الفصل الخامس عشر مجنونة

عندما تتلاقى المسافات، تتلاقى المشاعر الصادقة. لم يكن القرب يومًا بعيدًا، بل كان شعورًا.

عندما اقترب هو وهي من المنزل وأصبحا قريبين جدًا، على بعد أمتار قليلة، سمعوا صوتًا ينادي كل واحد منهم أثناء سيرهم، مما جعلهم يتوقفون عن الحركة وينظرون وراءهم بصمت دون أن ينطقوا بأي كلمة.

قالت لهم زينات بنبرة اتهام بارد:
أين كنت أنت وهي في هذا الوقت من الليل؟

أجابت بنبرة ساذجة:
ما الذي أيقظك من النوم الآن يا سيدة زينات؟

ردت بنبرة حادة، وهي تخرج الزفير بعنف، وتحولت بصرها فوقهما باتهام واضح وصريح:
أشعر بالسوء، ما الذي أيقظني الآن؟ من المفترض أن أسأل أنا هذا السؤال، أنا من المفترض أن أسألك أم أنت يا حور.

قالت حور، وهي متضايقة من رؤيتها تلك النظرات المتهمة، فهي لم تفعل شيئًا خاطئًا:
لماذا أنت، هل فعلت شيئًا أزعجك؟ لماذا صوتك غاضب جدا؟ ما الخطأ الذي ارتكبته فقط لأجعلك تصرخين في وجهي هكذا؟ صراخ منك، وايضًا صراخ من غيث، ماذا فعلت من أجل كل هذا؟


قالت زينات وهي تضرب يدها بعنف، وهي لا تعرف ماذا تقول لها، إذ بدت بريئة ولم تفهم شيئًا:
عندما لم أجدك في غرفتك أو في المنزل بأكمله، قلقت عليك يا ابنتي، وقلت لنفسي هل ممكن أصابها سوء ما، وعندما خرجت للبحث عنك، رأيتك قادمه مع غيث في هذا الوقت من الليل.

نظرت لها بحزن، و هي تشعر انها فعلا اقلقت السيدة زينات عليها، شعرت أن سلوكها هذا، سلوك غير مسئول يشوبها الكثير من الخطأ.

فقالت بنبرة اعتذارية:
لم أقصد أن أجعلك تقلقين علي إطلاقًا، لم أرد إيقاظك من نومك وقلت دعيها يا فتاة تنام، وقلت سأذهب إلى غيث لأسأله عن شيء وما وسأعود مباشرة، لا تغضبي مني، ولم أقصد ذلك على الإطلاق، لم أقصد إزعاجك، أو أن أجعلك تقلقين علي أبدًا.

قالت لها وهي لا تزال تضرب كفيه:
وهل سألت وعرفت نتيجة سؤالك يا ابنتي؟

أجابت بنبرة خافتة مكتئبة:
لا أعرف؟

قالت زينات بضيق:
ألم تسألي غيث يا ابنتي؟

ثم نظرت إلى غيث باتهام، وكان هو يتابع المحادثة في صمت، أدار عيونه بعيدا عن نظراتها المتمعنة.

والقى بنظراته إلى قطة تختفي تحت إحدى السيارات لكي تلتمس بعض الهدوء في هذا الوقت من الليل الذي بشوية لسعة هواء بارد، فهي كما يعتقد تبدو وحيدة مثله تماما كل ما تريده في هذه الحياة الدفء وحياة بسيطة خالية من أي منغص ينغص عليها هذه الحياة .


قالت حور بصوت رقيق مشوب بالندم:
لأنه لم يكن لدي فرصة لفتح فمي بالكلام، فهو فعل مثلك تمامًا، كان الأمر كما لو أنه رأى عفريتًا، وكل ما كان على لسانه، أذهبي إلى المنزل.

نظرت إلى غيث بحدة، ثم قالت:
أذهبِِ للداخل يا حور الآن، وسوف أتحدث معك لاحقًا.


ردت وهى تنظر إلى أصابع قدميها:
حسنًا، سأدخل.

قالت زينات بغضب مكتوم، موجّهة إليه كلماتها الغاضبة:
ما حدث لك لم يكن صحيحا غيث.

فأجاب بهدوء:
نعم بالطبع هذا غير صحيح، ولا داعي لهذه النظرات المشكوك التي تخرج من عينيك.

يفترض أنك تعرفين أخلاقي جيداً يا سيدة زينات، أنا لم أعطيها فرصة للحديث ولم تجلس معي ولو لدقيقة.

شهقت زينات بحدة وقالت:
أنت وهي في منزلك وحدك وفي هذا الوقت، هل من المفترض تصديق كلامك هذا.


وواصلت زينات الحديث نبرة الشك:
وهل ومن المفترض أن أصدق أنك صادق، أنا أكبر منك في كل شيء، ليس فقط في العمر، في كل شيء، لقد عشت مع الكثير من الناس ومررت بالعديد من المواقف.


قلد غيث حركة الكمان فقال:
مرارًا وتكرارًا، نعم، أنا وهي والشيطان معنا، لم تخبرك بلسانها أنني لم أتركها تجلس لمدة دقيقة، لم أسمع حتى ما أرادت قوله، ولم أعطيها أي فرصة على الإطلاق.

قالت زينات:
عندما كبرت، عشت حياتك كلها بين الخواجات، قل لي أنك لم تحاول الاستفادة من الموقف، وحتى لو حدث شيء هي لن تتكلم؛ لإنها ثم قطعت كلامها فجأة


سأل غيث بفضول:
لأن ماذا يا أم أحمد؟

أجابت زينات بعبوس:
لا شيء غيث وعامل حور مثل أختك.

قال ضاحكا:
مثل اختي هذا صعب علي قليًلا، وعار عليك لأنك تشكين في اخلاقي ام احمد، أنا أمزح حتى الآن، وأن كل كلامك الآن؛ هو بسبب غضبك مما حدث.

ضمت زينات شفتيها بإحكام، ثم قالت:
أنت تضحك أيضًا، هل أنت رجل أم لست رجلاً؟

تألقت عينا غيث بالضحك وهو يسمع رد زينات، ثم أضاف بابتسامة شاحبة على شفتيه:
ونتوقف هنا عن الكلام، وما هذا الكلام إنني لست رجلًا، وهذا الشارب على وجهي ألم يخبرك عن نوعي.

قالت زينات بنبرة هادئة، وهي تشبك أصابع يديها معًا:
لا يوجد رجل مع فتاة مثل القمر بمفردهم، وفي هذا الوقت ولن يذهب عقله إلى الشمال، أنا رأيت أيضًا نظراتك إليها، نظرات غير أخوية على الإطلاق.

تألقت عيناه بالضحك ثم قال:
النظرات ليست أخوية مني، وأين هذه القمر أيضًا؟

هزت زينات رأسها قبل أن تقول:
أنثى أم ليست أنثى وانت رجل، وآتيتم معًا في هذا الوقت، ماذا تريد مني أن أقول لك؟ تريد مني أن أصمت ولا أتحدث وأقول لا شيء، أنا أتمنى ألا يتكرر هذا الموضوع، الفتاة تحبك.


هز غيث كتفيه وقال بهدوء:
لا أعرف من أين أتيت بهذا الكلام، هي لا تحبني.

مهمتك الآن يا سيدة زينات، وهي عندما تدخلين إليها، عليك أن تجعليها تفهم أن سلوكها هذا خاطئ، وأنها بحاجة إلى تأهيل وتعليم، وأنا لست مخطئًًا في هذه المحادثة بأكملها، وليس من المفترض أن تلقي باللوم عليَّ في أي جزء من هذا.

ضمت حاجبيها وقالت بعبوس:
ولماذا ذهبت إليك؟

أجاب غيث بلا مبالاة، وهز كتفيه:
لماذا تسأليني هذا السؤال؟ هذا السؤال يكون لها وليس لي.

قالت زينات بنبرة رقيق:
لا تغضب مني غيث، فأنت تعلم أني أحبك، وأنت تعلم أني كنت قاسية عليك، لكن كان علي أن أقول ذلك، وحور سأجلس معها وأجعلها تفهم أنها أخطأت اليوم.

رد غيث بنبرة هادئة:
حسنًا أم أحمد، إذا فعلت حور هذا مرة أخرى، فلن أجعل هذا الموقف يمر مرور الكرام.

قالت له زينات:
وداعًا، وفي رعاية الله يا غيث.

ثم نظرت إليها زينات قبل أن تقول بنبرة مترددة، جعل غيث يتوقف عن المشي ويلتفت إليها، وعيناه تسأل في صمت قبل أن يقول:
هل هناك شيء يا سيدة زينات.

قالت بنبرة مترددة:
لا شيء، أذهب للنوم.

قال غيث بنبرة ملحة:
قل لي ماذا تريدين؟ لن أغادر ما لم تقولي لي ما بك.

قالت زينات:
أذهب يا ابني لكي تحصل على قسط من النوم.

قال برفض:
لن أتحرك من مكاني، ماذا تريدين؟

ترددت وهي تقول:
"أريدك فقط أن تغير المصباح من أجلي."

نظر إليها بدهشة لبضع لحظات، وقال لها بصدمة:
تغيير ماذا؟ تغيير مصباح السلم يارب ارزقني الصبر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي