الفصل الثالث عشر عنيدة

استلقى على الفراش، وهو ينظر إلى الأعلى بنظرات مشتتة، وهو يتذكر ما حدث، مما جعله يشعر بالانزعاج، شعر بالضيق عندما رآها آخر مرة، وعندما رأى علامات الانكسار والحزن على وجهها، عندما تحدث إليها بقسوة إلى حد ما.

وشعر أيضًا بالضيق لعدم تمكنها حتى الآن من العثور على عائلتها، وفي أي وقت عندما تحدثه إليه بطريقة لا يحبها، فإنه يقوم بتوبيخها بشكل مبالغ فيه أمام أي شخص.

لم يستمتع أبدًا برؤية الحزن على ملامح وجهها التي أصبحت مألوفة له عندما يراها في كل مرة، أصبح الحزن صفة متأصله بها.

غريب بالنسبة له أن يمتلك هذه الأحاسيس تجاهها، تنهد غيث ضيقًا، لأنه أحب رؤيتها، وأراد رؤيتها الآن، أقسم بداخله رافضًا أنه لم يحبها، وأنه لا يريد حتى أن يرى وجهها، ولا ينبغي أن يحبها هي.

هز غيث رأسه، وهو يشعر بالحيرة من آمره، وفي هذه اللحظة بينما كان نائمًا على السرير، أراد أن يأخذها بين ذراعيه، لكنه سيكون ملعونًا إذا استمر في التفكير بها بهذه الطريقة الغير لطيفة، فهو لديه العديد من هذه الأفكار المخزية عنها.

كان غير راضٍ من الداخل عن سلوكها، وأراد كسر رأسها، فهي تعامله بلا مبالاة، هي تعتبره مساويا لها، ترد على كلامه كلمة بكلمة، ولا تحب أن تهزم في أي محادثة بينهما.

إنها فتاة عنيدة ومتهورة، شعر بعدم الارتياح، فهي فتاة كان مظهرها طبيعيًا، ليس بها أي شيء مختلف فيها، من أجل لفت نظرات رجل مثله.

تجول في أحلام اليقظة الخاصة به، متخيلًا أنها تتمنى نظرة واحدة منه تجاهها، متخيلها ترتدي ثوب نوم لها، يكشف عن جسدها بسخاء له، وهي تتعثر في مسيرتها نحوه، تحاول فعل المستحيل للحصول عليه.

تحاول المستحيل لكي تحصل على ابتسامة واحدة منه، تخيل حور تقترب من الفراش، لينتبه لها، تريد نظرة واحدة منه، إشارة من يديه لمنحها الإذن بالاقتراب منه.

وبدأ يتقلب ويتقلب في كل اتجاه، أحيانًا على جانبه الأيمن، وأحيانًا على جانبه الأيسر، وأحيانًا على بطنه، وأحيانًا على ظهره، واستقر على هذا الوضع، من أجل النوم.

فتح عينيه على صوت طرق عنيف على الباب، قال لنفسه:
في هذا الوقت من اليوم وفي الليل، من الطارق؟

فتح الباب وراح يتأوه وينفخ على هذا الشخص الذي لم يتوقف لثانية واحدة على طرق الباب، اتسعت عيناه عندما رأى هوية الطارق.

ترنحت حور قليلا عندما فتح الباب فجأة، نظر إليها بصدمة لأن الوقت قد أقترب الآن الواحدة صباحا، وهي تقف أمامه مرتدية فقط شال عشوائي يغطي نصف شعرها والنصف الآخر خال، وملابس فضفاضة.

دفعت نفسها للداخل بينما كان لا يزال واقفاً بالقرب من الباب، مصدوم من رؤيتها، ودخلت هي دون إذن منه.

قال لنفسه سرًا:
يا لها من مصيبة نزلت على رأسك يا غيث، وأوشكت أن تقتلك.

شعر بالضيق، فهي منذ لحظات قليلة كانت في داخل عقله، كيف يخرجها إذًا من عقله، وهذه الأفكار المنحرفة بخصوصها.

نادته حور وهي تبتسم له، ثم قالت ببراءة:
أنت تقف كما لو رأيت شيطانًا، ستبقى واقفًا في مكانك هذا كثيرًا، ألن تدعوني إلى الدخول.

لن تقول تفضلي يا حور، لأن الجو بارد بالخارج، الرجل النبيل وهو عندما يرى سيدة جميلة مثلي، يقوم بمساعدته مباشرة.

قال غيث بغضب:
نعم، لقد رأيت شيطانة ليس شيطانًا، وأنا آسف لأنني لن أستطيع أن أكون رجلًا نبيلًا معك، أيها الفتاة الباردة، أيتها الشخصية الوقحة، وكيف أتيت إلى هنا في هذا الوقت من الليل؟ دماغك هذا بلا عقل تمامًا.

قالت بهدوء وبنبرة غير مبالية:
لا طبعًا ليس لدي عقل، ولست نادمة على أنني لا أملك عقل.

وعندما رأت نظراته المصدومة، أردفت قائلة:
أنا أمزح معك، يا أخي الحيوانات لديها عقل، أعنى بالتأكيد، في النهاية لدي عقل، أنت أيضًا لديك عقل، أعني في النهاية، تشبيهك واستخدامك لعبارة "ليس لدي عقل"، عمليًا وعلميًا خطأ والجملة ليست صحيحة إطلاقا وليس لها مكان حتى من الإعراب.

قال بغضب:
أنتِ لست فتاة طبيعية.

قالت بهدوء:
تعال هنا، قل لي ما مشكلتي عندما آتي إليك في هذا الوقت،

همس قائلًا:
بالفعل ناقصات عقل ودين.

ابتسمت بسخرية، ووضعت طرف أبهامها في فمها، ثم أضافت قائلة:
لقد سمعتك جيدًا، وأنا لست ناقصه دين، وعقلي ما زال رأسي، وتحدث معي بشكل جيد وبدون إهانة، يا أستاذ غيث.

وماذا عن قولك أنك رأيت شيطان أيضًا، انظر بغض النظر عما قولك، أنا لست غاضبة، ولن أغضب منك ابدا، فأنا أقدرك.

نظر إليها بغضب لأنها استفزته بكلماتها الباردة، ورد فعلها الهادئ، واللامبالاة بكل كلمة تقولها وكل حركة لها.

وفي صمت ودون أن ينطق بأية كلمة، أو عناء الرد عليها أو مواكبتها في حديثها أو أي كلمة تقولها، ترك مكانه ودخل بسرعة باحثًا عن قميصه بفارغ الصبر، و بحركة عصبية شد قميصه بقوة من على المقعد.

ارتدى غيث قميصه بعنف شديد، وكاد أن يتلف قميصه، وهو يرتديه وبمجرد أن انتهى، وقام بتغطية صدره العاري، التفت خلفه.

اتسعت عينيه بصدمه، عندما وجدها خلفه، بالكاد تفصل بينهما مسافة ربع متر، نظر إليها ورأى ابتسامة خفيفة مرسومة على فمها الصغير، ثم سأل نفسه في حيرة من سبب هذه الابتسامة اللذيذة.

قالت له:
هل أنت منزعج لأنني أتيت إليك.

ثم ردت على نفسها، ولم تنتظر رده عليها، كنت تسأل وتجيب على نفسها:
يبدو أنك منزعج لأنني أتيت إليك، تعبيرات وملامح وجهك تقول ذلك، ولكن إذا كنت تعتقد أن لدي دماء وسأشعر بالضيق من سلوك المهين هذا، فأنت تحلم.

قال لها بغضب:
فتاة باردة، اخرجي من منزلي.

قالت له بهدوء:
لن أخرج قبل أن أقول لك ما أريد من كلام، لذا أنت مجبر على تحملني لمدة خمس دقائق، سوء بالذوق أو بالعافية سوف تسمعني.

انتفخت عيناه، وهو يستمع إلى كلماتها الاستفزازية لأعصابه البريئة، فما ذنب أعصابه أن الدم أصبح يغلي بداخلها من الغضب.

صرخ في وجهها:
أيتها الفتاة الباردة، ابتعدي عن وجهي، واتركني في شأني، أليس لديك بعض الكرامة، فتاة عديمة الكرامة و قليلة الحياء.

اتسعت عيناها وهي تسمعه يشتمها في وجهها، ضغطت على أسنانها اللؤلؤية بغضب، لكن سرعان ما اختفى غضبها.

فقالت له بابتسامة:
بالمناسبة لن أرد على إهانتك، لأنني أفضل منك ولن أقول أي شيء إلا وهي يغفر الله لك يا سيد غيث، وأشكرك على إهانتك لي.

كان الجدار بالقرب منه، وضرب الحائط بكفه بشدة وهو يقول:
يارب ارزقني الصبر على ما ابتليت.

ثم امسك بيدها، وسحبها بقوة نحو الباب نحو الخارج، لكنها كانت تقاومه، ولم تسهل عليه الأمر حتى وصل معها إلى الباب.

صر على أسنانه، ثم قال بقسوة:
أذهبي للخارج يا حور، ولا أريد أن أراك هنا مرة أخرى، وطالما أن الذوق لا ينفع معك، سأستخدم عضلاتي وسأخرجك بنفسي، وهذه آخر مرة تأتين بها إلى هنا يا حور، هل كلامي مفهوم؟

نظرت إليه بعناد، ثم ردت بنبرة رفض:
لن أخرج إلا عندما أريد أنا، عند رغبتي أنا وليست رغبتك أنتَ، لذا تحدث معي جيدًا يا أستاذ غيث، أعتذر أنت لست أستاذًا أنتَ مهندس.

قال غيث بنبرة غاضبة:
مما أنتِ مصنوعة يافتاة، أليس لديك اي إحساس على الاطلاق، انظري إليَّ يا حور وانتبهي إلى كلامي جيدًا، لا يمكنك أن تكوني معي في هذا الوقت من الليل في نفس المكان، لأنه يعتبر سلوك خاطئ.

قالت حور:
ولماذا هو سلوك خاطئ؟ أنا لا أرى أي شيء خاطئ.

ضرب غيث كف على كف، ثم قال:
ابتعدي عن وجهي يا حور، يكفي استفزاز إلى هذا الحد، ولا تجعليني أفقد أعصابي، لأنني حتى هذه اللحظة أكتم غضبي بشدة، لذلك من الأفضل لك الخروج والعودة إلى حيث أتيت، دون جدال حول ذلك الكلام، ولماذا صحيح وليس صحيحا.

قالت حور بإلحاح، وهي تتأمل ملامح وجهه الغاضبة:
لن أخرج ما لم أتحدث معك أولاً، وبعد ذلك سأرحل بعيدًا، لذا أعطني فرصة واحدة، فقط للجلوس والتحدث معك لفترة قصيرة من الوقت.

قال لها غيث بغضب:
ابنة الناس الطيبين، لا يمكنك القدوم إلى منزل رجل عازب في هذا الوقت من الليل، استمعي إلى كلماتي، ولا تكوني عنيدة، ولا تتصرفي مثل الأطفال الصغار.

قالت حور بنبرة غير مبالية، وهي تهز كتفيها:
ولماذا لا أحضر هنا في مثل هذا الوقت؟ أرى الأمر طبيعيًا تمامًا، ولا داعي لكل هذا الصياح والغضب.

زفر غيث بغضب، ثم قال:
أرى أن الأمر ليس طبيعيًا، وأي شخص يراك في الغرفة معي هنا سيقول إنه ليس طبيعيًا، وسيذهب تفكيره إلى مسار آخر على الإطلاق.

سألت، وهي تنظر إليه بدهشة من انفعاله الشديد، ورد فعله المبالغ فيه:
ما زالت غير مقتنعة بكلامك هذا.

تنفس بعنف في محاولة فاشلة منه لقمع غضبه، ثم قال:
هل أنت غبية أم أنك تدعين الغباء يا حور؟ هل أنتِ حقًا لا تدركين لماذا لا يمكنك البقاء هنا؟

ردت حور بسخرية:
لا هذا ولا هذا، وأنت من تصيح على شيء لا يستحق بالمناسبة، لا أدري لماذا.

ضرب راحة يده على الأخرى وقال بتوتر:
اللهم أعطني بعض الصبر على هذه الحمقاء، هذا الوضع الذي بيننا الآن ليس صحيحًا.

في النهاية وبدون نقاش، لأنني لا أريد أن أدخل معك في نقاش عقيم، نقاش بلا نتيجة، لأن ما في داخل عقلك أنتِ دائمًا على صواب، أنت مقتنعة أنك لا تخطئين أبدًا.

قالت حور بهدوء:
أنا لا أرى شيئًا خاطئًا فيما فعلته، وأنت من ترى أنني مخطئة، دون أن تقنعني لماذا أنا مخطئة، أخبرني بسبب مقنع لأقتنع به.

كاد يضرب رأسه بالحائط، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، ثم التفت إليها، وقال بغضب:
لأن الدين يقول أن الرجل والمرأة لا يجتمعان في مكان، إلا ويكون الشيطان هو ثالثهما، وأيضًا التقاليد والعرف يمنع هذا الاختلاط.

ضحكت حو بلا مبالاة:
هل هذا حقًا شيء من هذا القبيل، ألا تضحك عليَّ؟ صحيح أنك تضحك عليَّ لأنك تريدني أن أذهب من هنا.

قال غيث بصوت مكتوم غاضب:
أنتِ تحتاجين إلى إعادة تأهيل في الدين من البداية.

نظرت إليه وقالت:
وأنت ترى أنني بحاجة إلى إعادة تأهيل، حسنًا، أوافق على إعادة تأهيلي وأنت المسؤول عني.

ثم أكملت بابتسامة:
أوافق على أن تكون مسؤولاً عني في إعادة التأهيل، ما رأيك في هذا الاقتراح، أعتقد أنه جميل ما رأيك في كلامي هذا؟ أنا متأكدة إنك ترى هذه الفكرة جيدة.

صرخ في وجهها غاضبًا لأنه سئم من هذا الغباء:
اقتراح غبي، لذا غادري بدون أي ضوضاء.

قالت حور بنبرة رافضة:
لماذا أذهب؟ وأنا أريد السهر معك قليلًا.

قال غيث بانفعال:
التعامل مع باحترام لن يجدي معك نفًا، ، لأنه في هذه اللحظة قررت استخدام العنف معك لإخراجك من منزلي.

حاول إخراجها، لكنها قاومت بيديها وقدميها وبكل ما تستطيع من قوة، قائلة بعزم وإصرار:
قلت لك لن أخرج إلا إذا تحدثنا إلى مع بعض أولًا.

وبعد عدة محاولات للهروب من يديه، وفي النهاية نجحت في التملص من يديه، فأمسك بيدها مرة أخرى، فقامت بغرس أسنانها في راحة يده، وغرزت الأسنان الأمامية العلوية السفلية وضغطت عليها بشدة، فصرخ من الألم.

ترك يدها، وقال بنبرة ذهول وصدمة:
يا مجنونة، أنتِ حقًا مجنونة، وأيضًا فتاة متوحشة.

نظرت إليه بصمت، فقد انتهت قدراتها التمثيلية بالبرودة واللامبالاة، ثم من دون مقدمات، وفجأة أطلقت عنان دموعها.

وأطلقت كل الضغط الذي بداخلها، على شكل صرخة حادة، فترك يدها ونظر إليها بدهشة.

صرخت في وجهه وهي تبكي طويلًا، ثم قالت ببكاء:
أنت شخص كريه.

قال غيث بضيق:
كفى بكاء، الصوت يسري في الليل يا فتاة، ماذا لو أحد سمع صراخك يخرج من منزلي.

هزت رأسها وبين البكاء قالت بصوت متشنج:
أنت خطيبي، أنا مع خطيبي، في المسلسلات التركي هذا شيء طبيعي.

زفر غيث بحدة، ثم قال:
مثل هذا الانخراط مثل هذا وذاك ليس في مجتمعنا، وليس في المناطق الشعبية.

كانت تبكي بشدة وهي تقول:
أنا فقط أريد التحدث معك، أنا أشعر بالأرق ولا أستطيع النوم.

أغمض عينيه لبضع ثوان، ووضع كلتا يديه فوق رأسه، ثم قال:
عقلي سوف ينفجر، فجأة تذكرت أنك تريدين التحدث معي، هذا الحديث ألم يمكنك تأجيله، ولا حتى لساعات قليلة حتى تشرق الشمس.

هزت رأسها، ثم قالت بحسرة:
أنا في الحقيقة لا أعرف، لكنني وجدت نفسي فجأة قادمة إليك في هذا الوقت، ماذا فعلت لكل هذا الغضب والشجار؟

قال غيث بنبرة ساخرة:
لم تفعلي شيئًا أبدًا، هيا نعود من البداية ونرى ما فعلته، أول شيء إنك غادرت المنزل بعد منتصف الليل، الشيء الثاني الذي نسيته حمدان وما فعلته به، ورد فعله إذا رآك وحدك.

أو أي رد فعل لأي رجل آخر عندما يراك في منزلي، ثالثًا أتيت إلى شاب أعزب يعيش بمفرده، وأتيت إليه أيضًا بملابس المنزل، وشعرك شبه عار تقريبًا.

قاطعته حور قائلة بحدة:
الناس يعرفون أنك خطيبي وأننا سنتزوج، لذا لا أرى أي مشكلة.
صُدمت حور لأنها نطقت آخر جملة لها بالإنجليزية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي