الفصل الخامس خطوبة زائفة

قالت زينات:
تكلم يا حسن وقل لي ما حدث بسرعة.

أجابها بصوت متوتر:
هناك كارثة ، هناك كارثة ستحدث الآن إذا لم تلحقي بها بسرعة.

شعرت زينات أن دقات قلبها تكاد تقفز بعنف داخل صدرها، حيث شعرت أن هناك كارثة قادمة في الطريق ، وقالت بنبرة قلقة مما قد تسمعه:
سقط قلبي في رجلي يا حسن، ما هذه الكارثة التي تتحدث عنها؟


أضاف بنبرة متوترة:
كنت ذاهبًا إلى المتجر لأحضر شيئًا ، وقبل أن أدخل ، وبينما كنت أقف بالخارج ، سمعت المعلم حمدان يتفق مع امرأتين متخصصتين في الشجار، وأنهما سوف ينتظران حور ، ثم كل واحد منهما سوف تقوم لضربها.

سألت بنبرة يشوبها الخوف:
ماذا تقول يا حسن؟ يا لها من مصيبة.

قال بنبرة مترددة، ناظرًا إلى كليهما:
ثم نزع ملابسها في وسط الشارع، للانتقاص من كرامتها، حتى لا تتمكن من رفع رأسها وسط الناس من جديد.

شهقت زينات، ثم ضربت صدرها وقالت بنبرة مصدومة:
يا إلهي ماذا سنفعل الآن يا بني؟ أن حمدان شخص شرير، وقد وضع الفتاة في عقله، ومن الصعب إخراجها من دماغه بعد ما حدث له في وسط الحارة، والفتاة وحيدة وليس لديها أقارب للدفاع عنها.

قال غيث بنبرة هادئة:
اذهب إلى والدتك يا حسن، وانسى ما حدث، كأنك لم تسمع شيئًا أو تقل لنا شيئًا ، واذهب إلى المنزل بسرعة.


نظر إليها، ثم سألها بنبرة مترددة: سأذهب ، ماذا ستفعلين مع حور؟ وكيف سوف تحميها من المعلم حمدان.

قال غيث بحدة:
اذهب يا حسن، واستمع إلى كلام السيدة زينات دون قول الكثير.

وعندما غادر حسن، قالت السيدة زينات بنبرة متوترة:
ماذا سنفعل الآن؟ وكيف سوف نتمكن من حمايتها من شر حمدان؟

قال غيث بغضب مكتوم:
سأذهب لكي أجعله يرى مكانه الطبيعي.

قالت له زينات:
هل سوف تتشاجر معه؟ وبعد أن تتشاجر، هل ذلك سيوقفه عندما يعلم أنها ليس لديها أهل، وفاقدة الذاكرة.

ظلت حور صامتة منذ دخولها حسن، تراقب وتسمع ما يجري في صمت، حتى فقدت قدرتها على الصمت.

قاطعت حور اندماجهما في الحديث:
أنا ذاهبة، سأذهب ولن أعود، سوف أذهب للبحث عن أهلي، لا أريد أن أسبب لكم أي مشاكل، ويكفي المشاكل التي فعلتها حتى هذه اللحظة.

نظرت إليها زينات، ثم صاحت فيها:
لن ترحلي، وسوف تظلين معي، وأصمتي عن الحديث الآن، ودعينا نرى حلًا لسوء الحظ الذي وضعت نفسك فيه، أنتِ تشاجرت مع حمدان آشر الناس، كنت دعيه يضرب الولد، حسن ابن زوجته ومثل ابنه، وليس من حقك التدخل بينهم.

فقالت حور بغضب:
البلد فيها قانون، وليس من حقه ضرب هذا الولد المسكين.

صرخ في وجهها: أنت لا تعرفين كيف تضعين لسانك داخل فمك، وتصمتي لبعض الوقت، وحاولي أن تقدري الموقف الذي وضعت نفسك فيه، وبدون عاطفة لأنه لن يفيدك.

قطعت زينات الحديث:
لقد وجدت الحل.

سألها غيث بفضول: ما وهو بالضبط؟

ترددت عدة لحظات في الإجابة على سؤاله، لكنها حسمت ترددها وقالت بنبرة حاسمة:
تزوجها.

صمت تام، لدرجة أن صوت أنفاسهم يكاد يُسمع في الأحياء، لكن حاجز الصمت هذا لم يدم طويلا.

قالت حور بصوت عالي:
أنا أتزوج هذا الشخص.

ثم نظرت إليه باشمئزاز من باطن قدميه إلى أعلى شعره.

عندما رأى نظرتها تلك الموجهة إليه، قال بنبرة غاضبة:
وقدرتي على قول ذلك، يا أم أحمد، أتزوج امرأة مجنونة لا نعرف عائلتها، أتزوج امرأة تعاني من فقدان الذاكرة.

نظر إليه حور بغضب وقالت:
سأُظهر لك الجنون ، وسأجعل الرؤوس متساوية في فقدان الذاكرة.


ثم حملت ثقالة الورق من أمامها، ووجهته مثل قذيفة صاروخية ، فأصابته في رأسه.

صرخ من الألم قائلًا:
أوه ، أنت مجنونة حقًا يا فتاة.

تجمدت عندما رأت رأسه ينزف، وخط دم يقسم منتصف جبهته، نهضت زينات في مكانها، وهي تنظر إلى ما حدث بصدمة.

اقتربت من غيث وهي تنظر إلى جرحه بخوف ، ثم شعرت بالارتياح بمجرد أن رأت الجرح.

قالت السيدة زينات:
الحمد لله ، الأمر بسيط ، الجرح سطحي ، قف ساكناً لثانية يا بني ، سأحضر القطن والميكروكروم.

ثم دلفت إلى الداخل بسرعة، وقبل أن تتحرك ، ألقت نظرة توبيخ على حور.

أحضرت زينات قطنًا وشاشًا ومطهرًا ، ونظفت جرحه حتى توقف الجرح عن النزيف ، ثم لفت راسه بشاش وربطته بعقدة في مؤخرة رأسه.

قالت زينات:
آسفة يا بني ، لم تقصد ما فعلته ، سامحها على ما فعلته.

قال لها غيث بهدوء:
أنا متأكد من أن عملي الأسود، هو سبب المصائب التي تحدث لي الآن.

قالت زينات بنبرة تحذير:
اعتذري له يا حور.

ابتسمت له حور برقة، وأخفت توترها الحقيقي ، ثم قالت:
سامحني يا أستاذ لأني أساءت إليك قليلاً.

أطلق غيث ضحكة ساخرة، وخرجت كلماته ببطء:
قليلًا ، قليلًا ، وماذا لو كانت الضربة أكثر من قليل ، كنت سأكون في المستشفى بين الحياة والموت ، لقد كان يومًا أبيض عندما أخرجتك من البحر و أنقذتك.

نظرت إليه بنظرات نارية قبل أن تقول:
هل رأيت يا سيدة زينات، في كل مرة يهينني لإنقاذه لي ، كنت أتمنى لو تركني أغرق في البحر.

قالت زينات بهدوء:
توقفا يا رفاق ، ما حدث هو مقدر ومكتوب لكل شخص فينا، حور اعتذرت و أدركت خطأها، وأنت غيث أحسنت بإنقاذها. نحن الآن عائلتها وسنكون ظهرها.

وهذا سيجعل حمدان يفكر بدل من المرة ألف مرة ، إذا فكر في إيذائها فسيخافك، ويخشاك أن تكون عدوه ؛ لأنك تعلم كل مصائبه ، ويمكنك أن ترسله وراء الشمس ، ماذا قلت يا بني؟ أنت سيد الرجال.

حاولت حور الاعتراض لكن زينات قاطعتها قائلة:
اخرسي يا حور، ولا تفتحين فمك بكلمة أخرى، طالما أنك لا تعرفين ما هو الأفضل لك.

تمتمت حور بنبرة ضيق:
هل هذا كل شيء؟، أنا لا أريد أن أصمت.

قالت زينات بحدة:
هل يمكنك عدم الاعتراض، وقول كلمة نعم ببساطة، هل ستكونين سعيدًة، إذا تكثروا عليك عدد من النساء وقمن بضربك أو خطفك، تخيلي أسوأ سيناريو إذا نجح في اختطافك.

ثم نظرت زينات إلى غيث بترجي:
ماذا قلت يا بني؟

قال غيث بضيق:
لماذا تفعلين لها هذا؟ لماذا كل هذا من أجلها؟ وهي لا تستحق.

ردت بنبرة مشبوبة بالعاطفة:
لماذا؟ بسبب حبها، فجأة حبها وضع قلبي دون أي مقدمات، وإذا تأذيت فلن أسامح نفسي.

نظر طويلاً إلى حور، هي أصبحت مختلفة تمامًا، الاختلاف بين السماء والأرض عندما وجدها في البحر بملابسها، والآن بدت في أوج الحشمة والبراءة، أكثر إثارة وغموضًا، تثير دائمًا رغبته.

أصرت زينات وهي تقول:
ما هو ردك غيث؟

زفر بقوة ولم تنحرف عيناه عن الحور، استمرت النظرات الجريئة بينهما لثواني، بدت وكأنها أبدية، كانت حور هي من استجمعت شجاعتها، قبل أن تصدمهم قائلة:
أنا أطلب يدك غيث.

قالت زينات هي أيضًا:
هل توافق يا غيث على هذه الخطوبة.

أبتسم ساخرًا وهو يقول:
هل توافقين يا أم أحمد على هذه الخطوبة؟ رغم أن خوفك عليها، لا يتناسب مع ما رأيته منها، ومن لسانها الطويل.

رددت زينات قائلة:
هل توافق؟

قال لها بهدوء:
نعم، أوافق.

أطلقت أم أحمد زغرودة عالية:
يا لسعادتي.

بنبرة صادمة قال: ماذا تفعلين يا سيدة زينات؟

فأجابت بابتسامة عريضة:
من الضروري أن يكون التمثيل جيدًا، يجب على الجميع أن يعرف أنها ظلت مخطوبة لك، ثم نادت على الفتى الذي يعمل لديها.

قال الصبي:
نعم سيدة زينات.

قالت له بابتسامة عريضة:
أريدك أن تقوم بتوزيع الشربات على كل الموجودين في السوق، وتقول أنه تمت خطوبة حور، قريبة المعلمة زينات من غيث الصياد. وأول شخص تقدم له الشربات هو المعلم حمدان، هيا أسرع يا فتى.

رد هاني:
على الفور يا معلمة.

حور ضيق: بهذه السرعة.

قال غيث ساخرًا: نعم بهذه السرعة، أنا أيضًا لا أصدق، بالطبع تشعرين بالسعادة؛ لإنك تمكنت من إيقاعي.

نظرت إليه بسخط، وقالت من بين أسنانها بنبرة ساخرة:
على العكس من ذلك، أنا أشعر بالغضب، أنا التي علقت في النهاية مع شخص يعمل بالصيد، وهو صياد فقير بلا مأوى.

لم تكد تنهِ كلامها، فهو قد أمسكها من معصمها بقوة، ثم ضغط بأصابعه بعنف، فخرجت منها صرخة مفاجئة.

صر على أسنانه بغضب، ثم قال:
حذار لسانك ينطق بأي كلمة أهانه عن الصيد والصيادين مرة أخرى، إذا بقيت صامتًا لمرة، فهذا ليس ضعفًا مني، بل شفقة مني على شخص ما في ظروفك، فلا تحاولين إطالة لسانك عليَّ مرة أخرى؛ حتى لا ترى الجانب القبيح مني.

حبست زينات أنفاسها وهي تشاهد المشهد، وغضب غيث، قالت وهي تحاول هذا الجو العاصف:
سوف آخذ حور وأعود إلى المنزل، اتفقت معها على أنها ستبقى معي حتى ظهور عائلتها.

قال غيث بنبرة باردة:
أفضل شيء فعلته هو تركها تجلس معك حتى استريح من قرفها.

همست حور بغضب:
هل رأيت يا سيدة زينات كيف يتحدث؟

قالت زينات:
لنذهب يا حور، وكفى شجار.

صاح غيث:
انتظر، سأوصلك إلى المنزل بنفسي.


وفي مكان آخر.

بدأت حياة تمضغ طعامها بهدوء، فيما تحولت ملامح وجهها إلى غضب، ثم وجهت إلي شقيقتها نظرات تحذيرية:
لا تتحدث معي عن هذا الأمر مرة أخرى يا سندس.

قالت سندس بهدوء:
إنه يحبك، وإذا طلبت منه أن يلقي نفسه في البحر فسوف يفعلها، وإذا قبلت الزواج منه، سوف يدلك كالأميرات.

قالت بغضب:
وأنا لا أحب هذا المتنمر.

قالت سندس:
لكن يا حياة، أسمر بعشقك.

قاطعتها حياة بحدة:
يكفي حديث في هذا الموضوع، ما رأيك في السمك؟

أجابت سندس وهي تبتلع الطعام:
سأكف عن الحديث، السمك ليس طعامي المفضل، لذلك لا داعي لسؤال.

قالت حياة مغيرة مجرى الحوار:
هل علمت أخر الاخبار، وماذا حدث في الحي مع المعلم حمدان، والسيدة زينات وقريبتها حور.

قالت سندس وهي تهز رأسها نافية:
بالطبع لا أعرف، أنتِ تعرفين جيدًا أنني أخرج قليلاً، وإذا خرجت لا أتحدث مع أحد.

قالت بنبرة هادئة:
حسنًا، سأخبرك بآخر الأخبار، تمت خطبة غيث لقريبة السيدة زينات.

اتسعت عيناها بدهشة، ثم قالت:
حور، هذه الفتاة التي ظهرت من العدم، وقالت عليها السيدة زينات، إنها قريبة زوجها المتوفي.


هزت حياة رأسها بالإيجاب، وقالت:
نعم، هي نفسها.

قالت بنبرة يشوبها الحسد قليلاً:
هذه الفتاة سعيدة الحظ، لقد وقعت واقفة.

ضحكت حياة:
لقد أوقعت زين شباب الحي في شباكها.

بينما كانت تتحدث، سمعت أصواتًا عالية قادمة من الشارع. نهضت حياة وتوجهت نحو نافذة شقتهم في الطابق الأرضي.


نادت سندس:
ألن تنتهي من طعامك اولًا.

لوحت لها حياة بذراعيها وقالت:
لقد شبعت.

ثم اتكأت على ركبتيها على الأريكة، الموضوعة تحت النافذة، رفعت رأسها بفضول، لترى نصف شاحنة متوقفة أمام المنزل المقابل، تحمل مقاعد، وخزانة وسرير ووسائد، وبطانيات، وعدة صناديق مغلقة.

عندما أشبع بعض فضولها، أدارت رأسها إلى الداخل وقالت: الشقة التي في البيت المقابل، أتى إليها ساكن جديد.

قالت سندس بدهشة:
هل هي الشقة في الدور الأول؟

ردت حياة بخفوت:
نعم هي.

قالت سندس:
لكن الناس يقولوا أنها مسكونة، ومن مجنون هذا سيعيش فيها؟

ردت عليها حياة:
أنت تصدق هذا أيضًا، ولابد أنها إشاعة روجت من قبل الساكن القديم، لوقف سوقها، عندما قام صاحب المنزل برفع الإيجار عليه.

ضمت شفتيها، ثم قالت:
لا دخان بلا نار.

ثم أخذت مكانًا بجوار حياة تنظر إلى الخارج و تغمغم بفضول:
أتساءل من سيعيش فيه؟

فجأة ظهر بجسده الضخم، مثل جسد المصارعين وبشرته البنية، عيونهم متشابكة للحظة، رفع عينيه فرآها، فتنشرت في جسده الحرارة، هذه الحرارة التي تمتلكه في كل مرة يراها.

دخلت حياة بسرعة عندما تلاقت الأعين، رحيلها غرس الأشواك في جسده، قاوم رغبة ملحة في القفز من النافذة، التي لا ترتفع إلا مترًا ونصف من الرصيف، راغبًا في إمساكها وهزها بعنف، حتى تتوقف عن الهرب منه، أراد عناقها وسحبها داخل صدره.

همس من خلف الشباك:
مشتاق أنا مشتاق.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي