أجلها فهي تعلم كم تعاني وعد من الوحدة فتحدثها باستمرار وتاتي لزيارتها كلما استطاعت ولكنها تحاول أن تبقي وحيده وبعيدة عن الجميع ..
يتحدث مع خاله يخبره بانه قرر العودة للوطن ويطلب منه أن يعود معه فيكفيه من سنوات الغربة..
مسح علي وجهه بنفاذ صبر وقال متهكما
((ستسافر يا فراس لقد تعودت علي وجودك معي .))
لمعت عيناه ببهجة خالصة ممزوجة بعذاب الشوق و العشق بينما يتحدث قائلا
((سأزورك دائما فلا تقلق من تلك الناحية فأنا من أحتاج إليك لتخفف عني لانك الوحيد الذي يشعر بما يعتلي في داخلي .))
تحدث خاله بصوته الرحيم والوقور قائلا
(( أعلم يا فراس بأنني واثق من صدق مشاعرك تجاهها ولكن عليك أن تنظر للعواقب التي بينكما والفوارق أيضا فكر جيدا في كل شئ من جميع النواحي .))
قطب ما بين حاجبيه بتساؤل وتحدث قائلا
((هل كانت موافقتك عندما أخبرتك بمشاعري للفتاة التي أريدها ووقوفك في صفي وقتها ماهي إلا موافقة شكليه فأنا لم أعد أفهمك .))
صمت لثواني يستجمع قواه وأستطرد قائلا
(( لست أنا من أوافق علي العادات البالية أو أشعرك بأنها أقل منك أو أي شئ من هذا القبيل قد تكون هي خيرا لك من غيرها انا فقط أتحدث معك لأوضح لك كل شئ من خبرتي في الحياة والقرار عائد لك فأنت مثل ولدي .))
سكت لبعض من الوقت ثم أستطرد يكمل حديثه قائلا
(( إذا أردت إخبار والدك سأكون واقفا بجوارك وأحاول إقناعه .))
أكتفي بإماءة من رأسه فأخبرتهم الخادمة بأن الطعام جاهز فوقفوا واتجهوا حيث طاولة الطعام والتف الجميع حول الطاولة وباشروا بتناول الطعام ..
تحدثت جولي بتوسل قائله
(( أبي لقد وعدتني بأنني سأذهب معك لحفل زفاف صديقك ))
أردف والدها بعاطفة وشجن قائلا
(( حسنا حبيبتي أنتهي سريعا من تناول وجبتك وأذهبي لتجهزي .))
فنظر لطفله الصغير وتحدث بنفس العاطفة
(( هل تريد الذهاب معنا .))
نفي برأسه وأكتفي بذلك فنظر له والده نظرة كلها حب
فتحدث فراس قائلا
(( أتركه معي وأذهبوا أنتم .))
وقف عن مقعده متجها نحو صغيره إياد يطبع قبلة علي وجنتيها ويطلب منه أن يكون هادئ ولا يزعج فراس لحين عودته ..
بعدما غادرت دارين استلقت وعد فوق الفراش ودثرت نفسها جيدا تحاول النوم إلا أنها وجدت نفسها عاجزة عنه فظلت تفكر في حياتها وما تمر به أطبقت شفتيها في خط قاس وكأن ما تتباهى به من جمالها لا ينفعها في شئ فالشخص الوحيد الذي تقبلها في حياته وأراد التقرب منها والارتباط بها ظلت تبتعد عنه إلي أن نفر منها وابتعد بإرادته
أخذت تفكر بأنه لو كان حاول أكثر التمسك بها لكانت رضخت له ولمحاولته ولكنه توقف ما أن صدته وتمنعت وكأنه كان ينتظر منها أن تصده ليبتعد مغادرا دون وداع ولكنها كانت علي حق فهو كان يريد أن يتسلي قليلا ويزعن أمام الجميع بأنه أوقعها في شباكه وعندما لم يستطع فعله أختفي وكانه لم يكن موجود من الاساس ..
بدأ الخوف يتسرب لقلبها وعقلها وهي تتخيل إمضاء حياتها وحيدة ومنبوذة من الجميع فشعرت بالدنيا تميد بها وتمنت بأن تنشق الارض وتبتلعها لعلها ترتاح ..
كان الوقت قد تاخر فجلس يلعب هو واياد ألعاب الفيديو لحين عودة خاله وجد الخادمة تقف تخبره بأن هناك ضابط بالاسفل فوقف سريعا وأتجه للاسفل ليري ما يريده ذلك الضابط وقف أمامه يعرفه عن نفسه فتحدث الضابط قائلا
(( صاحب هذا البيت تعرض لحادث هو وإبنته وهما الان بالمشفي واتيت لاخبر عائلته لاننا لم نجد معه هاتفا أو أي شيئا من متعلقاته الشخصية فيبدو أن الحادث بفعل السرقة .))
بدأ قلبه يقرع بخوف عنيف ودمعه أوشكت أن تسقط من عينيه فجمع أغراضه الشخصية هاتفه ومفاتيح سيارتة وغادر سريعا حيت أخبره الضابط ..
وصل للمشفي ووقف تائها لا يعرف إلي أين يتجه فسأل في الاستعلامات وأتجه يسرع خطاه وقف امام غرفة العمليات ينتظر أن يخرج احدا من الداخل يترفق بحاله ويطمئنه عليهم وقف يتأكله القلق والخوف في ذات اللحظه وجد الباب يفتح وخرج الطبيب فسأله بصوت يغلفه الحزن وآلم مبرح يضرب صدره ينظر إليه بتوسل أن يخبره بانهم بخير فقال .
(( كيف حالهم .))
أجابه الطبيب بلغته وما معناه قائلا
(( لقد فعلنا ما في وسعنا وما علينا إلا أن ننتظر مرور الساعات القادمة علي خير ، وبخصوص الفتاة التي كانت معه فلم نستطيع فعل شئ من اجلها لقد أتت إلي هنا ميته .))
وقع الخبر عليه وكأن هناك من يغرس سكينا في منتصف قلبه وشعر بالدور وأن قدميه لا تستطيع حمله فنظر للطبيب بتشويش في الرؤيه غير مصدق ما تفوه به هل جوليا ماتت هل ما سمعه صحيح فخانته قدميه لينزلق للاسفل يجلس علي أرضية المشفي وينهار من البكاء فكيف سيستطيع أخبار خاله بذلك الخبر إذا كان هو لا يصدق ما اخبره به الطبيب للتو فجوليا كانت معه منذ ساعات قليله تجلس معه وتتناول الطعام فكيف بين لحظة وضحاها تودع الدنيا لله الامر من قبل ومن بعد .
حاول التماسك قليلا فعليه ان يكون قويا من اجل خاله واياد ويكون بجانبهم ويواسيهم فتحدث بصوت بكاد خرج قائلا
(( أريد رؤيتها للمرة الأخيرة.))
أومأ له الطبيب وطلب منه أن يتبعه تحامل علي نفسه وأستقام واقفا يتبع الطبيب ليري صغيرته للمرة الاخيرة ويودعها فكان يستند علي الحائط بجانبه حتي لا يسقط ارضا أوصله الطبيب لغرفة ثلاجة الموتي ووقف أمامها فراس يقرأ أحرف الكلمة المكتوبه علي باب الغرفة بغير تصديق ففتح الباب الطبيب ودخل ليتبعه فراس وقف أمامها ثلاجة حفظ الموتي المصنوعة من الاستانلس العازل ففتح الطبيب بابا من ابوابها وتحرك مغادرا تاركه واقفا بمفرده في تلك الغرفة عر بالخوف والرهبة من المكان فرفع ذراعيه وامسك بأنامله الملاءة البيضاء الموضوعة فوقها ليزيحها عنها قليلا ليظهر امامه وجهها الباهي وزينتها الهادئة فكانت تشبه الملاك تطلع إليها كثيرا يحفظ ملامحها وأنهار فوق جثتها فرفع راسه ودموعه تسيل بغزارة فتسقط علي وجهها دمعة تلحقها الاخري فودعها وأمسك الملاءة بأنامل مرتجفة وغطي وجهها وجد شخصا يخبره أن يخرج فأطاعه وتحرك مغادرا ولكن نظره معلقا عليها وذلك الشخص يدخلها ويغلق باب الثلاجة فخرج من الغرفة ووقف يأخذ انفاسه بسرعة وكأنه يتاكد بأنه مازال علي قيد الحياة وأنه مستيقظ وليس نائم فجر قدمي متحركا ليري ما عليه فعله ..
بعد عدة ساعات قضاها في ضياع وحزن وكأن سهام نارية أطلقت لتستقر في صدره وجد الطبيب يخبره بأن خاله بخير وبدا بالإفاقه فطلب منه رؤيته وافقه الطبيب وطلب منه ألا يجهده في الحديث وان الزيارة لن تتعدي دقائق قليلة معدوده وافق واتجه للغرفة القابع بها خاله فوقف أمام الباب وأمسك مقبضه بتردد ثم زفر انفاسه وحاول رسم إبتسامة مصتنعة علي وجهه وضغط علي المقبض بشدة ليفتح الباب فدخل وجد خاله بالكاد يفتح عينيه يجاهل لياخذ أنفاسه وجهه وجسده ملئ بالكدمات وتلك الاسلاك الموضوعة علي صدرة وموصلة بأجهزة تشير علي شاشتها بأشياء لا يفهمها فتحرك يقف علي مقربة منه ليتحدث خاله بوهن قائلا
(( جوليا ، أريد رؤية جولي. ))
خانته دمعته لتسقط فمحاها سريعا ينظر إليه فيكذب عليه بينما يقول بتاكيد كاذب
(( اطمئن هي بخير فلقد رأيتها واطمئنت عليها بنفسي .))
سعل خاله بشده وقت من بين سعالاته المتكررة
(( أهتم بها وباياد فسأتركهم أمانة عندك .))
عند هذا الحد ولم يستطع الصمود اكثر فنهارت حصونه امام خاله وقال بحرقة
((لا تقل هذا أرجوك فأنت ستكون بخير وتهتم بعائلتك وأنا سأبقي معك هنا ولن أسافر .))
أنتهي من حديثه واشاح ببصره بعيدا عنه فلم يعد يجرؤ أن يضع عينيه في عيني خاله ويكذب عليه ..
تحدث خاله بتعب وتهتهت وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة قائلا
(( ا ي ا د ))
لفظ أنفاسه الاخيرة وتساقطت دمعة وحيدة من طرف عينه وقد تعالي صوت صفير جهاز دقات القلب فتراجع يجلس في ارضية الغرفة يستند بذراعيه علي فخذيه ويضع كفيه علي وجهه يخفيه ، فتواكب الاطباء داخل الغرفة يحاولون إنعاش قلبه ولكن الامر قد انتهي ولفظ أنفاسه الاخيرة ..
أخبر والده بما حدث لخاله فجهز والده كل شئ ليعود بجثمانهم ودفنهم في ارض الوطن فكان معلقا بين السماء والارض جالسا علي مقعده في الطائرة الخاصة التي بعثها والده لجلبه وبجواره اياد الطفل الصغير الذي لا يعي لشئ من حوله لا يكف عن السؤال عن والده وجولي فلا يعرف بما يجيبه فهو كل ما تبقي من خاله لقد اخبروه بان الحادث كان بدافع السرقة وعندما رفض خاله الرضوخ لهم والتوقف بالسيارة أطلقوا النيران عليهم مما جعل خاله يحاول تفادي الرصاص فختل توازن السيارة وفقد السيطرة عليها فانقلبت عدة مرات متتاليه فنظر لاياد بنظرات مشفقه فهو قد خسر والده واخته في لحظة واحدة عليه ان يهتم به ويحافظ عليه فهو امانة خاله لم ينطق بشئ غير أسمه زهقت انفاسة الاخيرة وهو يوصيه عليه فتناول كفه الصغير وطبع عدة قبلات عليه ثم ربط علي شعره فتحدث وقد امتلأت عيناه بالدموع قائلا ..
(( منذ اليوم ناديني بابي .))
أعلن الطيار عن وصوله وطلب منهم ربط احزمة الامان ثم بدأ بالهبوط خرج فراس من الطائرة يحمل اياد بين ذراعيه متجها للخارج وجد عائلته في انتظاره يكسو وجوههم الحزن فنظر إليهم وهو يحاول ان يبدو متماسكا من اجل طفله فهو منذ الان طفله ..