الفصل العاشر شجار

تحدثت سندس بلهجة متعبة وحزينة، وأخذت تتنفس بعنف:
إنه شقيقي يا حياة، كابوسي الدائم.

عندما سمعت كلمة شقيق، غضبت بشدة، إنها تعرف جيدًا ما تشعر به سندس في هذه اللحظة، إنها تعرف ماضيها المليء بالندوب العميقة التي لم تلتئم بعد.

لا تزال أشباح الماضي تطاردهم، لا يريد الماضي أن يتركهم أبدًا، قالت بنبرة متمردة وغاضبة، عندما تأكدت شكوكها في أن صاحب الكابوس، هو الأخ الفاسق:

لا تقولي شقيق، استمعي إليَّ جيدًا يا سندس، لا تقولي هذه الكلمة مرة أخرى على لسانك، وليس كل الإشقاء يستحقوا هذا اللقب، للأسف هذا النوع خسارة أن يحمل لقب الأخ.

لسوء الحظ، هذا النوع عبارة عن شيطان متجسد في جسد إنسان، ومستحيل أن يكون أخً، إلى متى سوف تظلين خائفة منه؟ إلى متى سيظل شبحه ملازم لنا.

أضافت حياة بنبرة عصبية:
أنا مجهدة وأنتِ مجهدة وعلينا أن نرتاح، وهذا سيحدث في حالة واحدة أن نتوقف عن الخوف، وأن نعيش حياتنا في هدوء، ونتوقف عن النظر إلى الماضي.

نظرت سندس بعيون مشتتة إلى سقف الغرفة، وقالت بنبرة حزينة ومؤلمة:
من الصعب إيقاف الخوف، من الصعب ألا تخافي، اليوم لا أستطيع أن أنسى ما حدث، الآمر لو كان في يدي، لكنت اخترت النسيان، لكن للأسف ليس لدينا أزرار تحكم عن بعد، حتى يمكننا حذف الذكريات الحزينة، طلبك لي لنسيان الماضي أمر مستحيل يا حياة.

شدّت حياة قبضتها؛ لقمع غضبها، يجب أن تكون هادئة من أجل سندس، الهدوء من أجل كليهما، من أجل زياد.

تنفست حياة بعمق، ثم قالت:
ما هو هذا صعب؟ لسوء الحظ، نحن من نجعل أي شيء صعبًا على أنفسنا، نحن من نفتعل الصعوبات، وبأيدينا نحن نستطيع أن نجعل الأمر الصعب سهل، لكن يجب أن نحاول مرة، مرتين، ثلاث مرات، أو مائة مرة، حتى لو وصل عدد المحاولات إلى ألف مرة، لكن يجب علينا أن نجرب آولًا.

ظلت سندس تنظر إليها لعدة لحظات وتفكر، وعيناها في عين حياة، ثم همست:
لماذا كتب علينا الخوف يا حياة؟ لماذا لم يكتب لنا أننا ألا نخاف، ونتوقف عن الخوف، لماذا علينا أن نأخذ حذرنا من كلمة وكل حركة؟ حتى لا تأخذ كلماتنا بمعنى أخر.

بعد لحظات من الصمت والتفكير، قالت حياة بنبرة هادئة ومدروسة:
لا أعرف لماذا؟ لكن بالتأكيد الخطأ ليس بسببنا، وهذا ما أنا متأكدة منه تمامًا، الخطأ يكمن في وجودنا في مجتمع يجبرنا على الخوف من أي شيء، مجتمع عقيم وقبيح.

سألت سندس بنبرة مشتتة:
لماذا لا يخاف الرجل؟ لماذا لا يخاف مثل البنت والمرأة؟ لماذا؟

قالت حياة بنبرة هادئة:
بالتأكيد هو يشعر بالخوف، لا يوجد من لا يخاف، جميعنا نشعر بالخوف من شيء ما، سواء كانت امرأة أو رجلاً، فتاة أو فتى، حتى الحيوانات تخاف، أنا أخاف من الظلام، قد تجدي أيضًا رجل يخاف من الظلام.

سأل سندس:
وماذا غير الظلمة يمكن أن يخاف منها الرجل؟ ما الذي يخاف منه أيضًا؟ ما هو أكبر مخاوفه يا حياة؟

تألقت عيناها بابتسامة ماكرة، ثم قالت بنبرة مرحة:
سؤال يستدعي بعض التفكير.

ثم نقرت بإصبعها على خدها، وقالت بعد لحظات من الصمت والتفكير:
أعتقد أكثر ما يخشاه هو أنه يفقد أغلى ما لديه، تمامًا مثل الفتاة.

ثم انطلقت ضحكة مرحة من فمها، رفعت سندس يديها إلى فمها، وكتمت ضحكتها، ثم زينت شفتيها إبتسامة خفيفة:
يا قليلة الحياء يا حياة.

ضحكت حياة، ثم قالت:
أنا أحب الضحك، ضعي خوفك وحزنك خلف ظهرك، قل لي يا سندس كيف قابلت أسمر ومتى؟

قصت سندس ما حدث لها بالتفصيل، منذ بداية خروجها من المنزل حتى ضاعت وذهبت إلى مكان آخر، وضاعت وسط الزحام وتعرضت لمضايقات من قبل مجموعة من الشباب الذين لا يعرفون شيء عن الأخلاق، ثم التقيت بأسمر.

وفي النهاية اختتمت سندس حديثها، وهي تقول بنبرة مؤلمة وحزينة، عندما تذكرت المأساة التي حدثت لها، وتعرضها للمضايقات وسط الحشد، وعدم تدخل أحد لإنقاذها:

لم أكن أتخيل أن يكون أسمر محترم وشجاع هكذا، لو لم أكن أعلم بعشقه لك، لكنت رميت شباكي عليه وجعلته يتزوجني، أعانه الله عليك، لا أعلم ماذا يرى فيكِ؟ فأنت لا تعرفين كيف تسلقين بيضة، أنتِ مزعجة وتنشري الضوضاء أينما ذهبت، أنتِ بومة.

ضحكت بصوت عال، ثم قالت:
أنا فتاة أحب المرح، وأيضًا أنا فراشة رقيق، ونسيم خفيف عابر يمر دون أن يلاحظه أحد، والبومة هي أنتِ يا شقيقتي.

أنا متنازلة عن أسمر لك، ليس خسارة فيكِ يا حب، سيكون هذا يوم السعادة بالنسبة لي عندما تكوني له، حلال عليك هذا المذكر أسمر.

بدأت سندس باللعب بشعرها الفضفاض، ثم قالت بابتسامة تركها المرح:
قل جمع مذكر سالم، وهو عينيه نحوك أنتِ، لا عليّ والحمد لله، وحاولي منح مشاعرك فرصة معه، اتضح أنه رجل شجاع وقوي، ويمكنك الاعتماد عليه، ويمكنه الدفاع عنك بكل سهولة.

همست حياة بنبرة مترددة:
بصدق يا سندس هناك شخص آخر أفكر فيه، وهو الذي جعلني لا أفكر في أسمر، وقد قارنت بصدق بين الاثنين واتضح أن الخاسر في هذه المقارنة يا سندس، هو أسمر.

وقفت سندس في مكانها من صدمة الأخبار التي أخبرتها بها حياة للتو، وصرخت بفضول متحمس:
هناك واحد وأنتِ تخبئين ذلك عني، أنتِ خائنة، كيف تمكنت من إخفاء خبر كهذا عني.

قالت حياة بنبرة عابثة، وابتسامة تزين فمها الصغير الوردي:
لم أجد الوقت المناسب.

قالت سندس:
أشعر بالخيانة؛ بسبب كتمانك هذه الأخبار السعيدة عني.

قالت حياة بابتسامة لطيفة:
أنا لا أستطيع إخفاء شيء عنك، ولكن الموضوع مازال في مهده مع بعض التلميحات، والنظرات والهمسات منه، ومازال الآمر ليس رسمي بيننا نحن.

سألت سندس بفضول:
ومن وقع عليه الاختيار؟ من هو المحظوظ الذي سيكون من نصيب قمري؟ أكيد والدته قامت بالدعاء عليه

ثم ضحكت بصوت عال، نظرت إليها حياة دون أن ترد، وظلت هادئة، والتزمت الصمت متعمدة استفزاز سندس.

قال سندس بضيق:
قولي يا حياة من هو، لا تقومي باستفزازي الله ليحفظك، ولا تماطلين معي لأن قلبي الرقيق لا يحتمل عدم معرفة من هو فارس الأحلام.

أخرجت حياة لسانها، وقالت بابتسامة:
وأنا أحب الاستفزاز، أحب أن أراك هكذا على نارك، وسوف أتحدث عنه لاحقًا.

قالت سندس:
تحدثي يا فتاة، لا يمكنك أن تقولي هاتين الكلمتين، وتقول لي إنني سأواصل الحديث لاحقًا، تحدثي بالأدب بدلاً من أجعلك تتحدثين بالقوة.

قالت بابتسامة خبيثة واستفزازية:
كل ما يمكنني قوله هو أنه أفضل من أسمر، وتعليمه عالي للغاية، بعكس أسمر الذي لم يكمل تعليمه.

ثم استدارت بصمت لتدخل إلى غرفة النوم، غير مبالية بمظهر سندس الغاضب، شعرت حياة بإنَّ أعين سندس تكاد تخترق ظهرها تقريبًا وتحدث ثقبًا في المنتصف.

نادت سندس بحدة:
لن أدعك تنامين ما لم تتحدثي وتخبريني من هو، تعالِ إلي هنا، إلى أين أنتِ ذاهبة؟

وضعت حياة اصبعها على فمها، ثم أشارت إلى الغرفة وهي تهمس:
اخفض صوتك سوف تجعلين زياد يستيقظ هكذا وأنتِ تعلمين جيداً أنه إذا استيقظ الآن، ولم يأخذ ما يكفيه في النوم، فسوف يحدث الكثير.

ثم تحركت حياة نحو السرير الذي كان ينام عليه الصغير.

تمتمت سندس بغضب:
حسنًا يا حياة، أنت تلوين ذراعي لأنك تعلمين جيدًا أنني سأصمت حتى لا يستيقظ زياد من نومه، ولماذا أنتِ ذاهبة إلى غرفة زياد.

ردت حياة بهدوء:
من أجل النوم.

قالت سندس بعبوس:
هذا هو فراشي، وفراش ابني الذي تريدين النوم عليه.

ردت حياة:
اليوم أريد النوم بجوار زياد حبيبي، اصمتي قليلًا ولا تتكلمي من أجل الصغير، وعندما تخرجين، أغلقي الباب خلفك.

تحدثت سندس وهي تقضم شفتيها السفلى:
لا أحب هذا النوع من المزاح، هذا فراشي.

ضحكت حياة ضحكة مميزة وقالت:
أوافق على السماح لك بالنوم هنا والخروج، بشرط ألا تسأليني اليوم على الإطلاق عن هذا الشخص المحظوظ.

قال سندس بنبرة خاضعة:
فليكن غدًا، حتى أستطيع أخذ قسط من الراحة وأستمع إلى كل بالتفاصيل، سأدعك تنامين وسنتحدث غدًا.

قالت حياة بنبرة منتصرة: اتفقنا، وافقت على كلامي إذًا أخرجي من الغرفة.

خرجت سندس من الغرفة في صمت، واقتربت حياة من السرير ببطء، لتستلقي عليه وعيناها مغمضتان، متعبة، من ماض لا يزال يطاردها، رافض تركها وشأنها.

استيقظت من نومها على بكاء زياد، الذي استيقظ بسبب صوت شجار أتى من الشارع، سحبت جسد الصغير بالقرب من جسدها، وحركت أطراف أصابعها برفق على وجهه، بينما كانت تتمتم بكلمات رقيقة في محاولة لتهدئته، متجاهلة ما كان يحدث في الخارج.

لكن سندس سمعت صوت صرخة، بدت مألوفة لها اخترقت أذنيها، وقالت لنفسها:
أليس هذا صوت الحياة؟

نهضت مسرعاً من فوق الفراش، ثم لبست عباءتها سريعًا ولفت غطاء رأسها عشوائياً فوق رأسها، وحملت زياد على ذراعيها، وركضت إلى الخارج بحثًا عن مصدر الصوت، حتى رأت مجموعة من الناس واقفين يراقبون في صمت.

واندست حياة وسط الحشود، وتفاجأت بحياة يختبئ وراءها مسعد وهي تصرخ في وجهه:
لا تمد يدك عليه مرة أخرى، ما بك أنتَ وصديقك حمدان؟ هل من الرجولة استخدام القوة مع الأطفال الصغار؟ مسعد طفل يتيم، أتقى الله ولا تقوم بضربه، إذا كان له أب لم تكن تستطيع أن تضع عليه أصبع واحد.

من الواضح أنك أنت وصديقك من نفس النوع، وواضح أنكما متفقان مع بعضكما البعض في ضرب اليتامى، كل يوم يضرب كل واحد منكم فتى من العاملين تحت أيديكم، اتقوا الله قليلًا.

كفى ظلم واستعمال القوة على الضعيف، لأنه سيأتي يومًا ما وستكون في نفس الوضع، وتقولون وقتها، أتمنى لو أظلم أي شخص.

ارتعبت سندس من مظهر توفيق الخطير، فصرخت:
تعالي معي الآن يا حياة، ودعي رجال الحي يقومون بحل هذه المشكلة، حديثك مع هذا النوع من الناس لن يحدث أي فرق، هذا النوع من الناس يسعد فقط بإيذاء الضعيف من الناس.

أدارت عينيها نحو هذا الصوت، فرأت سندس تحمل الطفل الصغير، فقالت بغضب:
أذهبي مع الولد إلى المنزل، ولا تخافي عليَّ، أنا جيدة في التعامل مع هذه الأشكال، ويمكنني التعامل معهم، وأخذ حقي منهم بكل سهولة.

قال توفيق ساخرًا:
أنتِ لا شيء، واستمعي إلى كلام شقيقتك ولا تتدخلي فيما ليس من شأنك.

أمسك توفيق مسعد من يديه، وهو يصرخ عليه قائلاً بغضب عاصف:
أنتَ السبب جعلت فتاة مثل هذه تتحدث إليَّ بهذه الطريقة الوقحة، وتصرخ في وجهي، حسنًا مسعد، سأجعل أيامك معي بلا ملامح.

إلا أن حياة أمسكت بيده قبل أن تسقط على جسد هذا الطفل المسكين، وصرخت في وجهه:
لا تمد يدك عليه، تصدق بالله، أنت ورفيقك حمدان نسخة واحدة، ولا تختلفوا عن بعضكم البعض في أي شيء.

ثم نفخت في وجهه باشمئزاز، ثم أضافت قائلة:
أنتَ شخص مقرف مثل صديقك حمدان.

غضب بشدة من كلامها هذا، فصفعها توفيق على وجهها بقوة، ثم دفعها بكلتا يديه، وسقطت على الأرض.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي