الفصل السادس أحلام

وفي داخل هذه الشقة المتواضعة، قالت سندس بنبرة مهدئة: لا تكوني عصبية هكذا، الموضوع لا يستحق يا أختي.

قالت حياة بغضب:
تجرأ وفعلها كما قال يا سندس، وسوف يعيش أمامي، الباب أمام الباب، متجره في بداية الزقاق لم يكن كافيًا له حتى يراني.

ثم بدأت تضرب يديها بعنف على الكرسي الذي أمامها، وهي تقول:
في كل مرة أذهب فيها إلى أي مكان ألقاه أمامي، فهو يتربص بي دائمًا، أشعر بالاختناق يا سندس.

لم تنتظر سندس سماع بقية كلمات حياة، فبمجرد أن رأت بداية احمرارها ركضت إلى غرفة النوم، وأخرجت جهاز الربو الخاص بها من حقيبتها.

وفي عدة خطوات كانت خارج الغرفة، اقتربت سندس من حياة، ووضعت الجهاز فوق فمها بسرعة.

وبمجرد أن عاد تنفس حياة إلى معدله الطبيعي، سألتها سندس: أفضل الآن.

هزت رأسها، ثم قالت بصوت خافت:
نعم، أفضل كثيرًا.

التفتت عين سندس وحياة تجاه الشباك، عندما سمعوا مشاجرات صاخبة قادمة من الشارع، ميزت حياة بوضوح صوت أسمر وهو يصيح قائلًا:
"اتفقنا على هذا المبلغ ولن أضيف له جنيهًا واحدًا".

قالت حياة بنبرة حادة:
بلطجي وسيبقى بلطجي طوال حياته.

وفي الخارج، تدخل السيد منتصر مخاطباً السائق حديثه:
هل هذا كان اتفاقك بينك وبين أسمر؟

قاطعه أسمر وهو يتنفس بصعوبة:
لا تتحدث إلى هذه الأشكال يا حاج، هذا ليس من مقامك.

ثم بصق على السائق، وهو يشتمه، ثم قال:
هذا النوع أعرفه جيدًا يا سيد منتصر، لقد رأى في البداية حزمة النقود التي كانت معي، وقال في نفسه إنه سوف يحتال لكي يأخذ أجره أضافية.

قال السيد منتصر بنبرة أجبرت من سمعه على الانصياع، فوقف همهمات الجميع:
سوف تأخذ حقك فقط، وما تم الإتفاق عليه دون زيادة أو نقصان.

نظر السائق إلى وجوه أهل المنطقة، وإلى السيد بتردد، رأى أسمر وطريقة وقوفه، تدل على إنه جاهزًا للقتال، يداه كانت تضغطان بشدة على جيوب سرواله، ملاحظًا نتوءًا مميزًا لن يخطئه أبدًا، أنه سلاح ناري.

أعطاه أسمر المبلغ بملامح مشمئزة:
خذ مالك أيها الطماع.

انتهى القتال وغادر الجميع باستثناء أسمر والحج، سأله الحاج:
لماذا لم تعيش في شقتك يا أسمر، وأتيت لكي تعيش هنا؟

أجاب بابتسامة باهتة:
لكي أكون قريبًا من أحبائي، وأكمل نصف ديني، بالطبع أنت تعرف يا سيد منتصر، لماذا أتيت هنا؟

قال منتصر بنبرة عميقة:
نعم، ولكن أحب أن أسمع ردك، وماذا سوف تقول؟

رد عليه أسمر بابتسامة:
في وقت لاحق سيد منتصر، أنا فعلًا أريد التحدث معك في أشياء كثيرة.

قال منتصر:
افعل ما يريحك يا بني، فأنا متأكد من أننا سنتحدث أكثر لاحقًا، أنا ذاهب الآن لقضاء صلاة المغرب، تعال معي.

رد عليه أسمر:
سأقفل الشقة أولًا، وسأحضر إلى المسجد.

قال السيد منتصر وهو ينظر له:
وفقك الله، وأصلح حالك يا بني.

غمرة الشعور بالذنب، هتف وهو يتجه نحو مدخل المنزل: أدعوا لي دائمًا من أجل هدايتي.

فأجابه قائلاً: دائمًا أدعوا لك يا بني.

وفي الداخل عند سندس وحياة.

تحدثت سندس وهي تبتعد عن النافذة:
انتهى الشجار، وغادر الجميع دون إصابات، كان السيد منتصر هناك، ولم يعرف السائق أن يضحك على أسمر، السائق أراد زيادة أجره.

ضيقت حياة عينيها، ثم قالت:
لا أريد أن أسمع أسمه مرة أخرى، فأي شيء يخصه لا يهمني أبدًا، سأرتدي ملابسي وأخرج، لكي أقضي جميع نواقص المكتبة، قبل حلول الظلام.

حاولت حياة النهوض، لكن قدميها سقطتا على المقعد مرة أخرى.

سألت سندس بقلق:
ما بك يا حياة؟

تنفست بعمق وقالت:
الأعصاب في ساقيّ لا تحملّني، فقط لفترة وجيزة وأستريح وسوف أستطيع النهوض.

جلست سندس بجانبها وقالت بهدوء اصطناعي، فهي تخشى الخروج ليلاً:
ابقَ، وسأذهب وأحضر البضاعة، لكن قل لي العنوان بالتفصيل.

نظرت إليها حياة بدهشة:
ماذا تقولين؟ تريدين الخروج لكي تحضري البضائع بنفسك.

هزت سندس رأسها، ثم قالت:
"نعم".

قالت حياة:
أنا من يعرفك أكثر، أنت تخافين من الخروج في الليل.

نظرت إليها مطولًا والإصرار في عينيها، ثم قالت:
البضاعة يجب أن نشتريها اليوم، فقد نفذت من المكتبة، وأنت متعبة ولا تستطيعي الخروج؛ حتى لا تقابلي أسمر في الخارج، ومشكوكًا فيه، والنهار مازال منيرًا، ولم يحل الظلام بعد، وإذا غادرت الآن فسوف أعود قبل حلول الليل.

ألقت حياة نظرة عليها، فلمحة التوتر على وجهها الذي كانت تحاول إخفاءه، مما جعلها تتراجع قائلة:
اليوم ليس علينا شراء البضائع اليوم، وغدا سأذهب.

نظر إليها سندس وهي تتنهد: أنا من سيذهب.

كانت حياة على وشك الاحتجاج مرة أخرى، لكن سندس قاطعتها:
سأغير ملابسي، وأنا في الخارج اعتني بزياد.

بدت ملامحها قلقة وقالت: زياد في عيني.

استقامت سندس وقالت بهدوء: سأغير ملابسي.

ونتيجة إصرار سندس وافقت حياة، وبصمت وراقبتها وهي تدخل الغرفة، وفي غضون دقائق خرجت مرتدية عباءتها البنية الفضفاضة مع حجابها البنية، نحيفة ترتدي ما تشاء.

خرجت سندس من الشقة، وهي لا تصدق نفسها، أنها أصبحت أخيرًا في الخارج وحدها في هذا الوقت، ضغطت الورقة في يديها بإحكام، وفتحت الورقة، ونظرت إليها، ثم أغلقتها بسرعة، وشعرت أنها على وشك القيام بشيء في طاقتها.


وصلت سندس إلى العنوان الموجود على الورقة، فشعرت بالرعب من الشارع المزدحم حيث يتحرك المشاة في كل اتجاه، وانكمش جسدها محاولًا أخذ أصغر مساحة بين المشاة، متجنبة بصعوبة الاصطدام مع أي شخص يتحرك.

أصبحت كل حواسها حساسة، لدرجة سماعها أصوات رنين الأحذية على الرصيف من خلفها، نظرت حولها بعناية وأخبرت نفسها في رعب، لماذا الشارع معظمه من الرجال؟ أين النساء والأطفال؟ وما قصة هذه الأعلام وأبواق السيارات؟ أصوات من لم تتوقف؟

وفجأة شعرت بيد تلامس جسدها من الخلف، حبست أنفاسها وقالت لنفسها إنه لم يحدث شيء، مجرد أوهام، ساندوس، وبدأت في تكرار ما تقول أوهام.

سرعت سندس مشيتها، متخيلة أن أصوات القدمين خلفها كانت تتسارع، إذا كانت تسرع وتتباطأ إذا تباطأت، تكررت اللمسات من الخلف مرة أخرى، كررت في نفسها أوهامها.

استدارت وراءها لتتأكد من أنها كانت تتخيل، تحاول إقناع نفسها، ولكن ما يحدث لها كان حقيقة، رأت عيون الرجال أشبه بعيون الحيوانات، والعينين مثل عيون الحيوانات، قاسية مثل المعدن، ارتجفت مما رأته.

وسرعان ما أدارت رأسها للأمام واستمرت في طريقها في محاولة لإقناع نفسها مرة أخرى بأنها كانت تتخيل، وشهقت بصوت مكتوم حيث أصبحت اللمسة أكثر وضوحًا، وسارعت ودخلت إلى أقرب شارع جانبي، وحاولت الهرب، لكنها لم تكن تعلم أنها وضعت نفسها في حفرة عميقة.


سمعت أقدامهم وراءها تطاردها، وفجأة وجدت جسدها مثبتًا في مكانه، غير قادرة على الحركة.

ظهرت ابتسامة على وجه الشاب الممسك بها، وهو يقول لأصدقائه:
سنحظى بأفضل احتفال مع قمر.

نظرت حولها، وفوجئت برؤية ثلاثة شبان يلتقون حولها.

بصوت يرتجف من الخوف:
أنقذوني.

ضحك أحد الشبان بصوت عالٍ وقال:
لا تمثلين العفة والشرف، كنت ألمسك بينما كنت صامتة، أذًا ما كان يحدث لك يعجبك بشدة.

تصنعت سندس القوة، وهي تقول:
سأصرخ، حتى يأتي الناس إلى هنا، وأقول إنهم يتحرشون بي.

وبينما كانت تتحدث، صرخت مرة واحدة، عندما مد أحد الشبان مد يده وهو يحاول انتزاع حجابها، واقتربت يد أخرى من مقدمة رداءها.

قال أحد الشباب بابتسامة ساخرة:
اصرخي كما تشائين، فلن يعبرك أحد.

سقطت دموع في اليأس، وزادت صراخها من وحشيتهم، وازداد حصار الشبان لها من كل الجهات، ليس لإنقاذها، بل لأخذ نصيبهم منها، وكأنهم ذئاب تصطاد فرائسها بعد مجاعة طويلة، تمزق لحمها من جميع الجهات بلا رحمة.

شعرت بكل شيء، ارتجف جسدها عند كل لمسة صرخت بهستيريًا:
النجدة يا قوم.

وبدأ الحفل عليها، حفلة من التعذيب والوحشية، الذي كان أبطاله ذئاب في صورة بشرية، يقضمون جسدها ويحاولون سرقة عفتها ويسخرون من توسلاتها ودموعها.

صرخت بشكل هستيري، وحركت يديها بعنف في الهواء؛ عندما وجدت نفسها ترتفع عن الأرض، وتحمل على كتف أحدهم، وفجأة إنطلقت عدة رصاصات في الهواء.

تفرقت الدائرة خوفًا من صوت الرصاص، فتح المنقذ باب سيارته، ثم دفع سندس للداخل، ثم دخل بسرعة ليأخذ مقعد السائق، وفي نفس الوقت كان يطلق النار، واصلت الصراخ بشكل هيستيري بعيون واسعة، والدموع تتساقط منها.


صرخ بصوت عال:
اهدىء يا سندس، أنا أسمر.

مسحت دموعها حيث كانت الرؤية ضبابية أمامها، نظرت إليه لفترة من الوقت، تنهدت بشدة، حاولت الكلام، لكن صوتها لم يخرج من شدة صدمتها.

أغمضت عينيها منهكة من شدة الصراخ، كان وجهها محتقنًا، وملابسها ممزقة، شعرها أشعث، وأذناها حمراء، بعد مرور بعض الوقت على الطريق، وجدت صوت يخترق وعيها قائلاً:
خذي نفساً عميق، تنفسي عدة مرات وبهدوء.

فتحت عينيها ونظرت جوارها، وصرخت بضعف: أسمر.

قال لها بهدوء:
أنتِ محظوظة لأنني كنت هناك.

ثم أعطاها سترته وقال:
ارتدي هذا الجاكيت وامسحي دموعك، لا أستطيع أن آخذك إلى الحارة بهذا المنظر.

أخذت منها السترة ثم تمتمت بلا وعي:
الناس فعلًا لا يرحمون.

قام أسمر بتوصيلها أمام مدخل المنزل، وأوقف السيارة بحيث يكون خروج سندس، من الباب إلى مدخل المنزل مباشرًا، يفصل بينها نصف متر فقط لإبعادها عن أعين الفضوليين.

طرقت الباب بضعف، وحالما فتحته حياة ألقت بنفسها على صدرها، إحاطتها حياة وهي تشعر بالذعر:
ماذا حدث؟

سؤالها عما حدث جعلها تنهار بالبكاء مرة أخرى.

فقالت لها حياة:
مالك قل لي ما بك، قلبي يوجعني لرؤيتك هكذا.

وعندما ظلت سندس صامتة، قالت حياة لها:
أرجوك كفى بكاء، إذا كان ليس من أجلي، فليكن من أجل زياد، حتى لا يستيقظ على صوت بكائك.

تمتمت سندس بين شفتيها:
"أنا خائفة".

جلست حياة بجانبها، عانقتها وقالت بنبرة رقيقة: لا تخافي ما دمنا معك، ما الأمر يا ساندس؟

قالت سندس بنبرة متعبة:
لماذا انا بالذات؟ لماذا عندما أخاف من أن يظهر لي عفريت، يظهر لي، لماذا لم أكن رجلاً؟ قولي لي، لماذا يحدث لي كل هذا؟

قالت لها حياة برقة:
تحدثي إليَّ لعلي أفهم ما بك.

تمتمت سندس بنبرة متألمة:
ما حدث لي سندس، كان شيئًا فظيعًا كنت فريسة لهم، لقد لمسوني بعنف رغمًا عني..

شلت الصدمة حياة عن الرد، وكل ما فعلته هو الضغط بذراعيها حول سندس، فهي قد اكتفت بهذا الرد منها، لم تكن تريد الضغط عليها، كانت تنتظر حتى تهدأ لتكتشف ما حدث وكيف.

أغمضت سندس عينيها، وتلفظت حياة لها بكلام رقيق حتى تنام، فمددت جسد سندس على الأريكة، وذهبت إلى غرفة النوم، أحضرت بطانية وغطتها، ثم خرجت.

حالما رآها تدخل المحل، ترك ما في يده على سطح المكتب ونهض، قائلا بابتسامة:
يا إلهي نور حياتي بحد ذاتها في المحل، طلباتك يا روح عمري.

رفعت رأسها لتنظر إليه، على الرغم من طولها، عليها دائمًا أن ترفع رأسها عندما تتحدث إليه، لأنه أطول منها بكثير، نظرت إليه بضيق وهي تقول:
اسمي حياة وليس روح عمري.

فلما رأى سترته في يديها قال:
آه، لقد جئت من أجل إرجاع السترة.

قترب منها وأخذها دون أي مقدمات، غمز لها بحاجبيه، ثم قال:
شكرًا لك على السترة، لكن أخبرني كيف عرفت أنها كانت لي؟

صاحت باستياء:
"السترة، عرفتها من رائحتك، فأنت لديك رائحة تجعلني أرغب في التقيؤ.

وضع يده على قلبه متظاهراً بالحزن:
هكذا تحطم قلبي، كنت أتمنى أن أسمع منك كلام أخر، لكني سأبقى ورائك حتى تعترفين وتقولي لي أحبك.

كانت تضغط على أسنانها بقوة، ولا تريد أن تقول كلمة واحدة تجعلها تندم عليها لاحقًا.

تنفست بهدوء وقالت:
في أحلامك، وسوف تظل فقط أحلام لديك.

نظر إليها بثبات، ثم انتشرت ابتسامة هادئة على شفتيه: سنرى.

سألته حياة مترددة: هل يمكن أن تخبرني كيف وصلت السترة إلى سندس، وهل تعرف ما حدث لها؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي