الفصل الحادي عشر صفعة

نظرت سندس برعب إلى ما يحدث أمامها في صمت، غير قادرة على التحرك من مكانها خطوة واحدة، وتعلقت نظراتها على حياة الملقاة على الأرض، رأت حياة تشير بيديها إليها بعدم التدخل وتظل في مكانها.

شعرت سندس بالضعف والعجز، وبالرغم من إشارة حياة لها بعدم تحركها، هي كانت في الأساس لن تتحرك من مكانها متر واحد فقط، إنها تشعر برعب شديد جمد أطرافها، وأصابها بالشلل.

هي دائما هكذا في أوقات الصدمات، تصبح مشلولة الأطراف، غير قادرة على الحركة، أو إظهار أي رد فعل أو أن تدافع عن نفسها، نظرت إلى حياة وهي ملقاة على الأرض بضعف شديد وحزن.

نهضت حياة سريعًا من الأرض بحركة واحدة، ثم بدأت بالصراخ في حمدان بغضب شديد:
هل تعلم من هو الرجل الضعيف؟ هو الذي يستعمل العنف تجاه المرأة والطفل؛ من أجل إظهار إنه قوي، وفي الحقيقة ضعيف.

ثم واصلت بلهجة استهزاء:
طالما أنك تستعمل مع المرأة، فأنت بالتأكيد امرأة مثلها، نصيحة مني أذهب إلى الطبيب لكي تطمئن نفسك، وتتأكد هل لازلت رجل أم لا، أعان الله زوجتك فأنا متأكدة أنها تعاني، وتلعن اليوم التي تزوجت فيه من امرأة مثلها.

انتفخ وجه توفيق بغضب شديد، جعل وجهه مثل بالون على وشك الانفجار، ثم رفع توفيق يديه ليصفعها للمرة الثانية، يحاول إعادة القليل من كرامته المبعثرة بين أهالي المنطقة.

لكن حياة أمسكت بيديه بقوة، لا تتناسب مع جسدها الضئيل، ولكن في وقت الغضب، الجسم يضخ الأدرينالين بكثرة مما يجعل قوته أضعاف قوته الأساسية.

نفضت يديها بغضب، وتذكرت ما قالته له السيدة زينات، وما فعلته حور والشجار الذي حدث مع صديقه منذ فترة، وتعرض حمدان للإهانة بين الناس، وأن حور قامت بضربه في منطقة مهمة في جسده، وشدة هذه الضربة تسببت في سقوط المعلم حمدان على الأرض.

تذكرت هذا الكلام فقررت ضربه في نفس المكان، ضربته في هذه المنطقة بكل قوتها بين رجليه، فسقط أمامها فجأة، لم يستطع تحمل الضربة بسبب شدة الألم الذي شعر به، ثم تأوه وكان يعاني من ألم شديد.

كان مندس في مقعده والكمبيوتر أمامه، وكانت أصابعه تضغط بسرعة على أزرار لوحة المفاتيح، لإكمال بعض الأعمال المتأخرة عليها.

معظم أعماله وأعماله الخاصة تتم عبر الإنترنت وجهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به، والذي من خلاله يقوم بإنجاز بعض المشاريع التي تهمه، وهو لا يزال مندمجًا غير مدرك لما يحدث من حوله، ركض أحد الصبية إلى الداخل، وهو يلهث بشدة:
الآنسة حياة تتقاتل مع السيد توفيق.

وعندما سمع الصبي، الذي كان داخل المحل، يقول بصوت عال أمامه أن الآنسة حياة كانت تتشاجر مع السيد توفيق، ترك ما كان بين يديه بسرعة، ووقف على قدميه في لحظة واحدة.

تحدث إلى نفسه، بصوت غاضب مسموع:
أليس لدى هؤلاء الرجال أي أعمال أخرى، غير الشجار مع خلق الله، لا تمر أيامًا قليلة ويفتعل أحدهم شجار مع أي شخص، سواء طفل أو امرأة أو رجل.

ثم بدأ بضرب راحتيه بعنف وهو يردد:
لا حول ولا قوة إلا بالله، عندما آتي إليك أيها اللعين، سوف أعلمك الصواب من الخطأ.


ثم خرج كالمجنون وبسرعة اعتاد عليها في السابق، في أيام التهور والبطش، أيام الانحراف والبلطجة التي مر بها في سن المراهقة، خلال فترة وجوده في دار الأيتام، اعتمد على نفسه.

أعتمد على قوته وسرعته للدفاع عن نفسه، ومواجهة أي قتال بينه وبين من يحاول الإعتداء عليه، واستعمال قوته على من يريد أن يعاديه ويثبت سلطته عليه.

وعندما وصل إلى مكان القتال رأى توفيق ينهض من على الأرض، ثم رآه يرفع يديه نحو حياة في محاولة لصفع حياة علي وجهها.

وفي لحظة واحدة، وصل أمامه بسرعة البرق وأصبح واقفًا أمامه، وأمام حياة كجدار بشري يقف بين الاثنين، أمسك بيديه ولفهما خلف ظهره بقوة.

ثم قام بلكمه عدة مرات قبل أن يصيح بصوت بغضب:
ما بك أنت وحمدان، أنتم شر لا ينتهي، لا بد أن تتشاجروا في الشارع كل يوم مع خلق آلله، خاف الله قليلاً يا توفيق.

أنتم رفقاء السوء الذين يفرحون في إيذاء خلق الله، وطالما تحب أذية الناس، ولست تخاف، أنا سوف أجعلك تخاف مني، منذ هذا اليوم.

وإن شاء الله سيكون هذا رادعًا لك ألف مرة، عندما تفكر في إيذاء أي شخص، ألم تتعلم من صديقك وما حدث له على يد غيث، ولكنك لم تتعظ، وقلت لنفسك يجب أن أضرب مثله.

قال توفيق بغضب:
عار عليك قول مثل هذا الكلام إلى رجل في حكم والدك.

ضحك أسمر بسخرية، ثم قال:
انت لا تستحق كلمة والد، لكن عقابك اليوم سوف يكون على يدي يا توفيق.

ثم خاطب أسمر الحشد بصوت غاضب:
الجميع يقف ويشاهد فقط، ما من رجل بينكم فكر في الدخول، والدفاع عن الفتاة، فقط تشاهدون، ما يحدث ليس من سمات ولاد الأصول.

قال أحدهم:
كنت سوف أتدخل وأفض هذا الشجار، ولكنك أسرعت بالتدخل يا سيد أسمر.

خاطب أسمر بكلماته توفيق، قائلاً بنبرة تهديد:
حياة وشقيقتها تحت حمايتي وخط أحمر.

ثم خاطب الحشد الواقف، الذي يشاهد في صمت:
حذار أن أرى أي شخص يتعرض لهم في أي شيء، وهم تحت حمايتي من هذا اللحظة، اعتداءك عليها كأنك قمت بالاعتداء عليّ يا توفيق، لا تقترب من حياة مرة آخرى.

ثم وقع عليه بعدة لكمات عنيفة وغاضبة، من شدتها جعلت عين توفيق تملأ بدموع الألم.


تحدث توفيق بنبرة خوف:
لم أكن أعرف سيد أسمر أنها تحت حمايتك، أنها المرة الأولى والأخيرة التي أقترب منها، وأعدك أن هذا لن يحدث مرة أخرى.

واصل أسمر لكمة قائلاً بعنف، وبنبرة تهديد قاسية:
هذا اللكمات لكي تذكرك، وتمنعك من مد يدك على امرأة أخرى، ولو فعلت ذلك وفكرت في مد يدك إلى امرأة واحدة، سوف أقطع هذه اليد.

تدخل السيد منتصر، وهو يصيح في جمهور المتفرجين:
لا يوجد أحد بينكم قادر على التدخل، وإنهاء هذا الشجار، كلكم تشاهدون.

قال أحد الرجال بضيق:
توفيق قام بتهديد الجميع، وإذا تدخل أي شخص فيما يحدث، فإنه لن يتركه، أنت تعرف يا سيد منتصر أن توفيق مثل حمدان، لا أحد يعرف كيف يواجههم.

نظر منتصر إلى الجميع بغضب، ثم اقترب من أسمر وصرخ:
كفى ضرب يا أسمر، سيموت الرجل بين يديك هكذا، وهذه الأشكال لا تستحق أن تسجن بسببها.

قال أسمر بلهجة متمردة وغاضبة:
رأيته يمد يده عليها في منتصف الشارع، يا سيد منتصر، ولم يكن هناك أي من الرجال في الشارع حاول التدخل، وكما قلت كان الجميع خائفين.

صاح منتصر في وجه توفيق:
عار عليك أن تمد يدك على امرأة، لا تفعل ذلك مرة أخرى، سواء كانت حياة أو غيرها، الرجل الحقيقي يستطيع بكل سهولة أن يكظم غيظه.

الرجل الحقيقي لا تعلو يده أبدًا على امرأة، هل كلامي صواب أم خطأ، يا توفيق؟

وجد توفيق نفسه في موقف ضعيف، فأجاب بلهجة متعثرة:
كلامك صحيح يا سيد منتصر.

قال منتصر بهدوء:
من الصواب الاعتراف بالخطأ.

نظر توفيق إلى حياة، ثم قال بنبرة ضيق:
لكن هي كانت السبب، هي التي قامت باستفزازي بين الناس، دون أن أفعل أي شيئ لها، والجميع يشهد على ذلك.

انتقلت حياة من مكانها، وحاولت ضربه على صدره، وهي تصرخ:
أنت رجل عجوز كاذب، لقد ضربتني مرة، وكنت ستضربني مرة ثانية.

أمسك أسمر يديها ودفعها بعيدًا، مما أبعدها عن مجال رؤية توفيق، نظر إليها لفترة طويلة، لأنها كانت المرة الأولى التي يلمسها فيها، وهي المرة الأولى التي كانت قريبة جدًا منها هكذا.

شعر بغصة في حلقه، أرادها، أراد أن يشرب من جمالها الهمجي هذا، هز رأسه بعنف؛ لكي يطرد أفكاره الشريرة، وترك بسرعة يديها التي كان يمسكها.

وقال بصوت مرعب:
كفى يا حياة، وعندما يتكلم الرجال، سوف تلتزمين الصمت، وفمك هذا سوف يصمت عن الكلام تمامًا.

سأل منتصر:
هل هاجمك يا حياة؟ ها قال لك كلمة خاطئة؟

قاطعه توفيق برفض:
لم يحدث أي من هذا، والله لم أفعل أي شئ مما قلته.

قال السيد منتصر:
ماذا حدث يا حياة؟

ابتلعت حياة ريقها، وقالت بنبرة متلعثمة:
هذا ليس بالضبط ما حدث.

سأل منتصر:
ماذا حدث أذًا؟

قالت بصوت خافت:
كان يضرب مسعد وتدخلت لإنقاذ الصبي من بين يديه.

صاح منتصر:
لم أخبرك من قبل إذا رأيت أي شيء، حاولي ألا تتورط فيه، ولا تدفعي نفسك إلى أي شجار تريه في الشارع.

أحنت رأسها إلى الأسفل قليلًا، ثم همست بصوت خافت:
كنت أساعد الولد الفقير، هل كنت أتركه يقوم بضربه بعصا المكنسة، وكان الجميع واقفين يشاهدون، لم يفكر أحد في مساعدته، لم تره يا سيد منتصر كيف يضربه، كان سيموت بين يديه.

ظل منتصر صامتًا لبرهة، ثم قال بصوت يحمل القليل من الغضب:
مهما حدث ومهما رأيت، فلا تورطي نفسك مرة أخرى، واتركي هذه المعارك للرجال. أنت فتاة ولست رجل، لا تفعلي ذلك مرة آخرة.

شعرت حياة بالظلم، لكنها تمتمت قائلة:
لن أفعل ذلك، وبالطبع لا أريد أن أنقض كلمتك يا سيد منتصر.

ثم غادرت الحشد، ووجدت سندس أمامها مباشرة، فأمسكت بذراعها، وأخذت تواسيها وتحرك كلاهما في صمت.

صاح المنتصر:
حذار أن تمد يدك على حياة مرة أخرى، وإذا سمعت أخبارًا بأنك ضربتها مرة أخرى، فلن أصمت أبدًا.

تمتم توفيق بصوت مكتوم:
أفهم كلامك جيدً.

ثم وجه توفيق كلامه إلى مسعد:
وانت هيا قم بتنظيف الورشة.

قال مسعد ببكاء:
لقد كسرت العصا يا سيدي، ولا يوجد مكنسة.

ضغط توفيق على أسنانه، ثم قال:
أذهب الآن، وسوف أشتري عصا مكنسة جديدة.

وقبل مغادرتهم، صاح منتصر:
لا تمد يدك عليه، وأنت يا أسمر أريدك في كلمتين.

قال توفيق لنفسه يبتعد:
من الواضح أنه يعشق الفتاة، وأنا لن أدع هذا الأمر يمر بسهولة.

تفرق الحشد ولم يبق سوى أسمر.

تحدث منتصر بهدوء:
أصعد معي إلى الشقة، أريد أن أتحدث معك ضروري.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي