الفصل الرابع شجار

في نفس اليوم انتقلت حور إلى شقة السيدة زينات، وخصصت لها غرفة لتعيش فيها، وعندما تعافت قررت زينات شراء ملابسها جديدة لها، حتى تتمكن من تغيير ملابسها بشكل مريح.

شعرت حور بتأثر شديد، بسبب دفء المرأة وكلماتها الطيبة، أثناء شرائها ملابسها، مما جعلها تذرف الدموع في بصمت.

عندما رأت زينات دموعها، سألتها بنبرة رقيق:
ما بك يا ابنتي؟

أجابت حور بتأثر شديد:
أنتِ لطيفة معي، رغم أنكِ لا تعرفين من أنا أو ما أصلي.

ربتت على رأسها بلطف، وقالت:
لقد عاشرت الكثير من الناس، منهم الطيبين والأشرار، ومن وجهة نظري أقول لك، أنتِ طيبة، وطالما أنا معك فلا تخافي من أي شيء، وما دمت معك فلا تخافين من شيء، سأبحث عن عائلتك حتى تقابليهم، وفي ذلك الوقت ستعيش معي.

قالت حور بابتسامة هادئة:
أنا سعيد بوجودي معك، وأشعر بإنك أمي، والعيش معك أكثر راحة بمليون مرة من الجلوس في بيت هذا المتغطرس والمزعج.

ضحكت بصوت عالٍ، ثم قالت: غيث كثير الكلام، أرجوك.

-العفو، إنه شخص مزعج فقط.

-عندما تعرفينه جيدًا، ستعرفين أنه ليس فيه أيًا من هذا الصفات التي تقوليها عنه.

قالت حور بغير اقتناع:
ربما، لكني أشك.

ولكن في أثناء حديثها، كانت تضع يديها على رأسها من حين لآخر.

أردفت حور:
لكن شهادة للحق، أنه لطيف وشجاع، ولكنه أيضًا مزعج ومتغطرس.

ابتسمت زينات وهي تقول:
أنتِ مصممة على رأيك.

لاحظت حركتها المتكررة فوق رأسها، وحركتها في تعديل الحجاب، فقالت لها بوجه مبتسم: الحجاب عليك كالقمر.

ترددت وهي تقول:
إنه شعور غريب قليلاً بالنسبة لي.

قالت زينات بنبرة مشجعة:
أنتِ تشبهين القمر في الحجاب.

قالت حور بخفوت:
ولكني أشعر بالغرابة يا سيدة وبنات.

ابتسمت زينات، وقالت لها بنبرة رقيقة:
سوف تعتادين عليه، وأنت أيضًا لا يمكنك العيش معنا، بين الصيادين مع بنفس المظهر والملابس التي وجدناك بها.

سألت حور بفضول: ماذا كنت أرتدي؟

ترددت ثم قالت:
مثل ثوب النوم، ثوب لم أرتديه لزوجي الراحل عندما كنت عروساً.

وضعت حور يدها على فمها، وخنقت صوت منصدم:
إلى هذه الدرجة يا سيدة زينات.

-انسى الماضي يا حور، ونظراتي فيك لن تخيب أبدًا، وبغض النظر عن الماضي الخاص بك فإنه اليوم لا يهم.

-إلى هذه الدرجة واثقة بي.

-نعم، أنا واثقة من بصيرتي، دعنا نذهب، وإذا سألك أحد من الجيران، أخبريهم أنك قريبة من قرايب زوجي المتوفي.

هزت حور رأسها وقالت: نعم.

رن هاتفها، فأخرجته من جيب جلبابها وقالت:
"نعم، إبراهيم، ستجدني في المتجر".

سألت حور: نعم، هل هناك شيء؟

أجابتها بابتسامة: كل خير، أخبرني أبراهيم أن طلب السمك على وشك الوصول، وأنا بحاجة إلى أن أكون هناك لاستلامه، ولكي أعطي التاجر نقود البضاعة.

قالت حور:
من فضلك خذيني معك، أريد أن أرى سوق السمك.

ضيقت حاجبيها وهي تنظر إليها في تفكيرها، ثم قالت: سآخذك معي.

داخل السوق، انغمست حور في التفكير في ما يحدث أمامها من بيع وشراء ومناداة الباعة، فتساءلت بفضول: أخبريني، يا سيدة زينات، هل لدى غيث محل هو الآخر.

ردت بعد لحظات قائلة: لا، طبعا ليس له محل، لديه فقط قارب صيد.

-هل هو متعلم؟

-طبعا غيث خريج هندسة ميكانيكية ويعرف كيف يصلح أفضل قارب. غيث ذكي جدا، يشبه أبيه كثيرًا رحمه الله.

قاطعت زينات حديثها مرة واحدة، عندما سمعت مشاجرة صاخبة على بعد أمتار قليلة منهم، ورأت المعلم حمدان يضرب ابن زوجته الذي يعمل معه في المحل.

فضربت راحة يدها على الأخرى وهي تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنه يضرب هذا الولد المسكين كل يوم. جزاه الله من تأتي لابنها أزوج أم مثل هذا.

وعندما سمعت حور كلماتها، لم تستطع البقاء صامتة، لأنها رأت الناس يراقبون في صمت، دون مساعدة هذا الطفل المسكين.

صرخت زينات في حور: انتظري يا حور، هذا الرجل شرير.

لم تستجب لنداء السيدة زينات، واستمرت في التحرك حتى وقفت أمام المعلم حمدان، وصرخت في وجهه:
لا تمد يدك عليه، وإذا قمت بمدها مرة أخرى فسوف أبلغ الشرطة عنك، ومنظمة حقوق الطفل.

في نفس اللحظة قالت زينات للصبي الواقف بجانبها: اركض يا بندق، أحضر غيث بسرعة.

فأجابها البندق: بسرعة يا معلمة.

قال حمدان ساخرًا: اذهبي أيتها الفتاة من هنا.

نظرت إليه دون أن ترمش: ما أنت، أنت حيوان، أنت لست رجل، تمد يدك على طفل صغير وتعمل عليها سبعة رجال.

نظرت إليها أم أحمد برعب وتمتمت: يا إلهي يا إلهي.

انتفخت عروقه وتحركت من شدة الغضب، ورفع يديه ليصفعها، لكنها أمسكت بيديه وابعدتها عن وجهها بقوة، ورغم صغر حجمهما إلا أنهما كانت تمتلك قوة لم تتوقع امتلاكها.

ثم رفعت إحدى ركبتيها وضربته بكل القوة التي تمتلكها بين رجليه، ليسقط على الأرض، فأخذ يسبها بأبشع الكلمات، وهو يتلوى من الألم.

كان غيث منغمس في إصلاح أحد القوارب، وهو يغني بطريقة فلكورية، انقطع تركيزه بسبب صراخ أحد أطفال الحي: أسرع، السيدة حور تتشاجر مع المعلم حمدان، وأخذ يقول له ماذا حدث.

رمى غيث ما كان في يده، ونهض مسرعا وذهب مسرعًا إلى السوق، عندما وصل إلى مكان الشجار، رأى حمدان ينهض من الأرض ويرفع يده ليضرب حور، وفي لحظة واحدة، مد يده أمامه، وأمسك يديه، ولويهما خلف ظهره، ولكمه عدة مرات.

ثم صرخ فيه غاضبًا: لا يكفيك أن تضرب الأطفال، أيضًا تمد يدك على امرأة ضعيفة ومكسورة.

قال حمدان بغضب: أين هذه الضعيفة؟ أنها عفريته.

تحركت حور من مكانها، وهي تصرخ: أنا عفريته يا رجل، يا ربع رجل فقط.

أمسكها غيث بيده الحرة من خصرها، وأبعدها عن الاقتراب من حمدان، ولكن حور لم تتوقف عن الحركة، مما جعل جسدها يصطدم بجسده، دون وعي منها، مما أحدث شرارات، لم يكن يتوقع حدوثها له في أكثر أحلامه تهورًا.

نظر إليها لفترة طويلة وشعر بغصة في حلقه، ونفض أفكاره الشريرة، فهذا ليس الزمان والمكان المناسب، لأفكاره الفاسدة تجاهها.

قال بنبرة مرعبة: كفى يا حور.

قالت بعناد: لا يكفي، يجب أن أبلغ عنه الشرطة حتى يتمكنوا من القبض عليه.

تدخلت زينات وسحبتها من بين يدي غيث، وقالت لها:
كفى يا حور، دعي الشجار للرجال.

ضربت قدميها على الأرض بعناد طفولي، ثم قالت:
لا، لن أمشي.

صرخ عليها غيث بغضب شديد: أسمعي الكلمات.

شعرت بالرعب منه، وتراجعت عن موقفها، وقالت بخفوت: سأبتعد لأني أريد أن أذهب، سأبتعد بمزاجي.

وعندما ابتعدت حور، قال غيث بغضب شديد: بالطبع أنت تعرف ما يمكنني أن أفعله بك يا حمدان، فأنا في غضون ساعة، استطيع قفل هذا المحل، لا تقترب من حور أو الفتى، هل كلامي مفهوم؟

تمتم حمدان بغضب مكتوم: نعم، مفهوم ثم وجه كلماته إلى الطفل، وأنت أذهب إلى والدتك، ولا تأتي إلى المحل هنا مرة أخرى.

حسن بخوف: حاضر.

ثم بدأ بالركض وغادر حمدان أيضا متعهدا في سره بالانتقام من هذه الفتاة الغريبة التي يدافع عنها غيث.

ذهب غيث مباشرة إلى المحل ووجد زينات مع حور
حاول قمع غضبه متسائلاً: ما الذي حدث بالضبط وكيف ذهبت بها إلى السوق؟

قالت زينات بندم: كانت غلطتي، هي طلبت مني مشاهدة السوق، وأنا وافقت على طلبها هذا.

تحدث غيث بنبرة عصبية: أنتِ تعرفين حمدان جيداً، بناب أزرق، ولن يتركها بمفردها بعد ما فعلته، وجعله أضحوكة للجميع، وهي ليس لديها أحد.

قالت أم أحمد: قلت لها أن تخبر من يسألها أنها قريبة زوجي.

جز على اسنانه بانفعال: وتعتقدين أن هذا سيمنعه من إيذائها، وهو يعلم أنها وحدها وليس لها ظهر.

ردت بإصرار: أنا سوف أكون سندها، هي سوف تعيش معي حتى تظهر عائلتها.

كتم غضبه قائلاً: وهل تظني أن هذا قد يمنعه بعد أن مسخره كرامته بين أهل المنطقة؟

أجابت بالاستسلام: اللهم احفظها من كل سوء

اقتحمت حور الحديث وهي تصرخ: أنا سوف أغادر ولن أسبب لك مشاكل.

قال غيث بنبرة قاتلة: أنتِ أصمتي تماما، لا أريد سماع أي كلمة منك.

لمست حور شفتيها بحركة لا إرادية، ثم قالت:
لا تصرخ في وجهي هكذا، لن أسمح لك.

قال ساخرا: أصرخ كما أشاء.

هتفت زينات، تقاطع تبادل الكلمات بينهما:
كفى صياح وصراخ، يكفي ما حدث منذ قليل.

تمتمت حور بغضب:
هو الذي بدأ في الصياح.

قالت السيدة زينات بصرامة:
لا تتحدثي بأي كلمة ثانية يا حور.

ضربت قدميها على الأرض وتمتمت:
من أجلك أنتِ سيدة زينات، سأسمع الكلام ولن أتحدث ثانية.

نظرت زينات إلى غيث وهي تحذره:
وأنت أيضًا يا غيث، لا داعي للشجار مع حور.

قال غيث بغيظ مكتوم:
أنتِ لم تري ما فعلته، وماذا فعلت مع حمدان، وهي أيضًا لا تتعرف بأنها مخطئة، وتتحدث معي بأسلوب غير لائق، ولا تعترف أنها أخطأت.

قالت حور:
لم أخطئ.

قال غيث بضيق:
هل ترين كيف تجيبني كلمة بكلمة؟

قالت السيدة زينات بهدوء:
-رأيت وسمعت كل شيء وأهدأ على الفتاة وكفى صياح في وجهها، أنت معروف أنك رصين ومتسامح، لماذا لا تتسامح مع أي كلمة لها؟

تنفس بعمق، ثم قال:
-هي سبب في أخرج أسوأ ما فيّ.

قالت زينات:
-اهدأ وفكر فيما سنفعله مع المعلم حمدان.

قاطع حديثهم عندما ركض حسن في الداخل، ثم فجأة وقف أمامهم وتنفس بصعوبة، وظل صامت عن الكلام.

سألته زينات بقلق: لماذا تركض يا حسن؟ قل ماذا حدث؟هيا تحدث بسرعة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي