الفصل الثامن خطوبة وهمية

كان نادر في حالة مزاجية سيئة عندما وصل إلى اليخت، الذي أصرت سوزان على الذهاب إليه، بعد الإنتهاء من الكشف.

بدت سوزان هادئة ومرتاحة، وغير مبالية، وملابسها تمتاز بأناقة أرستقراطية باهظة، لا تتماشى مع سيناريو معاناتها ومرضها وحزنها الوهمي على اختفاء شقيقتها رهف، وهي تعلم جيدًا ما حدث لها، بلا عواطف، تجلس الآن أمامه بسحر طاغي وأنوثة.

نظر نادر إليها، وإلى نقاء بشرتها البيضاء الخالية من البقع، بشرة بيضاء مثل المرمر، رموشها سوداء السميكة، والظلال المتداخلة مع الكحل بتدرج احترافي، مما شكل رسمًا أنيقًا يبرز لون عينيها البنيتين الجميلتين والمناسب، ملمع شفاه شاحب الشيء الوحيد المتماشي مع الجو العام وادعاء الحزن.

وكان لون الشفاه متطابقًا مع طلاء أظافرها المقصوصة بعناية، وشعرها الذي يتساقط على خصرها باستقامة مذهلة، تتناسب مع موديل فستانها العاجي، الذي يغطي كل جزء من جسدها، وفي نفس الوقت احتضن منحنيات جسدها التي تشبه الساعة الرملية.

كانت ساقيها وذراعيها مغطاة بالكامل، وكانت ياقة الفستان تصل إلى الرقبة، لا تكشف شيئًا، وكل ما يتعلق بها كان يوحي إلى الحشمة واللياقة، وفي أعلى صدرها كان هناك عقد ماسي ثمين مزين بألوان زاهية، أحجار الياقوت الأزرق التي تتطابق مع زوج الأقراط، وسوار من الماس العريض الذي استقر على معصمها الأيسر بدلاً من الساعة.

فهو يعرف جيدًا أنها أمرأه لا تحب مرور الوقت، وتحزن على مرور كل دقيقة تمر من حياتها الصغيرة، وتحب الحياة والاستمتاع بكل ثانية في حياتها.

أخبر نادر نفسه سرًا أنَّ سبب انجذابه إليها، هو جمالها الصارخ واللامبالاة، والفتنة التي ميزتها، كان ضعيفًا أمامها في بداية علاقتهما معًا، وتأثر بجمالها الوحشي الذي استطاع تغيير العديد من مبادئه النزيهة التي كان مصممًا على اتباعها طوال حياته.

ظهورها للوهلة الأولى يوحي بالبراءة لأي شخص يتعرف عليها، ولكنه هو يعلم جيدًا نادرًا، أنه في خلف هذا المظهر الساحر يكمن شيطانة حقيقية، تذهب إلى أكثر الطرق الملتوية من أجل الحصول على ما تريد في النهاية.

هي متطرفة جدًا في شخصيتها، إلى الحد الذي تستطيع فيه أن تقتل شخص، دون يرمش لها رمش، والذي جعل لشخصيتها قيمة هو وجود والدها، فبدون نصار في حياتها، ستصبح مجرد امرأة عادية يمكن نسيانها واستبدالها بأي شخص.

كان نادر يتجاهل ابتسامتها عمدًا، تمامًا كما تجاهل وجودها بالكامل أمامه، أطلقت سوزان نظرات صاعقة على نادر.

خاطبته بنبرة بطيئة:
لماذا تقف يا نادر؟ لماذا لا تجلس بجانبي؟ أم أنك تحب الوقوف حتى تعرف كيف تنظر إليَّ.

كان واضحاً أن نادر لم يسمعها، لأنه كان مشتتاً في أفكاره الخاصة، لم يسمعها ولم ينتبه لها عندما نهضت وتحركت وسارت نحوها بخطوة وثقة، تاركه أثر عبيرها الشرقي النافذ يلوح خلفها ويتبعها كالثعبان.

لمست ذراعه للفت انتباهه، عندما مسته أبعد يدها من عليه بخشونة مفاجئة، ثم وقف أمامها مباشرة وقال بصوت مكبوت:
لماذا فعلت كل هذا يا سوزان، وكيف أشركتني في مشاويرك هذه؟ لقد أخذتني معك بالقوة وبطريقة ماكرة

قالت بنبرة ساخرة:
لست أنا من أجبرتك على الذهاب إلى الطبيب معي، والدي هو من طلب منك ذلك ولست أنا يا عزيزي.

قال بنبرة غاضبة:
ألست أنت السبب؟ أنا متأكد أنك من قلت لعمي دع نادر يذهب معي.


أومأت برأسها:
لا، لم أقل له أي شيء، وكل ما قلته أنه عندي موعد مع الطبيب ويجب عليَّ الذهاب، أبي أصر على أن يرافقني شخص آمين معي إلي الطبيب، وعدم الذهاب بمفردي إلى أي مكان.

زفر نادر بقوة:
لا أشعر بالراحة من كلامك هذا، ولماذا إصرارك أن نأتي هنا بعد انتهائك من الفحص؟

قالت سوزان بابتسامة:
لأنني أريد الجلوس معك، مرة فترة طويلة من الوقت لم نجلس فيها معًا.

ثم مشت ببطء نحو مقعدها المخملي الكبير المفضل، وأضافت:
أردت أن نجلس معا، ولم يكن هناك مكان نستطيع فيه الجلوس سويًا وبحرية إلا هنا وفي هذا المكان.

ثم نهضت مرة أخرى من مكانها، شعر نادر بعدم الارتياح، حين سمع تأثير كعبها العالي على الأرضية الرخامية المصقولة، اتجهت سوزان نحو الطاولة الموجودة على اليخت، الموضوعة عليه علبة السجائر.

سرعان ما أخذت لفة، أشعلتها، وأخذت نفسًا عميقًا، نفثت دخانها في الهواء بخفة وببطء شديد، كما لو كانت تملك كل الوقت في العالم.

قالت سوزان بنبرة غير مبالية:
لا يوجد أحد هنا سوانا، المكان هنا هادئ وهذه ميزة عظيمة، لكي نأخذ راحتنا، لم يعد يكفيني المكالمات الهاتفية.

أخذ نادر نفسا عميقا، مستدعيًا كل هدوئه، على أمل أن يتحكم في ارتعاش أطرافه، حتى لا تكشف لغة جسده، وأنه لا يحب سماع صوتها، فقال بهدوء:
وأنا أيضًا أشعر بالملل؛ بسبب إقتصار لقائنا على المكالمات فقط، ولكننا مضطرين إلى ذلك نظرًا للوضع الحالي.

ثم جلس على الكرسي المجاور لها، وبمجرد أن جلس بجانبها ورأت وجهه، سألته بفضول:
ما بك؟ ولماذا وجهك شاحب هكذا، لماذا؟ وأخبرني لماذا عندما كنت أتصل بك بالأمس لا ترد؟

قال نادر بنبرة جافة:
بسبب وجود مشاكل في المكتب، وانتهيت بوقوع حادث، وأنت في نفس الوقت مصرة على الاتصال بي.

انتصبت في مقعدها ونظرت إليه، وسألت بقلق:
وانت بخير ولم يحدث لك شيء.

هز كتفيه ورفع يديه في الهواء:
أنا جيد ورائع، حادث بسيط وعوضت صاحب السيارة التي تحطمت، كان الخطأ خطأي لم أكن أركز عليه أثناء القيادة.

سألته بنبرة قلقة:
وما الذي شتت تركيزك؟

قال بهدوء مزيف:
بسبب مكالمتك التي لم تنتهي، وأيضًا إصرارك على أن نلتقي بين الحين والآخر، أخشى أن يعلم عمي أن هناك شيئًا بيننا.

مالت سوزان نحوه وهي تهمس:
لدي الحل الذي لن يجعلك تخاف من والدي.

سأل نادر:
وما هو الحل؟

ابتسمت له قائلة:
أطلب يدي من أبي، دعنا نتزوج في أقرب وقت.

قال لها بصدمة:
ماذا تقولين؟

ردت عليه بابتسامة مرحة:
ما سمعته، نتزوج بالطبع، هل لديك رأي مختلف؟

نظر بعيدًا عن عينيها وقال:
بالطبع سنتزوج، لكن ليس الآن على الإطلاق.

سألت بصوت حاد:
متى إذًا؟

قال لها بهدوء:
عندما يستقر الوضع، وعندما نرى جثتها، أصبري يا سوزان على موضوع الخطوبة والزواج، الوقت ليس مناسب على الإطلاق.

تجعد حاجبيها بعبوس، ثم فقالت:
كم من الوقت سوف نصبر؟ وإلى متى بالظبط يا نادر؟

قال نادر على الفور:
عام أو عامين على الأقل.

ألقت عليها نظرة فاحصة، ثم قالت:
ألا يكفيك السنة التي أبقيت فيها علاقتنا سرًا، الآن أنتَ تريدني أن أتحلى بالصبر لمدة عام أو عامين أيضًا.

قال لها بهدوء:
لأنها كانت خطيبتي، وفي حالة إذا ظهرت جثتها، سيكون هناك العديد من الأسئلة، وليس من المعقول أن نكون مخطوبين في ذلك الوقت، واحتمال أن نكون أول الأشخاص المشكوك فيهم.

طرقت بيديها على الطاولة بعنف، وقالت بغضب:
إلى متى سأظل أعاني بسببها، وحتى عندما ماتت، ما زلت أعاني.

قال نادر:
عندما تستقر الأوضاع يا حبيبتي.

أخبرت نفسها أنه إذا كان يعتقد أنها يمكنني الانتظار لمدة عام حتى يتزوجني، فهو أكيد يحلم، لأنني على استعداد لفعل أي شيء لأجعله يتزوجني في أقرب وقت ممكن، وليس سنة كما يقول.


وفي مكان آخر.

بعد أن أخذ نفسا عميقا من الشيشة، بينما كان يشاهد إحدى المباريات على الشاشة الموضوعة على حائط المقهى، نظر توفيق إلى صديقه الذي كان يشاهد المباراة بنظرة خبير في شؤون كرة القدم.

عندما انتهت المباراة، وجه توفيق كلماته إلى حمدان، وهو ينظر إليه بعينين نصف مفتوحتين:
أتساءل من سينجح اليوم في المباراة، الأهلي أم الزمالك يا حمدان؟

رد حمدان عليه وهو يفكر في سؤاله بعمق:
أرى أن الزمالك هو من سوف يفوز اليوم.

قال توفيق وهو يشعر بفرحة المنتصر:
ينصر دينك يا حمدان، هذا الصباح قلت لسيد حسن أن الزمالك سوف تفوز، وهو لم يصدقني وأخبرني أنه من المستحيل أن يحدث ذلك، وإنه رابع المستحيلات.

قال حمدان وهو يأخذ عدة أنفاس متتالية من الشيشة الموضوعة أمامه:
عندما يلعب الفريقان وتنتهي المباراة، سنرى من سيفوز، رغم أنني متأكد من كلامي، لكننا سننتظر، لذا أترك هذا الحديث ودعنا نلعب طاولة.

ثم نادى عامل القهوة :
واحد طاولة هنا وبسرعة.

وضع حمدان طاولة النرد وفتحها فوق الطاولة، ثم قال:
هيا نلعب.

قال توفيق بهدوء:
هيا نلعب، وأنا متأكد من أنني سأهزمك هذه المرة، لقد تدربت كثيرًا على اللعب.

ضحك حمدان، ثم قال:
سنرى على الرغم من أنني هزمتك في كل مرة، وقليل جدًا من المرات فزت بها، سنرى وأحتمال أن يكون حظك جيدًا هذه المرة، يا توفيق.

كان حظ حمدان ناريًا في اللعب ككل مرة، وأخذ حمدان مع كل رمية نرد يصرخ:
"داش، وأيضًا مرة شيش بيش".

وعندما انتهت المباراة بفوز حمدان، رد توفيق بسخط:
والله يا حمدان أشعر بالضيق في كل مرة تفوز فيها، سأذهب، هل ستأتي معي إلى المنزل؟

قال حمدان بابتسامة نصر لا تزال تزين شفتيه الغليظتين:
لا، لن أغادر الآن وأنت أيضًا سوف تظل معي، فأنا أشعر بالملل، ابق جالسًا، سأطلب كوبين من القهوة، واحدة لك والأخرى لي.

قال توفيق:
ما دامت هناك قهوة، بالطبع سأجلس معك دون أن أتحدث، أنتَ قليل ما تدعوني إلى شرب القهوة، وبالطبع سأستغل الفرصة بلا شك.

نادى حمدان بصوت مرتفع على صبي القهوة، وطلب منه فنجانين من القهوة وليس فنجانًا.

قال فتى القهوة:
نعم أستاذ حمدان، أنا أعرف طلباتك جيدا وخمس دقائق والطلب يكون عندك.

قال حمدان بصوت أجش:
أعلم أنك تعرف، لكني أحب أن أقول ذلك في كل مرة.

ضحك الصبي وذهب ليحضر القهوة.

نظر توفيق إلى حمدان وهو يبتسم، ثم أخذ توفيق نفسا عميقا من الشيشة، ولم تمر خمس دقائق حتى جاء فتى جديد يحمل القهوة، كان شابًا في أواخر الثلاثينيات من عمره، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يراه فيها حمدان.

قال الشاب:
القهوة الخاصة التي طلبتها يا معلم.

سأل حمدان:
أنت جديد هنا؟

رد الشاب عليه:
نعم يا معلم، لم يمر يومان لي على العمل هنا.

قال حمدان بفضول:
من أين أنت أيها الشاب؟

رد الشاب بابتسامة:
من البحيرة سيدي.

قال حمدان:
خير الناس أهل البحيرة.

قال الشاب:
شكرا لك سيد حمدان، هل تطلب أي شيء آخر؟

قال حمدان:
شيشة تفاحة واحد وبسرعة.

فأجابه الشاب:
بسرعة البرق يا سيد حمدان

مر وقت قصير، وأحضر الشاب الشيشة وأعدها للمعلم حمدان، لفت انتباه حمدان مرور حور والسيدة زينات وهما يعبران الجانب الآخر من القهوة، فجلس منتصبًا على كرسيه وقال لنفسه سرًا أن عليه الانتقام واستعادة كرامته.

ثم أخذ نفسا عميقا من الشيشة الموضوعة بجانبه، ثم زفرها بقوة ممزوجة بغضب مكتوم.

نصحه توفيق قائلاً بنبرة هادئة:
بهدوء على صدرك يا حمدان ليس هكذا، أنت قلت لي أنك سوف تقلل الكمية، ليس هكذا على الإطلاق.

نظر إلى توفيق بعيون حمراء من شدة غضبه:
لا أستطيع، أريد الإنتقام ولكن لا أستطيع، لقد قامت بإهانتي وسط الحي بأكمله.

قال له توفيق بنبرة مهدئة:
أهدئ قليلًا، وحاول نزع فكرة الإنتقام من عقلك.

زفر بغضب وهو يقول:
كيف أهدأ، وهذه الفتاة هربت من ثأري، فقد تمت خطبتها على غيث.

قال توفيق:
في الوقت الحالي لا تستطيع فعل شيء، غيث لديه مكانة كبيرة في السوق، الجميع يقدرونه ويحترمونه بعد ما حدث، وأيضاً غيث على علاقة وطيدة برئيس المباحث.

قال حمدان بغل:
كل هذا لإعادة طفل مختطف إلى أهله.

قال توفيق بهدوء:
الطفل المخطوف كان حفيد المعلم وجيه القبطي، كبير معلمي شادر السمك، و الدم كان سيكون أنهار في حالة عدم ظهور الطفل.

صرخ حمدان غاضبًا:
كلماتك تحرق دمي أكثر، كل هذا أنا أعرفه جيدًا، لماذا تكرر نفس الكلام.

قال توفيق:
أقول هذا لك حتى لا تتهور، وتفعل أي شيء يجعلك تندم عليه لاحقًا، أنت لست شاب وأصبحت عجوز.

شعر حمدان بالإهانة، ثم قال بغضب:
أنا ما زلت في قوتي وشبابي أيها المغفل.

ثم سرعان ما وقف على قدميه، فسأله توفيق:
لا تتهور يا حمدان وفكر بعقلك قليلاً.

أجابه حمدان بنبرة حادة: لا تخف يا توفيق، وقبل أن يتحرك خطوة واحدة وجد غيث أمامه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي